كتب: هاني مهنا – زكي الدروبي

 

كتب: هاني مهنا – زكي الدروبي

مع اقتراب موعد إنطلاق المرحلة الأولى من الانتخابات النيابية المصرية، كتب فراس حاج يحيى، مسؤول ملف حقوق الإنسان بالإئتلاف السورى المعارض بمكتب القاهرة: “تحذير للسوريين؛ تبدأ غداً انتخابات مجلس الشعب المصري، يترافق ذلك بطبيعة الحال بإجراءات أمنية مشددة لحفظ الأمن وضمان حسن سير العملية الانتخابية. لذلك نهيب بأهلنا السوريين المقيمين في جمهورية مصر إلتزام منازلهم قدر المستطاع في هذه الأيام، والابتعاد عن المراكز الانتخابية، وأماكن التجمعات في كافة المدن. إن إلتزامنا بما سبق يدل على الوعي الذي يمتلكه شعبنا، ومثالاً حضارياً في عدم التدخل في شؤون الآخرين، وكلمة شكر للشعب الذي احتضننا منذ انطلاق ثورة شعبنا. سائلين المولى أن تنعم مصر بالأمن والأمان، وأن يحفظ الله شعبها الطيب”.

بحسب تقارير مفوضية شؤون اللاجئين، يوجد فى مصر 160 ألف لاجيء مسجل لدى المفوضية حتى 2015، لكن وزارة الخارجية المصرية أعلنت عن وجود 400 ألف لاجيء سورى حاليا في مصر. وقال مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية السفير طارق عادل أن مصر تستقبل كل هؤلاء في مناطق سكنية ولم تضعهم في مخيمات كما تفعل الكثير من دول اللجوء الأخرى.  

لكن يوسف المطعنى، محامي مصري ومؤسس مركز “مصر والشام” الذي يقدم الاستشارات القانونية مجانا للسوريين ويحظى باحترام عدد كبير منهم، يرى أن تعامل الحكومة المصرية مع اللاجئين السوريين اختلف كثيرا بعد أحداث 30 يونيو عندما عزل الجيش الرئيس الأسبق محمد مرسى بعد مظاهرات حاشدة تطالب بإسقاطه.

ودخل المطعني في مواجهات قانونية عديدة مع الحكومة المصرية حول قضايا اللاجئين والثورة السورية، ففي 2013 رفع دعوى قضائية علي الرئيس الأسبق محمد مرسي لوقف مرور السفن الإيرانية عبر قناة السويس. وفي سبتمبر 2015، رفع أيضا دعوى أمام القضاء لوقف قرار وزير الداخلية، والذى نص على منع دخول السوريين لمصر دون تأشيرة إقامة.

ويرجع المحامي المهتم بقضايا اللاجئين اختلاف تعامل الحكومة المصرية مع اللاجئين إلى تضامن بعض السوريين المنتمين لتيارات سياسية مع الإسلاميين في مصر، ورفعهم لعلم الثورة السورية داخل ميدان رابعة العدوية. ويقول المطعني: “هذا أدى إلى ضعف التعاطف الشعبي والرسمي مع النازحين”.

انضمام سوريين لاعتصام رابعة العدوية المؤيد للرئيس الأسبق محمد مرسي، تم تدقيقه من أكثر من مصدر سورى وأمني (فضلوا عدم ذكر أسمائهم)، لكنهم اتفقوا أن عدد السوريين لم يكن كبيرا بل إنه لم يتجاوز أصابع اليد الواحدة. استغلت بعض وسائل الاعلام تلك الوقائع القليلة في شيطنة السوريين، وربطهم بجماعة الإخوان المسلمين، ثم بدأ تضييق حكومي على الوجود السورى سواء فى الدخول أو الحركة داخل مصر. 

سماسرة الإقامات المزورة والهجرة غير الشرعية  

فى 9 فبراير 2015، أصدرت 16 منظمة حقوقية محلية ودولية بيانا، طالبت فيه السلطات المصرية، إنهاء ما وصفته بـ”الاحتجاز التعسفى” لـ74 لاجئا سوريا وفلسطينيا وصوماليا بينهم 15 قاصرا في قسم شرطة كرموز، ألقت السلطات القبض عليهم بعد محاولة فاشلة للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط. وقال البيان إن 30 لاجئاً سورياً منهم بدأوا إضراباً عن الطعام بسبب استمرار احتجازهم رغم إسقاط النائب العام تهم الدخول غير الشرعي عنهم، وإصدار وزير الداخلية قرارا بترحيلهم. وأشار البيان أيضا إلى وجود أكثر من 7 آلاف لاجيء اعتقلوا منذ أغسطس 2013، وفي الأغلب تكون التهمة الموجهة لهم هي دخول البلاد بصورة غير شرعية.

