تواجه الصحف الخاصة في مصر أزمة كبيرة ظهرت آثارها في أكثر من جريدة، حيث اُغلقت في سبتمبر الماضي جريدة التحرير الجديد عقب خسائر مالية لم يتحملها المالك، وتم تحويلها إلى موقع إلكتروني، مع فصل وتسريح عدد كبير من الصحفيين. وتواجه صحيفة المصري اليوم صراعات كبيرة بين الإدارة والصحفيين فيها بسبب رغبة الادارة في تسريح اكثر من 250 صحفي قالت إنهم يعملون في الفضائيات. ودخل صحفيو جريدة الشروق في اضراب عن العمل بعد تجاهل الإدارة لمطالبهم وعدم وضع جدول زمني لحل الأزمة المالية وصرف المستحقات المالية المتأخرة منذ ثمانية أشهر.

تواجه الصحف الخاصة في مصر أزمة كبيرة ظهرت آثارها في أكثر من جريدة، حيث اُغلقت في سبتمبر الماضي جريدة التحرير الجديد عقب خسائر مالية لم يتحملها المالك، وتم تحويلها إلى موقع إلكتروني، مع فصل وتسريح عدد كبير من الصحفيين. وتواجه صحيفة المصري اليوم صراعات كبيرة بين الإدارة والصحفيين فيها بسبب رغبة الادارة في تسريح اكثر من 250 صحفي قالت إنهم يعملون في الفضائيات. ودخل صحفيو جريدة الشروق في اضراب عن العمل بعد تجاهل الإدارة لمطالبهم وعدم وضع جدول زمني لحل الأزمة المالية وصرف المستحقات المالية المتأخرة منذ ثمانية أشهر.

اخطار بالفصل

“رفعت قضية مع زملائي على الجريدة التي عملنا بها طيلة 7 سنوات لاننا لم نحصل على حقوقنا ومازلنا نتقاضى بدل التكنولوجيا من نقابة الصحفيين كمبلغ ثابت شهريا اتعايش منه مع أسرتي” هكذا يتحدث أدهم نصار (اسم مستعار) صحفي بأحد الاصدارات الورقية الخاصة التي تصدر على مستوى الجمهورية، وفضل عدم نشر اسمها ولا اسمه. ويضيف انه عمل بالجريدة منذ عام 2006 وتم الاستغناء عنه بمجرد اخطار بسبب تصفية صحفيي المحافظات على خلفية تخفيف الاعباء المالية.

تخرج أدهم في كلية الاداب قسم الصحافة بجامعة سوهاج وعمل لمدة تزيد عن 3 سنوات بجريدة الدستور برئاسة ابراهيم عيسى الا ان الخلافات السياسية مع نظام مبارك وقتها عصفت بالجريدة وتم بيعها لرجل أعمال قام بتصفية الصحفيون العاملين فيها.

عثر أدهم على فرصته في جريدة ذائعة الصيت وأصبح مراسلا لها مع زميل له في مكتب المحافظة الصعيدية. وشعر للحظات باستقرار مستقبله الوظيفي فتزوج وانجب طفلين وبعد وعود بتوقيع العقد لم توفي الجريدة، ولكن مع ثورة 25 يناير وتنظيمه مع زملائه لوقفة في ميدان التحرير انصاعت الجريدة لهم وقررت عمل عقود وتم ضمهم لنقابة الصحفيين وبعد عامين فوجيء ادهم بقرار التصفية واخطاره بالفصل.

“الحقوق تنتزع ولا توهب”

يبلغ العدد التقريبي للصحفيين الذين تم تسريحهم خلال الفترة من 2013 وحتى اليوم 500 صحفيا وصحافية في مصر وفقا ابراهيم موسى رئيس قسم المحافظات السابق بجريدة التحرير الجديد. فقد تم تسريح معظم العاملين في جريدة وموقع ”إيجيبت إندبندنت“ التابعَين لمؤسسة ”المصري اليوم“ في النصف الاول من عام 2013  (وعددهم الإجمالي حوالي 40 صحفياً ومترجماً) من دون أن منحهم التعويضات التي يقرها القانون في مثل هذه الحالات.

