يعاني تونسيون سود البشرة من تصاعد الممارسات العنصرية في حقهم في بلد ألغى العبودية منذ سنة 1846 وكان من الدول السباقة الموقعة على الاتفاقيات الدولية المناهضة للتمييز العنصري.

تصاعد هذه الممارسات جعل ذوي البشرة السوداء الذين يمثلون ما بين 10 و15 بالمائة من التونسيين يعبرون في محطات عدة عن استيائهم من وضع استمر لعدة قرون وظل من الموضوعات المسكوت عنها ومن القضايا التي لا يعيرها السياسيون أي اهتمام.

يعاني تونسيون سود البشرة من تصاعد الممارسات العنصرية في حقهم في بلد ألغى العبودية منذ سنة 1846 وكان من الدول السباقة الموقعة على الاتفاقيات الدولية المناهضة للتمييز العنصري.

تصاعد هذه الممارسات جعل ذوي البشرة السوداء الذين يمثلون ما بين 10 و15 بالمائة من التونسيين يعبرون في محطات عدة عن استيائهم من وضع استمر لعدة قرون وظل من الموضوعات المسكوت عنها ومن القضايا التي لا يعيرها السياسيون أي اهتمام.

الأمثلة التي تعكس حجم هذه الممارسات ليست قليلة فهذا البلد المعروف بتسامحه وتلاقح حضاراته وثقافاته توجد فيه مقابر خاصة بتونسيين ذوي البشرة السوداء وحافلات يقع تخصيصها للأطفال السود المقيمين خاصة في جزيرة جربة جنوبي البلاد.

تتسبب هذه المعاملات العنصرية في مشاكل نفسية خطيرة لدى البعض فالطفلة شكران (12 عاما) حاولت الانتحار بإلقاء نفسها من فوق منزلها بسبب ما تعرضت له من تمييز بسبب لون بشرتها.

سخرية واحتقار

تقول شكران التي تقيم في جزيرة جربة في الجنوب الشرقي التونسي إنها تعاني من أزمة نفسية وشعور بالنقص جعلتها ترفض التواصل مع العالم الخارجي وتحاول الانتحار رغم صغر سنها نتيجة ما تواجهه من إهانات من قبل محيطها بسبب لون بشرتها.

بدوره يؤكد وليد (27 عاما) الذي يقطن بقلب العاصمة تونس أنه عانى منذ طفولته من وجود نظرة احتقار تجاهه من قبل أقرانه سواء في المدرسة أو في الشارع بسبب لون بشرته جعلته ينزوي ولا يختلط إلا مع ذوي البشرة السوداء، وفق قوله.

يضيف هذا الشاب لمراسلون أنه كلما ابتعد عن حيه يسمع نعوتا مشينة من قبيل “كحلة” و”كحلوش” وهي ألفاظ باللهجة العامية التونسية تحيل إلى لون البشرة وتحمل في طياتها نظرة دونية لذوي البشرة السمراء.

تتسبب تلك النعوت المدعاة للتهكم والسخرية والاحتقار في أذى نفسي كبير بحسب قول وليد الذي يرى بأن التمييز العنصري في تونس ليس اختلاقا وإنما واقع متغلغل في الثقافة الشعبية التونسية.

مظاهر التمييز هذا تبدو واضحة في موضوع زواج البيض بالسود الذي يعد محرماً وممنوعاً في عدد من جهات بالبلاد التونسية نظرا لوجود نظرة دونية تجاه السود الذين ينعتهم البعض من التونسيين البيض بأوصاف مهينة وعنصرية تقلل من شأنهم من قبل “وصيف” و”قيرة قيرة”.

مقابر للسود ومقابر للبيض

بحسب نشطاء حقوقيين فإن التمييز العنصري بلغ مستويات خطيرة طالت حتى المشاركة في مناظرات الحصول على مواطن شغل من خلال التعرف على المترشحين انطلاقا من صورهم، على حد قولهم.

تقول رئيسة جمعية “منامتي” سعدية مصباح شقيقة المغني التونسي صلاح مصباح الذي أثار سابقا قضية التمييز العنصري إن تلك الممارسات تذكرها بما واجهه السود في جنوب إفريقيا أو بالولايات المتحدة في الستينات من تفرقة بين البيض والسود.

بكثير من الانزعاج تقول سعدية لمراسلون إنه توجد إلى حد اليوم في جزيرة جربة التونسية “مقابر مخصصة للسود ومقابر أخرى للبيض تكريسا لعادات بالية تعود إلى قرون خلت”.

وتضيف أن التمييز بين ذوي البشرة في جزيرة جربة طال أيضا وسائل النقل عبر “تخصيص حافلات لنقل التلاميذ السود إلى المدارس من دون أن يختلطوا مع أقرانهم البيض”.

وتتابع أن السلطات التونسية “متواطئة” في استمرار هذه الممارسات من خلال معاملاتها الإدارية مثل استخراج مضامين الولادة لأشخاص يقع إضافة عبارة “عتيق” في خانة الملاحظات الخاصة بمضامينهم للإشارة إلى أنهم أعتقوا من العبودية، حسب قول سعدية.

يطال التمييز العنصري أيضا الأفارقة الذين يقيمون في تونس للدراسة أو العمل حيث تقول فانيسا لوندا طالبة من جمهورية الكنغو الديمقراطية لمراسلون إنها لاحظت بنفسها استفحال هذه الظاهرة.

وانتقدت فانيسا غياب قانون يجرم التمييز العنصري، مشيرة إلى أن السلطات التونسية لا تحرك ساكنا أمام ما يتعرض له الأفارقة المتواجدون بتونس من “ممارسات مهينة”.

واستغربت من تصرفات بعض التونسيين تجاه الطلبة الأفارقة من ذلك أنها لما حاولت امتطاء تاكسي انزلها السائق وطلب منها النزول ودعاها إلى أخذ تاكسي آخر لأنها سوداء اللون، مثلما ذكرت.

لقد حان الوقت

في ظل تصاعد الشكاوى بدأ المجتمع المدني في تونس بالتحرك وقد بادر بتقديم مشروع قانون يجرم التمييز العنصري.

وينقسم المشروع إلى فرعين يهم الأول تجريم التمييز العنصري ويعنى الثاني بملائمة المنظومة القانونية بهدف القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

ويقول رئيس الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان رامي صالح لمراسلون إن تقديم مشروع القانون للبرلمان التونسي يهدف إلى “كبح جماح الممارسات العنصرية التي تدل على تغلغل هذه الظاهرة في العديد من المستويات”.

ويلاحظ أن التمييز العنصري في تونس لم يشمل التونسيين فيما بينهم فقط بل شمل أيضا الأفارقة الذي يقيمون في تونس من خلال “تعرضهم إلى هرسلة (تحرّش) متواصلة على أساس لون بشرتهم”.

من جهته يقول مسعود الرمضاني عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة حقوقية) إن التمييز العنصري “يمارس بشكل مفضوح في تونس رغم أن البلد قطع أشواطا كبيرة في المساواة بين المواطنين”.

ويقول لمراسلون “لقد حان الوقت لسن قانون يجرم التمييز العنصري في بلد معروف عنه التسامح والعمل على تغيير العقليات”، داعيا وزارة التربية إلى إرساء برنامج في مختلف المدارس من أجل الإقلاع عن هذه الممارسات وتعويد الناشئة على التسامح وعدم التفريق بين الأشخاص على أساس لون البشرة.