عقار قديم مكون من طابقين يقع بمنطقة العريش بمحافظة شمال سيناء، حينما تري العقار منذ الوهلة الأولي لم تجد ما يلفت انتباهك فهو مثله مثل باقي المباني التي تأخذ طابع المدينة، لكن المفاجأة هي حينما تصعد لسطح تلك العقار فيتحول بك الأمر لتجد نفسك واقفا بين حديقة أو مزرعة مصغرة.

عقار قديم مكون من طابقين يقع بمنطقة العريش بمحافظة شمال سيناء، حينما تري العقار منذ الوهلة الأولي لم تجد ما يلفت انتباهك فهو مثله مثل باقي المباني التي تأخذ طابع المدينة، لكن المفاجأة هي حينما تصعد لسطح تلك العقار فيتحول بك الأمر لتجد نفسك واقفا بين حديقة أو مزرعة مصغرة.

الغريب انه لا يوجد بها أرض طينية، كما اعتدنا المعرفة بأن الزراعة تتطلب أرضا طينية، لكن هنا الأمر اختلف تماما بل تبدلت الأرض، بمناضد خشبية مرتفعة عن الأرض بنحو متر أو نصف متر يكسوها الطمي الزراعي، متصلة بمواسير لضخ الماء عبر قواني كبيرة لري المحصول، هذا المشهد التفصيلي من عقار ملك محمد بدوي، مزارع، وصاحب المشروع.

يقول بدوي، أنه كان يملك قطعة أرض بمنطقة الشيخ زويد وكان يقوم بزراعتها ولكن الحرب الدائرة بين الجيش والشرطة والجماعات الإرهابية تسببت في إزالة مزرعته الصغيرة ولم يصبح له مصدر رزق أخر بل عمل في أشياء أخري بديلة عن الزراعة.

يضيف بدوي، إلي أنه يعشق الزراعة وورثها أبا عن جد وحينما علم بمشروع زراعة الأسطح من  مديرية الزراعة بشمال سيناء التي وجهت دعوات كثيرة للمواطنين، مؤكدا أنها وفرت موقع تدريب إرشادي مجاني متخصص بقيادة مهندسين زراعيين لمساعدة الأهالي لتطبيق التجربة مجانا  ووقتها شعر بأنه عليه أن ينفذها عوضا له عن ما أفسده الإرهاب.

نوع جديد

“هدف تجربة زراعة الأسطح بمحافظة شمال سيناء أنه يجعل المواطن السيناوي يقوم بزرع احتياجاته من خضروات وفاكهة بطريقة نظيفة و أمنة و صحية دون تزويدها بالكيماويات المضرة للصحة، وهذه الفكرة عززها النموذج الإرشادي المعمول به في مديرية الزراعة”، هكذا شرح المهندس محمد محمود فيصل، أحد المشرفين على المشروع بمديرية الزراعة بشمال سيناء، فكرة التجربة الجديدة.

يقول فيصل، أن تعميم تلك التجربة بين أهالي العريش و ضواحيها سيجعلهم منتجين بشكل فعال وسوف يدر المشروع عليهم دخل جيد إذا تم استغلاله بالشكل الصحيح، مؤكدا أنه إلى جانب التدريب يتم المتابعة المجانية للراغبين في تطبيق التجربة على أسطح منازلهم، أو من لديهم مساحات فضاء مناسبة حتى يتمكنوا من العمل بشكل جيد ودون عناء.

مساحات شاسعة

تبلغ مساحة محافظة شمال سيناء حوالي 27 ألف كم، وتقدر مساحة الأراضي الزراعية بها نحو 164 آلف فدان معظمها بمنطقة دلتا وادي العريش ومنطقة شرق العريش، تمثل حوالي 1,81% من مساحة الأراضي الزراعية بمصر، وتعتمد هناك الزراعة على مياه المطر، وتشتهر المحافظة بزراعة ” الخوخ والتين والعنب والنخيل والزيتون واللوز”، طبقا للإحصاءات الرسمية الصادرة عن جهاز تنمية شمال سيناء.

