مضت 3 سنوات على تخرج عادل تهامي من كلية التجارة بجامعة سوهاج دون عمل وما لبث ان أشار عليه أحد أصدقائه بالعمل كمراسل صحفي في أحد المواقع الالكترونية وهو المجال الذي فتح أمامه بابا للتواصل مع عامة الناس وتوصيل مشكلاتهم لكبار المسئولين في محافظته الصعيدية المنيا لكنه لم يحقق له الكفاية المادية حيث لم يكن يتقاضى عادل اكثر من 600 جنيها شهريا.

مضت 3 سنوات على تخرج عادل تهامي من كلية التجارة بجامعة سوهاج دون عمل وما لبث ان أشار عليه أحد أصدقائه بالعمل كمراسل صحفي في أحد المواقع الالكترونية وهو المجال الذي فتح أمامه بابا للتواصل مع عامة الناس وتوصيل مشكلاتهم لكبار المسئولين في محافظته الصعيدية المنيا لكنه لم يحقق له الكفاية المادية حيث لم يكن يتقاضى عادل اكثر من 600 جنيها شهريا.

سنتان مرتا على عمل تهامي بالموقع الالكتروني تمرس فيهما على قواعد الكتابة بعد الحصول على عددا من الدورات التدريبية على فنون العمل الصحفي وكيفية إدارة الصحف المحلية، ومع اقتراب عمر تهامي من الثلاثين عاما قرر البدء بمشروعه الخاص حيث قرر فتح جريدة اقليمية بترخيص أجنبي وهو ما لم يواجه فيه أية صعوبات في البداية، إذ من المعروف أن الحصول على ترخيص مصري أمر شاق جدا حيث يتطلب ذلك اقامة شركة مساهمة مصرية وفتح حساب بالبنك وتعقيدات بالغة الصعوبة.

الباب الخلفي لاستصدار التراخيص

يقول ايمن وهدان رئيس مجلس ادارة شركة ” كونكورد ” البريطانية  للصحافة والاعلام والنشر، والتي تقوم باصدار تراخيص الصحف الاجنبية، إن اجراءات الحصول على إصدار اجنبي بسيطة للغاية وهي لا تتطلب سوى تحديد اسم الجريدة او المجلة وصورة من بطاقة الرقم القومى او صورة من جواز السفر لصاحب الترخيص وقيمة الترخيص التي لا تتعدى 3 الاف جنيه مصري. لافتا إلى أن الشركة تتحمل رسوم التوثيق تسهيلا منها لنشر الصحف في مصر.

ويضيف وهدان بان شركته اصدرت ما لا يقل عن 60 ترخيص في مصر بعد ثورة 25 يناير فقط وأن الشركة تقدم شهادة الترخيص باسم الصحيفة موثقة من وزارة الخارجية البريطانية ومن السفارة المصرية بلندن ومعها شهادة الغرة التجارية البريطانية مؤكدا انه ترخيص معتمد لدى الحكومة المصرية متمثلا فى جهاز المطبوعات والمجلس الاعلى للصحافة ويتم العمل به داخل مصر، منوها عن ان المدة اللازمة لاستخراج الترخيص الأجنبي لا تتجاوز 15 يوما.

يؤكد تهامي ان اكثر من 80 شركة تعمل في مصر عن طريق وسطاء وسماسرة يقومون باستخراج التراخيص الاجنبية عن طريق محامين في قبرص ولندن وباريس مؤكدات ان هناك شركات وهمية مجرد اسم فقط على الورق.

حصل تهامي على الترخيص وكان قد بدأ في البحث عن صحفي نقابي بجدول المشتغلين لتعيينه رئيسا لتحرير الجريدة  فوضع اعلانا على وسائل التواصل الاجتماعي فتلقى 6 عروضا من صحفيين زملاء في ذات المحافظة بجانب اكثر من 8 صحفيين من خارجها براتب 500 جنيه شهريا في نظير الاسم فقط دون الاشراف الفعلي.

الصحف المحلية في مصر

يزيد عدد الصحف الصادرة بتراخيص أجنبية في مصر عن  2000 صحيفة ومجلة يمتلكها مصريون ويرأس تحريرها صحفيون مصريون نقابيون حسب الدكتور محمود محجوب استاذ الاعلام في الجامعات المصرية. ويقول ان الصحف المحلية تنقسم الى ٤ أنواع الاول وهي صحف حكومية تصدر عن دوواين عموم المحافظات وبتصريح من المجلس الاعلى للصحافة وهي صحف تعبر عن المؤسسة الرسمية مثل جريدة الديوان في اسيوط وصوت المنيا في محافظة المنيا. والنوع الثاني الصحف المحلية التي تصدر عن الاحزاب وتخص المحافظات مثل جريدة صوت اسيوط التي كانت تصدر عن الحزب الوطني قبل ثورة 25 يناير، وتميزت بأنها اصدارات منتظمة بسبب توفر الدعم المالي الكافي لها.

