١-

«غرفة أخبار هادئة نسبيًا إلا من حركة خفيفة للمحررين، يقتحمها فجأة روبوت مسلح برشاش آلي يُطلق زخّات عشوائية على مَن يصادفه مِن الصحفيين حتى يقتلهم جميعًا».

رؤية ساخرة لمستقبل الصحافة حسب برنامج “ذا دايلي شو”.

٢-

«وتذهب جائزة بوليتزر هذا العام إلى.. كومبيوتر».

١-

«غرفة أخبار هادئة نسبيًا إلا من حركة خفيفة للمحررين، يقتحمها فجأة روبوت مسلح برشاش آلي يُطلق زخّات عشوائية على مَن يصادفه مِن الصحفيين حتى يقتلهم جميعًا».

رؤية ساخرة لمستقبل الصحافة حسب برنامج “ذا دايلي شو”.

٢-

«وتذهب جائزة بوليتزر هذا العام إلى.. كومبيوتر».

رؤية واقعية لمستقبل الصحافة حسب صحيفة الجارديان البريطانية.

٣-

صحافة مصرية وعربية مأزومة لا تزال تبحث عن تأثير سياسي وأرباح، وفي نفس الوقت تنغمس في وحل الاصطفاف مع خطاب الدولة الأمر الذي يعصف بتوزيعها الورقي وانتشارها الإلكتروني. محاولات بعض العاملين في الصناعة للخروج من هذا المأزق، تتزامن مع نشر أخبار من خدمة أسوشيتدبرس الإخبارية كتبها “روبوت” أو برنامج كومبيوتر سيحل قريبًا محل الصحافيين.

البرنامج الذي يكتب الأخبار يُسمي “وورد سميث” دَخَل الخدمة بالفعل قبل نحو عام لصالح وكالات الأنباء فقط، لكن سيتم طرحه لتجربة عدد من الأفراد هذا العام. تبدو فكرته بسيطة بدرجة مضحكة: تُدخِل مجموعة من البيانات + الخط التحريري للمؤسسة الصحفية، فيخرج من الناحية المقابلة خبرٌ صحفي لا عيبَ فيه، يتماشى مع أسلوب وطريقة كتابة أخبار هذه المؤسسة، وتتغير صياغة نفس الخبر بتغيّر كتاب الأسلوب لكل مؤسسة. هذا ما حدث بالفعل قبل عام من الآن، لكنه يحدث بوتيرة أسرع وأشد وقت كتابة هذه السطور.

٣ آلاف قطعة شهريًا تنتجها الـ AP عبر الـ word smith، والرقم مرشح بقوة للزيادة، تجد هذه القطع طريقها إلى “ياهوو نيوز”، و”سي إن بي سي”، و”بيزنس إنسايدر”، و”صالون” وغيرها، فقط انسخ هذه الجملة بأقواسها وأعدها مرة أخرى علي جوجل:

“This story was generated by Automated Insights”، ثم تصفّح النتائج.. وابتَسِمْ.

«لا نعرف بالضبط أيّ عددٍ من الوظائف فقدها (الصحافيون) بسببنا» يقول جيمس كوتساكي، المتحدث الإعلامي لشركة “أوتوميتد إنسايتس” التي تطوّر برنامج “وورد سميث” في حوار عبر البريد الإلكتروني مع “مراسلون”. يلّخص كوتساكي رؤية شركته لمستقبل الصحافة برسالة طمأنة: «بشرٌ مع آلات، لا بشر في مواجهة آلات».

البرنامج الكوميدي الشهير “ذا ديلي شو” أعد فقرة طويلة نسبيًا من البرنامج ذي الإيقاع السريع عن “الصحفي الروبوت” الذي أنتجته شركة “أوتوميتد إنسايتس”، استضاف خلالها كاتبة عمود الرأي بربارا ايرنرايك التي تعتقد أن “الصحفي الروبوت” يمثل تهديدا حقيقيًا للصحفيين، فالخوارزميات ستقوم بالبحث وجمع المعلومات وفي النهاية كتابة قطعة صحفية نظيفة، قبل أن تخاطب مراسل البرنامج الساخر حسن منهاج: “استعد للبطالة يا حسن”.

