يفشل مجلس النواب مرة بعد مرة في عقد جلسة مكتملة النصاب يتخذ فيها قراراً بشأن حكومة الوفاق الوطني بعد أن كان على وشك التصويت غداة معركة بنغازي الأخيرة.
وفي الجلسة الأخيرة التي عقدت يوم 23 فبراير/شباط الماضي نشب خلاف بين أعضاء المجلس حول عدد النواب اللازم لإقرار الحكومة.
إذ يضم مجلس النواب من الناحية الرسمية 200 نائباً، إلا أن 12 منهم من مدينة درنة ومناطق أخرى تشهد تدهوراً أمنياً لم يتم انتخابهم.
يفشل مجلس النواب مرة بعد مرة في عقد جلسة مكتملة النصاب يتخذ فيها قراراً بشأن حكومة الوفاق الوطني بعد أن كان على وشك التصويت غداة معركة بنغازي الأخيرة.
وفي الجلسة الأخيرة التي عقدت يوم 23 فبراير/شباط الماضي نشب خلاف بين أعضاء المجلس حول عدد النواب اللازم لإقرار الحكومة.
إذ يضم مجلس النواب من الناحية الرسمية 200 نائباً، إلا أن 12 منهم من مدينة درنة ومناطق أخرى تشهد تدهوراً أمنياً لم يتم انتخابهم.
وشهدت الجلسة الأخيرة مشادات كلامية بين النواب بعد توارد أخبار عن تقدم قوات الجيش التابع لمجلس النواب (بقيادة الفريق ركن خليفة حفتر) في بنغازي، ما أدى إلى رفع الجلسة وإلغاء عملية التصويت.
منذ ذلك اليوم لم يكتمل نصاب أية جلسة للمجلس. ويبدو أن النواب المؤيدين للجيش يسعون إلى عدم اعتماد الحكومة ويرى عدد منهم أن اعتمادها يعدّ ضربة للجيش، وهو ما قاله النائب عيسى العريبي وكرره آخرون في أكثر من مناسبة.
من جانب آخر أعلن عدد من النواب في بيان رسمي أن مائة نائب وافقوا على الحكومة ووقعوا عريضة بالخصوص، ما يعكس حدة الصراع الذي يجري تحت قبة البرلمان.
تقدم الجيش
على الأرض، تمكن آلاف النازحين من مناطق الهواري والليثي وبوعطني بمدينة بنغازي من رؤية منازلهم مرة أخرى بعد أن تركوها منذ أكثر من عام. وعمت الاحتفالات أرجاء المدينة على الرغم من الدمار الذي لحق بمناطق الاشتباكات.
القائد العام للجيش التابع لمجلس النواب الفريق ركن خليفة حفتر وجه نداءً إلى القوات المناوئة للجيش بتسليم أنفسهم، متعهداً بأن يلقوا معاملة قانونية في إطار المحاكم الليبية. ووجه تحذيراً للمجموعات التي تدعي تبعيتها للجيش وتقوم بأعمال تخريبية، وهددها بالملاحقة القانونية.
وكانت قوات الجيش قد أعلنت سيطرتها على 90% من مدينة بنغازي بعد تقدمها في مناطق الليثي والهواري وبوعطني جنوب المدينة، إضافة إلى أجزاء واسعة من قاريونس في الغرب وكذلك في الصابري ومنطقة البلاد وسط المدينة.
تهيئة المناطق
المجلس البلدي في بنغازي أكد وجود خطة لتأمين المناطق التي سيطر عليها الجيش وإزالة المخلفات منها، فيما تقوم شركة الخدمات العامة بإجراء حملات لإزالة الأتربة والمخلفات وفتح الطرق المغلقة.
ويقول عوض القويري عميد المجلس البلدي في بنغازي لـ”مراسلون” إن منطقة الليثي (منطقة سكنية جنوبي المدينة) تحتاج أياماً معدودة كي تصبح الحياة ممكنة فيها. إلا أن منطقة الصابري المطلة على البحر والتي لم يتمكن الجيش من السيطرة عليها كلياً تعاني من تلوث بيئي كبير يحتاج شهراً على الأقل لمعاجلته بحسب عميد البلدية.
تحذيرات المجلس البلدي والسلطات العسكرية والهلال الأحمر الليبي من وجود الألغام ومخلفات الحرب في المناطق التي سيطر عليها الجيش حديثاً لم تمنع الأهالي من العودة إلى منازلهم.
وشهدت هذه الأحياء حضوراً مكثفاً للسكان الذين جاؤوا للاطمئنان على أملاكهم الخاصة، وسط الدمار ورائحة الحرائق والركام، وانتشرت أخبار عن تفجر ألغام كانت مزروعة في المنازل هنا وهناك ووقوع عدد من الضحايا.
عبدالله الثني رئيس الحكومة المؤقتة التابعة لمجلس النواب المعترف به دولياً زار بنغازي يوم الأحد ودعا إلى فتح الموانئ والمطارات، بينما أكد وزير الداخلية محمد المدني على أن الوزراة ستقوم بتأمين المدينة وتنشئ بوابات إلكترونية للكشف عن المفخخات والأسلحة.