وفى مايو 2015 عقب زيارة وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير للقاهرة تم الإعلان عن استقبال 300 لاجيء سوري، من ضمنهم دفعة من لاجيء كرموز، وعددهم 42 لاجئا. كما أغلق ملف القضية في 27 أكتوبر عقب ترحيل أخر دفعة منهم، وعددهم 11 لاجئا إلى دولة السويد، بحسب بيانات الإئتلاف السوري بالقاهرة.   

ورغم معاناة لاجيء كرموز، فقد نشرت الصفحة الخاصة بهم على “فيسبوك”، منشورا تشكر فيه مقدم الشرطة محمد سعيد على جهوده في التخفيف عن المحتجزين طوال فترة الاحتجاز.

معاناة اللاجئين السوريين مع البيروقراطية المصرية تدفعهم كثيرا للتعامل مع السماسرة، وهؤلاء قدموا للاجئين حوالي 32 ألف إقامة مزورة، صدرت جميعها من قسم جوازات مصر الجديدة خلال الفترة من اغسطس 2013 إلى أكتوبر 2015. وقد تم ضبط مافيا تزوير الأقامات وتحويلهم للمحاكمة، وبينهم ضباط شرطة بالجوازات وسوريين وسماسرة مصريين.  

ووفقا للقوانين المصرية، فى حال اكتشاف إقامة مزورة يحال صاحب الجواز للتحقيق ثم المحاكمة سواء كشريك أو فاعل أصلي أو مجنى عليه حسن النية. ويقول يوسف المطعني إن غالبية تلك القضايا يتم الحكم فيها بشهر حبس مع إيقاف التنفيذ، وهو ما يعتبر حكم إدانة يترتب عليه مصادرة جواز السفر ومن ثم يصبح السوري عرضة للتوقيف ثم الترحيل.

ويعتقد المطعني أن القانون المصري لا يحتاج إلى قرارات رئاسية لمعالجة مشكلات الإقامة التى يعاني منها اللاجئون، وإنما يتعلق الأمر بنوعية التعامل الإدارى، والذى يشوبه حاليا الحرص على حد وصفه. ويقترح المحامي حلا بإصدار وزير الداخلية الحالي لقرار إداري مفاده إلغاء كافة تأشيرات قسم مصر الجديدة المزورة مقابل غرامة مالية على صاحب الجواز تصل إلى 100 دولار، ومنحه إقامة مؤقتة لمدة 6 أشهر لحين توفيق الأوضاع.

عمل محمود عزت، إداري مصري بأحد المدارس الخاصة، 6 أشهر كان خلالها مسؤولا عن إنجاز المعاملات الرسمية للطلاب السوريين بمراحل التعليم الأساسى فى مصر. ويقول عزت إن تسجيل بعض السوريين كان بغرض الحصول على الإقامة أكثر من الرغبة فى التعليم، وأوضح: “لاحظت أن عددا ممن سجلوا أنفسهم للدراسة لم يحضروا خلال العام الدراسي”.  ووفقا للقانون المصري يحق لمن يثبت نفسه كدارس مقيم بالقاهرة، الحصول على الإقامة لمدة سنة، ومعه أقاربه من الدرجة الأولى. 

السفارة السورية تتعنت..

الحصول على إقامة في مصر لا يتعلق فقط بالسلطات المصرية بل أيضا السفارة السورية في القاهرة التى تشرف على عملية إصدار وتجديد جوازات السفر حال إنتهائها.

يعرف أبو مازن الحمصي نفسه كناشط إعلامى بالثورة السورية منذ بدايتها، وهو غير متحزب. حمل أبو مازن على عاتقه خلال أحدث الثورة السورية خلق إعلام شعبي داخل مدينة حمص، التى ظلت محاصرة من قوات الجيش السوري النظامية لعامين.

فى نوفمبر 2011 بعد إندلاع الثورة بسبعة أشهر، حضر “أبو مازن” إلى مصر، ليترك زوجته بالقاهرة بعد إنجاب ابنه “مازن” فى ديسمبر 2011. وقام بقيده بالسجل المدنى المصرى، ثم عاد إلى سوريا.

