لو ترسم لنا صورة عن الوضع الاقتصادي العام في تونس؟

الوضع الاقتصادي في تونس صعب جدا إذ دخل لأول مرة في تاريخ البلاد في وضع انكماش في السنة الماضية بما يعني أن نسبة النمو ستكون سلبية وفي أفضل الحالات تناهز الصفر وهذا يعني أن الاقتصاد التونسي غبر قادر في الوقت الراهن على خلق مواطن الشغل والكل يعلم أن أكبر تحدي في البلاد هو توفير مواطن شغل بل بالعكس الاقتصاد التونسي بصدد خسارة مواطن شغل بدليل ارتفاع نسبة البطالة لتصل إلى 15.3 بالمائة مع نهاية السنة الماضية.

لو ترسم لنا صورة عن الوضع الاقتصادي العام في تونس؟

الوضع الاقتصادي في تونس صعب جدا إذ دخل لأول مرة في تاريخ البلاد في وضع انكماش في السنة الماضية بما يعني أن نسبة النمو ستكون سلبية وفي أفضل الحالات تناهز الصفر وهذا يعني أن الاقتصاد التونسي غبر قادر في الوقت الراهن على خلق مواطن الشغل والكل يعلم أن أكبر تحدي في البلاد هو توفير مواطن شغل بل بالعكس الاقتصاد التونسي بصدد خسارة مواطن شغل بدليل ارتفاع نسبة البطالة لتصل إلى 15.3 بالمائة مع نهاية السنة الماضية.

الوضعية الراهنة للاقتصاد التونسي تقود إلى التساؤل بشأن قدرة البلاد على مواصلة سداد ديونها الخارجية والإيفاء بالتزاماتها الدولية علما وأن تونس منذ الاستقلال لم تتأخر يوما أو ساعة عن تسديد ديونها الخارجية.

وإشكال تفاقم المديونية سيظهر جليا في هذه السنة وبالأخص في سنة 2017 لأن هناك تراكم كبير في مستحقات الدين الخارجي العام المقبل وهو ما يطرح سؤال قدرة البلاد على مواصلة سداد الديون الأجنبية.

برأيك ما هي أسباب تفشي البطالة في تونس؟

إذا نظرنا إلى مسار الاقتصاد التونسي على مدى خمسة عقود ماضية نجد أنه سجل نسب نمو محترمة ما بين 4.5 و 5 بالمائة سنويا وبشكل منتظم ولكن كانت هناك نقطتي ضعف أساسيتين، تهم الأولى البطالة إذ أنه رغم التطور الاقتصادي في سنوات ما قبل الثورة لم تتمكن تونس من إحداث عدد كاف من مواطن شغل لمجابهة البطالة وظلت في مستويات مرتفعة وخاصة بطالة حاملي الشهائد العليا التي كانت الأسباب الرئيسية لاندلاع الثورة التونسية.

وتتمثل نقطة الضعف الثانية في الفوارق بين الجهات والفئات الاجتماعية جعلت مسار البناء الاقتصادي والتنموي بقي هشا.

ما هو تعليقك على الأحداث الأخيرة التي طالت عددا من جهات البلاد على خلفية المطالبة بالتشغيل؟

هذه الاحتجاجات كانت منتظرة ولكن ليس بهذه الحدة والقوة لأنه في اعتقادي كان على الساسة والحكومة احترام ذكاء التونسي ووعيه بمصارحته بحقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية غير أنه في ظل غياب الرؤية وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية سوف يتسبب في اندلاع الاحتجاجات وموجة الغضب العارمة خاصة في صفوف الشباب. فالشباب التونسي أصبح يتساءل أين الوعود التي على أساسها انتخبنا الساسة الجدد في البلاد وأين الانجازات التي بسببها قامت الثورة التونسية.

التونسي انتظر خمس سنوات وهي فترة ليست بالهينة لإصلاح الأوضاع ولكن تعمقت الأزمة وعلينا الاتعاظ من هذه الأحداث من أجل مصارحة الشعب التونسي بحقيقة الأوضاع واستنباط خطة متكاملة لاتقاد الوضع وإرجاع آلة الاقتصاد تشتغل

استفحال البطالة يعني أن منوال التنمية المعتمد في تلك الفترة أصبح متهرئا؟

بالفعل كان لابد من استنباط منوال تنموي جديد والتفكير في إستراتيجية مغايرة للتنمية لكن ما حصل بعد الثورة وإلى حد الآن اتسم بعدم الاستقرار من خلال تعاقب ستة حكومات لم تجد الحيز الزمني الكافي لتنفيذ سياسات مركزة إذ أن كل الحكومات كانت تجابه في مشاكل آنية وظرفية وتقر إجراءات ترقيعية.