ويشير محجوب إلى ان النوع الثالث وهو الصادر بتراخيص اجنبية ويزيد عددها في محافظتي أسيوط والمنيا فقط عن حوالي 120 جريدة محلية معظمها غير منتظم الصدور ويعاني مشاكل في التمويل. أما النوع الرابع والأخير فهو الذي يصدر عن مؤسسات مصرية مثل مؤسسة ولاد البلد التي تصدر صحف محلية في عدة محافظات مثل صحف الاسايطة والفيومية والنجعاوية، وهي تجربة جيدة الا انها تتعثر حاليا بسبب نقص التمويل.

نحو الاصدار الاول

بدأ تهامي في عقد مجلس لادارة الجريدة حيث استجلب عددا من المراسلين الشباب للعمل معه بالاضافة الى طلاب بكليات الاداب قسم الاعلام من جامعتي اسيوط والمنيا. وغاب عن الاجتماع رئيس التحرير حيث نص الاتفاق على الاسم مقابل المال فقط. ووضع ميزانية للجريدة بدأت ب10 الاف جنيه بالاضافة الى الاتفاق مع 3 معلنين كبداية، وقرر ان يصدر العدد بشكل شهري تقوم الاعداد الاولى من الجريدة بعمل تحقيقات في محافظة المنيا تغطي احتياجات الاهالي ومشاكلهم وطبعت الاعداد الاولى بواقع 5 الاف نسخة بتكلفة بلغت 15 الف جنيه شاملة الطباعة وراتب رئيس التحرير ومرتبه الشهري وايجار المقر المؤقت ومصروفات النقل والتوزيع ومكافات العاملين.

ويقول ان الاعلانات حققت له 3 الاف جنيه بينما التوزيع اقتصر على الفي نسخة بسعر جنيه واحد للنسخه ليجد نفسه أمام خسارة مقدارها 10 الاف جنيه في العدد الاول ما جعله يكلف شخصين بالبحث عن اعلانات لتمويل الجريدة ولمدة شهر كامل لم ينجحوا في الحصول سوى على اعلانين بقيمة الفي جنيه وهو ما لا يكفي ميزانية العدد لكنه قرر الطباعة فتعرض لخسارة فادحة بلغت حوالي 12 الف جنيه فقرر ايقاف الاصدار.

من المهنية الى الابتزاز

يقول محمد سيد مراسل صحفي بمحافظة المنيا ان تقييم تجربة الصحف المحلية اوضح ان المهنية لا يمكن ان تجلب الاعلانات. فالموضوعية في تناول الاحداث قد تصنع المشكلات مع المسئولين وهو ما يرفضه المعلن الذي لا يريد ان يكون طرفا في صراع، لذا فالجريدة تتحول الى بوق للمسئول وتحت رعايته لكي تجتذب المعلن وتخسر بالتالي القراء. ويقترح سيد دعم الصحف المحلية ماليا وتوزيعها مجانا في محطات القطار وداخل المصالح الحكومية لأن ذلك قد يعزز من قرائتها او استخدامها في اشياء أخرى.

وبالمثل وجد تهامي نفسه في مأزق التعارض بين الحيادية والاستمرار. فحدث تحول هام في طريقة تفكيره في العمل الصحفي. إذ بدأ في تعزيز علاقته بمسئولي المحافظة واتخذهم درعا لحمايته ومهاجمة بعض من رجال الاعمال في محاولة لجذب الاعلانات وهي الطريقة التي نجحت بالفعل فالمسئول راضي طالما لا يتم مهاجمته.

بالفعل بدأ تهامي في الاعداد لاصدار اول عدد بعد تغيير سياسته التحريرية لتقتصر الجريدة على محاباة المسئولين بالمحافظة ومهاجمة بعض من رجال الاعمال. ولم يطبع سوى الف نسخة ليوزعها على المصالح الحكومية مع توليه الدعاية عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن العدد الذي كانت اغلب عناوينه عن فساد رجال أعمال دون ان يذكرهم بالاسم ودون ان يذكر التفاصيل. لكن هذه الطريقة سرعان ما جذبت الاعلانات اليه فتلقى اكثر من 10 عروض لاعلانات تزيد قيمتها عن 25 الف جنيه ما شجعه على إصدار العدد التالي وساعده التواصل مع المسئولين على تبني الجريدة بشكل غير معلن لتقوم فتاتين تابعتين له بالتجول في المناطق الصناعية بالمحافظة لجمع الاعلانات وهي الطريقة التي نجحت بالفعل.

لم يكن تهامي راضيا عن مستوى الاداء المهني لكنه استطاع توفير المال الكافي له ولعددا من العاملين معه ومع توالي الاعداد زادت الارباح وهو ما استهواه تماما واصبح متابعا جيدا لجولات المحافظ ومسئولي الجهاز التنفيذي للمحافظة رغبة في الربط بين الاصدار وعلاقته بالمسئولين أمام جمهور المعلنين.

