”العمال بيسموها الصخرة “ يقول عم سيد حبيب، القيادي العمالي الكبير لـ ”مراسلون “ متحدثًا عن شركة مصر للغزل والنسيج بمدينة المحلة الكبرى، في غرب الدلتا، التي بناها الاقتصادي المصري طلعت حرب ضمن شركات مصر التي أسسها بنك مصر وتعتبر أكبر مصانع الغزل والنسيج في الشرق الأوسط.

ويستكمل ”صخرة لو اتحركت اتحركت الدولة كلها.“ ويكمل ”وساعات بيسموها القاطرة عشان هي بتقود صناعة الغزل في الدولة ومطالبها بتطبق على باقي شركات الغزل في الجمهورية. بس أهل المحلة بيقولوا عليها ”الشركة“.

”العمال بيسموها الصخرة “ يقول عم سيد حبيب، القيادي العمالي الكبير لـ ”مراسلون “ متحدثًا عن شركة مصر للغزل والنسيج بمدينة المحلة الكبرى، في غرب الدلتا، التي بناها الاقتصادي المصري طلعت حرب ضمن شركات مصر التي أسسها بنك مصر وتعتبر أكبر مصانع الغزل والنسيج في الشرق الأوسط.

ويستكمل ”صخرة لو اتحركت اتحركت الدولة كلها.“ ويكمل ”وساعات بيسموها القاطرة عشان هي بتقود صناعة الغزل في الدولة ومطالبها بتطبق على باقي شركات الغزل في الجمهورية. بس أهل المحلة بيقولوا عليها ”الشركة“.

”هي قلب الصناعة المصرية “ يقول عنها السادات في خطاب له في عيد العمال ١ مايو ١٩٧٣،  ”ومعقل من أهم معاقلها ورمز من رموز الاستمرار المصرى في العمل ذلك لأن البداية كانت قبل الثورة وزادت ثلاث مرات في الحجم والقدرة بعدها.“

”إنها تجسيد كامل لنضال الإنسان المصرى في القرية وفي المصنع، أي نضال الفلاحين والعمال، أي نضال القوى القائدة في تحالف قوى الشعب العامل.“

مانشيستر عام ١٨٧٤

ستة أعضاء بالبرلمان الإنجليزي ممثلون عن أحياء مانشيستر الصناعية وبوازع من أصحاب مصانع الغزل هناك يتقدمون بمذكرة لوزارة الخارجية البريطانية يستنكرون فيها عجز الحكومة المصرية عن زيادة معدلات نمو القطن عالي الجودة وإتاحته بأسعار معقولة.

فبسبب الحرب الأهلية الأمريكية كادت هذه المصانع أن تتوقف عن العمل لقلة المعروض من القطن الأمريكي، لكن القطن المصري جاء ومنحها قبلة الحياة. ومنذ بزوغ نجمه في السوق العالمية في أثناء الحرب صارت بريطانيا المستهلك الرئيسي للقطن المصري، وهو ما ساعد على انتعاش اقتصادها ودوران عجلات مصانع الغزل والنسيج قلب الثورة الصناعية الإنجليزية. لذا يقال أن قناة السويس لم تكن وحدها السبب وراء احتلال بريطانيا لمصر بل سعيًا وراء القطن أيضًا.

وبالفعل ما إن احتلت بريطانيا مصر، حتى توسعت في زراعة القطن لتشحنه إلى موانيها في ليفربول ومنها لمصانع الغزل والنسيج في مانشيستر.

كانت انتاجية مصر من القطن قبل أن تحتلها بريطانيا في عام ١٨٨٢ قد وصلت حوالي ٢٫٦٤٤ مليون قنطارًا، وارتفعت في العام الذي يليه إلى ٣٫١٣١ مليون قنطارًا ثم وصلت ذروتها الأولى بمعدل ٦٫٥٤٣ مليون قنطارًا في عام ١٨٩٧، بحسب دراسة صادرة عن معهد أبحاث القطن.