المراسل الذي تباهى ساخرًا بتاريخه كصحفي ومراسل شاب ذو مصادر أخبار متنوعة وعلامة زرقاء في حسابه على موقع تويتر، ذهب إلى وكالة أسوشيدبرس والتقى مدير تحريرها، لو فيرارا، الذي استعرض سريعًا مزايا “الصحفي الروبوت” الذي أدخلوه في الخدمة قبل نحو عام، من الجوانب المهنية فهو “صفر انحياز.. صفر أخطاء” حسبما قال لمراسل البرنامج الكوميدي.

الشركة التي يعمل بها ٥٠ مبرمجًا وعالمًا في مجال المعلومات، واثنين فقط لهما علاقة بالعمل الإعلامي، أحدهما يعمل بالتسويق، والثاني هو المتحدث الإعلامي باسم الشركة، الذي يقول مُطمئنًا الصحفيين في حوار مراسلون: «يقوم برنامجنا بإنتاج قطع صحفية لا يُفضّل الصحفيون القيام بها (كأخبار الاقتصاد) وبالتالي يمكنهم تركيز جهودهم على موضوعات أخرى، فعندما دخل “وورد سميث” في الخدمة مع الـ AP لم نسمع أن صحفيًا فقد عمله، لكن المؤكد أنهم استطاعوا التركيز على قصص على مستوى أعلى».

ما يدفع للقول أن هذا هو ما ستواجهه الصحافة العربية في المستقبل القريب للغاية، تقرير في الجارديان ارتفع بسقف التوقعات من هذا البرنامج لدرجة حصوله على أرفع جائزة صحفية بعد إزاحة الصحفيين البشر، التقرير نُشر عقب البدء في إنتاج قصص حقيقية من “وورد سميث” وعنوانه: «.. وتذهب جائزة البوليتزر هذا العام إلى.. كومبيوتر».

٤-

في هذا الجانب من العالم تواجه صناعة الأخبار أزمة مركبّة وحصار خانق، فمن ناحية هناك قطار التكنولوجيا الذي لا تتوقف عجلاته عن الدوران في شمال العالم، وفي المقابل عدو يتجسّد في تدّني المحتوى نتيجة ضغوط السياسة والإعلانات وملاّك الصحف، حتى وصل الصحفيون إلى الدرجة التي يصرّحون فيها بأن “هذه أيام أسود من قرن الخرّوب”. لكن خطورة ما يمكن اعتباره تهديدًا لا تعني بالضرورة أن لا فرصة أمام الصحافيين للنجاة بأنفسهم.

في مناقشات مع عدد من الأصدقاء عن المستقبل، ظهرت عدة اقتراحات، أحدها: صحافة التحقيقات بطبعتها الكلاسيكية| الاستقصائية، كحل في مواجهة الغول القادم على مهنتنا التي نتكسّب منها، لكنه يبدو اقتراحًا غير عملي بعض الشيئ.

صحيح أن البرنامج الذكي لا يُنتج “حتى الآن” هذا النوع من الصحافة، إلا أنه سينتجها قريبًا لا محالة.. ليس إيمانا بالتكنولوجيا، قدْر أنه يقين بحركة التطور المستمرة.

التطوير الدائم في الشكل الذي يتم به تقديم التحقيق واستحداث طرق جديدة للسرد وعرض المادة والوسائط الجديدة وصحافة البيانات بأشكالها التليفزيونية والإذاعية يبدو هو الحل الوحيد أمام الصحافيين للاستمرار في مهنتهم.. حتى إشعار آخر.

يمكن هنا ذكر ثلاثة نماذج للأنواع التي يمكنها الحياة “مع” وليس “في مواجهة”، هذا التطور السريع؛ على الأقل لسنوات قليلة مقبلة.

