يمكن القول إن معظم الليبيين يرون أنه كان من حسن حظهم تبني مجلس الأمن أثناء انتفاضة 17 فبراير 2011 القرار (1973) تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي ترتب عليه قيام حلف الناتو بحملة عسكرية جوية، كان لها الدور الرئيس في تمكين قوات الثوار من الانتصار.
إلا أن أمريكا بقيادة أوباما انسحبت مبكراً من قيادة حملة الناتو الجوية كي لا توصف إعلامياً بحرب أوباما على وزن حرب بوش الابن على أفغانستان والعراق، فانتقلت بذلك قيادة الحملة للأوروبيين بقيادة فرنسا (ساركوزي) وبريطانيا (كامرون).
يمكن القول إن معظم الليبيين يرون أنه كان من حسن حظهم تبني مجلس الأمن أثناء انتفاضة 17 فبراير 2011 القرار (1973) تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي ترتب عليه قيام حلف الناتو بحملة عسكرية جوية، كان لها الدور الرئيس في تمكين قوات الثوار من الانتصار.
إلا أن أمريكا بقيادة أوباما انسحبت مبكراً من قيادة حملة الناتو الجوية كي لا توصف إعلامياً بحرب أوباما على وزن حرب بوش الابن على أفغانستان والعراق، فانتقلت بذلك قيادة الحملة للأوروبيين بقيادة فرنسا (ساركوزي) وبريطانيا (كامرون).
وبعد سقوط القذافي، انسحب الأوروبيون من دورهم العسكري في الجو دون أن يتمموا دورهم السياسي الأهم على الأرض، حيث انهارت مؤسسات دولة القذافي الهشة إثر سقوط نظامه ومقتله، تحولت البلاد إلى مسرح دموي لصراعات مليشيات مسلحة تتناحر على السلطة بعناوين سياسية وإيديولوجية وجهوية وقبلية مختلفة ومتابينة، وصولاً إلى تفشي وباء داعش الذي تمكن من تأسيس إمارته الأولى في شمال أفريقيا، في سرت النقطة الجغرافية الفاصلة بين شرق ليبيا وغربها.
وهكذا بعدما وقع الفأس في الرأس أتي الغرب (الأوروأمريكي) متأخراً كالشرطة في الأفلام لينقذ الوضع الذي تعقد بحيث أصبح كالمتاهة.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما حمّل الأوروبيين مسؤولية الفشل في إنجاز الشق السياسي من المهمة، حتى أنه وجه انتقاداً لاذعاً للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني الحالي ديفيد كاميرون لتقاعسهما عن المتابعة السياسية الفعّالة في بناء الدولة الليبية الجديدة ما بعد سقوط نظام القذافي.
يقول أوباما في لقائه مؤخراً مع مجلة ” THE ATLANTIC”:
“عندما أعود بالزمن وأسأل نفسي عما حدث من أخطاء، أجد مدعاة لانتقاد ما حصل. فقد كان لي إيمان راسخ بالأوروبيين، كونهم في جوار ليبيا. وأنهم سوف ينخرطون في المرحلة الانتقالية” يقصد بعد الخلاص من نظام القذافي، لكن ظنه خاب في القيادة الأوروبية، ووجه انتقاده الحاد لرئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، الذي فقد اهتمامه بالأمر وأصبح “مشتّتاً بشؤون أخرى”.
أما عن فرنسا فقد فسّر الرئيس الأمريكي التغير في السياسة الخارجية بخسارة نيكولا ساركوزي لمنصبه في العام التالي، والذي كان يستخدم تدخل فرنسا لأغراضه الانتخابية.
وحول دور فرنسا وقتها في المسألة الليبية قال أوباما أن ساركوزي أراد: “أن يُعلن بصوت عالِ عن الحملات الجوية، بالرغم من أنّنا قد دمرنا بالفعل كل الدفاعات الجوية (الليبية)”.
ويمضي أوباما في قوله إنه كان يتفهم رغبة ساركوزي في التبجح العسكري ما دام للولايات المتحدة أن “تكسب انخراط فرنسا بطريقة مكّنتها من أن تكون (العملية العسكرية) أقل تكلفة وخطورة بالنسبة لنا”.