كذلك تم تسريح 24 صحفيا من جريدة المصري اليوم في النصف الاول من عام 2014 لتخيفض حجم الانفاق على مكاتب المحافظات، واستبعاد 143 صحفي من جريدة وموقع اليوم السابع في عام 2014 تحت مسمى اعادة الهيكلة.

وفي يونيو 2015 فصلت جريدة الشروق 18 صحفيا من الجريدة والبوابة الالكترونية. وفي الاول من نوفمبر عام 2015 تم الاستغناء عن 35 صحفيا في موقع مصر العربية بعد انسحاب بعض الشركاء في الموقع.

من ناحيتها تؤكد عبير السعدي وكيل نقابة الصحفيين سابقا أن مالكي الصحف المستقلة يستغلون  قانون العمل ضد الصحفي وتشير إلى أن معظم الصحف الحزبية والمستقلة تجبر الصحفيين على توقيع الاستقالة “استمارة 6 ” قبل التوقيع على عقود العمل وبشكل معلن وان كان يتم على استحياء في الماضي وتقول ” اعتياد الخطأ اسوأ من الخطأ نفسه” وبحسب السعدي فان الصحفي اعتاد التفريط في حقوقه والرضوخ لصاحب العمل نظرا لفقدان الثقة في مساندة نقابة الصحفيين مطالبة بحملة توعية قانونية لشباب الصحفيين على تعريفهم بحقوقهم وطالبت السعدي الصحفيين الشباب بالثورة على هذه الاوضاع والمطالبة بحقوقهم لان الحقوق حسب قولها “تنتزع ولا توهب”.

إدارات الصحف غير اقتصادية

الدكتور صفوت العالم الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة يرجع سبب الازمة التي تواجهها تلك الصحف الى إن معظم الصحف المستقلة في مصر قائمة على إدارة غير اقتصادية موضحا أن بعض الإدارات الصحفية إما يوجد بها تضخم في عدد الصحفيين العاملين بها أو مبالغات في رواتب الصحفيين.

وأضاف أن احتكار بعض الوكالات للإعلانات والمعروف عنهم في بعض حالات النصب على مؤسسات معروفة وهؤلاء الأشخاص غير مؤتمنين على إدارة اقتصاديات الصحف وبالتالي فجأة لا يوجد إدارة جيدة لعائدات الإعلان في ظل تنافس المؤسسات الصحفية.

وأشار إلى محدودية مقروئية الصحف المطبوعة بسبب عده عوامل مثل ضعف النشاط الرياضي وعدم وجود أحداث سياسية حقيقية تدفع الناس لشراء الصحف وبالتالي لجأ الكثير من القراء إلى المواقع لإلكترونية وبالتالي قلت نسبة توزيع الصحف المطبوعة.

تسويف ومماطلة

أسماء إدريس محررة صحفية بجريدة الشارع مثال آخر على التعنت الذي يلقاه الصحفيين. فهي تعمل فى الجريدة منذ عام 2011. فى البداية كان العمل بدون عقد ولكن بعد أن جاء دورها فى التعيين بالجريدة فى عام 2013  وقعت على العقد وقدمت للالتحاق بالنقابة لكنها وجدت تعنتاً غير طبيعى من قبل رئيس التحرير ضد ما يطلقون عليه “المجموعة القديمة ” فكان يختلق الحجج  لمضايقة الصحفيين “القدامى” مثلها. وتقول إدريس “رفض رئيس التحرير أعمالنا رغم أننا ننفذها كما يريد ونسلمها فى الوقت المطلوب وبعد ذلك فوجئنا بتعنت رئيس مجلس الإدارة ضدنا  فلم يصرفوا لنا رواتبنا منذ مايو 2013م”.

