تقبع مدينة رشيد حيث يصب نهر النيل في البحر المتوسط -65 كيلو متر شرق محافظة الإسكندرية- الأن بعيد عن الأضواء الإعلامية، بينما كانت يوما أحد أهم موانيء المتوسط. وتعاني المدينة من مشكلة مياه جوفية مزمنة، وذلك بسبب طبيعة تربتها وموقعها الجغرافي كمصب لنهر النيل وميناء على البحر المتوسط، وبسبب تهالك شبكة مياه الصرف الصحي فيها. وأدت هذه المشكلة إلى غرق الكثير من آثارها في الوحل.

تقبع مدينة رشيد حيث يصب نهر النيل في البحر المتوسط -65 كيلو متر شرق محافظة الإسكندرية- الأن بعيد عن الأضواء الإعلامية، بينما كانت يوما أحد أهم موانيء المتوسط. وتعاني المدينة من مشكلة مياه جوفية مزمنة، وذلك بسبب طبيعة تربتها وموقعها الجغرافي كمصب لنهر النيل وميناء على البحر المتوسط، وبسبب تهالك شبكة مياه الصرف الصحي فيها. وأدت هذه المشكلة إلى غرق الكثير من آثارها في الوحل.

تضم المدينة (65 كيلو متر شرق محافظة الإسكندرية) 22 منزلا أثريا و12 مسجدا إلى جانب المتحف العام وقلعة قايتباي، وهي أقدم أثر بالمدينة بناها السلطان المملوكي عام 1472 م لحماية المدينة على غرار قلعته الشهيرة بالإسكندرية،  لذا يمكن القول إن آثار المدينة تنتمي بشكل عام لعصري المماليك والعثمانيين. وتعتبر رشيد ثاني مدينة بعد القاهرة في نسبة الآثار الأسلامية بها.

كل هذه المباني تسربت إليها المياه حاليا، سواء المياه الجوفية أو مياه المطر الذي هطل على المدينة في الأيام الأخيرة؛ لتغوص في المياه والوحل.

وينحصر دور هيئة الآثار بالمدينة في المحافظة على التراث الثري خلال الترميم بحسب ما يقول محمد التهامي، مدير عام آثار رشيد، إلا أن البنية التحتية للمدينة لا تساعد على أداء هذه المهمة، فشبكات الصرف الصحي غير جاهزة لاستيعاب كميات الأمطار الهاطلة.

ترميم وتطوير

طوال العقود الماضية كانت مدينة رشيد عرضة لإهمال الحكومات المتعاقبة. ويؤكد التهامي أن المدينة لا تتوفر على فنادق لاستقبال السائحين ولا مشاريع ترفيهية للتسوق السياحي وتلك العوامل المفقودة بالمدينة من أهم مقومات السياحة.

وبدأت وزارة الآثار -كما أوضح التهامي- الترميم والتطوير لبعض مباني رشيد الأثرية في عام 2001 و 2002 حيث رممت منزلا أثريا ومسجدا، أما متحف رشيد – الذي يؤرخ لحملة فريزر الانجليزية على مصر عام 1807 ويعود مقر المتحف إلى “عرب كللي” حاكم رشيد في تلك الفترة ويرجع تاريخ إنشائه إلى القرن الثامن عشر وبه مجموعة من المقتنيات ونماذج لكيفية مواجهة أهالي المدينة للإنجليز أثناء حملة فريزر –  فتم ترميمه خلال عامي 2006 و 2007 وتم افتتاحه في عام 2010 بعد عمل الحديقة المتحفية الخاصة به، وفي نفس العام طرحت خطة لتطوير مدينة رشيد لتكون بمثابة متحف مفتوح.

وخلال العام 2010 قامت الآثار بترميم 13 منزل أثري و6 مساجد كمرحلة أولى من الترميم، وبدأ أيضا العمل على ترميم أكبر وأهم مسجدين بالمدينة وهما مسجد زغلول ومسجد المحلي.

وبعد اندلاع ثورة 25 يناير توقف العمل قليلا وتم إغلاق المتحف أمام الزوار بسبب الأحداث، وأعيد فتحه من جديد في 2012 وكذلك عاد العمل للمرحلة الثانية من ترميم باقي المنازل وعددها 8 منازل أثرية و5 مساجد، وما زال العمل على الترميم جاريا حتى الآن.

مسجد المحلي – وهو غارق بالمياه الجوفية منذ فترة طويلة – ومسجد زغلول هما أهم المساجد الأثرية وأكبرها بالمدينة وكانت الشركة التي تعمل على ترميم الأخير هي شركة “المقاولون العرب” ولكنها توقفت عن العمل به مؤخرا لعدم وجود دعم مالي كاف، أما الأول – المحلي – فكانت شركة خاصة هي القائمة على العمل به وأصدر التهامي قرارا بتسليم المسجد إلى “المقاولون العرب” خلال الأيام الماضية لتبدأ العمل به هو الآخر بعد أن تسببت الشركة الأولى في بعض الأخطاء الفنية أثناء ترميمه.