ثمن باهظ
الوصول إلى هذه المرحلة لم يكن بخس الثمن، إذ قضى العشرات من العسكريين والمتطوعين في المواجهات التي بدأت منذ إطلاق عملية “دم الشهيد” في العشرين من فبراير/شباط الماضي، وعلى الرغم من تكتم المصادر الطبية عن أعداد الضحايا إلا أن أربعين شخصاً على الأقل قتلوا في هذه المواجهات وفقاً لمصادر عسكرية.
وتتواصل أعمال فرق الهلال الأحمر الليبي في انتشال الجثث من المناطق التي سيطر عليها الجيش. وتمكن متطوعوه في يوم واحد من انتشال 13 جثة من عدة مناطق في المدينة، بينما عثر الجيش على 14 جثة في إحدى المزارع التي كان فيها عناصر مجلس شورى ثوار بنغازي في الهواري، كانت محفوظة في مبردات.
طرابلس تستنكر
في الجهة الأخرى من ليبيا عبرت حكومة الإنقاذ التابعة للمؤتمر الوطني العام عن استنكارها لما سمته “التصعيد العسكري في بنغازي”. واتهم رئيسها خليفة الغويل قوات الجيش باستدعاء قوات فرنسية لإدارة المعارك وهو الأمر الذي نفاه العقيد ونيس بوخمادة آمر القوات الخاصة الصاعقة.
وطالب رئيس حكومة الإنقاذ في مؤتمر صحفي بوقف الأعمال العسكرية في بنغازي واجدابيا وفتح ممرات آمنة للأطقم الطبية والإنسانية. واتهم الغويل القوات المسلحة التابعة لمجلس النواب بأنها وتنظيم داعش “وجهان لعملة واحدة يهدفان إلى محاربة ثورة فبراير” حسب تعبيره.
وعلى الرغم من أن القوات المسلحة تحارب تنظيم داعش وما يعرف بمجلس شورى ثوار بنغازي في المدينة، إلا أن سلطات طرابلس ترفض الاعتراف بوجود داعش في بنغازي، وتثني على “صمود الثوار” فيها، على الرغم من عدم ارتباط مجلس شورى الثوار بالمؤتمر الوطني أو حكومته بشكل إداري واضح.
فرح العودة
استنكار سلطات طرابلس ومؤيديها لم يمنعا عدداً كبيراً من أهالي بنغازي من الاحتفال في ساحات المدينة وشوارعها. ولم تتوقف الاحتفالات لأيام حيث عبر أناس عن سعادتهم بتقدم الجيش وبعودتهم إلى بيوتهم وقرب انتهاء الحرب.
يقول عبد الرؤوف علي، 29 عاماً، والذي يعمل طبيباً إنه يشعر “بالامتنان لله لبدء حياة جديدة”، بعد أن قضى أشهراً طويلة في الهم اعتقد خلالها أنه خسر كل شيء.
عبد الرؤوف تمكن أخيراً من زيارة منزله الذي عاش فيه مع والديه وإخوته بعد خروجه منه في 2014، حاله حال كثيرين فرحوا حتى ببقايا منازلهم المدمرة.
“فرحة غير طبيعية أكبر من فرحتي بالعيد” بهذه الجملة عبر علي أحمد، 20 عاماً، عن مشاعره بعد عودته إلى منزله في منطقة الليثي التي سيطر عليها الجيش. وقال لـ”مراسلون” إنه سعيد برؤية الفرح في عيون الناس. وبهذه المشاعر لا يشك بأن بنغازي ستبدأ المضيّ في “الطريق الصحيح”.
أما محمد منصور، 50 عاماً، فقال إن فرحته اختلطت بالحزن على الشباب الذين قضوا في هذه الحرب. وهو يرى أن “المستقبل غامض والدولة اتجهت إلى الفشل بعد الثورة”.
العملية السياسية
“الحسم العسكري في بنغازي سيؤثر على العملية السياسية في ليبيا”. هذا ما قاله أستاذ العلوم السياسية أحمد نجم. إذ أكد على أن مفاوضات تجري لإنقاذ ما وصل إليه الاتفاق السياسي من خلال مشاورات عقدت في مصر بين عقيلة صالح، رئيس البرلمان، وفايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، ومارتن كوبلر، رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا.
نجم يؤكد أن المجتمع الدولي غير متفق حول ليبيا بشكل كامل وهو ما ظهر في مؤتمر روما. وأبدى تخوفه من أن يتجه المجتمع الدولي إلى التعامل مع ليبيا والسلطات الموجودة فيها على شكل “قطاعات منفصلة” بعد التطورات الأخيرة مما يعمق من هوّة الانقسام بحسب رأيه.
ويرى الباحث الليبي أن موقف مجلس النواب في بنغازي من حكومة الوفاق الوطني لا بد أن يتكشف في جلساته القادمة، وربما سيوضح المشهد قليلا، إضافة إلى تكشف نية قيادة القوات المسلحة التي تتقدم على الأرض باتجاه السيطرة على كامل مدينة بنغازي.