إنطلاقا من قاعدة بسيطة تقول أن رغبتنا في قراءة لغة جيدة تحمل تجارب إنسانية، لن تتوقف. فإن طريقة الحكي الكلاسيكية المعتمدة على خلط الوصف الروائي بالحقائق التقريرية يمكن أن يستمر.  يمكن مراجعة ما تم ترجمته من تقارير الصحافية البيلاروسية سفيتلانا ألكسيفيتش الحائزة على نوبل الآداب ٢٠١٥، التي جمعت فيها بين السرد الروائي والحقائق التقريرية لضحايا انفجار مفاعل تشيرنوبل.

أو الحفاظ علي اللغة الأدبية الخفيفة لحكي القصة مع تطويرها بصريًا، كنموذج ثانٍ قابل للحياة مثل تحقيق النرويجي أندرس فيلبيرج “صاحب البدلة الواقية من البلل”،  الذي ترجمه المحقق الصحافي يسري فودة، عن رحلة تقصٍ أعقبت ظهور جثث رجل ببدلة غطس على الشواطئ النرويجية.. هذا بالنسبة للصحافة المكتوبة.

الـ “أون لاين” المُهدد هو الآخر بصحافة القوائم الخفيفة، والترافيك مدفوع الثمن (الترافيك القذر)، يمكن أن يجد لنفسه طريقًا. هنا يمكن تحويل القصة إلى فيديو توضيحي قصير يتوافق مع طرق العرض على مواقع التواصل الاجتماعي، بخلاف وجوده على الموقع الالكتروني للمؤسسة الصحافية. تقرير ڤوكس عن “كيف تضاعف وزن الديوك الرومية عبر ٨٠ عاما”. التقرير يمكن اعتباره نموذجًا لربط ٣ أشكال صحفية: صحافة البيانات، والتحقيقات، والڤيديو. تحقيق ڤوكس بجانب التوثيق المعلوماتي، استطاع الإجابة على أسئلة “كيف ولماذا” التي يتتبعها أي صحافي يعمل في مجال التحقيقات.

أو اللجوء لحل مختلف تماما: نسف طرق الحكي بأشكالها الكلاسيكية وتحويل التحقيق بالكامل إلى لعبة تفاعلية ممتعة يقوم بها القارئ. عندما يدفعه في هذا النموذج صحافي الـ “بي بي سي” من مقعد القارئ إلى مقعد اللاجئ، ويُدخله في مغامرة مفادها “استمر في القراءة، حتى تستمر في اللعبة للنهاية” التي يحتاج الوصول لها تتبع احتمالات كثيرة لمسارات اللاجئين السوريين في الهرب من بلدهم إلى منافي قارات العالم القديم الثلاث.. ببساطة بدلًا من سرد المعلومات التي تجمعها في تحقيقك، يمكنك تحويل كل شيئ إلى لعبة.

عادة ما يحاول الباحثين عن حلول لأزمات صحفهم النظر إلى التجارب الغربية، لكن آخر تقرير متاح من الإتحاد العالمي للصحف وإتحاد ناشري الأخبار (وان إفرا) يوجّه نظر هؤلاء شرقًا.. إلى آسيا، الهند تحديدًا، التي تسببت في رفع معدلات توزيع الصحف الورقية عالميًا رغم انهيارات التوزيع في الغرب ومنطقة الشرق الأوسط، كما أن نفس التقرير المُختصر يلفت إلى زيادة رغبة المستهلكين من القرّاء في الحصول علي صحافة جيدة أون لاين حتي لو كانت مدفوعة، رغم الاعتراف أن اقتصاديات الموسسات الصحفية لا تزال عتمد بشكل أساسي على التوزيع والإعلانات في النسخ المطبوعة.

٥-

الوقوف في وجه تطور صناعة الأخبار لا يستدعي إلا مشهد سائقي الحنطور عندما شاهدوا أول رحلة للترام في الشوارع.. هذا هو التحدي الأكبر أمام العاملين في هذه الصناعة. فوسائل نقل البشر؛ استمرّ “بشر” في تشغيلها، لكنّ سائقي السوارس الأوفياء انقرضوا.