تقدم خمسة من أعضاء الاتحاد النوبي العام مؤخراً بطلب لمدير المخابرات الحربية (حرس الحدود) من أجل زيارة قرى قسطل وادندان في جنوبي مصر، شرق بحيرة ناصر، لكن طلبهم قوبل بالرفض، فقد صارت زيارة المناطق خلف السد العالي (1970) ممنوعة بذريعة تأمين الجيش المصري للحدود مع السودان.

وكان الدستور قد أقر في العام 2014 حق العودة لأهل النوبة إلى القرى حول بحيرة ناصر خلف السد العالي وحددت المادة 236 أن تكون هذه العودة خلال السنوات العشر القادمة.

تقدم خمسة من أعضاء الاتحاد النوبي العام مؤخراً بطلب لمدير المخابرات الحربية (حرس الحدود) من أجل زيارة قرى قسطل وادندان في جنوبي مصر، شرق بحيرة ناصر، لكن طلبهم قوبل بالرفض، فقد صارت زيارة المناطق خلف السد العالي (1970) ممنوعة بذريعة تأمين الجيش المصري للحدود مع السودان.

وكان الدستور قد أقر في العام 2014 حق العودة لأهل النوبة إلى القرى حول بحيرة ناصر خلف السد العالي وحددت المادة 236 أن تكون هذه العودة خلال السنوات العشر القادمة.

لكن قبل أن يمر أول عام صدر قرار آخر عن البرلمان حمل الرقم 444، في نوفمبر/ تشرين ثاني 2014، فصارت العديد من المناطق النوبية التاريخية خاضعة لتأمين القوات المسلحة للحدود المصرية، ليستمر تأجيل حق العودة.

صدور هذا القرار أثار موجة غضب لدى النوبيين لتعارضه مع حقهم الدستوري بعودتهم للسكن حول بحيرة ناصر بالقرب من بلادهم الغارقة قبل 52 عاما. وقد اعتبروه مكسباً هاماً في ذلك الوقت، ففضلاً عن حق العودة، نص الدستور على احترام الخصوصيات الثقافية وعدم التمييز حسب اللون أو العرق.

ولقصة تهجير النوبيين، أهل الجنوب المصري سلسلة طويلة من الأحداث تمتد على 114 عاماً، بدأت منذ العام 1902 مع أول تهجير قسري لهم من أجل تأسيس خزان أسوان، ومن ثم تعليات هذا الخزان في 1912، ثم 1932. بينما كانت آخر هجرة لهم في العام 1964 إلى هضبة كوم امبو الصحراوية شمال بلادهم الغارقة أسفل مياه النيل.

وبعد مشاركة الكاتب النوبي “حجاج أدول” في لجنة الخمسين لتعديل الدستور المصري عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، روّج العديد من النوبيين للتصويت بنعم على التعديلات الدستورية في يناير/كانون ثاني 2014 على أمل أن يعودوا يوماً ما إلى قراهم على ضفاف بحيرة ناصر، خلف السد العالي.

محو الخطوة الأولى

يختص القرار 444 بتأمين المناطق المتاخمة للحدود، ولفهمه يجب أن يتخيل القارئ خريطة للقطر المصري وحدوده الغربية، الجنوبية، والشرقية.

من ناحية الغرب تقع ليبيا، وتمتد منطقة ممنوعة سيطرة الجيش لمسافة 115 كيلومترا إلى الداخل. ومن ناحية الشرق يمنع الدخول لرفح شمالا وطابا جنوبا بشبه جزيرة سيناء، أما فيما يخص الجنوب ناحية السودان فقد توسع المنع ليشمل مساحة 110 كيلومترا من شرق بحيرة ناصر حتى البحر الأحمر، و25 كيلومترا غرب البحيرة، لتمتد حتى المنطقة الممنوعة ناحية الغرب.

يشير محمد عزمي رئيس الاتحاد النوبي العام إلى “غياب الجدية عن تنفيذ حق العودة، خاصة أن هناك قرار تنفيذي في مواجهة دستور، يؤكد نية النظام الحالي بشأن القضية النوبية”.

وتنص المادة 236 من الدستور على أن “الدولة تعمل على التنمية العمرانية والاقتصادية لمناطق النوبة، و(على) وضع مشروعات تعيد أهل النوبة لمناطقهم الأصلية خلال عشر سنوات”، لكن البرلمان بحسب عزمي لم يلتفت لها عندما وافق على القرار الجمهوري 444 الخاص بتأمين المناطق المتاخمة للحدود، ليؤجل حق العودة.

وفي الوقت الحالي يتطلب دخول المناطق الممنوعة بموجب القرار تقديم طلب رسمي من جمعية أو مؤسسة يعلن عن أسباب الزيارة. ورغم أن عزمي يشغل منصب رئيس الاتحاد النوبي العام، إلا أن طلبه بزيارة منطقة شرق بحيرة ناصر صحبة أربعة آخرين من الاتحاد قوبل بالرفض من جانب مخابرات حرس الحدود، بما يدفعه للتساؤل: كيف سيطبق النص الدستوري إذا كانت هذه المناطق ممنوعة حالياً؟ ماذا سيكون الوضع داخلها؟

معركة المستقبل تبدأ الآن

يتوقع عزمي “مخططا للتلاعب بحق العودة” المنصوص عليه في الدستور. لهذا يطالب النوبيين بالصمود والتمسك بأن تكون العودة لمناطقهم الأصلية. ويقول موضحا: “يكشف القرار عن وجود محاولة لتحديد مناطق معينة ليعود إليها النوبيون دون أخرى لنكون أمام شكل جديد للعودة حيث تضم تجمعات لأهل النوبة، لكنها ليست أماكنهم الأصلية”.

ولإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 444 بدأت حملة لجمع توقيعات كما حركت دعوى قضائية أمام مجلس الدولة ضد عبد الفتاح السيسي في ديسمبر/كانون أول 2014 للطعن في قراره، ومن المقرر أن تعقد المحكمة جلستها القادمة في 18 أغسطس/ آب القادم.

وكانت المحكمة قد طلبت من إدارة المساحة العسكرية استخراج خريطة مساحية بحجم كبير من أجل توضيح المناطق الممنوعة للحدود الجنوبية، حيث أن الخريطة الرسمية المتاحة كانت صغيرة الحجم.

من جانبه يؤكد منير بشير، رئيس الجمعية المصرية النوبية للمحامين، رفضه توفير الدولة لمناطق بديلة للنوبيين، ويوضح: “نريد العودة لمناطق النوبة الأصلية”.

الجمعية التي يرأسها بشير هي من حرك الدعوى ضد رئيس الجمهورية لأن قرار منع دخول النوبيين أو عودتهم المستقبلية إلى 25 قرية بمناطق قسطل، أدندان، وادي السيالة، وبلانة يخالف بحسب قوله المادة 62 الخاصة بالحق في التنقل، والمادة 63 المتعلقة بمنع التهجير القسري، ومادة حق العودة رقم 236.

كما يشير بشير إلى وجود مشكلة في الشكل القانوني لهذا القرار، حيث لم ترفق معه القواعد المنظمة لتنفيذه، فقد صدرت هذه القواعد بعد المضيّ في إجراءات التقاضي، بعد نحو 60 يوما من صدور القرار بحجة أنها سقطت سهوا. ويتابع منير:  “لا يجوز أن يكون هذا القرار السيادي بلا قواعد واضحة لتنفيذه، خاصة أنه يتعلق بتأمين الجيش لحدود البلاد”.