وعندما طالبت إدريس مع زملائها بحقوقهم وجدوا تسويفاً ومماطلة  فضلا عن سوء المعاملة، وصل إلى التهديد بالفصل. وتمضي إدريس قائلة “صبرنا على هذا الوضع كثيراً على أمل تغيير سياسة التعنت ضدنا ولكن لم تتحسن معاملة الجريدة معنا او مع زملائى بل ازداد الوضع سوءًا بعد مطالبتنا بدفع رواتبنا الشهرية،  فتوجهنا للنقابة والمجلس الأعلى للصحافة لمساندتنا فى استرداد حقوقنا ورفع الظلم عنا ولكن النقابة لم تقف معنا وتحمينا كما كنا نظن وآخر قرار عاقبتنا بخطأ قانوني من الجريدة لا دخل لنا فيه وأوقفت البدل”.

مصالح رجال الأعمال

أبو السعود محمد عضو مجلس نقابة الصحفيين والصحفي بالمصري اليوم قال إن أزمة الصحافة الخاصة في مصر ترجع إلى إطلاق يد رجال الأعمال للتحكم في المواد التحريرية وهذا يحدث في كثير من الصحف.

وأشار إلى أن تدخلات بعض رجال الأعمال من أصحاب الصحف الخاصة وصلت إلى حد التحكم فيما ينشر وما لا ينشر مضيفا أنه خلال التعديل الوزاري الأخير كان بعض ملاك الصحف يتدخلون لفرض أسماء وزراء بعينهم باعتبارهم من المرشحين لتولى حقائب بعض الوزارات في الحكومة الجديدة لوجود مصالح خاصة بينهم والترويج لهم أملا في تقديمهم لصانع القرار والاختيار من بينهم.

ولا يسمح القانون في مصر للمحررين بتملك أسهم في الصحيفة التي يعملون بها لحمايتهم من تدخلات المالك الأصلي أو تسريحهم وقتما يشاء وهو ما تطالب به دوائر صحفية الآن لوقف ما يوصف بابتزاز الملاك للعاملين في صحفهم.

واعتبر أبوالسعود أن الصحافة الخاصة في مصر ضحية مصالح رجال الأعمال لاسيما أن قانون النقابة يكبل يديها وبه بعض المواد التي لا تناسب الوضع الحالي وتحديدا فيما يتعلق بمحاسبة مالك الصحيفة في حال ارتكاب أخطاء أو اتخاذ قرارات تهدد مستقبل الصحيفة والعاملين فيها.

وأضاف “قد يكون كل ذلك في صالح الصحافة الحكومية ليس لأنها الأقوى لكن لأن المنافس الأقوى لديها بدأ يضعف ويتهاوى”.

النقابة لا تقدم حلولا جذرية

ذهب أدهم لنقابة الصحفيين بصحبة زملائه المفصولين باعتبارها الملاذ والملجأ في هذه المحنة، ولكنه لم يجد اي استجابة سوى بيانات ورقية لا تساوي ثمن الحبر الذي كتب بها حسب تعبيره. واتخذت النقابة قرارا في مرحلة لاحقة بعدم ادراج صحفيون جدد من الصحيفة في عضويتها حتى حل مشكلة الصحفيين.

بشير العدل مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة يؤكد إن الحالة التي وصلت لها الصحافة المصرية تعد الأسوأ علي مدار تاريخ الصحافة موضحا أن تشريد الصحفيين حلقة مستمرة في مسلسل لن ينتهي لأن نقابة الصحفيين لا تقدم حلولا جذرية للمشكلة.

وأضاف “العدل” أن نقابة الصحفيين أو الدولة لا يستطيعون إجبار صاحب العمل علي الاستمرار وعدم تسريح الصحفيين الذين يعدون الطرف الأضعف في حلقة تقليل التكاليف الاقتصادية فعندما يقع صاحب العمل في أزمة مالية تجعله يقلل التكاليف يلجئ أولا إلي الاستغناء عن بعض الصحفيين.

وأشار بشير الى ضرورة إنشاء هيئة وطنية للصحافة تضم جميع الصحفيين وإلا ستنفجر أزمة في نقابة الصحفيين وستتحول إلي خيمة اعتصام كبيرة يدخلها مزيد من الصحفيين يوماً بعد الآخر.