وإمعانًا في السيطرة على غالبية الانتاج المحلي من القطن، أغلقت بريطانيا مصانع الغزل والنسيج في مصر التي كانت ماتزال تحبو صناعيًا. لتقفل صفحة مشروع محمد علي الصناعي، أول المحاولات المصرية لإقامة صناعة شبيهة لمصانع مانشستر للغزل والنسيج، حيث بلغ عدد المصانع العاملة في القطن من حلج وتبيض وغزل وصباغة بحلول عام ١٨٣١ إلى ثلاثين مصنعًا في مصر.

مصانع محدودة الإمكانيات تعتمد بشكل شبه تام على الطاقة الحيوانية مع قلة من الآلات التي تعمل بالبخار وغياب تام لماكينات الغزل التي بدأت أوروبا تخترعها، ومع ذلك إزدادت معدلات القطن المغزول والمنسوجات بشكل ملحوظ وبكميات كبيرة في الفترة من عام ١٨٢٩ حتى ١٨٣٧، فضلًا عن إرسال الغزل لتريستا وليفورنو في إيطاليا، وإلى تركيا، وتصدير المنسوجات إلى بلدان مجاورة مثل سوريا والجزيرة العربية والسودان.

تلك الصحوة الصناعية الوليدة قضت عليها بريطانيا من أول يوم لها في مصر. الأمر كان واضحًا: قطن مصر لمصانع بريطانيا وفقط. غير أن زيادة انتاج القطن، جعلت بريطانيا تفكر في محاولة الاستثمار صناعيًا في مصر، فأُنشئت شركتان برؤوس أموال من لندن وليفربول عام ١٨٩٩.

الشركة الأولى هي شركة مصانع الأقطان المصرية برأس مال قدره ١٦٠٫٠٠٠ جنيهًا مصريًا وبقوة ٢٠٫٠٠٠ مغزل و٣٦٠ نول، والثانية شركة أنجلوا جيبشان للغزل والنسيج بالإسكندرية – برأس مال قدره ١٥٠٫٠٠٠ جنيهًا مصريًا وبقوة ٢٠٫٠٠٠ مغزل و ٥٠٠ نول.

لكن سرعان ما تمت تصفية الشركة الأولى في عام ١٩٠٧وبيعت آلاتها ونُقلت إلى حلب. بينما ظلت الشركة الثانية على قيد الحياة وحققت بالكاد قليلًا من النجاح مع أنها لم تقدر على صرف الأرباح لعامليها، وفي عام ١٩١٢ اشتراها تجار ألمان من الإسكندرية برأس مال أقل وأعادوا تسميتها وأطلقوا عليها ”شـركة الغـــــــزل الأهليــة المصــــرية“.

اعتمدت شركة الغزل الأهلية بشكل أساسي على القطن الرخيص القادم من صعيد مصر أو من الهند. وكان ٢٠٪ من انتاجها من الغزل يُباع إلى الحرفيين من النساجين بينما الباقي يُصنع إلى أقمشة قمصان تُباع في الأسواق المحلية أو تُصدر إلى تركيا.

وبلغ الاستهلاك المحلي للقطن في مصر في العقد الأول من القرن العشرين ٢٣ ألف قنطارًا (أي ٠٫٤ ٪ من انتاج مصر من محاصيل القطن) ثم ارتفع في العقد الثاني إلى أن وصل ٤١ ألف قنطارًا (أي ٠٫٧ ٪ من إجمالي المحاصيل).

مازالت صناعة الغزل والنسيج في ذيل القائمة، المتصدر هو زراعة القطن وتصديره، وها هو القطن يصل لذروة أعلى في معدلات انتاجيته ليبلغ إجمالي الانتاج المحلي ٧٫٦٦٣ مليون قنطارًا في عام ١٩١٣، ليصل نصيب بريطانيا منه حوالي ٧٧٫٥٪ من إجمالي المحاصيل.

