احتضنت تونس خلال شهر ديسمبر الجاري اجتماعين شاركت فيهما وفود ممثلة للسلطتين اللتان تتقاسمان ليبيا، وكلاهما حملا مسمى حوار بين مجلس النواب المعترف به دولياً والمؤتمر الوطني العام الذي يحكم غرب ليبيا، إلا أن هذه الحوارات زادت من حدة الخلافات داخل القطبين السياسيين الممثلين لطرفي النزاع.

احتضنت تونس خلال شهر ديسمبر الجاري اجتماعين شاركت فيهما وفود ممثلة للسلطتين اللتان تتقاسمان ليبيا، وكلاهما حملا مسمى حوار بين مجلس النواب المعترف به دولياً والمؤتمر الوطني العام الذي يحكم غرب ليبيا، إلا أن هذه الحوارات زادت من حدة الخلافات داخل القطبين السياسيين الممثلين لطرفي النزاع.

أحد هذين الاجتماعين والذي تم بشكل سري إلى حد ما خرجت عنه وثيقة اتفاق “ليبي – ليبي” تنص بالعودة إلى دستور المملكة (عام 1963)، وتشكيل لجنة من عشرة أعضاء من البرلمانيين (خمسة من مجلس النواب، ومثلهم من المؤتمر الوطني) تقوم خلال أسبوعين بالمساعدة في اختيار رئيس حكومة وفاق وطني ونائبين له، أحدهما من مجلس النواب، والآخر من المؤتمر الوطني العام، على ألا يصبح هذا الاتفاق نافذاً إلا بعد مصادقة الهيئتين المذكورتين عليه.

مثل المؤتمر الوطني العام في هذا الاجتماع رئيس وفد الحوار عوض عبد الصادق وهو الذي مثل المؤتمر أيضاً في جلسات الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة، وهي إشارة ربما لانسحاب المؤتمر من حوار ترعاه البعثة الأممية منذ أكثر من عام إلى حوار آخر يتم مباشرة مع غريمه دون رعاية دولية.

“ليبي – ليبي”

“حوار ليبي – ليبي، مؤسس على آليات جديدة” هكذا يصف عبد القادر جويلي نائب رئيس لجنة الحوار المجتمعي في المؤتمر الوطني العام الاتفاق الذي جرى توقيعه في تونس بعيدا عن الرعاية الأممية، مؤكداً أن الموقعين على الاتفاق “مخولون من رئاسة المؤتمر ومجلس النواب”، وإنه “أُسس على العودة إلى دستور 1963 في إطار حوار ليبي، يطرح توازناً تشريعياً وتنفيذياً في البلاد”، مؤكداً أن التصويت على الاتفاق سيجري في مجلس النواب والمؤتمر قبل اعتماده، واتهم الرافضين له بأنهم أصحاب مصالح في الحكومة المقترحة من بعثة الأمم المتحدة.

عضو مجلس النواب عائشة العقوري لم تعطِ هذا الاتفاق أهمية كبيرة فهو حسب قولها “مقترح أو مبادرة” يحتاج أن يتم التصويت عليه ليصبح قانونياً ملزماً.

وتحدثت العقوري عن لقاءات أخرى سبقت هذا الاتفاق، قالت إنها جمعت بين أعضاء من المؤتمر ومجلس النواب عن “إقليم برقة” شرق ليبيا، تناولت هذه اللقاءات توحيد الجيش، ومحاربة الإرهاب، وأكد المجتمعون فيها – وفقاً للنائب عائشة العقوري – على وحدة التراب الليبي وضرورة الاستمرار في الحوار السياسي، إلا أنها لم تطرح للتصويت بل كانت في إطار توحيد الجهود لدعم الحوار.

الاتفاق مرفوض

بالتوازي مع هذا الاجتماع عقدت جلسة أخرى من الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة في تونس أيضاً، حضره الرئيس السابق لوفد الحوار المكلف من المؤتمر صالح المخزوم عضو حزب العدالة والبناء، والذي أقيل في السابق من منصبه لتجاوزه صلاحياته كمحاور.

انتهى بإعلان المشاركين فيه عزمهم على توقيع مسودة الاتفاق السياسي التي أعلنت موجبها تشكيلة حكومة الوفاق الوطني يوم 16 من ديسمبر الجاري، فيما علت أصوات الرفض لهذا الإعلان من مجلس النواب ومن المؤتمر على حد سواء.

وعلى الرغم من حدوث تقارب في وجهات النظر بين أعضاء من الفريقين، انقسم المؤتمر ومجلس النواب داخلياً، بين مؤيد لهذا الحوار أو ذاك، ولكن المؤشرات الأولية تؤكد تمسك الجزء الأكبر من أعضاء المؤتمر بالاتفاق “الليبي – الليبي” الذي تم توقيعه مع رئيس وفد مجلس النواب “ابراهيم عميش” الذي لم يؤكد المجلس أنه كلفه فعلاً بهذه المهمة، كما لم يفلح مجلس النواب في عقد جلسة كاملة النصاب لاتخاذ قرار واضح حول الاجتماعين، واقتصرت ردود الأفعال على التصريحات الصحفية المختلفة للأعضاء.

