لم يقترف “حمدي” أي جريمة ولم يقف أمام أي هيئة قضائية ومع ذلك فهو يقضي عقوبة بالسجن ثلاث سنوات مع والدته المدانة بإحدى القضايا بسجن منوبة بالعاصمة.

“حمدي” الذي بلغ شهره الحادي عشر شاءت الظروف أن ينمو في أحشاء والدته خلف أسوار سجن النساء وأن تصطدم خطواته الأولى بأبواب الزنزانة الحديدية الضيقة.

وعلى الرغم من أنه لا يدرك ما يدور حوله ويتعامل مع بقية السجينات على أنهن أفراد من عائلته، فإن والدته “حياة” تخشى أن يستحضر طفلها عندما يكبر كابوس السجن.

لم يقترف “حمدي” أي جريمة ولم يقف أمام أي هيئة قضائية ومع ذلك فهو يقضي عقوبة بالسجن ثلاث سنوات مع والدته المدانة بإحدى القضايا بسجن منوبة بالعاصمة.

“حمدي” الذي بلغ شهره الحادي عشر شاءت الظروف أن ينمو في أحشاء والدته خلف أسوار سجن النساء وأن تصطدم خطواته الأولى بأبواب الزنزانة الحديدية الضيقة.

وعلى الرغم من أنه لا يدرك ما يدور حوله ويتعامل مع بقية السجينات على أنهن أفراد من عائلته، فإن والدته “حياة” تخشى أن يستحضر طفلها عندما يكبر كابوس السجن.

في حديث لـ”مراسلون ” تقول والدته التي تقضى عقوبة أربع سنوات سجنا بتهمة السرقة، إنها دخلت السجن في الأشهر الأولى من حملها ليتزامن وضعها مع إصدار الحكم في شأنها وهو ما جعل طفلها يرافقها في قضاء عقوبة لذنب لم يقترفه أبدا.

“حياة” التي تشفق على ولدها لأن الأقدار حرمته من أن ينشأ في حضن عائلته وبين أشقائه أصبحت اليوم تشعر بارتياح بعدما قررت إدارة السجن فتح أول روضة للأطفال المرافقين لأمهاتهم السجينات.

روضة أطفال في السجن

تقول هذه الأم السجينة لـ”مراسلون” إن تخصيص إدارة سجن النساء بمنوبة بالعاصمة فضاءً خاصاً للسجينات الحوامل والحاضنات لأطفال “بادرة إيجابية” لحماية الأطفال المرافقين للسجينات من تداعيات العيش في الزنزانات العادية في ظل انتشار التدخين والاكتظاظ والمناوشات.

“لقد كان قلبي يعتصر ألما وأنا أرى طفلي يصطدم كل صباح بباب الزنزانة الحديدي وهو يحاول الخروج إلى باحة السجن” تقول حياة.  

لكن هذا الواقع المرير بدأ يتلاشى بعد انتقال السجينات المرافقات لأطفال للإقامة في الفضاء المخصص الأمهات خارج عنابر السجن في روضة تم تشييدها بمختلف التجهيزات اللازمة داخل المحيط الدائري للسجن.

حول ظروف الإقامة تقول “حياة” إن إدارة السجن سعت جاهدة إلى توفير كل احتياجات الأطفال لكي تكون إقامتهم أقرب ما يكون إلى الظروف العادية خارج السجن.

وقامت إدارة سجن النساء بمنوبة مؤخرا بنقل قرابة 20 سجينة من النزيلات المرافقات بالأطفال والحوامل إلى قسم جديد وهو عبارة عن منزل عادي يتكون من 4 غرف ومطبخ وفضاء صحي أطق عليه فضاء “الأمل”.

سيولد في السجن

تشير إحدى المشرفات على هذا الفضاء إلى أن فصل النزيلات من الحوامل والأمهات عن بقية السجينات بسجن منوبة خطوة أولى ستعمم قريبا ببقية الوحدات السجنية للنساء.

وأكدت لـ”مراسلون” بأن إدارة سجن النساء بمنوبة تعمل على الإحاطة النفسية والجسدية بالسجينات المرافقات لأطفالهن باعتبار أن تجربة مرافقة الأطفال لأمهاتهم في فترة العقوبة يمكن أن ينعكس سلبا على نفسياتهم في مرحلة لاحقة.