كما أن السياسات المتوخاة فتحت الباب لكل ما هو انخرام التوازنات الأساسية للبلاد وفتح باب الانتدابات العشوائية في الوظيفة العمومية وتفاقم عجز ميزانية الدولة إلى جانب الأوضاع الصعبة التي مرت بها المؤسسات الاقتصادية جراء المشاكل الأمنية واستفحال مشكل الاقتصاد الموازي الذي أضحى يمثل أكثر من نصف الاقتصاد التونسي.

كلها مشاكل جعلت الاقتصاد التونسي نزل في فخ الانكماش وهي عبارة عن حفرة أو هوة اقتصادية ومالية وجب الخروج منها ولكن بشروط وبسياسات معينة يبدو أنها لم تتوفر إلى حد الآن.

ما هي هذه الشروط والسياسيات الناجعة من وجهة نظرك للخروج من الأزمة؟

الكل يتذكر ما حصل في تونس سنة 1986 من خلال أزمة حادة عصفت في البلاد ولكن تمت مجابهة هذه الأزمة بنوع من التوافق على التشخيص وهو أدى إلى اتفاق حول الحلول وتم وضع برنامج الإصلاح الهيكلي وتمكنت تونس في ظرف خمس سنوات من إصلاح الأوضاع واستعادة الآلة الاقتصادية إلى الدوران بتسجيل نمو محترمة وخلق الثروة وتوفير مواطن الشغل.

ولكن الوضع الذي نعيشه الآن هو أخطر من سنة 1986 وهذا لا يعني أن الحلول غير موجودة إذ يتعين الاتفاق على التشخيص الذي سيؤدي حتما إلى إيجاد الحلول.

ولكن عمليا ما هي هذه الإجراءات والحلول التي ترها قادرة على إخراج تونس من أزمتها الاقتصادية؟

من ضمن هذه الإجراءات هو تحريك عجلة الاستثمار لأن كل اقتصاد مرتكز على ثلاثة محركات الأول هو الاستثمار والثاني التصدير والثالث الاستهلاك.

في تونس محرك الاستهلاك معطل بسبب تدهور القدرة الشرائية وتنامي الاقتصادي الموازي وللتهريب والمحرك الثاني وهو التصدير معطل أيضا لأن المؤسسات الاقتصادية لم تكن قادرة على الاستفادة من تعافي الاقتصاد الأوروبي الذي يعتبر الشريك الأول للاقتصاد التونسي من ناحية التصدير والتوريد.

المحرك الأساسي الذي تبقى هو الاستثمار ولذا وجب اتخاذ إصلاحات عميقة تخلق بيئة استثمارية وهو ممكن وعلينا الابتعاد عن الحلول الترقيعية والارتجالية التي من شأنها أن تعمق الأزمة وتجعل أي إصلاح في المستقبل أصعب.

ووجب الإقرار أن الوضع الراهن استثنائي ولأجل ذلك وجب اتخاذ قرارات استثنائية بداية من الاستثمار العمومي المعطل إذ أنه من غير المقبول خمس سنوات بعد الثورة لم تجد الحكومات المتعاقبة الآليات التي تسمح بإعادة المشاريع الكبرى و تنجز في الأوقات المحددة.

ولو تم التوصل إلى تحريك آلة الاستثمار العمومي لتحركت بقية القطاعات وخاصة منها القطاع الخاص الذي ظل ينتظر الاستثمار العمومي الذي يمثل القاطرة للاستثمار عموما.

هل ترى أن مشروع منوال التنمية الجديد الذي أعدته الحكومة التونسية الحالية للفترة 2016/2020 قد يحمل جزءا من الحلول؟

برأي هذا المشروع يحمل جزء من الحل ولكنه في نفس الوقت يحمل تناقضات كبيرة مثال ذلك أن في خمس سنوات نسبة البطالة ستنزل من معدل 15 بالمائة حاليا إلى 11 بالمائة في أفق سنة 2020 هذا يعني خلق 120 ألف موطن شغل سنويا حسابيا وهذا مستحيل الآن لأن الاقتصاد التونسي في وضع انكماش فكيف سيتم خلق هذا العدد الكبير من مواطن الشغل.

مسألة ثانية تثير الاستغراب أن مشروع الوثيقة التوجيهية الخاصة بمنوال التنمية الجديد تتحدث عن إنجاز استثمار بقيمة 125 مليار دينار في ظرف 5 سنوات ونحن عاجزون عن إنجاز 10 مليار دينار في سنة واحدة ففيها تناقضات كبيرة لانجاز مثل هذا الحجم الأمر الذي يقتضي تعبئة موارد مالية من الخارج في حدود 65 و70 مليار دينار فمن اين ستأتي الأموال والتصنيف الائتماني التونسي ضعيف لدى مؤسسات التصنيف الدولية.