صعود الشركات العائلية

بلغت نسبة الأموال الأجنبية المستغلة اقتصاديًا إلى المصرية، مع نهايات القرن التاسع عشر بحسب كتاب تاريخ مصر الاقتصادي والمالي في العصر الحديث (١٩٥١)، ٩١٪ إلى ٩٪، فلقد احتكر الأجانب الصناعة وثلاث أرباع  حجم التجارة. لكن مطلع القرن العشرين شهد دخول شركات أسستها عائلات مصرية ثرية دخلت في  ميدان الاقتصاد مثل عائلة عبود وعلي أمين يحي، ومحمد العبد وعائلة دوس باشا التي كانت تمتلك وتدير شركات غزل ونسيج وتريكو.

ثم تفتق ذهن المحامي والإداري والاقتصادي الفذ محمد طلعت حرب الذي كان يعمل ١٥ ساعة في اليوم، عن فكرة إنشاء بنك للمصريين لخدمة المشاريع الاقتصادية في مصر والنظر في المشكلات الاجتماعية التي قدمها للرأي العام المصري في كتابه ”علاج مصر الاقتصادي “ (١٩١١).

قبلها كان حرب قد أسس شركة التعاون المالي برأس مال مصري بهدف تقديم قروض مالية للشركات الصغيرة المتعسرة، لذا ظل حلم البنك يراوده كثيرًا، وكاد أن يحققه لولا قيام الحرب العالمية الأولى، فتأجلت فكرة البنك لأكثر من ٨ سنوات ثم عادت من جديد بعد قيام ثورة ١٩١٩.

عندما استطاع حرب إقناع  ١٢٦مصريًا بالاكتتاب لإنشاء البنك، وبلغ ما اكتتبوا به ٨٠ ألف جنيه، مُمَثلة في ٢٠ ألف سهم، ثمن السهم ٤ جنيه فقط، نشرت جريدة الوقائع المصرية مرسوم تأسيس لشركة مساهمة مصرية تسمى ”بنك مصر“ في الثلاثاء ١٣ إبريل ١٩٢٠·

لم يكن بنكًا تجاريًا عاديّا، بل كان الممول للصناعة الوطنية المصرية ومركزًا لمجموعة عملاقة من الشركات، كلها يحمل اسم مصر، وشركة مصر للغزل والنسيج ومصر للطيران مصر للتأمين و مصر للمناجم والمحاجر ومصر لصناعة وتكرير البترول ومصر للسياحة وستديو مصر وغيرها.

أصبح البنك القوة المحركة لقطاع صناعي مصري خاص حديث، ووصلت نسبة الأموال الأجنبية المستغلة اقتصاديًا إلى المصرية في مطلع الخمسينات ٦٠٪ إلى ٤٠٪.

”لا نبالغ إذا قلنا أن صناعة النسيج للمحلة الكبرى كالعمود الفقري في الجسم البشري “ هكذا يخطب طلعت حرب في جمهور المحلة عند افتتاح بنك مصر – فرع المحلة الكبرى يوم ١٤ سبتمبر ١٩٢٤، إنه يريد أن يصنع مانشستر مصر، مدينة قائمة على الغزل والنسيج في مدينة المحلة، التي تشتهر بالغزل والنسج اليدوي منذ زمن  بعيد.

ويستكمل ”المحلة في مصر كما كانت مانشستر في انجلترا وكما كانت ليون في فرنسا. وكما كانت ميلوز في الالزاس واللورين. وستصبح بعد القليل من عشرات الاعوام بفضل جهودكم وعنايتكم مانشيستر وليون وميلوز مصر.“

”المحلة مدينة ذات طابع خاص“ يقول عم سيد حبيب ويضيف : ” هي أساس النسيج اليدوي حتى من قبل إنشاء الشركة. زمان كان في كل بيت نول. وساعدها كمان قربها من كفر الشيخ، أكبر محافظة في زراعة القطن، في ترسيخ الصنعة.“

”دلوقتي المحلة فيها شركة مصر للغزل والنسيج، أكبر شركة في الشرق الأوسط وشركة النصر، وفيها ١٢٠٠ مصنع في القطاع الخاص. بدءً من مصانع بتشتغل بقوة ماكينتين إلى ٢٠ و ٣٠ ماكينة. كل سكان المحلة شغالين في الغزل والنسيج.“