ويحكي بدوي، أنه خسر ألآلاف من الجنيهات، حينما قررت الحكومة إزالة مزارع الزيتون والفاكهة بسبب مطاردة الإرهابيون الذين كانوا يختبئون فيها من القوات الأمنية ومن بينهم كانت مزرعته التي كانت تبلغ مساحتها نحو فدان ونصف الفدان وصرفت له الحكومة التعويض المالي ولحظتها فكر في العمل البديل الذي جعله يتمكن من العيش مرة أخري هو و أسرته.     

معاناة

سالم عبد العزيز، أحد المزارعين المقيمين في شمال سيناء، وصاحب تجربة شبيهة لزراعة أسطح منزله. ويقول إنه قام بتنفيذ تجربة الزراعة فوق الأسطح بشكل مصغر حيث قام بزراعة أحواض طماطم وخضروات ورقية حيث أن المهندسين الزراعيين نصحوهم بزراعة تلك الأنواع في البداية لتحقيقها مكاسب وتفاديا للخسارة، مؤكدا أنه قام بزراعة نحو 10 أمتار من أجل عدم توقفه عن مهنته الأساسية في الزراعية ولكي يشعر بأنه يقوم بإنتاج شي وذلك بعد أن تلقي التدريبات في مديرية الزراعة.

ويوضح عبد العزيز، أنه وجد كامل التعاون من مديرية الزراعة وأنه رأي هو وعدد من المزارعين من الذين اقتنعوا بالمشروع بأنهم سوف يقومون بتجربته وتنفيذه، مشيرا إلي أنه كان يملك مزرعة بمنطقة الشيخ زويد والتي تم تجريدها بهدف الوصول للجماعات الإرهابية منذ عام ولم يكن له عمل بديل فظل يصرف علي متطلبات الحياة من التعويض المالي الذي تحصل عليه من الحكومة حتى أن أوشك علي النفاذ لأنه لم يكن يعلم كيف يعمل؟ و أنه لا يعرف سوي الزراعة فلذلك قام بتنفيذ مشروع زراعة الأسطح لكي يساهم معه في متطلبات الحياة كمصدر رزق أخر!

ويسرد عبد العزيز قائلا:”، أنه دخل شريكا مع مجموعة من المزارعين الذين يواجهون نفس الأزمة و دمرت مزارعهم أيضا، في تجارة الماشية لكي يتمكن من العيش وتعويض خسائره، مؤكدا أنه ينتظر أن تعود محافظة شمال سيناء كما كانت دون إرهاب لكي يعيشوا فيها أمنين من أجل عودة الزراعة التي أصبحت في طريقها للاندثار.

التكلفة مرتفعة

يقول المهندس محمد فيصل، إنه لكي تصبح رابحا في ذلك المشروع عليك أن تستخدم طريقة الزراعة عبر المواسير لأن فيها تستغل المساحات بشكل طولي وراسي وبذلك سوف تتمكن من زراعة مربع تبلغ مساحته مثلا 5×5  مترا أو اقل أو أكثر، مؤكدا أن تلك المساحة سوف تدر إنتاج مساحة الفدان، و تتم طريقة الزراعة عن طريق مواسير ترص فوق بعضها البعض و كأنها أدوار متطابقة داخل المساحة المحددة.

ويؤكد فيصل، أن تكلفة المشروع مرتفعة و قد تصل طبقا للنموذج الحكومي 15 ألف جنيها ولم يأتي العائد المادي من تلك الزراعة إلا بعد الحصاد الثاني والثالث، مؤكدا أن الزراعات التي ينصح بزراعتها لتحقيقها مكاسب مرتفعة ومضمونة هي زراعة الفراولة والطماطم  و الكابوتشي  ولابد من زراعة صنف يحتاجه السوق.