هناك تناقضات أخرى من خلال استهداف تحقيق معدل 5 بالمائة معدل نمو سنويا بينما السنة الأولى من هذا المخطط أي 2016 ترمي إلى تحقيق نمو في حدود 2.5 بالمائة وأنا أرى أنه حتى هذه النسبة صعب تحقيقها.

بالتوازي مع مشروع منوال التنمية الجديد أعدت الحكومة مشروعا جديدا لمجلة الاستثمار أثار العديد من الانتقادات في أوساط الإعمال في البلاد ما هو تعليقك؟

مجلة الاستثمار الجديدة استغرق إعدادها حوالي 5 سنوات ولم تر النور إلى حد الآن وآخر مشروع كان سيئ جدا ولا يفي بالحاجة وكأنه يتكلم عن بلد آخر غير تونس. كان من الضروري الاستئناس بالتجارب المقارنة وبالدول المنافسة لتونس وعلينا محاولة وضع تونس في موقع تنافسي يسمح لها باستقطاب رؤوس الأموال والمستثمرين وتحريك عجلة الاستثمار الخاص الداخلي ولكن هذا لم يتم.

أنا أتمنى ألا تقع المصادقة على الصيغة الحالية لمشروع مجلة الاستثمار من طرف مجلس نواب الشعب (البرلمان) لأنه لا يفي بالحاجة ورأينا فيه خطوات كبيرة إلى الوراء وهو أقل قيمة من المجلة القديمة.

مشروع آخر رأى النور في تونس وهو مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص. هل يكون المشروع من وجهة نظرك قادر على تحريك عجلة الاستثمار؟

فكرة الشراكة بين القطاعين العام والخاص فكرة جيدة جدا ومكنت عدة بلدان تمر بصعوبات من إنجاز استثمارات مع تخفيف العبء على الدولة وبالتالي هناك فرص كبيرة بين القطاعين. ولكن مشكلتنا في تونس أنه يتم كل مرة المصادقة على القوانين ثم نبقى يتعطل إصدار النصوص التطبيقية وما لم تصدر النصوص التطبيقية فالقانون يبقى حبرا على ورق.

لقد صادق البرلمان على الموازنة الجديدة لهذا العام هل تحمل في طياتها إصلاحات لإعادة إنعاش الاقتصاد التونسي؟

الاقتصاد مثل ما قلنا في وضع صعب والموازنة الجديدة يمكن اعتبارها موازنة تصريف أعمال فقط وليست موازنة لحل أزمة اقتصادية إذ تركيبتها تدل على أن هامش التحرك للحكومة ضيق جدا إذ أن 45 بالمائة موجه لأجور القطاع العام كما أن 37 بالمائة ذاهب إلى تسديد الدين الأجنبي وصندوق التعويض وبعض المصاريف التسييرية الأخرى ما يعني ان 82 بالمائة من حجم الميزانية لا تتحكم فيه الحكومة.

النسبة المتبقية هو 18 بالمائة فقط موجه للاستثمار العمومي علما وأن الدولة لم تتخط نسبة إنجاز 40 بالمائة من تنفيذ المشاريع العمومية منذ الثورة وإلى حد الآن.

كما تحمل الموازنة الجديدة بداية محتشمة لإصلاح جبائي وبوادر لإصلاح ديواني والمطلوب اتخاذ إجراءات جريئة حتى لو كانت موجعة لان بد تفادي انهيار الاقتصاد التونسي لأن في انهياره هو انهيار لعملية الانتقال الديمقراطي برمتها.

هل لحكومة الحبيب الصيد الإمكانيات والقدرة على تلبية الطلبات الاجتماعية المتزايدة؟

هذه الحكومة عليها أن تستوعب الدرس إذ أضاعت سنة كاملة دون أن تستفيد من الظروف التي كانت قد تسمح من الخروج من الوضع الراهن مثل تراجع سعر البترول.

الاختيارات التي قامت بها تونس من الجانب السياسي كانت صعبة من خلال اختيار النظام البرلماني معدل وهو من أصعب الأنظمة التي يمكن تطبيقها في الديمقراطيات الناشئة.

هذا النظام ينص على أن الحزب الفائز في الانتخابات عليه أن يتحمل مسؤولية الحكم وأن يكون رئيس الحكومة منبثق عن هذا الحزب ولكن تم اختيار رئيس حكومة مستقل وبالتالي تم وضعه في مأزق وفي مهمة شبه مستحيلة من خلال تكوين حكومة من ائتلاف حكومي غير متجانس وغير متضامن وبالتالي  رئيس الحكومة وجد نفسه مجبر على التخلي عن البرامج الاقتصادية التي تمت استنباطها من هذا الائتلاف وفي هذه البرامج هناك أفكار جيدة كلها تركت جانبا لأن كل حزب يريد فرض برنامجه وهو ما جعل رئيس الحكومة يستنبط برنامج جديد هجين تبين على أرض الواقع أنه غير قادر على تنفيذه.