رشيد متحف مفتوح

يحكي التهامي عن خطة تطوير المدينة التي كانت مقدمة من رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء قبل ثورة 25 يناير 2011 لتكون المدينة متحفا مفتوحا، وذلك من خلال تطوير كورنيش النيل وربطه بالمباني الأثرية وإزالة المنازل الفاصلة بينهما، وتم بالفعل تنفيذ جزء من المشروع وهو الخاص بتطوير كورنيش النيل في عام 2010 حيث بدأ سكان المنازل التي من المقرر إزالتها في تركها، إلا أن قيام الثورة أعاد الأمور كما كانت وعاد أصحاب البيوت إلى أماكنهم، وتوقف المشروع لقلة الاعتماد المالي له.

يذكر أن مدينة رشيد لا تفصل المباني الأثرية عن المنطقة السكانية فكلها نسيج واحد، بل أن أحد شوارعها “شارع دهليز الملك” يضم أكثر من 6 منازل أثرية ومسجدين وبالرغم من ذلك يوجد به سوق يومي لبيع الأسماك، وسوق آخر أسبوعي، لذلك كانت الخطة بتفريغ الشارع من البيوت السكنية والإبقاء على المنازل التراثية وعمل حدائق بجوارها، إذ أن معظم المنازل الأثرية موجودة بقلب المدينة ويفصلها عن كورنيش النيل صف طويل من البيوت السكنية.

يتذكر التهامي أنه في بداية عرض المشروع عام 2010 تضرر سكان المنازل المطلة على الكورنيش من فكرة الإزالة لعدم وجود أماكن بديلة لهم، بالإضافة إلى رؤيتهم أن التعويض المادي لهم لم يكن مناسبا، ومع توقف المشروع عاد السكان مرة أخرى، بل بدأت عمارات كبيرة في الظهور مؤخرا على الكورنيش.

ولكن التهامي أكد أن هذه الخطة سيتم تنفيذها بإزالة عدد كبير من البيوت على كورنيش النيل وسيشمل ذلك إزالة محكمة رشيد الموجودة على نفس الخط!

حتى المحكمة

وعن أسباب قرار إزاحة السكان وإقصائهم من منازلهم التي بنيت على علم من الحكومة والدولة وبما فيها المحكمة، يرى التهامي أن ما حدث قبل الخطة كان أمرا عاديا بسبب الزيادة السكانية التي دفعت للجوء إلى تلك المناطق للبناء فيها، لذا لم يكن هناك حلا لتطوير المدينة سوى إزالة هذه المباني لتصبح المدينة متحفا مفتوحا، والأمر بيد الإدارة المحلية.

ويكمل التهامي مشروع التطوير قامت به وزارة الآثار بالتعاون مع الإدارة المحلية. وبعد الانتهاء منه يفترض أن يبدأ دور وزارة السياحة لعمل الدعاية المناسبة ولكن أحيانا تقف الأمور المادية حائلا للوزارات المعنية بذلك وبالتالي تعمل وزارة الآثار ما يمكنها فقط، وتواجه هي الأخرى أزمة مالية من بعد الثورة فلم تصبح تمول نفسها ذاتيا فتتوقف بعض أعمال الترميم على سبيل المثال.

المشروع يعود من جديد

المشروع أعادته حكومة المهندس إبراهيم محلب، السابقة، كما قال التهامي حيث أرسلت رئاسة الوزراء إلى هيئة الآثار برشيد خطابا لتضع الهيئة رؤيتها لكيفية تطوير المدينة الأثرية، وتم بالفعل إزالة بيتين أمام منزل “الأمصيلي” بناه عثمان أغا الأمصيلي أحد جنود الدولة العثمانية عام 1808 – ومن المقرر إزالة 7 بيوت أخرى لعمل حديقة أمام المنزل الذي يعتبر من أهم المنازل الأثرية في رشيد، كما أن هناك حاليا خطابات دائمة بين مجلس الوزراء وهيئة الآثار برشيد حول المشروع وكيفية إكماله ومن المقرر أن يعود العمل مرة أخرى قريبا.

ولأن المنازل الأثرية الموجودة بالمدينة خاوية تقريبا إلا من الجدران والنوافذ فقرر التهامي أن يأخذ منزلين ليكونا نموذجا للتطوير وهما “الأمصيلي” و”الميزوني” –  وهو منزل زبيدة البواب زوجة فرانسوا جاك مينو القائد الثالث للحملة الفرنسية على مصر – وسيتم وضع بعض الأغراض من ملابس ومفروشات تعود إلى العصر الذي تنتمي إليه هذه المدارس، وتساءل “لماذا لا تكون هذه المنازل كبيت السناري الأثري بالقاهرة ويقام بها فعاليات ثقافية وفنية بدلا من بقاءها خاوية على عروشها؟”.