خيار صعب

يقول أحمد فرج، أحد المزارعين المتضررين، و أيضا من اللذين نفذوا تجربة زراعة الأسطح في منزله، أنه تضرر كثيرا من الحرب علي الإرهاب والصراع الدائر بين قوات الأمن والإرهابيين حيث أنه فقد مزرعته البالغة من المساحة فدانين ولكن تم تعويضه ماليا من قبل الدولة ولكن ذلك التعويض لن يعوضه عن فقدان حياته ومهنته ورحيله من أرضه.

ألمح فرج، إلي أنه علم من مديرية الزراعة عن مشروع زراعة الأسطح واقتنع بالفكرة  وشعر أنها سوف تكون مجدية له خاصة بعد أن فقد مزرعته التي ورثها أبا عن جد، مؤكدا أنه حاليا يقوم بتنفيذ الفكرة بشكل تجاري وقام بشراء المعدات اللازمة من مواسير وصبات وبذور تقوية وزراعة من أجل المحصول الذي يرغب فيه و أنه أختار أن يبدأ بزراعتي الطماطم والفراولة والخضروات الورقية حتى يحصل علي الخبرة الكافية التي تمكنه من اختيار أصعب لأنواع مختلفة من الخضروات في الزراعات القادمة.

ويلفت فرج، أن هناك المئات من المزارعين و أصحاب الأراضي تضرروا من تجريف الزراعات الموجودة على الحدود بمناطق العريش والشيخ زويد وتم صرف ملايين الجنيهات عوضا لهم، مؤكدا أنه وغيره من المزارعين الذين جرفت مزارعهم اتجهوا لأعمال أخري مثل التجارة بأنواعها وتجارة الماشية و الدواجن.

يذكر فرج، أن هناك أصحاب مزارع لم يتمكنوا من الدخول لمزارعهم بسبب ضرب النيران المتواصل بين قواتنا الأمنية والعناصر الإرهابية  التي تختبئ داخل تلك الزراعات، مما جعل المزارعين لم يتمكنوا من خدمة مزارعهم و إرسال عمال للمزارع لجني الثمار بسبب الخوف و أدي ذلك لجفاف الثمار علي الأشجار.

تسهيلات للأهالي

المهندس عاطف مطر، وكيل وزارة الزراعة بشمال سيناء، يؤكد أنهم دربوا أعدادا كبيرة من الأهالي علي كيفية استخدام تجربة الزراعة فوق أسطح منازلهم وتحويلها لمزارع والاستفادة المالية منها بشكل كبير وذلك بالتعاون مع مركز البحوث الزراعية موقع إنتاج وتدريب إرشادي لزراعات الأسطح، مشيرا إلي أن تلك المشروعات جاءت في إطار دعم الزراعة وتشجيعها لكافة الأعمال المنزلية ذات الطبيعة الإنتاجية الصحية.

يضيف مطر، أنهم قدموا كافة التسهيلات للأهالي لحثهم علي تنفيذ المشروعات الجديدة بشكل جيد، مؤكدا أنهم أيضا دربوهم علي كيفية عمل مزارع السمك فوق الأسطح و إنشاء المناحل وتربية الأغنام والطيور حيث أن تلك المشروعات تهدف للاستفادة من أسطح المنازل وكل المساحات المتاحة لتكون مزارع توفر احتياجات الأسرة بشكل سليم، خاتما حديثه “بأنهم يفتحون أبوابهم لتعليم أي مواطن يرغب في تنفيذ التجربة”.

في النهاية يقول محمد بدوي “أنهم تعذبوا كثيرا بسبب انتشار تلك الجماعات الإرهابية في سيناء وتكرار العمليات الإرهابية التي أدت لاستشهاد مئات من ضباط الجيش والشرطة والأهالي الأبرياء العزل وبوار أراضيهم الزراعية التي كانت تدر عليهم دخول بالملايين”، خاتما حديثه بجملة “نحن نساند ضباطنا من أجل القضاء علي هولاء التكفيريين لكي تعود بلادنا سالمة و أمنة”.