وهناك علق أبو مازن في حمص، ولم يستطع العودة لمصر إلا فى 2014 ليكتشف أن السفارة السورية بالقاهرة رفضت استخراج جواز سفر لابنه بسبب نشاطه السياسى.

يقول أبو مازن إن “الإجراء غير قانوني وتعسفي.. فى مره قالوا لأخي (خلى الولد يتحمل نتيجة عمل أبوه)، وحتى الآن مازال مازن بلا جواز سفر”.

أصبح أبو مازن حاليًا من المطلوبين لدى النظام السوري، وصدر بحقه حكم بالإعدام ومصادرة أمواله الخاصة لدى البنوك هناك. أضف لهذا أن جواز سفره قد أنتهت صلاحيته. سجل أبو مازن نفسه لدى مكتب مفوضية شؤون اللاجئين بالقاهرة، ورغم ذلك فإن مكتب الحماية بالمفوضية أخبره أنه لا يملك  سوى وضعه على برنامج إعادة التوطين بإحدى البلدان الأوروبية، لكن أبو مازن يرفض الفكرة مؤكدا أنه كشرقي يفضل الحياة فى مصر. 

حاليا يصدر الائتلاف السوري المعارض جوازات سفر، بعد أن تم تزويده من قبل شركة فرنسية، بماكينة لطباعة جوازات السفر،  لكن وثيقة الائتلاف “شرفية” لا تحظى بالاعتراف الدولى حتى الآن، رغم الاعتراف به كسلطة معارضة من قبل 90 دولة، يسمون أنفسهم “أصدقاء سوريا” ومن بينهم مصر.

مأزق الكارت الأصفر

لا يعني السوريون فقط من تعنت سفارة بلادهم في القاهرة بل أيضا من الرسوم المرتفعة التى تفرضها عليهم لاستخراج أو تجديد أي أوراق رسمية. يقول إياد النوفلي، محاسب سوري بشركة ملابس، إن السفارة تحصل الآن على 400 دولار مقابل تجديد جواز السفر منتهي الصلاحية، وهو ما يشكل عبئا ماليا على السوريين المقيمين بمصر.

يتقاضى إياد 2500 جنيه شهريا مقابل عمله في شركة ملابس يملكها أحد السوريين، ويقطع القاهرة يوميًا فى رحلة تستغرق 4 ساعات أو أكثر حسب ظروف المرور،  من منزله فى الهرم (غرب القاهرة)  وحتى مقر العمل بمدينة نصر (شرقًأ). هذا المبلغ يكفي بالكاد أسرة إياد التى تنتظر مولودا جديدا في فبراير المقبل.

رغم معاناة إياد خلال التعامل مع السفارة إلا أنه مازال يفضل التعامل معها عن التسجيل ضمن برنامج المفوضية لإعادة التوطين. يوضح المحاسب السوري الذى عمل مع عدد من مؤسسات الإغاثة موقفه قائلا: “شوفت بعينى محدش قالى، المفوضية بتقولك استغنى عن الجواز وإحنا راح نأمن لك البديل لكن إيه هو البديل ؟ الكارت الأصفر، ماذا يعطيك الكارت الأصفر من مميزات ؟ ولا شيء”.

 يقول أياد أن المفوضية لا تقدم أى معاملات رسمية لحامل الكارت الأصفر، وبالتالي سيظل مطلوبا منه التعامل مع السفارة التى ستتعنت معه وترفض أن تصدر له أي أوراق رسمية  لأنه يحمل الكارت الأصفر.

يشرح إياد: “بمجرد تسجيل اسمك لدى المفوضية، يتم تغيير صفتك فى جواز السفر من خلال عبارة تكتب على الجواز تقول تم نقل الملف إلى الكارت الأصفر ، بمجرد أن يراها الموظف بالسفارة، يضرب الجواز بوجهك ويقولك روح خلى المفوضية تنفعك”، ويضيف أننا إذا طلبنا إصدار أي ورقة من المفوضية ترد علينا: “ﻷ إحنا مش معانا صلاحيات ﻷصدار أى تعاملات رسمية”. ويسأل إياد: “طيب أنت ليه أدتنى الكارت الأصفر .. طيب ده مش ظلم وأحتيال؟”.

كثيرة هى التدوينات عبر الفيسبوك، التى ينشرها سوريون كتحذير من استخراج الكارت الأصفر، أو  بحسب تعبير إياد “خلاص الناس ما باقت عايزة الكارت الأصفر”.

