قبل نحو شهرين أقيل الصحفي حمادي الغيدواي رئيس تحرير نشرة الأخبار بالتلفزة التونسية العمومية من مهامه بسبب ما اعتبر خطأ مهنيا بعد أن سمح ببث تقرير مصور يظهر كيس بلاستيكي أسود يحوي رأس راعي أغنام في ثلاجة بمنزل والدته بعد أن قطعها إرهابيون وسلموها لصديقه ليودعها.

قبل نحو شهرين أقيل الصحفي حمادي الغيدواي رئيس تحرير نشرة الأخبار بالتلفزة التونسية العمومية من مهامه بسبب ما اعتبر خطأ مهنيا بعد أن سمح ببث تقرير مصور يظهر كيس بلاستيكي أسود يحوي رأس راعي أغنام في ثلاجة بمنزل والدته بعد أن قطعها إرهابيون وسلموها لصديقه ليودعها.

بعد استبعاده من تلك المسؤولية لم يكن هذا الصحفي يتخيل للحظة واحدة أنه سيتم استدعاؤه قبل أسبوع للمثول رفقة تسعة من زملائه الذين قاموا بتصوير التقرير أمام فرقة مكافحة الإرهاب واتهامهم بتمجيد الإرهاب وتكوين وفاق إرهابي وهي اتهامات خطيرة تصل عقوبتها إلى السجن 20 عاما.

يقول حمادي الغيدواي باستغراب لمراسلون “نحن نقر أن نشر ذلك التقرير كان خطأ مهنيا غير مقصودا وقد تم اتخاذ عقوبات إدارية جراء هذا الخطأ لكن كيف لصورة كيس بلاستيكي أسود حتى لو كان بداخله رأس مقطوعة أن تتحوّل إلى اتهامات خطيرة تصل لحد تمجيدنا للإرهاب وتكوين وفاق إرهابي؟”.

وكانت التلفزة التونسية بثت في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 تقريرا حول عملية إرهابية جدت قبل ذلك بيوم بمنطقة جلمة من ولاية سيدي بوزيد ذهب ضحيتها الطفل مبروك السلطاني راعي الغنم الذي نحرته مجموعة إرهابية بجبال المغيلة وقطعت رأسه وأرسلته مع صديق الراعي الى والدته الضريرة.

وتناول التقرير حيثيات العملية الإرهابية وتضمن نشر صورة كيس بلاستيكي داخل ثلاجة قالت أسرة الراعي المقتول إنها تحوي رأسه وهو ما اعتبره البعض خطأ مهنيا دفعت إدارة العامة للتلفزة التونسية إلى اقالة رئيس تحرير نشرة الأخبار وبعد ذلك إقالة الرئيس المدير العام للتلفزة التونسية.

كما أعلنت وزارة العدل التونسية وقتها نيتها تتبع المتورطين في إعداد وبث التقرير وفق أحكام القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال والفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية وهو ما ترتب عليه إحالة 10 من صحفيي التلفزة التونسية على التحقيق.

ولا يتعلق الأمر فقط بالإعلام العمومي فالتتبعات طالت أيضا صحفيين من مؤسسات خاصة.  محمد اليوسفي رئيس الموقع الالكتروني” حقائق أون لاين” الذي وضع تحت الرقابة الأمنية بعد ورود معلومات عن محاولة استهدافه من جماعات إرهابية تحول اليوم إلى متهم أمام فرقة مكافحة الإرهاب.

باستياء شديد يقول محمد اليوسفي لمراسلون إنه تمت دعوته بطريقة غريبة مثل “عتاة المجرمين”، موضحا “عندما كنت في مقر عملي فوجئت بحضور أعوان أمن للمقر لتسليمي استدعاء لا يحمل لا اسمي ولا لقبي وطلبوا مني مرافقتهم فورا إلى مقرّ فرقة مكافحة الإرهاب بمنطقة العوينة بالعاصمة”.

لكن بعد استشارة نقابة الصحفيين رفض هذا الصحفي مرافقة الأعوان ليس لأنه فوق القانون كما يقول ولكن لأنه لم يقع احترام الإجراءات الإدارية المعمول بها من قبل الأمن، معتبرا أن الهدف من استدعائه بتلك الطريقة ترهيبه وممارسة ضغط على الصحفيين لمنعهم من الخوض في قضايا الإرهاب.

ويرى محمد اليوسفي أن الإعلام التونسي يحاول القيام بتعديل ذاتي حتى يطور من أدائه بشكل أفضل، مؤكدا بأن الصحفيين منحازون إلى وطنهم في الحرب على الإرهاب وأن أي محاولة لضرب الإعلام الحر من قبل السلطة سيؤثر بشكل مباشر على المسار الديمقراطي في البلاد المرتكز على حرية الإعلام.

وعلق يوسف الوسلاتي عضو النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين على عملية احالة صحفيين على القضاء بتهم إرهابية بالقول إن تلك التتبعات تخفي وراءها رغبة سياسية من السلطة في إعادة تركيع الإعلاميين من خلال ترهيبهم باتهامهم بقضايا خطيرة قد تتحول إلى عقوبات بالسجن لمجرد أخطاء مهنية”.

وكانت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين انتقدت بشدة في بياناتها الأخيرة إحالة عدد من الصحفيين بموجب قانون مكافحة الإرهاب وطلبت من الصحفيين عدم المثول أمام القضاء في حال لم يتم التنصيص على سبب الاستدعاء الأمني صراحة وعلى الصفة التي سيحضر بها الصحفي كشاهد أم كمتهم.

وفي تعقيب رسمي قال الناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية خالد شوكات لمراسلون إن الحكومة لم تفكر يوما في السعي لتركيع الإعلام أو السيطرة عليه وأن ما حصل في الأيام الماضية هو شأن قضائي صرف لا دخل للحكومة فيه، مشددا على أن الائتلاف الحكومي يقف في صف حرية الإعلام.

بدوره أكد الناطق باسم وزارة الداخلية وليد الوقيني في تصريح لمراسلون أن المؤسسة الأمنية تساند حرية الإعلام وحرية التعبير، مشيرا إلى أن الاتهامات الموجهة لبعض الإعلاميين شأن قضائي لا دخل للمؤسسة الأمنية فيه. ولم يتسن الحصول على تصريح رسمي من مسؤول في وزارة العدل.

لكن نقابة الصحفيين تصر على ان احالة الصحفيين بموجب قانون الارهاب هو بمثابة محاكمات سياسية هدفها السيطرة على الاعلام وضرب حرية الصحافة، ويبرر الوسلاتي هذا الموقف بان ” كل القضايا التي احيل بموجبها صحفيون على آساس قانون الارهاب تم اثارتها من طرف النيابة العمومية التي تتبع سياسيا لسلطة وزير العدل”.

ويضيف الوسلاتي ان هذا التوجه فيه خرق للقانون فالمرسوم ١١٥ المنظم لحرية الصحافة والصادر بعد الثورة (سنة ٢٠١١) يشير بوضوح ان احالة الصحفيين في قضايا الرآي والنشر يجب ان تتم حصريا وفق هذا القانون. ويخلص الى ان  ” السلطة الغاضبة من اداء الاعلام تحاول استخدام قانون الارهاب لتخويف الصحفيين”.