تقول الأسطورة الأمازيغية أن شهر ينار (يناير) اقترض يوماً من فورار (فبراير) لمعاقبة عنزة تحدت الطبيعة وتشمتت في الشهر العاصف في أول يوم بعد رحيله بالرقص والتشفي بدل أن تشكر الطبيعة، فعاقبها ينار بيوم إضافي أثار خلاله عواصفه وزوابعه وثلوجه حتى لقيت العنزة مصرعها.

تقول الأسطورة الأمازيغية أن شهر ينار (يناير) اقترض يوماً من فورار (فبراير) لمعاقبة عنزة تحدت الطبيعة وتشمتت في الشهر العاصف في أول يوم بعد رحيله بالرقص والتشفي بدل أن تشكر الطبيعة، فعاقبها ينار بيوم إضافي أثار خلاله عواصفه وزوابعه وثلوجه حتى لقيت العنزة مصرعها.

وتفسر هذه القصة المعروفة في الفلوكلور الأمازيغي باسم “سلف المعزة” سبب كون ينار يمتد 31 يوماً فيما فورار لديه 28 يوماً بخلاف بقية أشهر السنة، وتؤكد الحاجة سليمة – 84 عاماً – من مدينة زوارة غرب ليبيا في حديثها مع “مراسلون” هذه القصة، مرددة الأهزوجة المعروفة لدى الأمازيغ على لسان شهر ينار مهدداً العنزة “نتسلّف نهار من عند فورار ونخلي قرونك يلعبو بيهم الصغار في ساحة الدوار”.

وإلى يومنا هذا يستحضر بعض الأمازيغ يوم سلف المعزة ويعتبرونه يوم حيطة وحذر، ويفضل عدم الخروج للرعي في الأيام الاثني عشر الأخيرة من السنة مخافة حدوث عاصفة شديدة.

أصول التقويم

يحتفل الأمازيغ في ليلة 12 يناير من كل عام برأس سنة أمازيغية جديدة، وقد بلغ التقويم الأمازيغي عامه 2966 الذي بدأ التأريخ به عام 950 قبل الميلاد، وبحسب مادغيس أؤمادي الباحث والناشط الأمازيغي فإن هذا التقويم “هو تقويم زراعي يُستعمل في دول شمال أفريقيا، وهو مبني بوضوح على اعتباره بداية موسم الزراعة لكل سنة، ويمكن حساب السنة الأمازيغية الحالية بإضافة 950 إلى السنة الميلادية مع الأخذ في الاعتبار أن السنة تبدأ يوم 13 يناير”.

يقول الباحث في علم الاجتماع عمار نفاذي أن التقويم الأمازيغي ارتبط تاريخياً بسنة اعتلاء الملك شيشنق ذو الأصول الأمازيغية عرش مصر سنة 950 قبل الميلاد، وتلك هي السنة التي يبدأ منها التأريخ الأمازيغي، أما بداية العام فمرتبطة ببداية موسم الفلاحة.

نفاذي يؤكد أن استنتاجه هذا مبني على دراسة الموضوع بتمعن وجمع جميع الروايات الشعبية بالخصوص، ولأن أقرب فرعون يمكن أن يحتفى به الأمازيغ هو الملك شيشنق فقد بني التقويم على هذا الأساس.

وهو ما يتفق معه اؤمادي الذي قال إن “النقوش التاريخية المحفورة على أعمدة معبد ″الكرنك″ في مدينة الأقصر بمصر توثق بالتفصيل للنصر العسكري الذي حققه الملك شيشنق في ذلك العام”، كما لا تزال منطقة سيوة بمصر التي يسكنها أمازيغ تحيي طقوس هذا الاحتفال كل عام حسب مصادر عدة.

طول السنة و الشهور عند الأمازيغ هو نفسه في التقويم اليولياني: ثلاث سنوات مكونة من 365 يوماً تليها سنة كبيسة مكونة من 366 يوم، والشهر ينقسم إلى 30 أو 31 يوماً ماعدا شهر فبراير الذي يتكون من 28 أو 29 يوماً، والأشهر الأمازيغية هي (ينار، فورار، مغريس، برير، ميو، جونيو، يوليو، غشت، شتمبر، كتوبر، نونبر، دجمبر).

عطلة رسمية

أمازيغ ليبيا احتفلو بدورهم ليلة 12 يناير الماضي بمناسبة رأس السنة الأمازيغية 2966، كما تم إعلان يوم 13 يناير عطلة رسمية بكل المؤسسات والدوائر الرسمية في كل البلديات الناطقة باللغة الأمازيغية.

“هذا تاريخ يؤكد قدم حضارة الليبين جميعاً” هكذا يقول خيري الهاميسي رئيس المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا في حديثه لـ”مراسلون”، ويضيف “لذلك نُطالب بأن يكون عيداً وطنياً وعطلة رسمية لكل الليبين وليس للأمازيغ فقط، وقد أعلنا عن هذه المطالب في أول احتفال علني برأس السنة الأمازيغية في ليبيا سنة 2012، وكان يوماً خاصاً أطلق فيه أمازيغ ليبيا مطالبهم التي تعكس استحقاقاتهم الدستورية”.