الصحافة الالكترونية بديلا

لا يجد أدهم مفرا من التفكير بالعمل مرة أخرى لكن مع تراجع الصحافة الورقية يشير الى انه حظي بفرصة عمل بالقطعة في موقع الكتروني براتب ضئيل “600 جنيه مصري ”  لكنه يساعد كثيرا على تحمل تكاليف الحياة.

الدكتور محمود محجوب استاذ الصحافة الزائر بالجامعات المصرية يقول إن الصحافة الورقية تواجه أزمة وجود وربما تنقرض في السنوات المقبلة والأزمة الفعلية التي تواجهها تتمثل في الخسائر المادية وتراجع عائد الإعلانات وقلة عدد القراء حيث تقتسم جميع الصحف نصف مليون قاريء فقط مقابل نمو الصحافـة الإلكترونيـة بشكـل كبير وسرعة انتشار المعلومات ووصولها إلى أكبر شريحة ممكنة محليا وإقليميا ودوليا في أقل وقت وبأقل تكلفة إضافة إلى انتشار الهواتف المحمولة المزودة بالإنترنت وهو ما أتاح الاطلاع على الأخبار دون عناء أو تكلفة شراء الصحيفة في أوقات محددة.

وأضاف أن التوسع في الصحافة الإلكترونية طبيعي جدا خاصة وأن الشباب يتابعون الأحداث الكترونيا ولا ينتظرون الصحافة التقليدية التي لا تغطي الأحداث بذات السرعة.

يرصد محجوب سببا آخر لزيادة شعبية الصحافة الإلكترونية وهو انتشار “صحافة المواطن” التي بدأت تتوسع في المواقع الإخبارية ليصبح القارئ نفسه صحفيا ويتاح له نشر الصور ومقاطع الفيديو التي يرسلها إلى الموقع فضلا عن تجاوب المسؤولين بالدولة بشكل سريع مع ما تبثه هذه المواقع من أحداث ومشكلات وتتجاوب معها إدراكا من المسؤولين بأهمية هذا النوع من الصحافة لدى الجمهور.

ملاك الصحف لهم رأي اخر

أكمل قرطام رئيس مجلس إدارة صحيفة التحرير قال أن سبب اغلاق الاصدار الورقي  هو  حجم الخسائر بجريدة التحرير الذي وصل إلى 55 مليون نتيجة مصروفات الطباعة ورواتب العاملين إضافة إلى العديد من الأزمات في الإدارة وعن المحررين البالغ عددهم 200 صحفي أكد أن المعينين سيتم توزيعهم على الموقع ومن هم بدون عقود سيتم إبعادهم باستثناء ذوى الخبرة والكفاءة.

وأضاف إن المستقبل يؤكد أن الصحافة الإلكترونية ستنتصر على الصحافة التقليدية ولدينا مؤشرات تشير إلى عزوف القارئ عن الاهتمام بالصحافة الورقية ويكفي أن الشباب لا يهتم بالصحف وصار الاتجاه العام للحصول على المعلومات من خلال الصحافة الإلكترونية.

أما صلاح دياب مالك صحيفة المصري اليوم الرئيسي فيشير الى ان ما يحدث في المصري اليوم هو إعادة هيكلة – عملية صيانة دورية شاملة – وأضاف “وجدنا 60 % من الصحفيين العاملين بالمصري اليوم غير متفرغين فطلبنا منهم المفاضلة والاختيار بين المصري اليوم او الفضائيات”.

دياب قال ان المصري اليوم تريد صحفيا متفرغا لها وحدها للحفاظ على مكانة الجريدة لان المقارنة بين الفضائيات والصحف الورقية في الرواتب ليس عادلا وبالتالي فان الصحفي سيفضل ان يكون السبق الصحفي لصالح القناة التي يعمل بها وليس لصالح الجريدة.

في النهاية يقول أدهم انه بالرغم من فصله تعسفيا من الجريدة التي عمل بها واحبها الا انه سعيد على تلك الفترة التي قضاها ويشير الى انه لن يترك حقه وبالقانون متمنيا موقفا حازما وحاسما من نقابة الصحفيين للحفاظ على ابناء المهنة.