في ١٣ يناير من العام الماضي، أضرّب عمال شركة مصر للغزل والنسيج، المعروفة بشركة ”غزل المحلة“ على مدار أربعة أيام متتالية، وذلك للمطالبة بصرف باقى نسبة (الأرباح ) عن السنة المالية ٢٠١٣/٢٠١٤ بواقع شهرين، والإعلان بشكل واضح وبجدول زمنى عن خطط تطوير الشركة، وفتح ملفات الفساد ومحاسبة الفسادين وإقالة المفوض العام للشركة.

في ١٣ يناير من العام الماضي، أضرّب عمال شركة مصر للغزل والنسيج، المعروفة بشركة ”غزل المحلة“ على مدار أربعة أيام متتالية، وذلك للمطالبة بصرف باقى نسبة (الأرباح ) عن السنة المالية ٢٠١٣/٢٠١٤ بواقع شهرين، والإعلان بشكل واضح وبجدول زمنى عن خطط تطوير الشركة، وفتح ملفات الفساد ومحاسبة الفسادين وإقالة المفوض العام للشركة.

شركة غزل المحلة كبرى شركات قطاع الأعمال العام وصاحبة التاريخ النضالي العمالي وسجل حافل من الإضرابات التي غالبًا ما تصيب الحكومة بربكة. ”بيقلوا عن العمال بلطجية مش عايزين يشتغلوا “ يقول محمد العبد أحد أعضاء اللجنة الشعبية لحماية الصناعة الوطنية لــ”مراسلون“ ويضيف ”بس ده مش حقيقي لأن مطالب العمال في غالبية إضراباتهم دايما بيكون من ضمنها مطلب تطوير الشركة. الشركة دي لو اتطورت حتضمن حياة كريمة ليا ولأسرتي وحيكون فيها فرصة عمل لابني. “  

وفي اليوم الخامس ومع دخول أفراد الوردية الصباحية فوجئ العمال بعدد من العاملين المعروفين بموالاتهم للإدارة واقفين عند البوابات وهم يحملون ”الشوم“ والعصي بحجة أن ثمة هجوم مرتقب من البلطجية على الشركة، ثم سرعان ما انقضوا على العمال وهم يصرخون في وجوههم للبدء في العمل فورًا.

كانوا يهتفون فيهم ”اشتغلوا عشان عاوزين يقفلوها زي ما قفلوا الشركات التانية، روحو اشتغلوا وحافظوا على أكل عيشكم“، ثم أخذوا يكيلون للعمال السباب والشتائم لإجبارهم على العمل ويهددوهم في مواقعهم داخل عنابر الانتاج بأن الممتنع منهم عن العمل ”هيشيل الليلة لوحده“!!

بعدها بيومين وبعد إجبارها العمال فض إضرابهم، قامت إدارة الشركة بتحويل ١٣ من القيادات العمالية إلى التحقيق الإدارى بدعوى تحريضهم العمال على الإضراب وتعطيل الانتاج. ”كل العمال اللي طالبوا بحقهم وحق زمايلها في تطوير الشركة وحماية صناعة أساسية ومهمة زي الغزل والنسيج انفصلوا. “ يقول محمد العبد.

البشر عبء التنمية

فى أوائل عام ١٩٩٢، وبعد صدور القانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١ الذي تحول بموجبه القطاع العام فى مصر إلى قطاع للأعمال أعلنت الحكومة عن اعتزامها التخلص من أنصبتها فى ملكية شركات القطاع العام، وذلك فى إطار تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي، إلا أن حجم العمالة الكبير ظل عائقًا أمام الحكومة.

جاء القانون ليطلق يد الإدارة في إعطاء الجزاءات تحت دعوى حرية المحاسبة، واتُبِعت في شركات ومصانع الغزل والنسيج التابعة لقطاع الأعمال العام سياسة الانتقاص من الأجر بصورة مستمرة كوسيلة من وسائل إكراه العمال على ترك العمل، كما تُرجمت شعارات الإصلاح من ناحية الإدارة فى هذه الشركات على شكل تخفيض بند الأجور فى الميزانية من باب ترشيد الإنفاق!!

وأدت سياسات الانتقاص من أجور العمال واستخدام التعسف الإدارى لفصلهم وإجبارهم على المعاش المبكر إلى ارتفاع معدلات البطالة وخلق سوق عمل أسود خاضع للعرض والطلب، واتساع رقعة قطاع العمل غير الرسمى، وظهور أشكال جديدة من العمالة، مثل العمالة الموسمية.

تتعلق حاليًا بعنق قطاع الأعمال العام ما يقرب من ٣٢ شركة غزل ونسيج بلغت خسائرها المتراكمة حوالي ٣٠ مليار جنيه خسائر لعدم توافر العمالة الكافية ٩٠ ألف عامل حيث أن عدد العمالة الموجود بالفعل أقل من٦٠ ألف عامل، وذلك  بحسب تصريحات محمد قاسم، رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية العالمية للتجارة ورئيس المجلس التصديرى للملابس.

