سرعان ما تلاشت فرحة ندى بعودتها لمنزلها بمنطقة الليثي جنوب بنغازي، بعد سماعها بمقتل جارها هيثم (28 عاما) الذي راح ضحية انفجار عبوة ناسفة استقبلته بمجرد أن فتح باب بيته، ليشكّل ذلك أكبر مخاوف العائدين إلى بيوتهم بعد نزوح دام أكثر من عام ونصف.

سرعان ما تلاشت فرحة ندى بعودتها لمنزلها بمنطقة الليثي جنوب بنغازي، بعد سماعها بمقتل جارها هيثم (28 عاما) الذي راح ضحية انفجار عبوة ناسفة استقبلته بمجرد أن فتح باب بيته، ليشكّل ذلك أكبر مخاوف العائدين إلى بيوتهم بعد نزوح دام أكثر من عام ونصف.

تقول ندى (24 عاما) أن هيثم ليس الضحية الوحيدة لانفجار الألغام في المنطقة التي تقع جنوب بنغازي بعد إعلان سيطرة القوات المسلحة الليبية عليه وإخراج الجماعات المنتسبة لمجلس شورى الثوار، بل كل يوم يسمعون أصوات الانفجارات التي تهز المنطقة وينتج عنها سقوط ضحايا “أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم عادوا لبيوتهم” حسب ندى.

حدث ذلك بعد أن أعلنت القيادة العامة للجيش الليبي يوم الثلاثاء 23 فبراير/ شباط عن تحرير حي الليثي من “الجماعات المتطرفة” إثر الاشتبكات العنيفة التي شهدتها مناطق عديدة في بنغازي منذ انطلاق عملية الكرامة في مايو 2015.

ورغم التحذيرات التي أطلقها المجلس البلدي بنغازي والهندسة العسكرية وقسم المفرقعات بهيئة الدفاع المدني بخصوص الألغام ومخلفات الحرب في وقت سابق، إلا أن أهالي “الليثي” لم يأخذوا هذه التحذيرات بعين الاعتبار إلا القليل منهم.

خمسة ضحايا

الناطق الرسمي باسم المجلس البلدي بنغازي عبد الرؤوف الخضر كشف لـ”مراسلون” أن ضحايا تفجيرات الألغام بمنطقة الليثي بعد تحريرها هم 5 أشخاص قتلوا و إحدى عشر شخصاً مصابون بجروح متفاوتة الخطورة، مضيفاً أن تدافع المدنيين لدخول منازلهم بعد تحرير المنطقة، وعدم التفاتهم للتحذيرات التي وجهت لهم عرض الجميع للخطر، متخوفاً من ازدياد عدد الضحايا إذا استمر الأمر على هذا المنوال.

يقول عمر (28 عاماً) وهو أحد الجنود المرابطين بالحي لـ”مراسلون” إن إعلان التحرير لا يعني انتهاء الخطر بالمنطقة، فهناك العديد من الألغام التي لم تقم الهندسة العسكرية بتفكيكها بعد، متسائلًا “ما الذي أتى بالأهالي هنا فالمنطقة ليست آمنة بعد؟”.

ويردف الجندي أن “هجوم” الأهالي على الحي لتفقد المنازل أعاق عمل الجيش، ومكّن بعض الإرهابيين من الفرار دون اللحاق بهم، حيثُ تستروا بالسكان وخرجوا معهم، متخوفًا من تنفيذ هجمات “إرهابية” من قبل الفارين من الحي الذين دخلوا بنغازي.

الشركة لن تأتي

إلى الآن لم يتم تمشيط منطقة الليثي بالكامل من مخلفات الحرب والألغام، نتيجة قلة الإمكانات وعدم وجود المعدات اللازمة لذلك، حيثُ يعمل قسم المفرقعات بهيئة السلامة الوطنية بجهود ذاتية حسب ما صرح به لـ”مراسلون” رئيس قسم المفرقعات النقيب مراجع العشيبي.

وتابع العشيبي أن المعدات الخاصة بالكشف عن المتفجرات لن يتم توفيرها في الوقت الحالي حسب ما ورد إليهم من المسؤولين، حيثُ أن المسؤول عن توريد هذه الأجهزة هي شركة إنجليزية تابعة للأمم المتحدة، ولن تأتي إلى ليبيا حتى تنتهي المعارك في بنغازي بالكامل، مطالبًا المواطنين بمساعدتهم “بعدم العبث بمنازلهم”.

ويضيف “العشيبي” أن مركز إدارة هيئة السلامة الوطنية موجود في طرابلس “وهذه مشكلة أخرى” في غياب التواصل الإداري بين المدينتين، موضحاً أنهم يعملون بجهود ذاتية وأن لديهم رجالاً بالقسم تم تدريبهم في المملكة الأردنية لهذا الغرض، ولكن لا يستطيعون تقديم شيء في غياب المعدات اللازمة.

واستطرد “العشيبي” أنهم يستجيبون لكافة البلاغات التي تصلهم من قبل المواطنين عن وجود متفجرات على أن تكون مرئية، بينما المتفجرات الموجودة تحت الركام بحاجة لمعدات متطورة وهو ما لا يوجد لديهم الآن، ونوّه رئيس قسم المفرقعات إلى أنه من الصعب تحديد مدة زمنية معينة لتمشيط منطقة الليثي.

