تجيب الشارني في حوار خاص لـ”مراسلون” على الأسئلة والانتقادات الموجهة للحكومة بشأن تأخر إنصاف ضحايا النظام السابق رغم مضي نحو 5 أعوام على تغيير النظام السياسي في تونس.

منذ اندلاع الثورة لم يتم إصدار قائمة نهائية للشهداء والجرحى. أين وصلتم في ذلك؟

تجيب الشارني في حوار خاص لـ”مراسلون” على الأسئلة والانتقادات الموجهة للحكومة بشأن تأخر إنصاف ضحايا النظام السابق رغم مضي نحو 5 أعوام على تغيير النظام السياسي في تونس.

منذ اندلاع الثورة لم يتم إصدار قائمة نهائية للشهداء والجرحى. أين وصلتم في ذلك؟

قبل كل شيء يجب التذكير بأن إصدار القائمة النهائية ليست من مشمولاتنا وإنما من مشمولات الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي تهتم بدراسة الملفات وإعلان القائمة النهائية. مهمتنا نحن تتمثل في التنسيق مع تلك الهيئة المستقلة لتحديد القائمة الأولية في انتظار صدور القائمة النهائية.

من خلال تنسيقيكم مع هذه الهيئة هل تعلمون متى ستجهز القائمة النهائية للشهداء والجرحى؟

حاليا قائمة الشهداء النهائية جاهزة وسيتم إصدارها قريبا في انتظار الانتهاء من تحديد القائمة النهائية للجرحى التي تتطلب مزيدا من الوقت. وبالنسبة لقائمة الشهداء يتم حاليا وضع اللمسات الأخيرة على التقارير والمعايير التي تم على أساسها إعداد تلك القائمة ومن المهم تفسير لكل عائلة لماذا مثلا حذفت بعض الأسماء وتركت أسماء أخرى وسيكون ذلك في كنف الشفافية علما أنه في صورة وجود اعتراضات بعد إصدار تلك القائمة فإن الطعون ستوجه مباشرة إلى الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

خمس سنوات.. لماذا كل هذا التأخير؟

هذا يعود إلى وجود ثغرات في النصوص القانونية والترتيبية والتي تصل أحيانا إلى حد التضارب. ومن الأخطاء التي وقعت فيها اللجنة المكلفة بملف شهداء وجرحى الثورة صلب الهيئة العليا لحقوق الإنسان أنها تركت آجال قبول الملفات مفتوحة ولم تقيدها بآجال محددة وهو ما جعل البعض يودع ملفه حتى بعد 5 أعوام. فكلما أوشكت اللجنة على الانتهاء من عملها لغلق القائمة ترد عليها ملفات جديدة علما وأن دراسة ملف واحد قد يتطلب عدة أسابيع.

أما الآن فقد تم إغلاق قائمة الشهداء نهائيا ولن يتم قبول ملفات جديدة ولكن بالنسبة لملفات الجرحى فإنها ما تزال إلى حد الآن مفتوحة.

كم بلغ عدد الملفات التي تلقيتموها إلى حد الآن؟

في البداية انطلقنا بنحو 1900 ملف تخص شهداء وجرحى الثورة التونسية ثم تطور العدد ليبلغ 4500 بين شهداء وجرحى ونتحدث اليوم عن ثمانية آلاف ملف بحسب ما رصدته لجنة تقصي الحقائق صلب الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

هل ستشمل قائمة الشهداء النهائية ضحايا المؤسسة الأمنية والعسكرية أم لا؟

بالطبع لن يتم إقصاء شهداء المؤسسة الأمنية والعسكرية فهؤلاء توفوا في سبيل الوطن، ثم لا ننسى أن المؤسسة الأمنية والعسكرية وقفت إلى جانب المواطنين إبان الثورة وتولت تجنيبهم سيناريوهات مرعبة.