أبرز رد فعل من مجلس النواب كان التوقيع على مبادرة حملت اسم “مبادرة فزان” تضمنت الموافقة على وثيقة الاتفاق السياسي الناتج عن جلسات الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة وقد وقع عليها 92 عضواً من أعضاء مجلس النواب، ولكنها لم تطرح للتصويت بشكل رسمي.

مواقف شخصية

رفض صالح قلمه مقرر مجلس النواب نسب أي من تصريحات الأعضاء إلى المجلس باعتباره موفقاً رسمياً ممثلا للجميع، مؤكداً أن اتخاذ القرار حول هذه الاجتماعات سيجري تحت قبة البرلمان، وفي ظل توفر النصاب الكامل اللازم لعقد الجلسات.

ويجري أعضاء مجلس النواب اجتماعات تشاورية لتدارس تطورات الأوضاع السياسية المتسارعة، وفق قلمة، الذي شدد على ضرورة نسب التصريحات المختلفة إلى كل عضو بصفته الاعتبارية في البرلمان.

“بعض النواب مستاؤون” هذا ما قالته النائبة عائشة العقوري حول الاجتماع الأخير الذي جرى برعاية بعثة الأمم المتحدة في تونس، معتبرة أن المشاركين فيه يمثلون أنفسهم وفق اجتهاداتهم الخاصة، دون الحصول على تخويل من المجلس، وعلى الرغم من ذلك اتفقت النائبة عائشة العقوري مع مقرر البرلمان في ضرورة ترك الموقف الرسمي للبرلمان لجلسته المخصصة لاتخاذ قرار قانوني.

انتحال شخصية

أما عبد القادر جويلي قال لـ”مراسلون” عن موقف المؤتمر “إن المشاركين في اجتماع تونس الذي جرى برعاية بعثة الأمم المتحدة لا يمثلون إلا أنفسهم”، وإن المؤتمر سيحاور المشاركين فيه بعد عودتهم في احتمالية طرح أنفسهم ممثلين عنه، معتبراً ذلك نوعا من “انتحال الشخصية الاعتبارية”، حسب تعبيره.

واستند جويلي في رفضه لهذا الإعلان على أن المسودة التي يعتمد عليها الاتفاق الأممي، لم تحصل على موافقة المؤتمر، وقال “حكومة الوفاق لم نشارك فيها ولم نوافق عليها”.

وجاءت هذه التصريحات عقب إعلان النائب الأول لرئيس مجلس النواب محمد شعيب وصالح المخزوم نائب رئيس المؤتمر الوطني الذي يفرض سيطرته على الغرب الليبي، أن الاتفاق السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة سيجري توقيعه في 16 ديسمبر الجاري، رغم أن الاثنين مقالان من منصبيهما كمحاورين ممثلين لطرفي النزاع.

برقة ترفض الاجتماعين

بلديات شرق ليبيا “برقة” أصدرت بياناً موحداً رفضت فيه الاجتماعات التي أجريت في تونس وقالت في بيانها إن المشاركين في الاجتماعين غير مخولون من مجلس النواب، وإن نتائج هذه الاجتماعات لن ينظر إليها.

“بنغازي مدينة مهمة وهي محور ما يجري في ليبيا”، هذا ما قاله عمر البرعصي عميد بلدية بنغازي والمندوب المفوض عن بلديات الشرق الليبي في حديثه لـ”مراسلون”، واعتبر أن مشاركة النشطاء السياسيين لبنغازي إضافة إلى مجلسها البلدي أمر مهم في نجاح العملية السياسية التي تديرها البعثة الأممية، وهو ما لم يحدث.

وأوضح البرعصي أنه تلقى دعوة من بعثة الأمم المتحدة للمشاركة في اجتماع تونس الأخير في وقت متأخر لا يمكنه من الحضور، معتبراً ذلك نوعا من الإقصاء، حسب تعبيره، وكشف لـ”مراسلون” أن عميد بلدية البيضاء – شرق ليبيا – ذهب إلى تونس ولكنه انسحب عندما علم بعدم مشاركة وفد يمثل بنغازي.

وطالب البرعصي بضرورة طرح مكان الحكومة المقترحة، ومناقشة حقوق مدينة بنغازي ومدن الشرق الليبي التي قال إنها “تعرضت للضرر بسبب الحرب على الإرهاب والخلافات السياسية”.

المجالس البلدية لمدن شرق ليبيا طالبت في بيانها بتغيير الفريق العامل مع المبعوث الأممي الجديد مارتن كوبلر، ورأى عميد بنغازي عمر البرعصي أن “المشكلة الأساسية تكمن في الفريق لأنه من يقوم بوضع أسس الحوار ويختار المشاركين”.

تزداد حدة الخلافات السياسية بالتوازي مع زيادة عدد محاولات إيجاد حل سياسي للوضع المتأزم في البلاد، وفيما ينتظر الجميع جلستي مجلس النواب والمؤتمر لتحديد موقف رسمي من هذه المحاولات، تجري ترتيبات متواصلة لعقد اجتماع بين رئيسي الجسمين المتنازعين على السلطة لم يحدد مكانه ولا موعده بعد.