ستة ملايين دولار فقط هي حصيلة بيع جزء من ممتلكات بن علي وأسرته، والتي تضم المئات من الشركات والعقارات والمنقولات والسيارات التي تم انتزاعها بعد الثورة من 114 فردا من عائلة الرئيس المخلوع وأقربائه.

الحصيلة التي وصفها خبراء “بالهزيلة” كشف عنها وزير المالية سليم شاكر حين أعلن مؤخرا أمام لجنة برلمانية عن بيع أكثر من 200 ملك مصادر.

ستة ملايين دولار فقط هي حصيلة بيع جزء من ممتلكات بن علي وأسرته، والتي تضم المئات من الشركات والعقارات والمنقولات والسيارات التي تم انتزاعها بعد الثورة من 114 فردا من عائلة الرئيس المخلوع وأقربائه.

الحصيلة التي وصفها خبراء “بالهزيلة” كشف عنها وزير المالية سليم شاكر حين أعلن مؤخرا أمام لجنة برلمانية عن بيع أكثر من 200 ملك مصادر.

يقول شاكر لمراسلون إن الدولة أنجزت منذ سقوط النظام السابق في 2011 إلى حدود العام الماضي 212 عملية بيع لممتلكات مصادرة بقيمة 490 مليون دولار صرفت منها 484 مليون دولار في تسديد ديون شركات وصيانة عقارات وسيارات مصادرة ونفقات أخرى.

ويوضح من خلال مثال طرحه، بأن الدولة عندما قامت في عام 2013 ببيع أسهم سبع شركات مصادرة من أقارب بن علي بقيمة 690 مليون دولار أجبرت على تسديد ديون بعض منها على غرار شركة “تونيزيانا” للاتصالات التي كان يستأثر صهر الرئيس المخلوع صخر الماطري بربع رأس مالها.

شبهات فساد

ليس لهذا السبب فحسب كانت حصيلة مبيعات ممتلكات بن علي وأتباعه ضعيفة حسب  وزير المالية.

فقد كشف الأخير بأن 153 من الشركات المصادرة توقفت عن النشاط بعد فرار أصحابها عقب الثورة وتراجعت قيمتها في حين أن هناك 136 شركة تقل نسبة الأسهم المصادرة فيها عن 50 بالمائة ولا تشكل أهمية مالية كبرى وفق قوله.

تلك الحصيلة المتواضعة شكلت صدمة للرأي العام الذي كان متفائلا من جمع عائدات كبيرة بعد استحواذ الدولة على ممتلكات الرئيس السابق عقب هروبه من تونس يوم 14 جانفي/يناير 2011 واستقراره بالسعودية صحبة زوجته.

وصودرت بعد الثورة 544 شركة ناشطة في مختلف المجالات و539 عقارا في مختلف المناطق الراقية بالبلاد إضافة إلى 148 سيارة و65 ألف منقول كالهدايا الثمينة والمجوهرات واللوحات الفنية إضافة إلى حسابات بنكية ومحافظ مالية.

لكن انتفاع الدولة بمبلغ بسيط (6 مليون دولار) من عمليات التفويت (الخصخصة) في جزء هام من الشركات والعقارات والمنقولات لم يستستغه خبراء اقتصاد ووجهوا سيلا من الاتهامات إلى الحكومات المتعاقبة حول وجود شبهات فساد وسوء تصرف.

المسار الخاطئ

يقول الخبير الاقتصادي معز الجودي لمراسلون إن هناك سوء تصرف وفساد في إدارة ملف الأملاك المصادرة، معتبرا أن المسار الذي تم إتباعه كان خاطئا منذ البداية حيث “كان من الأفضل محاسبة المعنيين بالمصادرة قبل انتزاع أملاكهم”.

وعن سبب تدني العائدات رغم أن المممتلكات كانت تقدر بأثمان خيالية يرى الجودي بأن تعيين الدولة متصرفين قضائيين تنقصهم الكفاءة لإدارة المؤسسات المصادرة بعد الثورة “أثر سلبا على قيمتها في السوق”.

ويؤكد بأن طريقة التصرف في المؤسسات من قبل هؤلاء زادت من حجم الخسائر “فتحولت من مؤسسات منظمة ومهيكلة إلى مؤسسات تشكو الإفلاس وتعاني من الصعوبات”.

كما أشار إلى أن الحكومات المتعاقبة تسببت في تراجع أنشطة الكثير من الشركات المصادرة بسبب البطء في اتخاذ القرارات التي تحتاجها تلك الشركات للحصول على تمويلات وتسهيلات في مناخ اقتصادي يتسم بمنافسة كبيرة إلى درجة أن “البنوك رفضت منح تمويلات لها بتعلة أنها تابعة للنظام السابق”.

دمار شامل

يشاطره هذا الرأي القيادي في حزب نداء تونس (الحزب الحاكم) عبد العزيز القطي الذي يرى أنه في ظرف خمس سنوات حصل “دمار شامل” للأملاك المصادرة.

