في أبريل عام 1996 دخل القذافي في غيبوبة قصيرة، وعندما استيقظ علم أن القذاذفة اجتمعوا خلال غيبوبته في سرت وبحثوا عن خليفة له، فأمر القذافي قوات بلقاسم القانقا ومصباح العروسي بتطويق سرت وتفتيش جميع بيوتها ما عدا بيت عمه، وصادرت القوات المدججة كل ما وجدوه من أسلحة وأموال، وعندها علمت أن القذافي يتصرف وكأنه لن يموت.

وترسيخاً لهذه الفكرة وبعد تجميده العمل بالدستور الليبي منذ عام 1969، لم يسعَ القذافي خلال فترة حكمه الممتدة اثنين وأربعين عاماً إلى وضع آلية دستورية تضمن انتقالاً سلمياً للسلطة في حالة غيابه عن المشهد.

في أبريل عام 1996 دخل القذافي في غيبوبة قصيرة، وعندما استيقظ علم أن القذاذفة اجتمعوا خلال غيبوبته في سرت وبحثوا عن خليفة له، فأمر القذافي قوات بلقاسم القانقا ومصباح العروسي بتطويق سرت وتفتيش جميع بيوتها ما عدا بيت عمه، وصادرت القوات المدججة كل ما وجدوه من أسلحة وأموال، وعندها علمت أن القذافي يتصرف وكأنه لن يموت.

وترسيخاً لهذه الفكرة وبعد تجميده العمل بالدستور الليبي منذ عام 1969، لم يسعَ القذافي خلال فترة حكمه الممتدة اثنين وأربعين عاماً إلى وضع آلية دستورية تضمن انتقالاً سلمياً للسلطة في حالة غيابه عن المشهد.

فيما كان سيف الإسلام القذافي يستعد لخلافة والده من خلال مشروع ليبيا الغد، كان يعلم أن الطريق إلى الخيمة يعرقله الجالس في الخيمة، أما إذا اختفى القذافي فجأة فسيزاحمه أخوه المعتصم على كرسي والده، وكان سيف الإسلام يردد بأن ما حدث بين أبناء علي القره مانللي سيتكرر بينه وبين أخوته (المحرر: أشهرهم يوسف باشا القره مانللي والي طرابلس الذي قتل أخاه حسن وعزل أخاه أحمد الذي كان أحق منه بالسلطة وأودعه السجن عام 1795)، سيف كان يضمن ولاء والدته وشقيقته عائشة بالإضافة إلى محمد وهانيبال وسيف العرب، ويدرك أن المعتصم بشخصيته العنيفة سيقف في طريقه يسانده الساعدي.

لم أذكر خميس لأن خميس هو المستفيد من هذه المواجهة فهو العسكري الوحيد بين أبناء القذافي، ويقود قوات النخبة في كتائب القذافي وخاصة اللواء معزز 32، وإذا انحاز خميس إلى أحد أخويه فستنتهي المعركة مبكراً، وهو على علاقة جيدة مع جميع إخوته، ومن خلال سيرته ندرك أن خميس كان يخطط بهدوء للوصول إلى السلطة، فعلى خلاف المعتصم والساعدي وهانيبال الذين يحملون رتباً عسكرية ويمارسون أنشطة أخرى، تفرغ خميس للعسكرية بشكل كامل، وتحصل على دورة في الأركان وعاش منضبطاً وسط جنوده، كما اهتم بالعلوم السياسية والدكتور فتحي البعجة الذي كان يدرسه يشهد على حسن مسلكه وتواضعه، والعسكري الذي يهتم بالعلوم السياسية يؤكد أنه يفكر في ما هو أبعد من المجال العسكري.

إذا اختفى القذافي قبل فبراير كانت ستنقسم البلاد مثلما هي منقسمة الآن، وسيؤيد الشباب سيف الإسلام بينما سيعارضه الحرس القديم واللجان الثورية، وقبيلة القذاذفة وحلفاؤها ومن أطلق عليهم لقب “القطط السمان”، بينما سيؤيده الإخوان المسلمون الذين وضعوا كل بيضهم في سلته، وقد ينسحبون من المشهد في انتظار ما تنجلي عنه غبار المعركة، كما سيؤيد سيف الإسلام الليبراليون والمعارضون الذين عادوا من المنفى، وسيقف عبد الله السنوسي على الحياد بعد أن يفشل في التوفيق بينهما.

يفضل سيف الإسلام أخواله على أعمامه كما يفضل قضاء إجازاته في الجبل الأخضر على الذهاب إلى سرت، وهو ما قد يجعل قبائل شرق ليبيا تقف معه، بينما يعتبر القذاذفة المعتصم هو رجل القبيلة القوي، وغالباً ما سيقارنونه بصدام حسين الذي حكم العراق بقبضة من حديد متيحاً لأبناء تكريت معظم المناصب المدنية والعسكرية، وحتى ينجح المعتصم في الوصول إلى السلطة لابد أن يكسب ثقة قادة الكتائب من قبيلة القذاذفة، مثل البراني اشكال آمر كتيبة امحمد إلا أن ما حدث بعد ثورة فبراير كشف الحقد الدفين للبراني اشكال على القذافي لقتله حسن اشكال في الثمانينات (المحرر: تخلى البراني اشكال آمر إحدى أقوى الكتائب الأمنية التي كانت تسيطر على طرابلس خلال الثورة عن القذافي حين أمر كتيبته بالانسحاب دون حرب بمجرد وصول قوات الثوار إلى العاصمة نهاية أغسطس 2011).

على خلاف جميع إخوته لم تسجل على خميس أي فضيحة لا مالية ولا أخلاقية، ولم يعرف عنه السفر إلى الخارج والإقامة في أماكن فاخرة، ودائماً ما يظهر على شاشات القنوات التلفزيونية وهو يرتدي ملابسه العسكرية وسط جنوده، كما أن علاقته بقبيلته قوية وهو الوحيد من أخوته الذي خطب فتاة من قبيلته، كما أنه كان يحترم رفاق أبيه وكان يخاطب الوزراء بكلمة يا سيدي، وهو ما يعني أنه كان يخطط بهدوء وذكاء ليخلف أباه.

بناء على ذلك فإن أقرب سيناريو محتمل كان دخول البلاد في أزمة حادة، ونشوب معارك هنا وهناك وفي تقديري سيجلس خميس على الحياد، حتى تظهر كل مساوئ أخويه، قبل أن يتفق مع الشخصيات القوية في النظام على الحلول محل أخويه اللذين سيخرجان إلى المنفى كما خرج رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد من سورية، والعوامل التي ستجعل الشخصيات القوية في النظام تميل إلى خميس هو شخصيته التي يمكن القبول بها، فالمعتصم طاغية سيجعل من ليبيا مثل كوريا الشمالية تحت حكم طاغيته الحالي، أما سيف الإسلام فعرف بالرعونة والسذاجة ولا يعرف بالتحديد إلى أين يقود البلاد، وسيخشى الحرس القديم من أن ينهار النظام كما انهار الاتحاد السوفييتي تحت إصلاحات غورباتشوف، بينما يستطيع خميس قيادة البلاد في ظل وجود الحرس القديم الذي سيتخلص منه ببطء، وستتحول ليبيا في ظله إلى دولة تشبه الدول المجاورة بدستور وجيش محترف وأحزاب وبرلمان منتخب، إلا أنها ديمقراطية شكلية سيتربع على قمتها نفس القبائل المتحالفة مع القذاذفة.