الوضع القانوني للسوريين في مصر معقد، ويقول أبو مازن: “بمجرد فتح ملف داخل المفوضية، يمنعك هذا من مغادرة البلد، إلا بعد حذف اسمك بمكتب المفوضية، وهو إجراء تنظيمي لحصر عدد طالبي اللجوء بكل بلد”. ويضيف الناشط السوري: ” يُمنع اللاجيء أو طالب اللجوء من طلب إقامة بالبلد المقيم كمصر، مما يترتب عليه معاملته كأجنبى، لذا يفضل السوريون أن يبقوا مسجلين لدى السفارة مع السعى للحصول على إقامة”.

ويقيم أبو مازن فى مصر منذ 2002، حينها لم يكن هناك أى اختلاف فى المعاملة بين مصري وسوري.

ويتذكر أنه لم يكن يحمل جواز سفره خلال التنقلات داخل مصر، فقط هويته الشخصية أو رخصة القيادة وأي منهما كان يغني عن تأشيرة الإقامة. ويضيف أن كل المشاكل التى تواجه السوريين اليوم تتعلق بتحديد مفهوم الأمن القومي المصري، خاصة بعد 30 يونيو.

الشتات السوري.. متى لم الشمل؟

اليوم يعيش السوريون مشتتين فى عدة دول. عائلة أبو مازن كمثال مقسمة بين السعودية ومصر وتركيا والامارات وفرنسا والأردن وسوريا. مما يجعل مشكلة الإقامة عائقا أمام الخروج والدخول.

ويتذكر إياد النوفلي لحظة وصله إلى مصر فى 20 سبتمبر 2012 بنية الدراسة، وبعد فشل الحصول على الماجستير بالقاهرة  قرر الزواج.

يقول إياد قررت استقدام زوجتي من الأردن، لكنى فوجئت برفض دخولها للبلاد، أكثر من مرة، بسبب الموافقة الأمنية. وفى يوم من الأيام،  تدخلت زميلة مصرية، عن طريق أحد أقاربها الذى قرر مساعدتي بالصدفة، وفعلا وصلت الموافقة الأمنية ومرت زوجتى من المطار بعد أن رفض طلب دخولها ثلاث مرات.

بحسب القانون المصري يحق للسوري المقيم فى مصر استقدام أقارب من الدرجة الأولى، وهو الأمر الذى شهد تضيقا بسبب الأمن القومى والحالة الأمنية عقب أحداث 30 يونيو.

يسعى يوسف المطعنى واخرون الطعن على قرار وزير الداخلية، وإيقاف الموافقة الأمنية، خاصة أن الأمر قد يتحول إلى تدخل سماسرة ووجود سوق سوداء للحصول على الموافقات الأمنية كما حدث من قبل في قضية الإقامات المزورة.    

معاملة الطلاب السوريين كالمصريين ولكن..

بدأ عمار قداح، طالب الماجستير بكلية الحقوق جامعة القاهرة، دراسة الماجستير فى مارس 2013، حيث صدر قرار من الرئيس السابق عدلى منصور نص على معاملة الطلاب السوريين مثل المصريين. لكن فى شهر إبريل صدر قرار إدارى من رئيس جامعة القاهرة الدكتور جابر جاد نصار نص على إعادة تفسير قرار رئيس الجمهورية ليطبق فقط على المرحلة الجامعية الأولى دون مرحلة الدراسات العليا. 

يقول عمار إن “الجامعة طلبت منى سداد 2400 جنيه استرلينى بناء على قرار جابر نصار لكن أنا مقيد بالجامعة، ويفترض عدم تنفيذ القرار بأثر رجعى”. اختلف موظفو شئون الطلاب فى تفسير قرار رئيس الجامعة وقيمة الرسوم المدفوعة، وتطلب ذلك أن ينتظر عمار 8 أشهر لتحديد قيمة الرسوم المستحقة، وأخيرا اضطر أن يسدد 1200 جنيه استرلينى.

حاول عمار خلال 8 أشهر أن يجد جهة تتبنى تلك القضية، ويقول: “قمنا بحصر عينة من المضارين من القرار، وبحضور ممثل عن مكتب المفوضية قمنا بإحصاء 90 طالب طبق عليهم القرار بأثر رجعي .. لكن جهود المفوضية لم تسفر عن شيء، بينما وعد الائتلاف السوري المعارض، بسداد جزء من الرسوم لكنه أيضا تخلى عنا”.