لم يبدأ الشتاء بعد، لكن موجتي الأمطار التي ضربت السواحل الشمالية في مصر خلال الأسابيع الماضية كشرت عن أنيابها بضراوة لتحصد أرواح الكثيرين، كاشفة عن عجز البنى التحتية، وفشل المسؤولين في مواجهة أول اختبارات الشتاء الجديد، بعدما غرقت عشرات القرى والمدن في مياه الأمطار، خاصة في محافظتي البحيرة والإسكندرية- الأكثر تضرراً من الأمطار التي ضربت البلاد.

هكذا أصبحت عروس البحر المتوسط

لم يبدأ الشتاء بعد، لكن موجتي الأمطار التي ضربت السواحل الشمالية في مصر خلال الأسابيع الماضية كشرت عن أنيابها بضراوة لتحصد أرواح الكثيرين، كاشفة عن عجز البنى التحتية، وفشل المسؤولين في مواجهة أول اختبارات الشتاء الجديد، بعدما غرقت عشرات القرى والمدن في مياه الأمطار، خاصة في محافظتي البحيرة والإسكندرية- الأكثر تضرراً من الأمطار التي ضربت البلاد.

هكذا أصبحت عروس البحر المتوسط

بين ليلة وضحاها تحولت الإسكندرية إلى منطقة منكوبة بعد الموجة الأولى، بعدما عجزت بالوعات الصرف عن تصريف الأمطار التي أغرقت المحافظة، حاصدة معها أرواح 5 مواطنين، جراء الغرق والصعق الكهربي إثر سقوط أحد كابلات كهرباء الترام في الشارع الغارق في مياه الأمطار، فيما توفي آخر إثر سقوطه في حفرة مياه بمنطقة المنشية -وسط المدينة- بخلاف سيدة تفحمت جثتها إثر نشوب حريق داخل شقتها بمنطقة الحضرة الجديدة بدائرة قسم شرطة باب شرقي.

العقارات أيضاً لم تسلم من الأمطار والعواصف التي شهدتها الإسكندرية، حيث شهدت المحافظة 35 حالة إنهيار ما بين جزئي وكلي، الأمر الذي دفع الأهالي للمطالبة بإقالة المحافظ والمسؤولين المتقاعسين الذين تسببوا في خراب المحافظة- حسب قولهم.

جهود المسؤولين انصبت على الأماكن السياحية في المحافظة فقط، فيما ترك أهالي العشوائيات في العامرية ومنطقة حي وسط يعانون من الأمطار، بعد تكريس المحافظة جهودها لإزالة المياه من طريق الكورنيش وشارع جمال عبد الناصر- حسب قول الأهالي.

غرقنا لأننا فقراء

سعاد أبوطالب، ربة منزل، أربعينة، من منطقة “عزبة المطار”، قالت: “غرقنا في مياه الأمطار مرتين، ولم يسأل فينا أي مسؤول، رغم صرخاتنا وغرق منازلنا وأطفالنا، بعدما وصل ارتفاع المياه إلى أكثر من متر ونصف، دفعتنا لدخول منازلنا من النوافذ”، مؤكدة أنها لم تكن المرة الأولى التي تغرق فيها المنطقة، وأنهم يعانون منذ 5 سنوات من الغرق، بسبب “فشل منظومة الصرف الصحي”، مطالبة بإقالة من وصفتهم بـ”المسؤولين المتقاعسين في شركة مياه الشرب الصرف الصحي، وإحالتهم للنيابة العامة للتحقيق”.

سعيد عبد الرحمن، موظف بالمعاش، من ذات المنطقة، أكد أن مياه الأمطار أغرقت شقته وغطت السرير، ولم يعد صالحاً للنوم، كما لم تعد الشقة صالحة للسكن بعدما وصل ارتفاع المياه فيها لقرابة متر، مطالباً الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتنظيف المحليات من الموظفين “النائمين في المكاتب” حسب قوله، موضحاً أن خسائر الأهالي تقدر بملايين الجنيهات بعدما غرقت مخازن ومحال كثيرة في مياه الصرف الصحي والأمطار.

