“فتاة سنها 32 سنة، جميلة، مثيرة، لا تحمل الأمراض الجنسية، لمن يبحث عن المتعه الثمن 120 دينار (60 دولار) تشمل إيجار المكان”.
هذا الإعلان الذي يقدّم للباحثين عن المتعة مرادهم ورقم هاتفي يتصلون عليه هو أحد الإعلانات الخمسة التي تقوم صفحة علي شبكة التواصل الاجتماعي “الفايسبوك” بنشرها. وهي صفحة يشرف عليها شاب لم يتجاوز سنّه الـ25 سنة بات خبيرا في إدارة شبكة من “بائعات الهوى” في منطقة بومهل في ولاية بن عروس بتونس.
“فتاة سنها 32 سنة، جميلة، مثيرة، لا تحمل الأمراض الجنسية، لمن يبحث عن المتعه الثمن 120 دينار (60 دولار) تشمل إيجار المكان”.
هذا الإعلان الذي يقدّم للباحثين عن المتعة مرادهم ورقم هاتفي يتصلون عليه هو أحد الإعلانات الخمسة التي تقوم صفحة علي شبكة التواصل الاجتماعي “الفايسبوك” بنشرها. وهي صفحة يشرف عليها شاب لم يتجاوز سنّه الـ25 سنة بات خبيرا في إدارة شبكة من “بائعات الهوى” في منطقة بومهل في ولاية بن عروس بتونس.
وفي خانة البحث على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، يكفي أن تكتب أربع عبارات “جنس حقيقي بمقابل في تونس” حتّى تجد عشرات الصفحات التي تقدّم مختلف الخدمات الجنسيّة، بدءاً بالصور وصولاً إلى سوق جنس تخضع لقواعد العرض والطلب، ينطلق الحجز فيها افتراضيا وينتهي بتنظيم لقاء حميمي ومتعة مدفوعة الأجر.
هذه الصفحات التي لا يتجاوز سن أقدمها الثلاث سنوات كانت شبه غائبة منذ 2012 لكنها ومنذ ذالك التاريخ عرفت انتشاراً واسعاً وإقبالاً كبيراً، عكسته التعليقات المنشورة على هذه الصفحات وعدد المتابعين لها، وهم بالأساس من الشباب والكهول الباحثين عن “ولوج عالم المحرّمات” المفروضة عليهم من المجتمع، فيكفي إرسال رسالة إلى مشرف الصفحة او المشرفة عليها لتلقي الإجابة (انظر الصور) ويقع تحديد الثمن والمكان والموعد.
تتكاثر بسرعة
جولة سريعة على بعض هذه الأسواق يكشف بوضوح مدى الإقبال الذي تجده لدى الشباب والشابات. فأعداد المعجبين في صفحة كـ”بنات تونس” تجاوز العشرين ألفاً، وفي صفحة “حسناوات تونسيات” تجاوز عشرة آلاف، إضافة لعشرات الصفحات ذات الأسماء المثيرة لا يقل عدد المعجبين بكل منها عن الثلاثة ألاف معجب لكل صفحة، هذا بالإضافة لمئات المنضوين في مجموعات مغلقة تحتاج إلى إذن مسبق للانضمام إليها.
بداية البحث عن عالم الدعارة الافتراضية لم يكن يسيرا، حيث تواجهك إشكاليتان، الأولى العدد الفعلي لشبكات الدعارة الافتراضيّة، غير الثابت، فهي تتكاثر بسرعة وتندثر أسرع، حالما تبدأ حملة التبليغ ضدّها من رواد الشبكة الزرقاء، وثانيها الشبكات الوهمية التي تنشط من أجل عمليات تحيّل.
إنشاء حساب علي شبكة الفايسبوك باسم مستعار، كان الخطوة الأولى للدخول في الجنس الافتراضي، بعدها انطلقت عملية البحث عن من يقدّم الخدمات الجنسية التي تقوم على ثلاثة محاور: الحرّيف (الزبون)، مدير الصفحة وأخيرا بائعة الهوى التي لا تلتقي بها إلا بعد الاتفاق مع مدير الصفحة الذّي يتولّى التنسيق.
