يواصل المجلس الرئاسي اجتماعاته في المغرب بعد انتقال أعماله من تونس، لبحث تشكيل حكومة الوفاق المصغرة، بعد رفض مجلس النواب لمقترحه الأول الذي يتضمن 32 حقيبة، وموافقته على طلب المجلس بتمديد المهلة الممنوحة له لتقديم التشكيلة الجديدة أسبوعاً آخر، ويدور الحديث عن تقليص التشكيلة إلى 12 حقيبة وزارية.

يواصل المجلس الرئاسي اجتماعاته في المغرب بعد انتقال أعماله من تونس، لبحث تشكيل حكومة الوفاق المصغرة، بعد رفض مجلس النواب لمقترحه الأول الذي يتضمن 32 حقيبة، وموافقته على طلب المجلس بتمديد المهلة الممنوحة له لتقديم التشكيلة الجديدة أسبوعاً آخر، ويدور الحديث عن تقليص التشكيلة إلى 12 حقيبة وزارية.

وتواصل البعثة الأممية للدعم في البلاد برئاسة الألماني مارتن كوبلر محاولاتها لتطبيق الاتفاق السياسي في ظل دعم دولي وإقليمي للحل السياسي في ليبيا، حيث يقوم بجولات على دول جوار ليبيا إضافة إلى زيارات دورية إلى البلاد ومباحثات مع مسؤولين أوروبيين.

كوبلر وصالح

وفي إطار هذه المحاولات عقد كوبلر اجتماعاً مع عقيلة صالح رئيس مجلس النواب في شحات شرق ليبيا في الخامس من يناير، وقال صالح لـ”مراسلون” إن زيارة كوبلر كان هدفها تسريع عملية تشكيل حكومة الوفاق، مبينا أن مجلس النواب يدعم حكومة الوفاق إلا أنه يرفض ممارسة أي ضغط لإقرارها بسرعة.

“لا يمكن لأحد أن يلزمنا باتخاذ قرار سريع لاعتماد حكومة الوفاق بمجرد تشكيلها، ومنح الثقة لحكومة الوفاق أو عدمه اختصاص أصيل لمجلس النواب” هذا ما قاله عقيلة صالح لـ”مراسلون”.

حيث أوضح أن مجلس النواب يجب عليه أن يدرس المقترح والأسماء المقدمة من المجلس الرئاسي في جلساته حتى يضمن أن تكون الحكومة “معبرة عن الوفاق ومقنعة لمجلس النواب والشعب الليبي، وأن تقدم برنامجاً يستحق الدعم والتأييد من المجلس” حسب تعبيره.

شنة كوبلر

في لقائه بصالح تلقى المبعوث الأممي مارتن كوبلر هدية كانت عبارة عن قبعة تقليدية ليبية “شنّة”، اعتبرها البعض رسالة تعبر عن الاحترام والتقدير لجهوده، وفيما عبر كوبلر عن سعادته بالهدية وصف الاجتماع الذي جمعهما بأنه كان طويلاً ومثمراً، وأنه يتفق معه في ضرورة تشكيل حكومة وفاق تعمل من طرابلس.

إلا أن عقيلة صالح اشترط في تصريحه لـ”مراسلون” أن تعمل الحكومة بحماية الجيش والشرطة النظاميين، بعد الاتفاق مع المؤتمر الوطني والمجموعات المسلحة في العاصمة.

كوبلر بدوره شدد على ضرورة التصويت على التشكيلة الثانية المقدمة من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، في ظل المهلة الزمنية المحددة من مجلس النواب التي تم تمديدها حتى الرابع عشر من فبراير، وهو يكرر دائماً أن حل مشكلات البلاد يتم بعد تشكيل الحكومة التي يجب عليها أن تقوم بدورها في ذلك، لا أن تُحل الخلافات قبل تشكيل الحكومة.

لقاء عقيلة صالح بكوبلر هو الأول بعد مصادقة مجلس النواب الليبي، على الاتفاق السياسي في الخامس والعشرين من يناير الماضي، ولكن المجلس رفض في ذات الجلسة تشكيلة حكومة الوفاق الأولى وألغى المادة الثامنة في الأحكام الإضافية للاتفاق التي تقضي بانتقال المناصب السيادية في الدولة إلى المجلس الرئاسي للحكومة كي يتخذ قراراً بشأن شاغليها، الأمر الذي أثار استياء الطرف الآخر في الحوار.

خلافات رغم الوفاق

المصادقة على الاتفاق لم تعن أن التوافق قد ساد بين الخصوم السياسيين، ففيما أكد فتحي المريمي المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب أن مجلس النواب يملك الحق في إلغاء المادة الثامنة، بعد اكتمال النصاب القانوني بحضور مائة وأربعة عشر عضواً، لقي إلغاء المادة اعتراضاً من المحسوبين على المؤتمر الذي يحكم غرب ليبيا ومنهم صالح المخزوم رئيس فريق حوار المؤتمر المقال والموقع على الاتفاق.

