يفترش منذ أيام عدد من أصحاب الشهائد العليا رغم نزول الأمطار وهبوط درجات الحرارة الأرض في العراء أمام مقر الشركة التونسية للكهرباء والغاز (حكومية) بالعاصمة غير عابئين بوضعهم الصحي لاسيما وأنهم قضوا أكثر من 15 يوما مضربين عن الطعام.

بوجمعة الحاجي شاب في عقده الثالث، متحصل على شهادة الماجستير، وواحد من هؤلاء المضربين يقول لمراسلون إنه همه الوحيد أصبح تحقيق كرامته على حساب صحته وجسمه الذي بدا منهكا من التعب والاعياء حتى أنه لم يكن قادرا على الوقوف لما تحدث إلينا.

يفترش منذ أيام عدد من أصحاب الشهائد العليا رغم نزول الأمطار وهبوط درجات الحرارة الأرض في العراء أمام مقر الشركة التونسية للكهرباء والغاز (حكومية) بالعاصمة غير عابئين بوضعهم الصحي لاسيما وأنهم قضوا أكثر من 15 يوما مضربين عن الطعام.

بوجمعة الحاجي شاب في عقده الثالث، متحصل على شهادة الماجستير، وواحد من هؤلاء المضربين يقول لمراسلون إنه همه الوحيد أصبح تحقيق كرامته على حساب صحته وجسمه الذي بدا منهكا من التعب والاعياء حتى أنه لم يكن قادرا على الوقوف لما تحدث إلينا.

دخل هذا الشاب -الذي رغم شهادته الجامعية العليا يعمل حارسا في الشركة التونسية للكهرباء والغاز- منذ يوم 4 يناير/كانون الثاني في إضراب جوع بسبب رفض الإدارة تسوية وضعيته وتمكينه من تنظير شهادته العلمية واحتساب تدرجه المهني والوظيفي بالشركة.

يقول بوجمعة الذي بدا متأثرا بوجهه الشاحب وصوته الخافت “أنا مستعد أن أواصل عملي كحارس أفتح الأبواب وأغلقها في الشركة لكني أطالب على الأقل باحتساب شهادتي العلمية حتى أشعر بكرامتي. لقد قررت خوض إضراب جوع إلى حين الاستجابة لمطلبي”.

ومنذ أسابيع قليلة عرفت البلاد موجة غير مسبوقة من إضرابات الجوع في وقت تشهد فيه عديد المدن احتجاجات متصاعدة تطالب بالتشغيل. وكانت إضرابات إضرابات الجوع في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي تشكل وسيلة ضغط سياسية للتشهير بنظامه.

وبعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011 انتقل هذا الضغط إلى ضغط اجتماعي واقتصادي حيث عمد عدد من الشباب وخاصة المعطل عن العمل إلى تنفيذ إضرابات جوع للمطالبة بحق العمل وتجسيما لمبادئ الثورة التي رفعت شعار “شغل حرية كرامة وطنية”.

ويقول بوجمعة الحاجي الذي تشي ملامحه وهو يرتدي ثيابا بالية وممزقة بأوضاعه المادية الصعبة أن إضراب الجوع أضحى لديه الوسيلة الأخيرة للضغط من أجل الحصول على حقوقه في ظل ما اعتبره عجزا وفشلا في أداء المسؤولين الذين يقودون البلاد.

وبكثير من الاستياء عبر هذا الشاب مع زملائه المضربين عن إحساسهم بالاحتقار من قبل إدارة شركتهم التي قالوا إنها ترفض تسوية وضعيتهم ومنحهم وظائف تتماشى مع مؤهلاتهم العلمية حتى لا يرتقوا في السلم الوظيفي وربما يصبح مسؤولين بالشركة.

ولم يتسن لمراسلون الحصول على تصريح رسمي من الشركة التونسية للكهرباء والغاز لكن الكاتب العام لنقابة الشركة عبد القادر الجلاصي أكد لنا بأن هناك تنسيق بين الإدارة والنقابة ورئاسة الحكومة من أجل إيجاد تسوية أوضاع هؤلاء المضربين عن الطعام.

ويظل ملف التشغيل في ظل ارتفاع معدل البطالة من الملفات الحارقة والعالقة بعد الثورة حيث تواصل البلاد تسجيل معدل مرتفع لنسبة البطالة (15.3 بالمائة) وإحصاء أكثر من 700 ألف معطل عن العمل بينهم 220 ألف عاطل عن العمل حامل لشهادة عليا.

ومنذ أسابيع دخل أكثر من 28 طالب من قدماء الاتحاد العام لطلبة تونس اليساريين في إضراب جوع احتجاجا على عدم تمكينهم من وظائف حكومية سيما وأن نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي حرمهم في التشغيل تشفيا من مواقفهم المعارضة له.

ومن بين هؤلاء الطلبة المضربين عن الطعام مجدي الغالي وهو متحصل على الماجستير في القانون العام والتجارة الدولية منذ سنة 2009 حيث يقول لمراسلون وعلامات الوهن واضحة على وجهه إنه دخل في إضراب جوع وحشي ردا على لغة التسويف.

