يتطرق مراسلون خلال لقاء مع وزير المالية التونسي سليم شاكر إلى عدة قضايا هامة تمس البلاد مثل صعوبة تسديد الديون وتداعيات الاعتداءات الإرهابية والأموال المنهوبة والأملاك المصادرة وغلق الحدود مع ليبيا ورهن ممتلكات سيادية لتمويل الموازنة.

الحرب على الإرهاب

مراسلون: كيف أثرت العمليات الإرهابية المتتالية في البلاد على الاقتصاد التونسي؟

يتطرق مراسلون خلال لقاء مع وزير المالية التونسي سليم شاكر إلى عدة قضايا هامة تمس البلاد مثل صعوبة تسديد الديون وتداعيات الاعتداءات الإرهابية والأموال المنهوبة والأملاك المصادرة وغلق الحدود مع ليبيا ورهن ممتلكات سيادية لتمويل الموازنة.

الحرب على الإرهاب

مراسلون: كيف أثرت العمليات الإرهابية المتتالية في البلاد على الاقتصاد التونسي؟

سليم شاكر: من دون شك كل العمليات الإرهابية كانت لها أثر سيء على نمو الاقتصاد التونسي وزادت من متاعبه لا سيما عملية تفجير الحافلة الأمنية بالعاصمة. والحال أن الاقتصاد لا يزال يعاني من تبعات الضربتين الإرهابيتين في متحف باردو يوم 18 مارس/آذار الماضي ونزل “أمبريال مرحبا” بمدينة سوسة السياحية يوم 26 جوان/حزيران الماضي.

لقد أثرت العمليات على القطاع السياحي بدرجة أولى، فتراجع السياح الوافدين على تونس بنسبة 26 بالمائة حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

ووجب التأكيد على أن كل الدول حاليا معرضة إلى الإرهاب وأكبر دليل على ذلك العملية الإرهابية التي وقعت في يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 في العاصمة الفرنسية باريس وبالتالي تونس ليست وحدها المعنية بالخطر الإرهابي.

مع ذلك فإن الحكومة التونسية عاقدة العزم أكثر من أي وقت مضى على مكافحة الإرهاب وقد تم اتخاذ قرارات جديدة لمواصلة الحرب على الإرهاب من خلال تخصيص اعتمادات إضافية بقيمة 500 مليون دينار (250 مليون دولار) لتوجيهها إلى ميزانيتي الدفاع والداخلية وزارت الشباب والمرأة والشؤون الدينية.

س: قررت الحكومة التونسية غلق الحدود مع ليبيا. هل سيحل ذلك المشكل الأمني في تونس؟

ج: من المؤكد أن غلق الحدود لمدة 15 يوما لن يحل المشكل لأنه حل وقتي ومرتبط بالضربة الإرهابية الأخيرة. لكن الحكومة بصدد متابعة الوضع الميداني وتعمل في نفس الوقت من أجل إيجاد حلول لفائدة البلدين لتقليص المخاطر ومراعاة ظروف الناس.

س: قمتم في إطار الموازنة الجديدة بزيادة اعتمادات وزارتي الدفاع والداخلية. هل يعد ذلك حلا لمكافحة الارهاب؟

ج: الثابت أن الترفيع في ميزانيتي الدفاع والأمن يعد من أهم الحلول في حرب تونس على الإرهاب من أجل إسناد المؤسستين الأمنية والعسكرية بالعتاد والموارد البشرية وتمكينهما من أحدث المعدات والتقنيات للقضاء على الإرهاب واجتثاثه. لكن الحرب على الإرهاب تتطلب أيضا معالجة موازية من خلال مزيد الاشتغال على نشر ثقافة الاعتدال والاعتناء أكثر بالشباب التونسي لا سيما من حيث اعتماد آليات جديدة للتشغيل.

وقد تقرر إضافة اعتمادات بقيمة 100 مليون دينار (50 مليون دولار) في ميزانيات وزارات الشؤون الدينية والشباب والرياضة والثقافة من أجل إيجاد برامج وطرق عمل تحمي الشباب التونسي من كل الأخطار المحدقة به خاصة في مجال مكافحة استقطاب الشباب من قبل المجموعات الإرهابية.

أملاك الرئيس المخلوع

س: علمنا بأن اللجنة التونسية المكلفة باسترجاع الأموال المهربة من قبل الرئيس المخلوع وعائلته إلى الخارج قد تمّ حلها. هل سيؤثر ذلك على استعادة تلك الأموال؟

ج: فعلا لقد تم حل هذه اللجنة التي كانت تابعة للبنك المركزي التونسي لكن هذا لا يعني أن الدولة التونسية ستتخلى عن مسألة استرجاع الأموال المنهوبة والمهربة إلى الخارج من قبل الرئيس السابق زين العابدين بن علي وعائلته. وقد تكفلت وزارة أملاك الدولة بهذا الملف وسوف تتبع مسالة الأموال المنهوبة بالخارج التي توجد فيها الكثير من التعقيدات القضائية.

س: ماذا عن مصير أملاك الرئيس المخلوع وعائلته التي تمت مصادرتها عقب الثورة؟

ج: بصراحة هناك صعوبات تواجهها الحكومة في التعامل مع العقارات المصادرة لعائلة بن علي خاصة وأنه لم يتم منذ الثورة خصخصة أملاك عامة إلا في النزر القليل من إجمالي 593 عقارا مصادرا.

