لفهم القصة لا بد من تبيان مفاصل بنيانها الرئيسة. خليفة بلقاسم حفتر مواليد 1943 بمدينة إجدابيا غرب بنغازي. تخرج من الكلية العسكرية الملكية عام 1966 وشارك كملازم أول في انقلاب القذافي على النظام (سبتمبر 1969).

وبحسبانه ينتمي إلى قبيلة الفرجان المنتشرة في المنطقة الوسطى، إحدى أعمدة تحالف نظام العقيد القذافي القبلي، سرعان ما ترقى الملازم حفتر حتى وصل إلى رتبة عقيد عام 1980. ثم عُين قائداً للقوات البرية.

لفهم القصة لا بد من تبيان مفاصل بنيانها الرئيسة. خليفة بلقاسم حفتر مواليد 1943 بمدينة إجدابيا غرب بنغازي. تخرج من الكلية العسكرية الملكية عام 1966 وشارك كملازم أول في انقلاب القذافي على النظام (سبتمبر 1969).

وبحسبانه ينتمي إلى قبيلة الفرجان المنتشرة في المنطقة الوسطى، إحدى أعمدة تحالف نظام العقيد القذافي القبلي، سرعان ما ترقى الملازم حفتر حتى وصل إلى رتبة عقيد عام 1980. ثم عُين قائداً للقوات البرية.

في العام 1987 كلفه القذافي بقيادة حملة حربية ضخمة العتاد والعداد لغزو تشاد وإسقاط نظام حكمها. انتهت عملية الغزو تلك بهزيمة مخزية للجيش الليبي، حيث قُتل آلاف الجنود ووقع قائدهم (العقيد حفتر) مع المئات من ضباطه وجنوده في أسر القوات التشادية. ونتيجة للتدخل الأمريكي عند الرئيس التشادي وحلفائه الفرنسيين، خُيّر الأسرى الليبيون بين العودة لبلادهم أو نقلهم للإقامة في الولايات المتحدة.

وبينما فضل القليل جداً منهم العودة إلى ليبيا اختار معظمهم الذهاب إلى أمريكا. وكان العقيد حفتر على رأسهم. حيث استقر به المقام في “فرجينيا”. انضم إلى المعارضة الليبية بقيادة “الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا” وشغل فيها منصب “قائد الجيش الوطني”. وقد حاول كما نشرت صحيفة الواشنطن بوست (26 مارس 1996) أن يؤسس قوة عسكرية من الليبيين المنفيين على طراز “الكونترا”، كي يقود بهم تمرداً عسكرياً من الحدود الليبية التشادية بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية.

لكن ذلك المخطط رُكن في الأدراج بعد سيطرة ادريس دبي قائد المتمردين وصنيعة القذافي على السلطة في أنجامينا العام 1990. فاتجهت قيادة “الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا” إلى التخطيط لمحاولة انقلاب عسكري من خلال التواصل مع ضباط وطنيين بالداخل. لكن تم كشف العملية قبل تنفيذها بأيام في أكتوبر 1993. ونتيجة لفشل المحاولة الانقلابية وما ثار حولها من اتهامات متبادلة داخل “جبهة الانقاذ” بشبهة تسريب معلومات عنها، انشق العقيد حفتر عن المعارضة، وعقد صفقة مع النظام برعاية مصرية، تم بموجبها ضمان إقامته وعائلته في مصر شرط عدم ممارسته لأي عمل سياسي معارض لنظام القذافي.

مذاك انعدم دور العقيد حفتر المعارض، إلى أن تفجرت انتفاضة 17 فبراير 2011 التي سرعان ما تحولت إلى تمرد مسلح. فجاء العقيد حفتر بطريق البر من مصر إلى بنغازي. ليجد أمامه العقيد الراحل عبد الفتاح يونس (وزير داخلية القذافي المنشق) يترأس قوات المتمردين من عسكريين ومدنيين متطوعين. فدخل الجنرالان في خلاف شخصي حاد على أحقية القيادة العسكرية.

اُستبعد الجنرال حفتر من أي دور عسكري قيادي عملياً. واختفى ذكره سياسياً وعسكرياً في حكومتين متواليتين خلال عامي 2012 و2013، حتى ظهر فجأة مساء 14 فبراير/شباط 2014 من خلال قناة غير ليبية (قناة “العربية”) يعلن في بيان انقلابي، عن سيطرة قوات تابعة له على مواقع عسكرية وحيوية في البلاد، وتجميد عمل البرلمان والحكومة، عارضاً ما سماه “خارطة طريق” لمستقبل ليبيا السياسي، وكأنه يستنسخ ما قام به السيسي دون أن يملك شيئاً حقيقياً مما في حوزة الأول من جيش قوي موحد منضبط وغالبية شعبية ساحقة تؤيده.

كان بيانه الانقلابي افتراضياً تماماً. انقلاباً فضائياً. فلم يكن على الأرض ولو جندي واحد تابع له، بعدما خلت به مليشيات الزنتان التي كان يراهن عليها. لكنه لم يتوقف عن المثابرة. إذ ظهر بعد ثلاثة أشهر. أي في مايو 2014. في بنغازي يقود عملية عسكرية من بضع مئات الجنود والضباط من الجيش الليبي تحت اسم “كرامة ليبيا” في مواجهة المجموعات الإسلامية المسلحة المسيطرة على بنغازي والمتهمة من غالبية أهل المدينة بأنها مجموعات إرهابية مسؤولة عن مئات عمليات الاغتيال ضد عناصر الجيش والشرطة ونشطاء المجتمع المدني في المدينة.

وسرعان ما انضم إلى عملية “الكرامة” أعداد متزايدة من عسكريين ومتطوعين. وصار العقيد حفتر المنقذ المنشود في نظر الغالبية الساحقة في المنطقة الشرقية على الأقل. ولذلك، عندما استقر مجلس النواب المعترف به دولياً كممثل شرعي وحيد لليبيا في طبرق وحكومته في البيضاء بإقليم شرق  البلاد، كان الجنرال حفتر قد بات الرقم الصعب. وبضغط من أنصاره في مجلس النواب وأعيان وشيوخ القبائل ودعم قادة محاور القتال، قام رئيس مجلس النواب بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة بتعينه قائداً عاماً للجيش بعد ترقيته إلى رتبة فريق.

بالمقابل، في إقليم غرب البلاد، كان هناك برلمان موازٍ (المؤتمر الوطني) ورئيسه قائد أعلى للجيش أيضاً وله وزير دفاع ورئيس أركان. أما إقليم جنوب البلاد فهو غارق في فوضاه الأفريقية الخاصة. بينما شمال البلاد بحر متوسط بطول 1800 كيلومتر مفتوح على جنوب أوروبا.

وهكذا هي البلاد تتنازعها مليشيات إيديولوجية وجهوية وقبلية ولصوصية، تورطت فيها الأمم المتحدة من متري إلى ليون وليس بالضرورة انتهاء بكوبلر. وفي ختام المسعى ظهر اتفاق الصخيرات. فهل سوف يمر وتكون لليبيين حكومة واحدة يعترف بها شعبها قبل أن يعترف بها العالم.

العقدة أمام تمرير “اتفاق الصخيرات” كامنة في المادة الثامنة، التي يُقصد بها إزاحة شخص الفريق حفتر، ترضية للقوى المسيطرة على غرب البلاد. وحيث أن القوى المسيطرة على شرق البلاد، ترفض المس بالقيادات العسكرية وعلى رأسها الفريق حفتر الذي يقود حسب اعتقاده حرباً مصيرية ضد الإرهاب، مدعوماً بتأييد شعبي واسع النطاق، بينما يعتبره المسيطرون على غرب البلاد يقود ثورة مضادة بحسبانهم الممثلين الشرعيين لثورة 17 فبراير.

وخلاصة التحليل أن المسيطرين على طرابلس/ العاصمة الذين يمثلون إيديولوجية “الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة” لن يقبلوا بأي اتفاق لا يكونون هم من يهيمن فيه على مسار سياسة الدولة الخاضعة لولاية مفتي دار الإفتاء. وإليهم ميليشيات مصراتة وممثلوها السياسيين الذين يرفضون وجود الجنرال حفتر لأنه في الأساس ضد مشروعهم الجهوي في قيادة مصير البلاد.

وحتى تحل عقدة حفتر لا بوادر حتى الآن تبشر باتفاق يدفع عجلة المسار السياسي للأمام.