مناطق كثيرة تعرضت للكارثة وتغافلت عنها المحافظة كان من بينها قرى منطقة العامرية- غربي الإسكندرية- البالغ عددها 30 قرية، حيث غرقت مئات الأفدنة فيها بسبب ارتفاع المياه في المصارف، بخلاف عشرات القرى والمناطق العشوائية بمناطق السيوف، والعوايد والمنتزه، والتي تعاني من انهيار في شبكة الصرف الصرف الصحي، الأمر الذي دفع مئات الأهالي لقطع الطريق الصحرواي- الرابط بين القاهرة والإسكندرية، وإيقاف القطار الداخلي (قطار أبوقير) لعدة ساعات، بعدما خرجوا في تظاهرات للمطالبة بكسح مياه الأمطار من الشوارع، قبل أن تتدخل القوات المسلحة لإقناع الأهالي بفتح الطريق وتسيير القطار.

إزاء ذلك لم يجد المحافظ هاني المسيري، الذي تعرض لانتقاد كبير من رئيس الحكومة المصرية المهندس شريف إسماعيل، بسبب التدخل البطيء في التعامل مع الأزمة، سوى تقديم استقالته، والتي قبلها “إسماعيل” بمجرد وصولها، مع تعدهات بمعاقبة المسؤولين المتقاعسين عن مواجهة الكارثة بالشركة القابضة للمياه والصرف الصحي.

لكن اللواء يسرى هنري، رئيس شركة الصرف الصحي بالإسكندرية، قلل من الأزمة، مؤكداً أنه تم مراجعة جميع مصبات تصريف مياه الأمطار بطول طريق الكورنيش، بدءًا من كوبرى المندرة حتى منطقة قلعة قايتباي ببحري، وذلك في إطار الاستعداد المستمر للنوات القادمة وتساقط الأمطار، التي تتعرض لها المحافظة.

وطالب “هنري”  أصحاب النوادي والفنادق والكافيتريات السياحية، على اكورنيش المحافظة، بعدم غلق المصبات أثناء النوة حتى لا تتسبب في غرق طريق الكورنيش، وتتوقف الحركة المرورية، وتسبب تعطيل مصالح المواطنين.

لكن تدخلات الحكومة لم تلق القبول لدى “سعاد أبوطالب” التي قالت: “حتى لو جابوا 100 محافظ جديد هتفضل خربانه، طول ما الفساد معشش جوه قلوب المسؤولين، ومش حاسين بالناس الغلابة، وكل همهم الناس اللي عايشين على البحر”.

البحيرة أيضاً تعيش الكارثة

الوضع في البحيرة كان أكثر مأساوية من الإسكندرية، فما أن ضربت المحافظة الموجة الثانية من الطقس السيء في  الرابع من نوفمبر / تشرين الثاني الجاري، حتى إنكشف الوجه القبيح للأمطار والفشل الإداري في المحافظة بعد غرق عدة قرى، ما أسفر عن وفاة 26 شخصاً غرقاً وصعقاً بالتيار الكهربائي، بينهم 16 في قرية “عفونة” بمنطقة وادي النطرون وحدها، والتي أغرقت المياه جميع منازلها البالغ عددها 160، بسبب وجودها في منطقة منخفضة، قبل أن يصدر قرار من محافظها الدكتور محمد سلطان، بنقل الأهالي لمنطة أخرى، وإعادة بنائها على مساحة 14 فدان.

“الحكومة لا تتحرك إلا عندما نموت”، عبارة قالها، فتحي محمود، سائق من عزبة التحرير بمنطقة جناكليس، التابعة لمركز  أبوالمطامير، مؤكداً أن مياه الأمطار المخلوطة بمياه الصرف الصحى، أغرقت  نحو 500 منزلاً فى العزبة، ما تسبب في كارثة أخرى تمثلت في اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي، ما يهدد بحدوث كارثة صحية وإبادة أهالي العزبة، مشيراً إلى أن غالبية أهالي القرية أخلوا الأدوار الأرضية من منازلهم، وسكنوا الأدوار العليا، حتى أن بعضهم إضطر لوضع آثاث المنزل فوق الأسطح، وتغطيته بأكياس بلاستيكية خشية تلفه، لكن الفقراء وأصحاب المنزل المبنية من دور واحد فإضطر غالبيتهم لهجرها أو المبيت فوق أسطحها بعدما غرقت في مياه الأمطار.