الصحف المحلية عائلية

يشير مجدي كريم المستشار القانوني لعددا من الصحف المحلية ان هذا النوع من الصحف تحول مع الوقت وقلة الدخل الى صحف عائلية، بمعنى أنها تجتذب الاقارب للعمل فيها وفي ذات الوقت فانها تجذب عددا من  طلاب اقسام الاعلام للعمل بحجة التدريب وعادة ما يتم استغلالهم بطرق غير قانونية في جذب الاعلانات والاعتماد على الفتيات خاصة دون منحهم الاجر الكافي وفي بعض الصحف يتم منحهم نسبة من الاعلانات لا تتعدى ال15 %.

ويؤكد كريم ان أصحاب الصحف يتعرضون للمسائلة القانونية لكن هناك العديد من الثغرات القانونية التي تحول دون ادانتهم في جرائم النشر مثل النشر بواسطة الحروف الاولية والتلميح فقط دون كتابة الاسماء الحقيقية وخلافه.

ضعف التمويل يتسبب في هروب الكفاءات

يشير الدكتور فوزى عبد الغنى استاذ الاعلام بكلية الأداب جامعة سوهاج الى أن العاملين بالصحف المحلية يواجهون مضايقات أثناء مزاولتهم العمل حيث إنهم لا يحملون عضوية نقابة الصحفيين باعتبارها الجهة المسئولة عن إصدار رخصة مزاولة مهنة الصحافة كما أن أوجاع الصحافة الإقليمية تتمثل فى ضعف التمويل وضعف مرتبات العاملين بها مما دفع الكثيرين من أبناء الأقاليم الموهوبين إعلامياً إلى الزحف إلى العاصمة لعلهم يجدون فرصة غائبة فى محافظاتهم مما أثر كثيرا على جودة وكفاءة المنتج الصحفى الإقليمي.

ويؤكد فوزي إن الصحافة الإقليمية تفتقد وضع أهداف تعبر عن المشكلات وتعكس القضايا بشكل جيد للوقوف لحلها ويناشد هذه الصحف بأن تتعمق بتناول الموضوعات الحيوية والمهمة والمتأصلة في مجتمعنا المحلي كالإهمال الجسيم والفساد الذي نراه في المستشفيات والطرق وتلك التي تهتم بواقع الناس ولابد لهذه الصحافة أن تقوم بالضغط علي المسئولين لتحقيق مطالب الشعب فهي بحاجة إلى جراءة أكثر من ذلك في عرض المضامين والموضوعات الهامة وإيجاد الحلول لها ولا تكتفي بالإشادة بهذا المسئول وذاك موضحا أن تلك الصحف على الرغم من أهميتها اذا ما التزمت بواجباتها الا انها لا تجد التشجيع الكافي.

من المحلية إلى القطرية

تمكن تهامي من التوسع في صحيفته الاقليمية بعدما وجد ان الطريقة الجديدة، أي “الابتزاز”، نجحت ووفرت الدعم المالي الكافي. الا ان الرغبة في الثراء السريع دفعته للبحث عن رجال الاعمال من محافظته الصعيدية والذين يعيشون في العاصمة والمدن السياحية تارة باستجلاب الاعلانات منهم وتارة بتهديدهم حال رفض الاعلانات.

تعرف تهامي على احد رجال الاعمال واقنعه بانه لابد لحماية ماله من وجود جريدة تدافع عن مصالحة حاله كحال كبار رجال الاعمال في مصر . يقول تهامي ” كل رجل اعمال في مصر حاول ان يكون له ذراع اعلامي يستطيع ان يحارب به خصومه ويمثل ضغطا على الحكومة من جانب ودعم من الراي العام من جانب أخر. والبعض منهم وفر لنفسه غطاء سياسي بالبحث عن تمويل أحزاب وخلافه”.

واستطاع تهامي انشاء شركة مساهمة بدعم من رجال اعمال باعتبارهم مساهمين ليصدر صحيفة على مستوى الجمهورية للدفاع عن مصالحهم يتم تمويلها وبيعها بنفس الطريقة التي خلص اليها لتمثل بذلك النموذج الناجح في الصحافة المصرية ماليا.

لم يترك تهامي اصداره المحلي ولكنه تفرغ قليلا لجمع الاعلانات من رجال الاعمال لتنشأ تحت اسمه مدرسة في الصحافة المحلية مهمتها الاساسية ليست الصحافة ولكن جمع الاعلانات باي طريقة كانت.

يقول تهامي فرغت صفحتين كاملتين لشئون المحافظات تهتم باخبارها وابراز مصادرها واعتقد ان ذلك كافيا جدا.

لكن هل هذه هي الصحافة التي كان تهامي يحلم بها؟ يرى تهامي أن ما يقوم به يدخل في إطار الاعمال التجارية وأن الوقت لا يسمح الان بالحديث عن المهنية التي يدرك تماما انه بعيدا عنها  ويقول “المهنية مبتاكلش عيش”. ويؤكد تهامي ان ما يفعله هو جزء من منظومة العمل الصحفي الحالي في مصر وانه لم ياتي بجديد وان معظم الصحف المصرية تسير بهذا الشكل.

تجربة تهامي قد تكون تجربة حزينة فيما يتعلق بمدى التمسك بأساسيات العمل الصحفي وأخلاقه، لكنها نموذج واقعي ودال على حال الصحافة المحلية في مصر اليوم.