”كيف يمكن أن توصف العمالة الماهرة وكأنها عبء تحاك الخطط للتخلص منه بكافة الطرق الممكنة، وربما غير الممكنة أيضاً؟!“ يتساءل محمد أبو الفتوح، الأستاذ المساعد بقسم الاقتصاد، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، في تقرير له حول أوضاع عمال الغزل والنسيج على أثر اتفاقيات التجارة العالمية (إبريل ٢٠٠٥)

ويستكمل ”لماذا يصبح البشر عبئاً وهم عماد التنمية وهدفها؟!.. البشر لا يصبحون عبئاً إلا عندما تتوقف التنمية.. عندما تعجز العملية الإنتاجية عن استيعاب طاقاتهم.. عندما يتم تكهين الماكينات بدلاً من تجديدها وتطويرها.. وتعطيل خطوط الإنتاج بدلاً من توسيع طاقاتها.. عندما تعجز السياسات الاقتصادية عن توسيع السوق وفتح أبوابه المغلقة، فتركن الإدارات إلى التغنى بتراكم المخزون وبوار المنتج العاجز عن المنافسة.عندها يصبح البشر عبئاً ويستشري الفساد والإفساد. “

وبرغم كل ما يجري مازالت صناعة الغزل والنسيج فى مصر تمثل ثانى أكبر قطاع صناعى(عام وخاص) بعد قطاع الصناعات الغذائية، ويأتي حجم العمالة فيها فى المرتبة الثانية بعد حجم عمالة صناعة المواد الغذائية والمشروبات والتبغ، حيث يقدر عدد العمال بنحو مليون عامل يمثلون ثلث قوى العمل الصناعية، ويحصلون على أجور تصل إلى مليار جنيه سنوياً، ويعولون أكثر من أربعة ملايين نسمة. فضلاً عن عدد العاملين فى زراعة القطن وفى الأنشطة الأخرى ذات الصلة.

”الغزل والنسيج صناعة قادرة إنها تمتص معدلات البطالة العالية،“ يقول أ. محمد فتحي عنبر عضو اللجنة الشعبية لحماية الصناعات الوطنية لــ”مراسلون“، ويضيف، ”وأي تردي بيحصل في الصناعة دي عواقبها الاجتماعية بتكون أكبر من الأزمة المالية“.

روشتة العلاج العمالية

” اللجنة اللي إحنا أسسناها هي لجنة بتضم فئات الشعب من كل مكان وكل مصنع والهدف منها هو حماية الصناعة الوطنية… وحمايتنا أحنا كمان كأصحاب مصلحة “ يقول محمد فتحي.

كان المؤتمر الأول للجنة الشعبية في ديسمبر ٢٠١٤ في قصر ثقافة مدينة المحلة الكبرى التي وصفها بيان اللجنة بأنها ”المدينة الصناعية الأولى“ وعمالها ”أصحاب المصلحة الأولى لنهضة مصر الصناعية.“ حيث دعت اللجنة في المؤتمر لفيف من الباحثين والعلماء وأساتذة الجامعة والمهتمين بصناعة الغزل والنسيج ليقدموا أبحاثهم ”لاستنهاض الصناعة التي تعثرت.“

ومن بين الأوراق التي قدمت كانت دراسة مجلس شعبة الغزل والنسيج للنقابة العامة للمهندسين بالغربية حول ”معوقات صناعة النسيج وأسباب تدهورها خلال الفترة الماضية والمقترحات المقدمة “ هي الأكثر دسمًا في المؤتمر.

فالدراسة ترى أن موطن الداء يكمن في انفتاح بوابات مصر دون حماية للصناعة المحلية. حيث إنخفضت التعريفة الجمركية على الأقمشة إلى أن وصلت ٢٢٪ بينما قلت على الغزول من ١٢٪ إلى ٥٪ وهو ما يوهن من قدرة الانتاج المحلي على المواصلة مع كل الاشكاليات الصناعة المصرية المتراكمة، هذا فضلًا عن تهريب الملابس والأقمشة الذي كبّد شركات الغزل المصرية خسائر وصلت ٤ مليارات جنيه.

وإصرار الحكومة على تهشيم أرجل تلك الصناعة. فمع كل ما تعانيه الصناعة المتعثرة لا تتورع الحكومة عن إثقال كاهلها بقائمة طويلة من الضرائب وصلت إلى حوالي ٢٧ ضريبة تفرضها الحكومة على شركات الغزل والنسيج والملابس، هذا بخلاف فوائد القروض الممنوحة من البنوك التي تتراوح مابين ١٨٪ إلى ٢٢٪.

ثم تبدأ الدراسة تشخيصها من حلقة الصناعة الأولى وهي القطن الذي حاصرته زراعة المحاصيل المنتجة للطاقة الحيوية، والتوسع في استيراد الأقطان المستوردة، وتراكم الأقطان لعدم تصريفها لزيادة الفضلة فيها، وارتفاع مستلزمات الانتاج والتذبذب في أسعار شراء المحاصيل وتخلي الحكومة عن المزارعين.