وبحسب الهاميسي فإن الأمازيغ صُدموا “بالرفض الكبير لكل الاستحقاقات الأمازيغية من معظم القوى السياسية والقبلية”، ولهذا فإن المجلس الذي يرأسه قرر أن يُنفذ ما يمكن تنفيذه دون انتظار موافقة أحد.

استرداد حقوق

عميد بلدية زوارة حافظ بن ساسي يتبنى موقف المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، مؤكداً أن التجربة كانت ناجحة في اعتماد تعليم اللغة الأمازيغية في المدارس “الذي بدأناه بمثل هذا القرار الجماعي، واليوم تم اعتماده في الوزارات” يقول بن ساسي.

وسيراً على ذات الخطى قامت بلدية زواة بالتنسيق مع المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا وجميع البلديات الناطقة بالأمازيغية بإعلان يوم 13 يناير الذي يصادف اليوم الأول في التقويم الأمازيغي عطلة رسمية، “باعتباره أحد الأعياد الوطنية التي تمثل الهوية والثقافة الأمازيغية ولايمت بصلة لأي معتقد ديني، ولذلك نُطالب بترسيمه قانونياً في الدستور المرتقب” يقول بن ساسي.

طقوس الاحتفالات

تختلف طقوس الاحتفال بهذا اليوم باختلاف التقاليد والعادات بين دول شمال أفريقيا، إلا أنها تتشابه في ارتباطها بموسم الزراعة من حيث إعداد الوجبات الموسمية، وكذلك في تعليق الزينة والأضواء في الشوارع وإقامة الحفلات الفنية.

“مراسلون” رصد بعض هذه الطقوس في مدن أمازيغية مختلفة في شمال أفريقيا، كان أقلها صخباً الاحتفالات في مدينة زوارة الليبية، حيث تم إلغاء الاحتفالات فيها “تضامناً مع إخوة الوطن” حسب بن ساسي الذي أوضح أن “ما تشهده وشهدته ليبيا مؤخراً وخاصة بلدية زليتن (شهدت تفجيراً انتحارياً وسط احتفال بتخريج دفعة من منتسبي الشرطة راح ضحيته حوالي 70 شخصاً يوم 7 يناير 2016)، جعل المجلس البلدي يُصدر إعلاناً بإلغاء كل مظاهر الاحتفالات هذه السنة، واقتصر إحياء الذكرى على يوم عطلة رسمية فقط”.

أما مدينة يفرن الجبلية التي تبعد 130 كم جنوب طرابلس فقد أقيم فيها حفل فني أحياه الفنان الأمازيغي عبدالله عشيني وفرق فنية أمازيغية، نظمته بعض مؤسسات المجتمع المدني ونشطاء المدينة.

صراع بقاء

احتفالات تونس كانت أكثر نشاطاً حسب قول فاتن خليفة الصحفية والناشطة في الشأن الأمازيغي التونسي حيث شهدت إقامة عروض أزياء وأكلات تقليدية، وعُروضاً فنية وندوات للتعريف بالهوية الأمازيغية في عدة مدن وقرى تونسية وخاصة الناطقة بالأمازيغية، مثل منطقة تمزرط التي تتبع محافظة قابس بالجنوب التونسي ومدينة الحمامات أيضاً.

تقول خليفة أن هذه الاحتفالات هي “نوع من النضال الأمازيغي في تونس الذي تحرر بعد ثورة 14 يناير، ونحن كناشطون نسعى للمحافظة على هذا التراث، لأنه صراع من أجل البقاء فنحن باقون مابقي تراثنا وتاريخنا”.

رسائل للحكومة

أما في المغرب فقد نُظمت بالمناسبة حملة بعث رسائل بأسماء جهات أو أشخاص لرئيس الحكومة المغربية تطالب جميعها بجعل نهاية السنة الأمازيغية عطلة رسمية، وخاصة أن حتى القبائل الناطقة بالعربية تحتفل به باعتباره “رأس السنة الفلاحية”، هكذا تقول د. بشرى الشتواني الصحفية والناشطة الحقوقية من المغرب.

تصف الشتواني في حديثها لـ”مراسلون” طقوس الاحتفال بأنها تكون “بلبس النسوة لباساً جديداً والتزين لاستقبال العام الجديد، وإعداد وجبات خاصة للمناسبة أشهرها طبق الكسكسي (سكسو) بالسبع خضار أو بلحم الدجاج المحلي، وأيضاً أطباق تجمع بها كل أنواع الحبوب، ويتم إعداد الغرايف والبيض المسلوق والرفيسة والبركوكش، وتوضع بأحد الأطباق حبة نواة تمر ومن يجدها أثناء الأكل يكون صاحب الحظ السعيد لهذه السنة حسب الفلكلور المغربي”.

حسب الشتواني يكون رأس السنة الأمازيغية مناسبة لتبادل الزيارات العائلية وإنهاء الخصومات وإقامة الصلح، ومناسبة كذلك للتضامن الاجتماعي عبر تجميع الصدقات وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين.