أصدر النائب العام المصري قرارا بحظر النشر في التحقيقات الجارية الشهر الماضي بشأن تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات حول الفساد..هكذا مَنَّعَ كلام الإعلام، وغابت الحقيقة، ولم يتوقف الناس عن التخمين حجم هذا الفساد، ومصير رئيس هذه الهيئة الرقابية كذلك!

التقريران الأبرز في مصر أحدهما صدر عن الجهاز المركزي للمحاسبات بالتعاون مع الأمم المتحدة، حول التكلفة المالية للفساد، والآخر  صدر بعد 14 يوما ليتقصى ما جاء بالأول.

أصدر النائب العام المصري قرارا بحظر النشر في التحقيقات الجارية الشهر الماضي بشأن تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات حول الفساد..هكذا مَنَّعَ كلام الإعلام، وغابت الحقيقة، ولم يتوقف الناس عن التخمين حجم هذا الفساد، ومصير رئيس هذه الهيئة الرقابية كذلك!

التقريران الأبرز في مصر أحدهما صدر عن الجهاز المركزي للمحاسبات بالتعاون مع الأمم المتحدة، حول التكلفة المالية للفساد، والآخر  صدر بعد 14 يوما ليتقصى ما جاء بالأول.

في 24 ديسمبر/ كانون أول  الماضي أصدر الجهاز بيانا يوضح عدم دقة ما تداولته وسائل الإعلام من تصريحات لرئيسه هشام جنينة، بأن الفساد العام الماضي تجاوز مبلغ 600 مليار جنيها أي ما يزيد عن 68 مليار يورو. في حين أن هذا التقرير كان عن الفترة من  2012 وحتى 2015، وقد صدر بناءً على طلب من وزارة التخطيط.

ظل التصريح المنسوب لجنينة، ينتشر بشكل واسع، لدرجة أنه صار ضحيته.

أعلنت لجنة تقصي الحقائق، في منتصف شهر يناير/ كانون ثاني الماضي، عن عدم دقة التقديرات الخاصة بحجم الفساد، والتوسع في استخدامه. اللجنة مشُكَّلة بقرار جمهوري ويترأسها رئيس الرقابة الإدارية، وقد أشارت إلى خطورة تصريحات جنينة على محاولات الحكومة لجذب الاستثمارات الأجنبية كذلك.

بسسب هذه التصريحات ستصدر محكمة الأمور المستعجلة بالإسكندرية حكمها في دعوى عزل جنينة من منصبه حماية للأمن القومي في 29 مارس/آذار القادم. تستند هذه الدعوى على نسخة من تقرير تقصي الحقائق، وقانون إعفاء الرئيس لرؤساء الهيئات الرقابية من مناصبهم، رغم أن رئيس الجهاز يفترض أن يستمر في منصبه، حسب الدستور، حتى سبتمبر/أيلول 2016.

توسع في الحظر

صار الكلام عن الفساد ممنوعاً بعد قرار المستشار نبيل أحمد صادق بحظر نشر تحقيقات القضية رقم 75 لسنة 2016 حصر أمن الدولة العليا في 20 يناير/ كانون ثاني الماضي. إذ تسمح المادة 187 من قانون العقوبات المصري بحظر النشر وفرض عقوبة لا تزيد عن الحبس لمدة ستة أشهر، وغرامة قيمتها خمسة آلاف جنيها أي ما يزيد عن 560 يورو، فيما يعرف بجريمة التأثير على سير العدالة. لكن لا الإعلام يفترض أن يكون جهة تحقيق، ولا القرارات والأحكام القضائية يجب أن تتأثر به.

يرى خالد البلشي، رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين المصرية، أن ما يلفت الانتباه هو التوسع في قرارات حظر النشر، فقد صدر خلال العام الماضي 14 قرارا في قضايا رأي عام.