ثم أخذ طلعت حرب يفند الدور الذي يمكن أن تلعبه مدينة المحلة في صناعة الغزل والنسيج بحكم تاريخها في الصنعة وتفردها عن كافة محافظات الدلتا بالتنوع الزراعي الصناعي المود فيها حيث بلغت نسبة الأيدي العاملة في النسيج ٣١٪،.  وكيف أثر ذلك في انخفاض نسبة الأمية في المحلة، ثم دع المصريين لإكتتاب عام لإنشاء شركة تعمل في الأقطان والغزل والنسيج.

يحكى فكري الخولي، وهو عامل نسيج كتب سيرته الذاتية عن سنوات عمله في الشركة وقت نشأتها في رواية اسماها ”الرحلة“، أن المنادين كانوا يطوفون على القرى المجاورة للمدينة يدعونهم للعمل في الشركة : ”بنك مصر عمل مصنع يغزل القطن اللي انتوا بتزرعوه و يعمل منه القماش اللي أنتم بتلبسوه، كنا زمان بنزرع القطن لياخده منا الإنجليز، إحنا النهاردة بنزرع القطن، وهانحوله إلى قماش، إحنا اللي هنزرع القطن و حنغزله و حننسجه عشان يبقي كل شيء من مصر صناعة وطنية، ابعتوا ولادكم يتعلموا صنعة و هاياخدوا أجر كويس “

بحلول عام ١٩٢٧، تأسست شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، مانشيستر مصر، بقوة ٢٢٫٠٠٠ مغزل و٤٨٤ نول. وفي بادئ الأمر أقيمت مصانعها على مساحة قدرها ٣٢ فدانًا ثم زيدت إلى ٥٨٠ فدانًا حيث شغلت الأقسام الإنتاجية منها ٣٣٥ فدانًا والباقي منشآت اجتماعية تضم مدن للعمال ومناطق إسكان في منشية البكرى والزهراء كما إحتوت على أول مدينة رياضية وترفيهية في الدلتا.

وفي عام ١٩٣٠ انتجت الشركة أول توب أقمشة. وبحلول عام ١٩٣٣ وصل رأس المال إلى ٥٠٠٫٠٠٠ جنيهًا. ثم افتتح طلعت حرب الشركة الشقيقة لغزل المحلة وهي شركة مصر للغزل والنسيج الرفيع بكفر الدوار.

ثم زاد الاستهلاك المحلي للقطن مع تزايد الصناعات الوطنية فلقد وصل في العشرينات إلى ١٧٧ ألف قنطارًا وقفز في النصف الثاني من الثلاثينات إلى ٥١٣ ألف قنطارًا وهو ما يساوي ١٦٫٧٪ من إجمالي انتاج المحاصيل.

إنهيار اقتصاد العائلات

أصر طلعت حرب على أن يكون النصيب الأكبر للمشروعات الحديثة لصالح المصريين وهو ما أثار غضب السلطات البريطانية لأن بنك مصر أخذ يتوسع إلى أن أصبح عدد وحداته المصرفية ٣٧ وحدة في ١٩٣٨ وصار رمزًا للرأسمالية الوطنية .

وأثار أيضا حنق العائلات الموالية للاحتلال مثل عائلة حافظ عفيفي وأحمد عبود فتآمروا على طلعت حرب للإطاحة به من موقعه في البنك.

تعرض البنك لأزمة كبيرة مفتعلة كان وراؤها الحكومة والبنك الأهلي ورجال أعمال من عائلات كبيرة  قرروا سحب جميع ودائعهم الكبيرة فجأة وفي وقت واحد كي يقف البنك عاجزًا عن استيفاء التزاماته، ومهددًا بالإفلاس.