وتجمع السجينات ممن التقاهم موقع “مراسلون” على أن الإقامة في الفضاء الجديد “خفف” من قسوة تجربة السجن والإحساس بالذنب تجاه أطفالهن المسجونين قسرا.

غير أن “رفاهية” الجناح الجديد لم يبدد مخاوف السجينة “سنية” التي تعيش تجربة حملها الأولى في السجن حيث تقول لـ”مراسلون” إنها تأمل أن تنقضي فترة إيقافها قبل وضع طفلها الأول.

فمجرد فكرة وضع صغيرها داخل السجن ترعبها رغم ما وفرته إدارة السجن في جناحهم الخاص من مفروشات وألعاب للأطفال.

سجينة محظوظة

بالرغم من تحسن ظروف الإقامة والمراقبة الطبية المستمرة لحملهن تشتكي السجينات الحوامل من طول فترة الإيقاف التي قد تفوق في بعض الأحيان العقوبة المستوجبة وتعزو ذلك إلى الضغط وطول إجراءات التقاضي.

كما تشتكي هذه السيدة من افتقاد السجينات للرعاية النفسية التي تحتاجها المرأة الحامل من زوجها ومحيطها الأسري.

تقول “أمل” التي تواجه تهمة التحيّل وهي محل إيقاف منذ أكثر من 5 أشهر إن عائلتها تخلت عنها ولم تزرها منذ دخولها السجن لشعورها بأن ابنتها جلبت لها “العار” لما اقترفته.

وتعتبر هذه السجينة نفسها محظوظة بعض الشيء لأن زوجها ووالد طفلها القادم لم يتخل عنها.

غير أنها تشعر بالذنب تجاهه لأنها قد تحرمه من رؤية طفله إذا ما قرر القاضي مواصلة سجنها بعد الولادة.

وبالرغم من التحسينات التي أدخلتها وزارة العدل على العديد من السجون التونسية تجمع العديد من المنظمات الدولية والحقوقية على أن واقع السجون مترد في البلاد.  

وقد أعلنت الإدارة العامة للسجون والإصلاح اعتماد مخطط لتطوير منظومة السجون بهدف تلبية حاجيات المساجين.

اكتظاظ السجون

تشهد السجون التونسية البالغ عددها 27 سجنا بالإضافة إلى ستة مراكز إصلاح ازدحاما يصل في بعضها إلى 150%، بحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

وبلغ الأمر بسبب محدودية طاقة استيعاب السجون إلى احتجاز بين 125 و150 سجينا في زنزانة واحدة لا تتسع إلى أكثر من خمسين. لكن الاكتظاظ يبقى أقل حدة في سجون النساء.

وقد أشار تقرير نشرته سابقا المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى ارتفاع عدد الموقوفين بالمقارنة مع عدد المحكومين وهو ما يزيد في نسبة الاكتظاظ.

كما كشف تقريرها عن وجود نقص كبير في عدد الأعوان المختصين والمؤهلين للتعامل مع السجناء وهو ما يزيد في تردي بعض الخدمات الصحية والاجتماعية داخل السجون.

وبين التقرير أن ظاهرة الاكتظاظ وغياب الفصل بين فئات النزلاء هي الأخطر في السجون وهو ما يصعب عملية الإصلاح وإعادة الادماج. وهذا من شأنه أن يساهم في رفع نسبة العود وانتشار الامراض بالإضافة إلى ضعف وغياب برامج التأهيل والإدماج وهو ما يجعل السجون تنتج مجرمين جدد، حسب المفوضية.

وفق عضو الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب ضياء الدين مورو، تحتاج السجون التونسية إلى تحسينات كبيرة على مستوى البنية التحتية وظروف إقامة النزلاء، لا سيما الفئات التي تحتاج إلى عناية خاصة على غرار الحوامل والأمهات وأصحاب الإعاقات.

يقول مورو في تصريح لـ”مراسلون” إن الدول التي نجحت في تحسين ظروف إقامة السجناء تمكنت من الحد من نسبة الجريمة ونسب العود.

واعتبر أن الاحاطة بالسجين تهيئ بشكل كبير إلى إعادة ادماجه في الحياة الاجتماعية بشكل طبيعي بعد انقضاء العقوبة، مشيرا إلى أن المؤسسة السجنية في تونس قطعت شوطا وتنتظرها أشواط.