لكن عمل العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية اقتصر على المدنيين فقط لأن القوات الحاملة للسلاح تخضع لنصوص قانونية خاصة بها وبالتالي فإن القائمات النهائية لشهداء الأمن والجيش والديوانة ستصدر من قبل المؤسسات التي ينتمون إليها وتتضمن شهداء الثورة وشهداء الاعتداءات الإرهابية.

وقد استغربنا ما يروج مؤخرا من حديث حول إقصاء شهداء المؤسسة الأمنية والعسكرية من إدراج أسمائهم في القائمة النهائية للشهداء رغم أنه لم يصدر منا أي تصريح رسمي حول هذا وبالتالي فإن الحديث عن إمكانية القيام بتحركات احتجاجية من قبل أعوان الأمن والجيش لا مبرر له.

هل صحيح بأنكم تفطنتم بأن بعض الأشخاص الذين أدرجوا ضمن الشهداء أو الجرحى مجرمون ومنحرفون؟

لقد أعدت القائمات الأولية في وضع أمني هش وفي ظروف كانت فيها البلاد غير مستقرة، فالبعض كان يهجم على المسؤولين والعاملين في المستشفيات لتسجيلهم عنوة، كما عمد آخرون إلى تزوير الشهائد الطبية من أجل الحصول على تعويضات، لكن بمجرد أن شرعت الهيئة العليا لحقوق الإنسان في العمل تم التفطن إلى عديد التجاوزات، مع العلم أن اللجنة تتكون من أشخاص محلفين ويتمتعون بخبرة واسعة وهم من عديد المجالات كالصحة والعدل والمجتمع المدني.

في الحقيقة هناك من اعترف طواعية بأن زور ملفه وأن إصابته قديمة أو نتيجة حوادث منزلية أو السرقة وهناك أشخاص هاجروا ضمن مراكب الموت إبان الثورة في اتجاه إيطاليا وآخرون لا نعرف عنهم شيئا ويرجح أنهم توجهوا إلى بؤر التوتر وبالتالي تم تصفية الملفات.

تتهم عائلات ضحايا النظام السابق الدولة بالتقصير في حقها وعدم إنصافها. ما تعليقكم؟

نحن نتفهم أحيانا غضب بعض العائلات ممن فقدوا الثقة في الدولة لأنهم تعرضوا للتهميش طيلة أربعة أعوام ولم يكن أحد يسمعهم أو ينصت إلى مشاغلهم. وبناء الثقة مجددا أمر صعب ولذلك ركزنا في كتابة الدولة على الإدماج الاجتماعي والاقتصادي وعلى رد الاعتبار إلى عائلات شهداء وجرحى الثورة وتعليم أبناء الشهداء والعناية بالأرامل وأمهات الشهداء وتقديم منح مدرسية للتلاميذ وأخرى للطلبة.

ملف الشهداء والجرحى حساس جدا ويعتبر مسؤولية أخلاقية وجماعية ولهذا قمنا بالتشخيص وجرد الملفات وإعداد دراسة ثم إدخال عديد الإصلاحات ومن بينها خلايا الإنصات النفسية لأن هناك وضعيات معقدة وترفض حتى العلاج، إضافة إلى خلايا الإنصات إلى العائلات، ويتم كل يوم خميس بكتابة الدولة استقبال العائلات بمعدل 12 و13 عائلة أحيانا رغم أننا خصصنا مراكز جهوية لتجنيبهم عناء السفر والتنقل ولكن البعض يصر على القدوم إلى العاصمة ومع ذلك نحن نفتح لهم أبوابنا.

ما الشيء الجديد الذي قمتم به على مستوى جديد كتابة الدولة للشهداء وجرحى الثورة؟

حاليا حن نعمل على وضع منظومة إعلامية متطورة جدا ستكون جاهزة بعد عام وستمكن الجرحى أو عائلة الشهداء من الاطلاع على الجرايات ومتابعة الملف عن طريق الانترنت كما سيتم إرسال إرساليات قصيرة للعائلات المعنية وإلى الجرحى لاطلاعهم على آخر المستجدات.