وبين أن عددا من الشركات أضحت في حالة مزرية بعد أن كانت من أفضل الشركات في البلاد على غرار شركة اسمنت قرطاج (يملك أسهماً فيها صهر الرئيس التونسي، بلحسن الطرابلسي، الذي فر بعد الثورة إلى كندا).

ورغم شبهات فساد في إدارة وبيع ممتلكات بن علي وعائلته والتي دفعت دائرة المحاسبات (جهاز رقابي مستقل) للشروع في التدقيق في هذا الملف، فإن جهات سياسية عديدة تؤكد بأن تدني العائدات يعود إلى طول الإجراءات القانونية المتبعة في هذا الملف، والذي أثر على أرباح الشركات وسلامة العقارات والسيارات.

فالبرلمان التونسي على اختلاف توجهات نوابه أقر بأن الإجراءات المتبعة للتفويت في الأملاك كانت طويلة جدا وأن الملف أضحى عبئا ثقيلا على الحكومة وفق ما ذهب إليه النائب كريم الهلالي عن حزب آفاق تونس داعيا إلى وجوب التسريع في الإجراءات الإدارية واختصارها من أجل بيع الممتلكات المصادرة في حالة جيدة.

قرارات ثورية

وعن صعوبة بيع الممتلكات المصادرة يؤكد وزير المالية لمراسلون بأن الإجراءات تتطلب في بعض الأحيان سنتين من خلال إنجاز عشرة مراحل. أما في مجال بيع العقارات فإن ذلك يتطلب 15 مرحلة وهو ما يضيع وقتا كثيرا على الحكومة.

مع ذلك يشدد الوزير على وجوب احترام الإجراءات المتبعة “ضمانا للشفافية والنزاهة والوضوح وتجنبا لكل الشبهات أو المحاسبة والمساءلة”.

لكن النائب عن الجبهة الشعبية منجي الرحوي يقول لمراسلون إن التعاطي مع ملف المصادرة كان يتطلب قرارات ثورية لحسم الموضوع، موجها أصابع الاتهام إلى الحكومات المتعاقبة التي اعتبرها مساهمة في سوء التصرف في الملف، ما جعله يترنح ويراوح مكانه طويلا.

جرد مفصل

شبهات الفساد مطروحة بقوة في ملف المصادرة الذي قررت دائرة المحاسبات وهي جهاز حكومي رقابي على سلامة المال العام المباشرة في التحقيق فيه. وفي السياق يقول الخبير الاقتصادي معز الجودي إن بعض المتصرفين القضائيين ممن تحملوا مسؤولية إدارة الشركات المصادرة “يواجهون قضايا أمام المحاكم بتهمة القيام بعمليات فساد وتحيّل”.

ويرى الجودي بأن الإخلالات في الممتلكات بلغ درجة استخدام الحكومات المتعاقبة عائدات مالية متأتية من الممتلكات المصادرة في التسيير العادي للدولة. وقد كان من الأجدر بحسب هذا الخبير تخصيص صندوق ادخار خاص بها أو تجميدها.

وتساءل هذا الخبير عن سبب عدم نشر وزارة المالية جردا مفصلا بالأموال التي صرفت لإضفاء الشفافية على هذا الملف الذي يثير تساؤلات محيرة لدى الرأي العام وفق رأيه.

اتهامات باطلة

في المقابل يشدد وزير المالية سليم شاكر على أن وزارته تتبع إجراءات تتسم بالشفافية والنزاهة في التعاطي مع ملف الممتلكات المصادرة. ويؤكد أنه تم رفض بيع ممتلكات بأقل من قيمتها تجنبا للاتهامات الباطلة على الرغم من أن القانون يسمح ببيع ملك منزوع لفائدة الدولة حتى بأقل من سعره الحقيقي.

واعتبر الوزير بشيء من الانفعال أنه كان من المفروض عدم إسناد ملف المصادرة لوزارة المالية المطالبة في المقام الأول بإعداد ميزانية الدولة والسهر على متابعة التوازنات المالية والإشراف على عملية الإصلاح الجبائي وسن الإصلاحات الضرورية لإعادة إطلاق الاقتصاد التونسي الذي يشكو من تراجع في معدل النمو (0.3 بالمائة).

وتخطط وزارة المالية لتعبئة 200 مليون دينار (100 مليون دولار) خلال هذا العام من خلال التفويت في 16 شركة مصادرة خلال سنة 2016 بعد أن باعت حصتها في 7 شركات مصادرة على امتداد السنوات الماضية جنت منها (690 مليون دولار) لكن أغلبها ذهب لسديد ديون شركات ونفقات أخرى.

أما بخصوص السيارات فأوضح وزير المالية سليم شاكر في حديثه لمراسلون بأنه سيتم التفويت في 17 سيارة خلال سنة 2016 وفق إجراءات خاصة نظرا لقيمتها المالية الباهظة باعتبار أنه لا يوجد لها مثيل في العالم وأنه تم تصنيعها خصيصها للرئيس السابق على غرار سيارة “مايباخ” الألمانية الصنع.