في الأسابيع الأربعة لمدة التحقيق، نشر معدّه عبر حساب باسم مستعار، عشرات العروض الباحثة عن خدمة جنسية في صفحات مخصصة، وقد تضمّن المقابل الماديّ ومواصفات الفتاة، والردّ جاء من مشرفي الصفحات. البداية تكون بتحديد سنك ومن أين أنت ومقر إقامتك وصفات الفتاة التي ترغب في إقامة علاقة جنسية معها وأخيرا يتم تبادل أرقام الهاتف مع الوسيط وتحديد موعد مع في المكان الذي يحدده.
لقاء مع مشرف الصفحة
لم تكن هذه هي الطريقة الوحيدة في التعامل، إذ تختلف الطريقة من صفحة إلى أخرى، كما أن نشر الإعلانات الجنسية على الصفحات المخصصة لتجارة الجنس يدفع ببائعات الهوى اللواتي يشتغلن بمفردهن إلى الاتصال بك عبر رسالة فايسبوك وإرسال أرقامهن لتنسيق لقاء.
“ابحث عن فتاة لا تتجاوز 25 سنة جميلة مثيرة ولا تحمل الأمراض الجنسية لعلاقة جنسية بـ200 دينار تونسي (حوالي مئة دولار أمريكي)” هذا العرض نشره معد التحقيق في عدة صفحات ومجموعات مغلقة تمثل سوقا للدعارة الافتراضية. الإجابة جاءت من صفحة “فتيات بوهمل جنس بمقابل” حيث طلب مشرف الصفة، واسمه المستعار “مينو”، طلب تحديد موعد أولي لمناقشة تفاصيل تتعلق بالخدمة الجنسية. اللقاء كان في منطقة بومهل في مقهى قرب مركز تجاري.
حضر “مينو” وهو شاب لم يتجاوز 25 من سنه يحمل هواتفه الجوالة في يديه، جلس قبالة معدّ التحقيق على الطاولة ودون مقدمات وجه أسئلته حول النوع الذي أحبذه: هل أريد علاقة جنسية سريعة أم اريد تمضية ليلة؟ كم الميزانية التي أخصصها؟ وهل أحمل أمراضا منقولة جنسياً؟
انتهى اللقاء الأول بتحديد الصفات المطلوبة والموعد والتاريخ، فمن أصل خمس فتيات يشتغل معه في شبكة دعارة تدار عبر الهاتف وصفحات الفايسبوك، وقع الاتفاق على أن تكون الفتاة “سوني” (اسم مستعار) هي من سألتقي بها في أحد المنازل بمنطقة الزهراء في العاصمة.
بعد 48 ساعة من اللقاء الاول، وفي الموعد المحدد التقيت بـ”مينو” في المكان الذي حدده واتجهنا سويا، في الطريق شدد مينو على أن المنزل مؤمن وأن صاحبته التي هي أحد أعضاء شبكة الدعارة ستوفر لنا كل سبل الراحة وأن أفراد الأمن لن يداهموا المكان الذي يقع في عمارة سكنية، ورفض أن يوضح إن كان له برجال الأمن علاقات أم أنه يتحدّث بلغة الطمأنة فقط.
الفيسبوك أضمن
عند الوصول إلى أول الشارع الذي تقع فيه العمارة، تركني “مينو” بعد أخذ معلوم خدمته، مع ترك توصية بدفع بقية المبلغ المتفق عليه لبائعة الهوى التي ستقوم بدفع معلوم إيجار الشقة. عند باب العمارة استقبلتني “سوني” بابتسامتها وقادتني إلى شقة في الطابق الأول، حيث وجدنا صاحبة الشقة تنتظرنا، لتضعنا في غرفة وتنصرف إلى شؤونها.
بعد دقائق صمت انطلقت “سوني” في رواية قصتها، فهي امرأة مطلقة وأم لابنة تدرس بالسنة الثانية من التعليم الابتدائي، انخرطت في مجال الدعارة منذ خمس سنوات، حيث كانت تشتغل مع شبكة تديرها امرأة في الخمسين من سنها كانت تنظم لقاءات الحميمة.