حاول طلعت حرب أن يحوّل دون وقوع ذلك إلا أن الحكومة ساومته بشكل مباشر على ترك منصبه في البنك مقابل إقراض البنك. فقال مقولته الشهيرة ”ما دام في تركي حياة للبنك فلأذهب أنا وليعيش البنك“ ثم قدم استقالته.  

يقول الخولي في روايته، التي تشبه في قسوتها روايات ديكينز عن لندن في عصر الثورة الصناعية، ”إنهم لا يبحثون عن إسعادنا، بل يبحثون عن مزيد من الشقاء، ألم تسمعوا عما حدث هذا الصباح، أغلقوا الأبواب، أغلقوها في وجه العمال لأنهم لم يأتوا قبل الميعاد، ولم يكتفوا بالغلق بل ضربوا العمال بالعصي و الكرابيج إلى أن سالت الدماء من وجوههم“.

ثم تستكمل الرواية الصورة القاتمة فبعد عشرة أعوام من إنشاء الشركة كانت مساكن العمال ”بعيدة كل البعد عن كونها ملائمة لسكن الإنسان، بل أنها حتى غير ملائمة لإيواء الحيوان…. والأغلبية العظمى من تلك المساكن غير مزودة بمراحيض أو مياه شرب نقية أو حمامات“. كما نجم عن سوء التغذية والمساكن غير الصحية انتشار الأمراض بمعدل كبير بين العمال إلى أن وصلت نسبة العاملات مصابات بمرض السل في منتصف الأربعينيات إلى ٩٠٪.

ثم قاد الضباط الأحرار ثورة على الملك فاروق والإقطاعيين في ١٩٥٢، كان نتاجها تأميم كثير من أموال العائلة المالكة والأجانب والعائلات الثرية وشركاتهم وتحول القطاع الخاص بكافة صناعاته إلى قطاع عام تسيطر عليه الدولة.

ووقف عبد الناصر يخطب في جماهير المحلة في عيد العمال ”المجتمع الإقطاعى، مجتمع كل دخله بيروح لعيلة أو لفئة قليلة من الناس، ولما بيشوف إن الدخل ده حيتوزع على كل الناس ومش حينوبه حاجة، يقول إن الاشتراكية مصيبة علينا، مصيبة كبيرة؛ لأن المجتمع الإقطاعى بيأخذ، اللى بيأخذ مخصصات وبيأخذ زى ما قلت لكم سمسرة ويعيش هو السيد والناس العبيد.“

ورغم أن الضباط الأحرار وعلى رأسهم ناصر قد أقروا بإعدام اثنين من القيادات العمالية، محمد مصطفى خميس ومحمد عبد الرحمن البقري، بعد أن قاما باضراب وبوقفة احتجاجية سلمية بمصنع كفر الدوار في أغسطس ١٩٥٢ فور توليهم للحكم، إلا أن ناصر أصدر قوانين جديدة حددت الحد الأدنى للأجور، ونسبة العمال من أسهم الأرباح، والتعليم المجاني والرعاية الصحية المجانية، وضمان عدم فصلهم من العمل وتخفيض عدد ساعات العمل، والتشجيع على المشاركة في الإدارة.

صورة سيد حبيب في مانشيستر مصر

ثم توسع عبد الناصر في إنشاء المصانع وشركات قطاع الأعمال العام وفي مقدمتها الغزل والنسيج، واستقطب الآلاف من العمال ما بين عمالة ماهرة ونصف ماهرة وبلا خبرة ومن ذوي المؤهلات العلمية المتوسطة والعالية.

في ذلك الحين كان عم سيد حبيب قد أتم عامه السادس عشر والتحق بشركة مصر للغزل والنسيج، مانشيستر مصر، في فئة الصبية (تحت التمرين) في عام ١٩٦٤، ثم ثُبت في الشركة عندما بلغ الثامنة عشر.