كانت هذه القرارات من دون إعلان أسباب، ما عدا القرار الخاص بمقتل شيماء الصباغ في 24 يناير/كانون ثاني 2015، أثناء حملها  للورود في مسيرة لأعضاء حزب التحالف الشعبي الإشتراكي نحو ميدان التحرير. بسبب تداول معلومات خاطئة عما جرى قررت النيابة، في فبراير شباط 2015، أن تحظر المعرفة وألا تكون مصدرا لنشرها.

وقد قررت محكمة النقض، في 14 فبراير/شباط، إعادة محاكمة ضابط الأمن المركزي بعد إلغاء حكم سجنه مشددا لمدة 15 عاما لقتلها.

فتح الباب للتخمين

حظر نشر قضايا فساد وتعذيب تمس مسئولين أو ضباط يوحي بوجود رغبة في عدم تداول المعلومات، حيث حظر نشر التحقيقات الخاصة بتلقي وزير الزراعة السابق صلاح هلال لرشاوى في أغسطس/ آب 2015 . ويقول البلشي لـ(مراسلون) :”لا أشكك في النيابة، لكن هذا يعطي إيحاء بوجود محاولة لمنع معرفة ما يتصل بالقضايا. يصدر الحظر بشأن قضايا تخص الرأي عام، وإعلان المعلومة أفضل من ترك المجتمع يخمن”.

كما يطالب ريئس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين بوضع قانون يحدد أسباب الحظر. لابد ألا يكون هذا الحق مطلقا دون ضوابط، حيث يوضح :”لا يحظر النشر في قضايا خاصة بسمعة الأفراد أو أعراضهم، رغم أن الأولوية يجب أن تكون حماية الحياة الشخصية للمواطن وهذه مفارقة غريبة”.

ينتقص من الوعي العام

مؤخراً صدرت عن المحكمة الإدارية العليا حيثيات الحكم بإلغاء حظر النشر الصادر في 14 أكتوبر/ تشرين ثاني 2014 بشأن القضية رقم 654 لسنة 2014 حصر أمن الدولة عليا، المعروفة بقضية تزوير الإنتخابات الرئاسية المصرية في العام 2012، بين الرئيس الأسبق محمد مرسي والمرشح السابق أحمد شفيق.

وقد جاء في الحيثيات أن “كل تقييد لحق المواطنين ووسائل الإعلام في الوصول إلى المعلومات الصحيحة والأخبار الصادقة على غير سند من القانون وبدون مبرر يستند للمصلحة العامة، يعد مخالفا للدستور ويهدر الحقوق التي أقرها للمواطنين ووسائل الإعلام”. كما رأت المحكمة أن “كل مساحة تخلو في وسائل الإعلام من المعلومات والحقائق تمتلئ بالأكاذيب والأضاليل، وكل خصم من العلم الصحيح بالحقائق يؤدي إلى زيادة الجهل والانتقاص من الوعي العام، ويؤدي إلى عدم مصداقية وسائل الإعلام ويصرف الناس عن متابعة الشأن العام. كما يجرد وسائل الإعلام من تأثيرها الإيجابي في الدفاع عن الحقوق وحريات المواطنين”. يعتبر البلشي أن هذا الحكم صرخة في مواجهة هذا التوجه المريع بالتوسع في قرارات حظر النشر.

كان البرلمان المصري قد قرر تشكيل لجنة لتقصي الحقائق بشأن تكلفة الفساد، ستنظر التقريريَن الرقابيين، لكن في جلسة 7 فبراير/ شباط بمجلس النواب طالب رئيس مجلس النواب على عبد العال بتأجيل تشكيل هذه اللجنة بسبب الحظر. رفض النواب مقترح رئيسهم، لكن هذه اللجنة لم تُشَكَّل حتى الآن.

رغم أن الدستور ينص حسب المادة 68 أن الوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية. كما تنص المادة 217 على أن تقارير الهيئات الرقابية المستقلة، تنشر على الرأي العام. من المقرر أن تنظر محكمة القضاء الإداري، في 19 أبريل/ نيسان القادم، دعوى إلغاء قرار حظر النشر بشأن تقرير حجم الفساد، وحتى موعد هذه الجلسة ستظل المعرفة محظورة.