في سنوات عملها الثلاث مع هذه السيدة تعرفت على “مينو” الذي أقنعها بتغيير طريقة عملها والذهاب إلى تجربة جديدة ستوفر لها مبلغ مالي أفضل وتوفر لها الحماية والسرية. والأهم بالنسبة لها أنها ستكون قريبة من منزلها ومن مدرسة ابنته. تقول سوني “تنظيم لقاءات عبر الفايسبوك اضمن لي، إذ لن أكون عرضة لأي مخاطر كاللتي كانت تهددني في السابق من قبل بعض الزبائن، كالاعتداء عليّ بالضرب، ولن تعرضني لمداهمة الأمن”.
السرية وعدم وصمها بعبارة “مومس” هي ما تبحث عنه “سوني” ومثلها “جنّات” صاحبة البيت التي التحقت بنا للحديث عن المزايا التي يوفرها العالم الافتراضي لممتهني الدعارة وعن لجوؤها لتأجير غرفة من بيتها لطالبي المتعة لتوفير مبلغ مالي يساعدها على سداد نفقات العلاج، فهي تعاني من مرض مزمن.
طالبة جامعية
اللقاء انتهى وقد قصّت فيه الرواية. فتاة تضطر للاشتغال في الدعارة بسبب الحاجة والفاقة بعد أن طلّقها زوجها و طردها أهلها بسبب إقامتها لعلاقة جنسية مع شاب أحبته، وهذا أيضا ما ترويه إحدى الفتيات اللواتي يعرضن خدماتهن بمفردهن على الصفحات المخصصة لتجارة الجنس.
“أسماء” اسم مستعار، ممشوقة القد جميلة، لا مظهرها ولا طريقة كلامها يوحيان بانها تمتهن الدعارة السريّة. هي طالبة بجامعة المنار تونس، لم يتجاوز عمرها الرابعة والعشرين.
تقول أسماء أن “نمط حياة في العاصمة ومتطلّبات الدراسة دفعتني إلى البحث عن مصدر دخل يعوّض المبلغ الزهيد الذّي يُرسله أهلي لي شهرياً”.
“أسماء” التي قالت إنها كانت تهدف لجمع مبلغ بسيط يساعدها على دفع الايجار والمصاريف اليومية، تقدم اليوم خدمتها الجنسية مقابل 200 دينار تونسي لليلة الواحدة، وهو مبلغ لم يمنع من أن تكون الأكثر طلباً.
تضيف “أسماء” أن تجربتها في الدعارة جاءت بعد أن أنهت علاقتها بشاب طالب كانت تحبه لتدخل عالم الجنس والمال. امتهانها الدعارة جاء مع ظهور صفحات في الفضاء الافتراضيّ توفر لها خيارات عدة في الزبائن. فهي اختارت أول زبون لها منذ سنتين عبر الفايسبوك حينما نشر إعلانا جنسيا يطلب فيه “مواصفات معينة” ويعرض ثمن يبلغ 150 دينار لليلية.
من يومها باتت هذه الفتاة تعتبر أنّ العالم الأزرق “هو الوسيلة الأكثر أمناً وسريّة للعاملين في الدعارة، فالعلاقة تنطلق من وراء شاشة الكمبيوتر، وتنتهي أحياناً دون أن يعرف أحد شيئاً عن الآخر، حتي بعد اللقاء وإقامة العلاقة”.
أضعاف السعر
لجوء بائعات الهوى إلى العالم الأزرق لتسويق خدماتهن يعود لعامل الأمن ولكن بالأساس إلى المقابل المادي المرتفع. فعلاقة وحيدة يصل ثمنها إلى 250 دينار ولا يقل عن 100 دينار، وهو مبلغ مرتفع مقارنةً بأسعار المواخير المرخّص لها ويمثل عشرة أضعاف فما فوق. وبالعودة للمقاييس المعتمدة في تحديد ثمن المتعة، فالفتاة تحدد سعر العلاقة معها انطلاقاً من سنّها وأوصافها الجسمانيّة، بالإضافة إلى مدّة اللقاء ومكانه وكلفة التنقّل.
