“عيالي حيموتو من الجوع”. دون علمها بتفاصيل الأزمة تصف عبير السيد، (ربة منزل، 35 عاما) حالها وحال طفليها التوأم بعد معاناة مريرة لعدة أشهر في محاولات بائسة أغلبها يبوء بالفشل من أجل الحصول على علبة لبن أطفال مُدعّم.  

“عيالي حيموتو من الجوع”. دون علمها بتفاصيل الأزمة تصف عبير السيد، (ربة منزل، 35 عاما) حالها وحال طفليها التوأم بعد معاناة مريرة لعدة أشهر في محاولات بائسة أغلبها يبوء بالفشل من أجل الحصول على علبة لبن أطفال مُدعّم.  

أنجبت عبير طفليها منذ أربعة أشهر بعد صبر طويل ومحاولات مضنية مع الأطباء والعلاجات والعمليات المختلفة، إلا أن فرحتها وزوجها أبو محمد ( سائق تاكسي، 42 عام) لم تدم طويلاً، إذ تبيّن عدم مقدرتها على إرضاع الصغيرين، وحتمية إعتمادهما على اللبن الصناعي بشكل كلي في الستة أشهر الأولى من العمر، وبنسبة أقل في الستة أشهر الثانية حتى إكتمال العام الأول من عمر الصغار لإمكانية إدخال القليل من الطعام بعد الشهر السادس.

بدائل شبه مستحيلة

تواجه الأسر المصرية تحدياً صعباً مع تناقص المخزون الاستراتيجي للبن الأطفال المدعم المرتبط بالأزمة الإقتصادية وإشكالية توفير العملة الصعبة اللازمة لاستيراده. إذ تستورد الحكومات المتعاقبة منذ عشر سنوات اللبن الصناعي من دول الاتحاد الأوروبي، وأبرزها فرنسا وسويسرا وبلجيكا، وتدعمه حتى يصل لمستحقيه عبر طريقين.

الأول هو الوحدات الصحية التابعة لوزارة الصحة، والتي توفر اللبن الصناعي المدعم لحديثي الولادة من عمر يوم حتى عمر ستة أشهر بسعر ثلاثة جنيهات للعلبة (أقل من نصف دولار) وهو دعم كلي، والثاني هو الصيدليات التي توفر اللبن الصناعي المدعم من عمر ستة أشهر حتى عمر عام بسعر ثمانية عشر جنيها للعلبة (دولارين تقريبا) وهو دعم جزئي.

أما البديل لهذا اللبن المدعم فهو اللبن الصناعي بسعره الحر والذي أصبح يتجاوز سبعين جنيهاً مصرياً (تسع دولارات تقريبا). ومع احتياج الطفل من علبتين لثلاثة أسبوعياُ يصبح هذا الخيار الأخير شبه مستحيل لسيدة مثل عبير، “فالأمر يتطلب ميزانية مرتفعة تعجز أسرتنا عن توفيرها”، تقول لموقع “مراسلون”.

دائرة المستحقين تتسع


الدكتورة رحاب سليم، أخصائي طب الأطفال وحديثي الولادة، تعلق على أزمة اللبن المدعم بالقول أن دائرة المستحقين لهذا الدعم تتقلص يوماً بعد يوم “بسبب الارتفاع الجنوني في سعر الألبان غير المدعمة من ناحية، وزيادة نسب الولادة القيصرية، الأطفال المبتسرين، الحالات المرضية المختلفة للأم والتي تعوقها عن إرضاع أطفالها رضاعة طبيعية بدءاً من تشقق الحلمة وصولاً للأورام السرطانية من ناحية أخرى”.

وأضافت سليم أن انخراط المرأة في سوق العمل بشكل عام، وصعوبة توفير متطلبات الحياة التي أدت لحتمية مشاركة الزوجة في مصروف المنزل بالإضافة لبعض الأسباب غير المعلومة المؤدية لانقطاع لبن الأم، أو تقليل كميته بما لا يشبع الرضيع، كل هذه الأسباب أدت إلى لجوء الأمهات للألبان الصناعية المدعمة، مع خطورة لجوء بعض محدودي الدخل إلى تخفيف اللبن البقري بالماء أو بلبن الماعز وإعطاؤه لأطفالهم في الستة أشهر الأولى تحديداً، والذي يعرضهم لنقص حاد في المناعة وأنواع مختلفة من الحساسية، بحسب تأكيد الطبيبة المختصة.

لا يصلح للاستهلاك الآدمي


تكمل عبير شرح معاناتها الأسبوعية بل واليومية التي قد تضطرها للسفر للعاصمة، حاملة أحد الرضيعين على كتفها وتاركة الآخر عند إحدى الجارات للذهاب لأحد المنافذ الرئيسية لJ”الشركة المصرية للأدوية” أو الدوران على الصيدليات أو الجمعيات الخيرية من أجل الحصول على علبة لبن لا تصمد أمام جوع الصغيرين وبكائهما أكثر من يومين.

وبسؤال الدكتور حسن قنديل (صيدلي) عن تطور الأزمة أخبرنا أن صرف الألبان الصناعية المدعمة للصيدليات تناقص كثيراُ خلال الأشهر القليلة الماضية، ليصل إلى أربعة علب فقط شهرياً بعدما كان اثني عشر علبة في نهايات العام الماضي، لم تكن تكفي أصلاً احتياجات الأطفال.

وأضاف قنديل أنها ليست الأزمة الأولى لكنها تبدو الأعنف، حيث سبق أن قام مسؤلون بوزارة الصحة بعد ورود العديد من الشكاوى إليهم بتحليل عينات مختلفة من الألبان الصناعية المدعمة عام 2011 ، لتثبت النتائج عدم صلاحية اللبن للاستخدام الآدمي، لاحتوائه على بويضات وأجزاء من حشرات، وعند مخاطبة فرنسا بلد المنشأ أفادت أن هذه الأنواع لا يتم بيعها في الأسواق الأوروبية، بما يخالف شروط استيراده والتي قد أعلنتها الشركة المصرية للأدوية.

التهديد يتفاقم

يوماً بعد يوم يتناقص المخزون، وتبادل الاتهامات لا ينتهي، فوزارة الصحة تدّعي أن المشكلة في سوء التوزيع وتلقي بالاتهام على رأس الصيادلة. وفي هذا الصدد أوضح الدكتور علي عوف رئيس شعبة  الدواء باتحاد الغرف التجارية أن المسؤول الأول هو وزارة الصحة، لأن الأزمة تكمن في نقص الكمية المصروفة لكل صيدلية، في حين لم يوقّع وزير الصحة الحالي الدكتور أحمد عماد على مناقصة تخصيص الدعم المطلوب لاستيراد الكمية اللازمة لتعويض العجز واستكمال العام بحجة أن سابقه الدكتور عادل العدوي كان من المفترض أن يوقعّه.

الصيدليات لا تحوي علبة لبن واحدة، والحصة المصروفة للمراكز الطبية تنحسر. طفلا عبير التوأم لا يشبعان، برغم الاعتماد الكبير على “فاعلي الخير” كما تقول لنا.

آلاف الأطفال مهددين بالجوع وآلاف الأسر تواجه الإفلاس، ويبدو أن اللبن الصناعي المدعم، الغذاء الوحيد لأكثر من ربع مليون طفل سنوياً في مصر، لن يكون ضمن اهتمامات الموازنة الجديدة، والتي ستعرضها الحكومة التي ما تزال تتشكّل، على البرلمان الذي يصارع من أجل أولويات أخرى، في بحر أسابيع.