المركب وسيلة مواصلات أهالي إدكو

إدكو هي إحدى مدن محافظة البحيرة “المنكوبة” والتي أغرقتها مياه الأمطار، ووصل ارتفاع المياه فيها لأكثر من مترين، ما دفع الأهالي لاستخدام المراكب الصغيرة “الفلوكة”، للتنقل في الشوراع، بعدما غرق أكثر من  200 محل ومنزل، وتلفت بضائع تبلغ قيمتها قرابة مليوني جنيه.

فكما يقول محمد فتحي، موظف، فإن المياه أغرقت كل شيء، ولم تعد الحكرة ممكنة، ما دفع الأهالي لاستخدام مواتير سحب المياه لكسحها من المنزل، وإلقائها بالخارج، الذي كان هو الآخر غارق، متهماً المسؤولين بالتخاذل وعدم الاستعداد للكارثة.

الكارثة تلتهم آلاف الأشجار

خميس منصور، سكرتير الجمعية الزراعية بمدينة رشيد، أكد أنه رغم عدم تغرق المدينة في مياه الأمطار، إلا أن العواصف تسببت في تلف آلاف الأشجار وتساقطها، خاصة أشجار الجوافة والنخيل، موضحاً أن خسائر الفدان الواحد تقترب من 10 آلاف جنيه، ما يعني أن إجمالي خسائر الأراضي الزراعية في المدينة يتخطى مائة مليون جنيه.

“منصور” قال إن أكثر من150 مزارعاً حرروا محاضر بخسائرهم في قسم الشرطة، وعندما تزايدات الأعداد، طالبهم مسؤولي القسم بالذهاب لمجلس المدينة لاثبات خسائرهم، وبالفعل حرر 200 آخرين محاضر، مطالبين الجمعية الزراعية بمعاينة أراضيهم وصرف تعويضات لهم.

محمد الشحات، مزارع، أكد أن النوة تسببت في خسارته 300 نخلة، يصل  انتاج الواحدة منها إلى 150 كيلو، مؤكداً أنه فقد انتاج 10 أفدنة من البرتقال تساقط بسبب الرياح القوية التي  ضربت المدينة، ونفى امكانية تعويض الحكومة له عن خسارته قائلاً: “هيدوني كام يعني 2000 جنيه عن كل فدان، أنا دافع أكثر من 150 ألف جنيه غير تعب السنة كلها، وكل ده ضاع”.

إقلع بنطلونك وإمشي

في الوقت الذي استخدم أهالي “إدكو” المركب للتنقل بين المنازل والمحال الغارقة، لقضاء حوائجهم، لجأ أهالي قرى العامرية بالإسكندرية لاستخدام الجرار الزراعي للسير في الطرق الوعرة التي تحولت إلى مستنقعات، فيما لجأ آخرون لبناء جسور من الحجارة  للسير عليها، والتي فشل العديد منهم في عبورها خاصة النساء، ليتساقطوا في مياه الأمطار الممتزجة بالصرف الصحي.

لكن الحل الأسهل لعبور الشوارع الغارقة كان خلع الملابس السفلية والحذاء وعبور الطريق إلى الجهة الأخرى.

“سعاد أبوطالب” وغيرها من المنكوبين أكدوا مشاهدتهم لهذه الحيل في التلفزيون وعلى مواقع الإنترنت، لكنهم أكدوا أنها لن تجدي نفعاً، وقد تتسبب في هلاك المواطنين بسبب “الفساد” الذي ترك أسلاك الكهرباء عارية لتغتال كل من يفكر في الاقتراب من المياه- حسب قولهم، مؤكدين أن “الغلبان مالوش ثمن..  فإن لم يمت غرقاً سيموت بالكهرباء”.