يضيف الناطق الرسمي باسم بلدي بنغازي على ما صرح به “العشيبي” أن قسم المفرقعات بهيئة الدفاع المدني قام بتفكيك 33 قذيفة هاون، وعدداً من قذائف “آر بي جي”، و10 صواريخ غراد، وعدداً من صواريخ c5، وهي قذائف سقطت في الليثي ولم تنفجر، وقد تم ذلك أيضا “بمعدات بدائية جداً” حسب كلامه.

غرفة طوارئ

ليست الألغام والمتفجرات هي المشكلة الوحيدة التي تواجه سكان الحي، فخطر الجثث المتحللة في “الليثي” لا تقل خطورته عن خطورة المتفجرات، هذا ما قاله مدير مكتب الإصحاح البيئي لمدينة بنغازي الكبرى فخري حمودة لـ”مراسلون”.

وعليه فقد تم تفعيل غرفة العمليات والطوارئ المشكّلة في شهر أبريل من العام الماضي بقرار عميد البلدية رقم (21) لسنة 2015، فمنذ ذلك الحين يدرس المجلس البلدي ما يستطيع أن يقدمه بعد تحرير بنغازي من “الإرهاب” يقول الخضر.

وبيّن الخضر أن الغرفة مشكلة من عضوية هيئة السلامة الوطنية وشركة الخدمات العامة والمرافق والإسكان والأوقاف وشؤون الزكاة والإصحاح البيئي ومندوب عن الصحة ومندوب عن الشباب والرياضة ومندوب عن الهلال الأحمر، بالإضافة إلى عضوية المجلس البلدي بنغازي.

وأضاف أن الغرفة دخلت منطقة الليثي بعد السماح من القيادة العامة للجيش الليبي بذلك بعد تحرير المنطقة، وتواصلت مع غرفة عمليات الجيش الليبي، وسمحت الأخيرة بفتح بعض المسارات لدخول المنطقة بالتنسيق مع الهندسة العسكرية.

جثث متحللة

مدير مكتب الإصحاح البيئي فخري حمودة كشف عن تقديم خطة متكاملة للمجلس البلدي بنغازي لتعقيم منطقة الليثي والمناطق الأخرى التي قد تنتهي فيها الاشتباكات في أية لحظة، ولكن النقص في الإمكانات يلاحق مكتب الإصحاح البيئي هو الآخر، فالرش يحتاج إلى مادة معينة تقضي على البكتيريا والجراثيم في المناطق والشوارع التي شهدت معارك وهي غير متوفرة بالشكل الكافي حسب قوله.

يقول حمودة إن المادة المشار إليها خطيرة والتعامل معها يجب أن يكون عن طريق مختصين، منوهًا إلى أن الفوضى التي حدثت وعدم التنسيق في المحاور أربك عمل الإصحاح البيئي الذي كان من المفترض أن يدخل قبل المواطنين لتنظيف ورش المناطق المحررة وهو ما لم يحدث في الليثي، حيثُ تزاحمت العائلات بالدخول إلى المنطقة مما أدى إلى إرباك عمل كافة القطاعات الخدمية بالمنطقة.

وفي ذات السياق، أكد الناطق باسم المجلس البلدي بنغازي أن قسم الرش الوقائي بشركة الخدمات العامة التابعة لبلدية بنغازي قام برش مبيدات للقضاء على القوارض والحشرات بمنطقة الليثي خوفا من حملها الأوبئة والأمراض.

خطر آخر

وعند سرد الأخطار هناك خطر آخر ينتظر العائدين لبيوتهم لا مناص من التطرق إليه، وهو انتهاء صلاحية البضائع والسلع التموينية الموجودة في المحال التجارية التي عادت للعمل مباشرة بعد رجوع السكان، وفي هذا الصدد حذر جهاز الحرس البلدي بنغازي من المواد الغذائية والأدوية المتواجدة بالمناطق التي تم تحريرها خلال عملية “دم الشهيد” الأخيرة التي انطلقت أواخر فبراير المنصرم.

حيثُ قال الناطق باسم الجهاز خالد الورفلي لـ”مراسلون” إن البضائع الموجودة بالمخازن والمحلات في المناطق التي تم تحريرها مؤخراً قد تكون غير صالحة للاستهلاك البشري، نتيجة سوء التخزين أو انتهاء الصلاحية.

وطالب الورفلي، التجار الذين لديهم مخازن وصالات للمواد الغذائية والأدوية بالمناطق التي تم تحريرها بعدم التصرف ببضائعهم قبل الكشف عليها من قبل دوريات الجهاز.

كل هذه المخاطر لم تمنع استمرار الحياة داخل حي “الليثي” وهذا ما لاحظه مراسلون من خلال رؤية الأطفال الذين يلعبون في الشوارع إلى جانب انتشار القوات المسلحة ونقاط التفتيش.

تقول ندى إن سعادتهم بالعودة إلى منطقتهم تفوق كل المشاعر، لافتةً إلى أنه رغم الدمار الذي لحق بمنزلهم إلا أن الأشياء الثمينة التي تُركت بداخله لم تُسرق، مؤكدة أن هناك العديد من العائلات التي تعرضت منازلها للسرقة بعد سيطرة الجيش على المنطقة وهذا ما دعا العائلات للإصرار على البقاء بمنازلهم رغم المخاطر.