وكدليل على الصعوبات فإنه تم إحصاء 300 عقار من العقارات المصادرة مرسم بملك الدولة في حين أن البقية غير مرسمة بملك الدولة، ونحن نسعى في ظل هذه الصعوبات إلى حل هذا الملف بما يمكن من تعبئة تمويلات جديدة للموازنة.

وتعكف وزارة المالية حاليا على التسريع في التفويت (خصخصة) في 196 عقارا. وبالنسبة إلى السيارات هناك مساع تبذل مساع لبيع 25 سيارة فخمة على المستوى الدولي نظرا لغلاء ثمنها تصل إحداها إلى 500 ألف دولار وسيتم في هذا الإطار اللجوء إلى خبير دولي للمساعدة على بيعها في الأسواق الخارجية. ومن المنتظر أن تدر عملية بيع الشركات المصادرة في سنة 2016 مداخيل هامة لخزينة الدولة.

س: وماذا عن خصخصة قصر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بضاحية سيدي بو سعيد بالعاصمة؟

ج: هذا القصر يعد من الأملاك المصادرة ولم نتخذ فيه بعد أي قرار ولم نفكر أصلا في بيعه علما وأن وزارة الثقافة والمحافظة على التراث طلبت عدم خصخصته من أجل تحويله إلى متحف للذاكرة الوطنية والموضوع مازال تحت الدرس.

س: تعتزم الحكومة التونسية عام 2016 خصخصة عدد من منشآتها في إطار آلية الصكوك الإسلامية هل من توضيح أكثر لهذه المسألة التي أثارت جدلا واسعا في البلاد؟

ج: اليوم ليس هناك قرارات نهائية بشأن خصخصة بعض المنشآت السيادية على غرار الملعب الأولمبي لكرة القدم بـ”رادس” (بالعاصمة). هناك ملفات شرعنا في دراستها لإيجاد الحلول لتمويل الموازنة الجديدة عبر آلية الصكوك الإسلامية ولكننا لن نتخذ أي قرار إلا من خلال التوافق.

ملف الصكوك الإسلامية يضم جانبين: جانب تقني وجانب سياسي. من الناحية السياسية تمت المصادقة على قانون الصكوك الإسلامية من قبل البرلمان التونسي وهي آلية معمول بها في أعرق الديمقراطيات والدول المتقدمة على غرار بريطانيا. لكن من الناحية الفنية نحن نعمل على كيفية الولوج إلى سوق تحوي سيولة مالية هامة والتأقلم مع طلبات هذه السوق.

اليوم الرأي العام يتحدث عن رفضه لرهن أو بيع ملعب عريق مثل ملعب “رادس” لكرة القدم ونحن في هذا الإطار نتفاعل مع الرأي العام ونتفاعل مع البرلمان والخبراء الاقتصاديين.

وما يمكن أن أؤكد عليه أنه ليس هناك أي قرار نهائي واليوم كل شيء وارد وجائز ولم يقع اتخاذ أي قرار في الموضوع وأنا اطمئن الشعب التونسي أنه لا يوجد هناك أي خطر من ناحية هذا الملف.

الموازنة المقبلة

س: تواجه تونس صعوبة في تسديد ديونها السنوات المقبلة. هل تفكرون في إعادة جدولة تلك الديون؟

ج: أنا لست موافقا على هذا الموضوع وما ذهب إليه بعض الخبراء الاقتصاديين من أنه لا مفر من طلب تونس لإعادة جدولة ديونها. تونس منذ الاستقلال سنة 1956 أوفت بتعهداتها والتزاماتها تجاه المؤسسات المالية الدولية في تسديد ديونها. وأود لفت الانتباه إلى أن المديونية بدءاً من 2016 وخاصة في سنتي 2017 و 2018 ستكون أكبر مما هي عليه الآن ولكن الدولة التونسية لها القدرة على تسديد ديونها.

ما يمكن التأكيد عليه هو أن الدولة ستعرف في السنوات القادمة ارتفاعا في خدمة الدين لتبلغ معدل 5.8 مليار دينار (2.9 مليار دولار) في حين ستكون في مستوى 5.13 مليار دينار (2.56 مليار دولار) خلال سنة 2016 وأرجح أن تتراجع خدمة دين تونس الخارجي إلى ما دون 4 مليار دينار (2 مليار دولار) بحلول سنة 2021.  

س: ألا تعتقد بأن المديونية قد بلغت مستوى خطيراً، خصوصاً مع تراجع عائدات البلاد من العملة الصعبة؟

ج: الخبراء الدوليون يعتقدون أن الديون التونسية ما تزال في مستويات معقولة ونحن على مستوى الحكومة نسعى إلى الموازنة بين التداين الداخلي ليكون في حدود 34 بالمائة والتداين الخارجي في حدود 66 بالمائة لكننا نراهن في السنوات القليلة المقبلة على خفض التداين الخارجي للنزل به إلى مستوى 50 بالمائة.

ولمعالجة المديونية كنت أعلنت منذ أيام أمام البرلمان التونسي بمناسبة مناقشة الموازنة العامة عن إحداث وكالة للتصرف في المديونية لتعويض الإدارة العامة التي تهتم في الوقت الراهن بهذا الملف يما يمكن من إحكام التصرف في مديونية البلاد الآخذة في الارتفاع.