وقال المخزوم في بيان صحفي إن المادة الستين تمنع كل الأطراف من اتخاذ أي إجراءات تتعارض مع بنود الاتفاق السياسي، مؤكداً أن إلغاء أي مادة يعني نقض الاتفاق بالكامل.

أما مارتن كوبلر رئيس الجهة المسهلة للاتفاق السياسي، فقد رحب في تصريحاته عقب جلسة مجلس النواب باعتماد الاتفاق السياسي، إلا أنه أكد أن تغيير بنود الاتفاق يجري بالتوافق والتنسيق بين مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة الذي قال إنه لم يتكون بعد، ودعا إلى سرعة تشكيله ليحتضن أعضاء المؤتمر الوطني الذي يحكم غرب البلاد.

مجلس النواب قرر حل لجنة الحوار أيضاً – التي يفترض أن تضطلع بدور رقابي على تنفيذ الاتفاق السياسي – على أن يتم العمل على إعادة تشكيلها في جلساته المقبلة.

التزام الحياد

وعلى الرغم من الخلاف الذي حدث حول إلغاء المادة الثامنة من الأحكام الإضافية في الاتفاق إلا أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المقترح من بعثة الأمم المتحدة برئاسة فايز السراج حاول أن يلتزم الحياد، حيث قال فتحي بن عيسى المستشار الصحفي لرئيس المجلس إن المجلس الرئاسي ليس من صلاحيته القيام بأي تعديل على الاتفاق السياسي، وإن دوره تنفيذي فقط.

ولم يعد السراج إلى ليبيا إلا مرتين فقط منذ توقيع الاتفاق السياسي في 17 ديسمبر 2015، كانت الأولى لتعزية أهالي ضحايا التفجير الذي تبناه تنظيم داعش واستهدف مركزاً أمنيا للتدريب في زليتن غرب ليبيا في السابع من يناير، وكانت زيارته الثانية إلى مدينة المرج حيث التقى خليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية، وهي زيارة أحدثت انقساماً جديداً في المجلس الرئاسي ذاته، يضاف إلى الانقسام الحاصل حول المادة الثامنة وإلغائها من قبل مجلس النواب.

السراج وحفتر

فتحي باشاغا عضو مجلس النواب المقاطع عن مصراتة والداعم للاتفاق استنكر زيارة السراج إلى قائد الجيش التابع للبرلمان، واتفق معه في ذلك عبدالرحمن السويحلي عضو المؤتمر المسيطر على الغرب والعضو المقاطع للبرلمان والمرشح لرئاسة المجلس الأعلى للدولة، وغيرهما من المحسوبين على المؤتمر الوطني، والذين يشترطون إقصاء حفتر من المشهد السياسي والعسكري.

ليس هذا فحسب، بل وأعلن محمد عماري نائب السراج تعليق عضويته من المجلس الرئاسي احتجاجاً على الزيارة إلا أنه تراجع عن ذلك بعد فترة قصيرة عقب دعوة من المبعوث الأممي، فيما لقيت الزيارة استحسانا من بعض أعضاء مجلس النواب الذين يطالبون بعدم المساس بالجيش في الاتفاق السياسي.

ولكن وعلى الرغم من التحفظ في التصريحات حول ما تناولته زيارة السراج لحفتر إلا أن المكتب الإعلامي للسراج نشر بياناً مقتضباً جاء فيه “أن اللقاء ناقش عدداً من القضايا منها محاولة إيجاد حل عملي للحرب الدائرة في بنغازي، ضمن سلسلة زيارات يستمع فيها السراج لرؤى الأطراف المؤثرة في ليبيا، للبحث عن حلول سلمية وفق الاتفاق السياسي”، وهي محاولة ربما لعدم استفزاز المعارضين لحفتر.

غضب أبو سهمين

على صعيد أطراف الحوار الظاهر أن مجلس النواب أصبح أكثر تماسكاً بعد إقرار الاتفاق لا سيما بعد عودة تسعة نواب مقاطعين إلى جلساته وأداء أربعة منهم لليمين الدستورية، بينما على الطرف الآخر أقال المؤتمر الوطني ثمانية من أعضائه لأنهم وقعوا على الاتفاق السياسي وذلك بعد أيام من إقالته لاثني عشر آخرين بسبب الغياب المتواصل عن الجلسات.

عودة النواب المقاطعين إلى مجلس النواب لم تلق استحساناً من نوري بوسهمين رئيس المؤتمر المسيطر على الغرب الليبي، حيث وجه انتقادات حادة لهم في كلمة مصورة بطريقة سينمائية، واعتبر التحاقهم بالمجلس غير قانوني مطالباً الخبراء القانونيين بإبداء آرائهم حيال الأمر.

وطالب بعثة الأمم المتحدة والقانونيين فيها بتوضيح “ما يتم صناعته وفبركته من البعثة للوصول للاتفاق” ملمحاً إلى مقايضات تقوم بها البعثة لإقناع النواب المقاطعين بالالتحاق بمواقعهم.

“إذا كانت الأغلبية موافقة على الاتفاق فلماذا الترتيبات الأمنية في طرابلس؟” سؤال وجهه نوري بوسهمين إلى بعثة الأمم المتحدة، مشككاً في إمكانية أن تعمل الحكومة من طرابلس، وبدا الاستياء واضحاً عليه وهو ينتقد تصريحات لكوبلر قال فيها إن طرابلس تحكمها المليشيات، موضحاً أن كوبلر وسلفه ليون تمكنا من زيارة طرابلس أكثر من مرة في محاولة لدحض تصريحات المبعوث الأممي.

نوري بوسمهين الذي يتمسك بالحوار “الليبي الليبي” الذي جرى بمعزل عن بعثة الأمم المتحدة وأدى إلى لقاء رئيسي المؤتمر ومجلس النواب كخيار وحيد واستراتيجي، أضاف “نطمئن كل الثوار ومؤسسات المجتمع المدني بأننا لن نقبل أي شيء يمس الشريعة الإسلامية والسيادة الوطنية” مؤكداً أن ملاحظات المؤتمر على الاتفاق السياسي ليست نفعية أو مصلحية، وأنها قدمت لحفظ السيادة والشريعة وتهدف للاستقرار.

انتقادات للمؤتمر

تصريحات بوسهمين وسياساته المعارضة للاتفاق دفعت ببعض المؤيدين له إلى انتقاده، منهم عبدالرحمن السويحلي عضو المؤتمر والمرشح لرئاسة المجلس الأعلى للدولة الذي قال إنه أجرى مشاورات مع القوى السياسية ومن وصفهم بـ”قادة الثوار” وأكد أن المصلحة الوطنية تحتم عليهم الإقرار بأن المؤتمر الوطني لم يعد قادراً على تمثيل “الإرادة الحرة” مع ما وصفها بـ”المبادرات الوهمية والممارسات الدكتاتورية وغير القانونيه لرئيسه”، واعتبر كل ذلك خرقاً للإعلان الدستوري والحقوق والواجبات، ودعا أعضاء المؤتمر لوضع حد لهذه الممارسات في ظل ما وصفه “بفشل رئيس المؤتمر والأقلية التي تدعمه في تقديم البدائل المجدية والواقعية”.

كما حمله مسؤولية ما وصفها بعواقب التهديد باستعمال القوة، وحذره من “مغبة جر العاصمة طرابلس إلى الحرب”.

السويحلي – الذي كان واحدا من معارضي الاتفاق في فترة سابقة – يعتبر الآن الاتفاق السياسي حلا عمليا على الرغم مما وصفها بالعيوب التي تشوبه، ويؤكد أن كل أطراف الصراع لن تحقق كل مطالبها، واستدل في ذلك بما وصفها بـ”المحاولة الفاشلة لمجلس النواب في إلغاء المادة الثامنة أثناء إقرار الاتفاق السياسي”.

رهن الاحتمالات

وعلى الرغم من كل هذه التطورات والتغيرات السياسية، فإن عمل الحكومة المنتظرة بعد تشكيلها من داخل ليبيا، لا يزال رهن احتمالات مختلفة، لا سيما وأن عدداً من نواب المجلس يطالبون بعدم المساس بالجيش، بينما لم يعارض القائد العام للجيش خليفة حفتر الاتفاق السياسي إلا أنه وجه بعض الملاحظات حوله للبعثة.

وفي الطرف الآخر يدعم المجلس العسكري لمصراتة الاتفاق السياسي شريطة الابتعاد عمن وصفها بيانه الصحفي بالشخصيات الجدلية في إشارة غير مباشرة لخليفة حفتر، وفي هذين القطبين تتركز القوة العسكرية الأكبر في البلاد، أما المجموعات المسلحة المختلفة التي تضم ما يسمى بـ”مجلس شورى ثوار بنغازي” ومجموعات أخرى تابعة لداعش والتي تحارب الجيش في بنغازي فقد حذرت من الاتفاق ووصفت حكومة الوفاق بحكومة وصاية.

ولم تشترك هذه المجموعات في أي عملية سياسية وهي غير تابعة لأي جسم سياسي في البلاد، على الرغم من التأييد الذي يظهره المؤتمر الوطني وبعض المحسوبين عليه لـ”مجلس شورى ثوار بنغازي”، وفي جانب آخر تظهر الأغلبية العسكرية في طرابلس مساندتها للمؤتمر الوطني الذي يعارض الاتفاق السياسي الحالي، بينما تحاول المجموعات الأخرى غير الداعمة له أن تلتزم الصمت.