يقول سيد ” سنتين تحت التدريب بأجرة ٢ جنيه وخمسة صاغ (٥ قروش). وبعد التثبيت مرتبي بقى ٧ جنيه ونص، وفق الحد الأدنى للأجور وقتها.“

تنقّل حبيب بين أقسام الشركة، حيث عمِلَ أول عمَلٍ له في قسم تفتيح القطن، حيث تُفتّح بالات القطن لتفرّط من بعضها، ثم انتقل إلى قسم الكرد حيث يضفر القطن، إلى قسم السحب حيث تُرّفع ضفيرة القطن حتى حجم الإصبع، ثم إلى قسم البَرّم حيث تُرّفع ضفيرة القطن إلى أرفع من حجم الإصبع، ثم قسم الغزل وفيه تتحول الضفائر الرفيعة إلى خيوط، سواء خيط ممشط أو مِسَرح، وبعد ذلك في قسم التدوير حيث لف الخيوط على الكُون لأطول مسافة ممكنة، إلى أن انتهى به المطاف في قسم الزويّ العمومي وفيه يغلف الغزل إما للتصدير أو الإستهلاك المحلي.

”عصر الشركة الذهبي كان أيام عبد الناصر ولحد السنين الأولى في عهد السادات،“ يقول سيد حبيب العامل سابقًا في شركة مصر للغزل والنسيج، وهو يدخن سيجارته في نهم وهدوء ويستكمل ”تقريبا سنة ١٩٧٥. مع إتباع الدولة لسياسات الإنفتاح. ساعتها قل عدد الدول اللي بتستورد غزل ونسيج من مصر. وقلة الجودة لأن مفيش تطوير لماكينات الغزل والنسيج.“

”إشتغلنا على مكن إنجليزي وبعدين حصل تطوير واشتغلنا على مكن ألماني ثم حصل تطوير تاني وجالنا مكن ياباني أحدث. ومن سنة ٢٠٠٠ مجاش مكن تاني.“ يضيف حبيب.

”الشركة شوكة في ضهر الحكومة. “ يقول لـــ”مراسلون“ فيصل لقوشة، الفني بقسم الصيانة في الشركة، والموقوف عن العمل لنشاطه العمالي، وصفًا كم القلق الذي تحدثه الشركة للحكومة عند قيام إضرابات فيها، وكان أشهرها إضراب ٢٠٠٦ الذي مهد الطريق لثورة ٢٥ يناير.

ويضيف: ”عشان كده الحكومة تبتكر الحيل للتخلص من الشركة. عدم تطوير المكن، الإصرار على العمل عليها رغم إنها قديمة جدًا. عدم شراء مكن حديث، أو قطع غيار. ده غير إن مفيش عمالة جديدة من خمس سنوات وذلك بعد الاستغناء عن العمالة القديمة المدربة مع خروجها على المعاش المبكر.“

وفق فيصل كان عدد العمال في شركة مصر للغزل والنسيج ٤٢ ألف عاملًا  في آواخر السبعينات وصلوا إلى ٢٧ ألف في عام ٢٠٠٦/ ٢٠٠٧ ثم وصلوا في العام الحالي إلى ١٧ ألف عاملٍ ومن المتوقع أن يصلوا إلى ٩ ألاف في ٢٠١٦/ ٢٠١٧ بعد خروج ٨٠٠٠ عامل على المعاش. ”عايزين يقللوا عددنا عشان يخلصوا منا.“ يقول لقوشة.

ثم حاولت الحكومة تقسيم الشركة لتصفيتها لكن العمال تصدوا لذلك، أوقفت الاستثمارات وتطوير الصناعة لكن العمال واصلوا نضالهم لاستمرار العمل رغم المحاولات العديدة لتخسير الشركة وإدخالها في برنامج الخصصة، لكن الصخرة أبت أن تتحرك.

يقول سيد حبيب: الضربة القاضية لصناعة الغزل والنسيج كانت عند صدور قانون ٢٠٣ لسنة ١٩٩١، المعروف بقانون قطاع الأعمال العام. ثم زاد الطين بلة تحرير سعر القطن. بعدها بقت الشركة بتشتري بالغالي…وزادت التكلفة عن سعر البيع. ودخلت صناعة الغزل والنسيج في دوامة كبيرة. “