بتعبير آخر، كان إعطاء فرنسا رصيداً إضافياً في الظهور ومقايضتها بالتقليل من التكلفة والمخاطر للولايات المتحدة، مساومةً ناجعةً – باستثناء أنه “من وجهة نظر الكثير من أفراد مؤسسة السياسة الخارجية، كان الوضع فظيعاً. إذا ما أردنا الانخراط بالأمر. فمن الطبيعي أن نحتل الصدارة وألّا يشاركنا أحد الأضواء” يقول أوباما.
وألقى أوباما باللوم أيضاً على ديناميكيّة الشؤون الداخلية بليبيا. قائلاً: “لقد فاق مدى الخلاف القبلي في ليبيا توقعات محلّلينا. أما بشأن قدراتنا في إنشاء قاعدة تمكننا من التواصل معها، والشروع في برامج التدريب، والتزويد بالمؤن، فقد انهارت كلها بسرعة.”..
لقد أثبتت له ليبيا أنه من الأفضل تجنب التدخل في شؤون الشرق الأوسط. “لا مندوحة لنا من رفع أيدينا عن التدخل في سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.. قال أوباما ما قال في الوقت بدل الضائع من رئاسته. وفي الوقت الذي تغرق فيه ليبيا، كما قال، في الفوضى.
فوضى هي عنوان لفراغ سياسي يستفحل ووضع اقتصادي منكوب، وانفلات أمني مستشري، تستغله “داعش” للتقوي والتمدد. بحيث أصبح “اتفاق الصخيرات” هو الحلّ الممكن والمتاح لخروج الليبيين من مأزقهم (السياسي/ الاقتصادي/ الأمني) المأزوم، وكذا لتصحيح الغرب (الأوروأمريكي) خطأه في متابعة دوره سياسياً بعد انتهاء مهمته العسكرية الجوية.
من هنا جرى اعتماد “اتفاق الصخيرات” بقرار من مجلس الأمن رقم 2259 الذي رحب بتوقيع الاتفاق السياسي الليبي في الصخيرات بالمغرب وبإنشاء المجلس الرئاسي.
وبالتالي اكتسب “المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني” ثقة دولية لم يعد بها في حاجة لنيل الثقة الشكلية من مجلس النواب المهلهل في طبرق لا سيما بعد توقيع أكثر من مائة نائب خارج قبة البرلمان (بعد عرقلة جلسة التصويت) على بيان يمنح الثقة الضميرية للحكومة التوافقية.
وهو ما جعل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني يدعو، من تونس، في بيان عام، بلغة حاسمة، كافة المؤسسات السيادية والجهات العامة في الدولة الليبية، وعلى رأسها المؤسسات المالية الرسمية، للبدء في التواصل فوراً مع حكومة الوفاق الوطني لوضع الترتيبات اللازمة لتسليم السلطة”. لكن مشكلة بيانه أنه صادر من مقر تواجده في عاصمة دولة أخرى، وإن كانت عاصمة بلاد شقيقة جارة.
ولكي تتمكن الحكومة التوافقية من تسلّم مؤسسات الدولة السيادية وجهاتها التابعة، عليها أن تتمكن من مزاولة عملها من العاصمة طرابلس أو من أرض ليبية في النهاية ولو كانت قرية نائية. فهل هذا متاح لها؟!، أو بالأحرى هل بوسع القوى الغربية (الأوروأمريكية) تمكينها من ذلك؟!.
كلام أوروبي كثير، فرنسي/ إيطالي، على الخصوص، يُبدي الاستعداد “لحماية الحكومة” لكن بدون تبيان كيف يتم ذلك عملياً.
كمراقب صحفي ومحلل سياسي يجوز لي التأكيد على قول مارتن كوبلر رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بأن غالبية الليبيين الساحقة يؤيدون حكومة موحدة. هو حددهم بنسبة 95٪ من سكان ليبيا، ولست مسؤولاً عن أرقامه.
لكن واضح، من معطيات واقع الليبيين المتدهور على نحو متدحرج، أن التفريط في مخرج “حكومة المجلس الرئاسي التوافقية”، على كل ما يمكن أن يقال في تركيبتها وأشخاصها من عيوب، سوف يفضي بالبلاد وعبادها أكثر فأكثر نحو مزيد من الفوضى والخراب….