وقدمت الدراسة مثالًا لما قامت به الصين في الثمانينيات من سياسة توسع في الانتاج المحلي حيث فرضت الحكومة على المزارعين نظام حصص زراعية لتقوم باستلام المحاصيل منهم نظير أسعار تحفيزية محددة مسبقًا ولا ترتبط بالسعر العالمي، مع دفع مبالغ مقدما للمزارعين قبل الزراعة وتقديم قروض لهم عند الحاجة بأسعار تفضيلية.

وجاءت في أبرز توصيات الاهتمام بزراعة القطن إنشاء صندوق دعم القطن لموازنة الأسعار وتفعيل قرار الدورة الزراعية رقم ٥١ لسنة ١٩٦٨ الخاص بتحديد المساحات المنزرعة بالمحاصيل لزراعية الخاضعة لنظام الدورة الزراعية والقرار رقم ٢٧ لسنة ١٩٦٩ الخاص بتحديد المساحات المزروعة بالقطن مع تقديم حزمة من الحوافز والإجراءات.

وفي الغزل والنسيج ترى الدراسة أنه لابد من إعادة الهيكلة الإدارية القديمة التي وضعت على عامل الانتاج الواحد خمسة عمال للخدمات المباشرة وغير المباشرة، مع ضرورة إدماج الشركات الصغيرة في الكبيرة، وجدولة ديون الشركات عي أقساط طويلة الأمد، وتطوير الميكنة الصناعية والآلات وتدريب العمالة وتأهيلها على الأسس الحديثة للصناعة.

وشددت الدراسة على ضرورة اتباع الأساليب الحديثة للبيع والتسويق، ورفع معايير الجودة، ووضع تشريعات من شأنها الحد من إغراق السوق المصري وعمليات التهريب.

وفي الختام أوصت الدراسة بإنشاء مجلس أعلى للقطن وصناعة الغزل والنسيج يترأسه رئيس الوزراء ويضم وزير الزراعة والصناعة والمالية والاستثمار ووزير المالية والقوى العامة وممثل عن غرفة صناعة الغزل والنسيج ونقابة عمال الغزل والنسيج وشعبة الغزل والنسيج بنقابة المهندسينوكلية الفنون التطبيقية شعب نسيج وطباعة منسوجات والملابس على أن يجتمع المجلس مرة شهريًا لمناقشة الإشكاليات الراهنة.

الروشتة الحكومية

في محاولة لرأب الصدع ولتقديم وصفة علاجية قدمت الشركة القابضة للغزل والنسيج مناقصة لتطوير وهيكلة ٢٥ شركة من أصل ٣٢ شركة حكومية، فاز بها مكتب وارنر الاستشارى الأمريكى، في مارس الماضي، بالاشتراك مع مجموعة «صحاري» المصرية المملوكة لرجل الأعمال أكمل قرطام، حيث تبلغ تكلفة تطوير تلك الشركات نحو ٥ مليارات جنيه تُمول ذاتياً من خلال بيع الأراضى والأصول غير المستغلة التابعة لتلك الشركات.

وبالفعل قام مكتب ”وارنر“ بحصر الممتلكات التابعة لشركات الغزل والنسيج الجارى تطويرها من أصول وأراضٍ غير مستغلة تمهيداً لبيعها كوسيلة لتمويل تطوير تلك الشركات وإعادة هيكلتها، فضلاً عن نقل عدد من الشركات من أماكنها إلى أماكن بديلة مثل شركة فيستيا للملابس الجاهزة والاستفادة من قيمة الأرض مرتفعة السعر.

وعقب إعلان مكتب وارنر دراسة مبدئيًا حول تقيم الوضع وخطة نقل العمال حتى ثار العمال وبخاصة عمال شركة فيستيا احتجاجًا على تلك الخطة التي لم تكشف الشركة القابضة عن كافة تفاصيلها وهو ما أثار حفيظة العمال الذين اعتبر أن الأمر ليس إلا محاولة جديدة من محاولات الحكومة التخلص من العمالة.

” ماهي معايير وشروط الشركة القابضة اللي على أسسها اختارت مكتب وارنر “ يقول محمد العبد ويضيف ” وهل عدمت مصر عن توفير خبراء ومهارات فنية عشان تستعين بمكاتب أجنبية. “

وبسبب الغموض الذي يشوب هذه الصفقة نددت اللجنة الشعبية بتقرير وارنر. ”هناك حلوك كتيرة خاطبنا بها الكل بس من دون فايدة“ يقول محمد فتحي عنبر الذي اقترح دخول البنوك بالمديونيات التي لها كشريك في مجالس إدارة الشركات بقدر قيمة المديونية.

ويستكمل ”إصلاح القطاع يحتاج إعادة النظر في مجموعة  قوانين على رأسها قانون ٢٠٣ لسنة ١٩٩١ اللي بيدي للشركة القابضة زمام الحساب والإثابة دون رقابة ما يفتح الباب للمحسوبية والمجاملات، وكذلك قانون العمل رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣ لضرورة إعادة صياغة العلاقة بين العامل وصاحب العمل.

” التغيير أهم “ يقول محمد العبد مشيرًا إلى ضرورة تغيير الإدارات الفاسدة وسياسات الدولة حيال صناعة الغزل والنسيج أولًا وقبل كل شيء ويضيف ” التغيير قبل التطوير“