ويؤكد مجدي لمراسلون أن بعض رفاقه تعكرت حالتهم الصحية كثيرا جراء إضراب الجوع الأمر الذي تطلب نقلهم إلى المستشفى في حالة مستعجلة، مبرزا أنهم يرفضون التخلي عن الإضراب في حال لم تلتزم الحكومة بانتدابهم في بعض الوظائف الحكومية.

وبعد مرور خمس سنوات على اندلاع الثورة التونسية لا يبدو أن الأمور تسير على ما يرام خصوصا في ظل التحديات الكبرى التي تواجهها البلاد نتيجة تأثر الاقتصاد التونسي ببعض العمليات الإرهابية التي أثرت على الاستثمار والتنمية والسياحة وغيرها.

وتواجه الحكومة الحالية كسابقاتها انتقادات حادة بسبب ما يعتبره البعض ضعفا في الأداء وغيابا في البرامج الجادة في التعاطي مع ملف حارق مثل التشغيل الآمر الذي نتج عنه إعادة انتفاضة الشباب العاطل عن العمل في أغلب ولايات البلاد ومدنها.

ويقول مجدي الغالي لمراسلون إن الحكومات المتعاقبة فشلت في إدارة ملف التشغيل بسبب استمرار اعتمادها على منوال اقتصادي وتنموي للنظام السابق، محذرا من إمكانية استفحال ظاهرة إضرابات الجوع إذا استمر تدهور الوضع الاجتماعي.

ورغم أن عبد الرحمان الهذيلي رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يتفهم لجوء بعض الأشخاص إلى شن إضرابات جوع التي قال إنها قد تضفي أحيانا لتحقيق مطالبهم فإنه حذر من عواقبه السببية على حياة وصحة المضربين.

وقال لمراسلون إن إضرابات الجوع كانت تحرج في السابق نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، مشيرا إلى أن الأخير رضح في كثير من الحالات تحت وطأة الانتقادات الحقوقية في الداخل والخارج للاستجابة لمطالب المضربين عن الطعام.

وأوضح الهذيلي بأن الدخول في إضرابات الجوع وفي احتجاجات شعبية عارمة يأتي على خلفية انسداد الآفاق وعدم الحصول على الحقوق المشروعة وخاصة منها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي لها صلة مباشرة بكرامة الشخص.

وقال إن البلاد تعيش حاليا انفجارا اجتماعيا على خلفية حالة الاحتقان السائدة لدى فئة الشباب، مبينا أن الحكومات المتعاقبة لم تستوعب أهمية الملف الاجتماعي وبخاصة ملف التشغيل الذي يظل من الملفات الحارقة وسيف مسلطة على رقبة السياسيين والحكام الجدد.

ولاحظ أن المؤشرات تدل على أن شهر يناير/كانون الثاني الجاري سيكون ساخنا على خلفية عدم الاستجابة إلى المطالب التنمية ومعالجة أزمة البطالة والهجرة السرية للشباب والانقطاع المدرسي والانتحار.

وأمام صمت الحكومات وغياب مقاربة ناجعة لمعالجة معضلة البطالة تعرف تونس منذ أسبوع موجة عارمة من الاحتجاجات انطلقت شراراتها من ولاية القصرين (الوسط الغربي للبلاد) التي توصم بالإرهاب نظرا لتمركز مسلحين في جبالها المرتفعة على غرار جبل الشعانبي أعلى قمة في البلاد.

ورغم إقرار الرئيس التونسي حالة الطوارئ وإعلان حظر التجول بداية من الساعة الثامنة ليلا حتى الساعة الخامسة صباحا لم تهدأ الأوضاع بل زادت حدتها واتسعت رقعة الاحتجاجات لتشمل كامل البلاد ورافقتها أعمال شغب وحرق ونهب وسرقة للمحلات التجارية واجتياح للمقرات الرسمية والإدارية في تعبير عن رفض الشباب للبطالة والفقر.

وزادت الأوضاع من حدتها عند دخول الشباب المعطلين عن العمل في مواجهات مع قوات الأمن ورشقهم بالحجارة مما أدى إلى وفاة عون شرطة بما يعكس حدة توتر الأوضاع ونقمة الشباب التونسي عن تواصل تجاهل الحكومات لمطالبه.

وقد اضطر يوم الجمعة الماضي رئيس الحكومة الحبيب الصيد إلى قطع زيارته الرسمية إلى فرنسا لتقتصر على يوم واحد والرجوع إلى البلاد والإشراف على مجلس وزراء استثنائي للبحث عن حلول عاجلة للأزمة الاجتماعية المتفاقمة.

وشدد الصيد على أن استعداد الحكومة إلى حل جميع الإشكاليات، داعيا المواطنين إلى تفهم الصعوبات الذي تمر به البلاد. ونبه من جهة أخرى من الخطر الذي مازال يحدّق بالبلاد في إشارة إلى التهديدات الإرهابية المتواصلة متهما أحزابا متطرفة دون أن يسميها بالسعي لتأجيج الوضع.