بعيدا عن أعين الرقابة واعوان الامن تنشط هذه الشبكات التي تختفي من شبكات التواصل الاجتماعي بسرعة نشوئها، والسبب ليس ملاحقة الدولة لهم، فسهام الرقيق المكلفة بالاتصال في وزارة التكنولوجيا أكدت “أن مصالح الوزارة، ومنها الوكالة التونسية للانترنت لا تقوم باغلاق اي موقع على شبكات التاصل الاجتماعي إلا بحكم قضائي” مضيفة أن “مصالح الوزارة لم تتلقي اي حكم يجيز غلق هذه الصفحات”.
وأشارت السيدة الرقيق إلى أن القضاء التونسي كان قد أصدر حكما يقضي بمنع إغلاق المواقع الاباحية. هذه الحكم الصادر في أيار/مايو 2011 يلزم الجهات الرسمية بعدم حجب اي موقع ذي محتويات جنسية، وهو ما يجعل من تدخل الأجهزة الرقابية بطيء بسبب ارتباطها بحكم قاض ياذن بغلق الصفحات. وعن عدد الاحكام الصادرة بهذا الشان تؤكد وزارة العدل التونسية والنيابة العمومية أنها لا تمتلك إحصائيات بخصوص هذا النوع من القضايا.
غياب الإحصائيات الرسمية يستمر لدي وزارة الداخلية المناط بعهدتها تتبع هذه القضايا. فقد أكد وليد الوقيني أن مصالح وزارة الداخلية المكلفة بتتبع شبكات الدعارة والبغاء لا تمتلك معطيات عن حجم الشبكة الناشطة في الفضاء الافتراضي. وقال إن قوات الأمن تحيل ملفات الدعارة إلى القضاء وأن جل الملفات المحالة تتعلق بشبكات تقليدية، تنشط في منازل وتستقطب الزبائن بطريقة تقليدية عبر المراودة في الأمكان العامة”.
مواخير أون لاين
انتقال نشاط شبكات الدعارة من الواقعي الي الافتراضي يقابله فراغ في القوانين التونسية، فالمشرّع الذي عالج مسألة الدعارة والبغاء التقليدية تجاهل التطور الحاصل، مما يجعل الدعارة الافتراضية تخضع بدورها لترسانة القوانين السابقة، مثلما ذكر المحامي لطفى واجه.
وينص الفصل 231 من المجلة الجنائية على أن معاقبة العاملات في تجارة الجنس بالسجن من 6 أشهر إلى عامين وبخطية (غرامة مالية) من 20 دينار إلى 200 دينار. ويعتبر مشاركًا ويعاقب بنفس العقوبات كل شخص اتصل بإحدى تلك النساء جنسياً.
هو ما تكرر في الفصل 232 الذي نص على معاقبة الوسطاء بالسجن من عام إلى 30 عاماً، وبالخطية من 100 إلى 500 دينار. وهم أولئك يعينون ويحميون أو يساعدون بأي وسيلة على جلب الناس إلى الفتاة او يتقاسمون معها الأموال المتحصلة من الدعارة او يدفعون شخصاً ولو برضاه إلى ممارسة الدعارة.
هذه الترسانة القانونية لم تحل دون أن تكون تونس الدولة العربية الوحيدة التي سنت قانون ينظم “البغاء العلني” ويجيز فتح مواخير خاضعة لإشراف وزارتي الداخلية والصحة، وذلك منذ 1941 عندما أصدر المستعمر الفرنسي قانونا نظّم فيه هذه “المهنة” ظل معمولا به بعد الاستقلال 1956 إلى اليوم.
هذا القانون أفضى قبل 2011 إلى فتح 13 ماخور في 13 ولاية تونسية، أشهرهم ماخور عبد الله قش بالعاصمة ويتكون من 25 محل دعارة و50 غرفة فردية ويشغّل حوالي 130 مومسا، منهن 51 مومسا يشتغلن لحسابهن الخاص بغرف فردية و79 مومسا يشتغلن لحساب 25 مشرفة على محلات الدعارة.
لكن غرف التحادث على الانترنت وأساسا العالم الازرق أصبحت بديلا عن هذه المواخير التقليدية وهو ما يتطلب مواكبة المشرع لمثل هذا التطور في المجتمع التونسي. “فنحن ازاء عالم تواصل جديد يتطلب تشريعات وتنظيمات جديدة” يقول المحامي لطفي واجه.