وفيما يتعلق بالجرايات فإنه وفي سابقة في العالم سيتم تخصيص جرايات دائمة أي أنها ستبقى سارية المفعول حتى بعد وفاة المنتفع بمعنى أنها تنتقل إلى الزوجة أو إلى الأبناء أو إلى الإخوة في حال وفاة المعني بالأمر.

هل حددتم قيمة الجرايات الشهرية؟

بمجرد صدور القائمات النهائية سيتمتع أولى الحق من عائلات الشهداء والجرحى آليا بجراية شهرية ويقع حاليا النظر في قيمتها بحسب الأمر الحكومي الذي سينظم المنافع التي ستحصل عليها عائلات شهداء وجرحى الثورة وهو أمر شبه جاهز.

كما سيرافق حصول عائلات الشهداء والجرحى على الجرايات حصولها على منح بالنسبة للجامعيين إضافة إلى منحها أولوية حق الحصول على مساكن اجتماعية.

أما فيما يتعلق بالجرحى فإن الجراية ستحدد بحسب نسبة السقوط البدني، ولكن إذا كان هناك حكم قضائي صادر لفائدة شخص ما فلا يعوض الشخص مرتين من الدولة، وهذا يعني أنه سيتحصل على ما حدده له القضاء، كم أن الجراية لن يكون لها مفعول رجعي بحسب القانون.

ما حجم التعويضات للعائلات الشهداء والجرحى؟

إلى حدّ الآن انتفعت قرابة خمسة آلاف آلاف عائلة بتعويضات مالية صرفت في عام 2012، وكان المبلغ 40 ألف دينار لكل عائلة شهيد و6 آلاف دينار لكل جريح.

إجمالا تم صرف 78 مليون دينار (39 مليون دولار) لعائلات الشهداء وجرحى الثورة كما شملت التعويضات أيضا بطاقات التنقل والعلاجي المجاني في حدود 7 آلاف بطاقة باستثناء بعض العائلات في محافظة القصرين (جنوب) ممن امتنعوا عن تسلم التعويضات. علما أنه صرف مبلغ 11 مليون دينار (5.5 مليون دولار) وحدد قسط آخر بنحو 3 مليون دينار (1.5 مليون دولار) بعنوان تعويضات لولاية القصرين وهي الولاية الوحيدة التي صدرت فيها أحكاما قضائية بالتعويض ليكون إجمالي المبلغ حوالي 14 مليون دينار (7 مليون دولار) في نفس الولاية.

ماذا بخصوص الانتدابات في الوظيفة العمومية؟

تولينا سنتي 2012 و2013 فتح باب الانتداب في الوظيفة العمومية لـ 2700 منتفع من عائلات الشهداء ومن الجرحى لكن بعد تلك الفترة تم إغلاق باب الانتداب في الوظيفة العمومية ومع ذلك نعمل حاليا على مراجعة حالة بحالة بعض الملفات التي تقدم أصحابها بمطالب في نفس تلك الفترة ولم يتم توظيفهم. كما نحرص على التشجيع على بعث المشاريع الخاصة لفائدة جرحى الثورة ونقدم لفائدتهم عدة تسهيلات بالتنسيق مع الاتحاد التونسي للضمان الاجتماعي على غرار التمويل الذاتي للمشروع.

وماذا عن التعويض المعنوي لضحايا الثورة التونسية؟

نعم لم نغفل عن هذا الجانب رغم أن إعداد القائمة النهائية للشهداء والجرحى أمر على غاية من الأهمية ويصب في خانة إعادة الاعتبار لضحايا النظام السابق وستمكن تلك القائمة من التعريف بالشهداء وتسمية الشوارع والمنشآت بأسمائهم.

وإضافة إلى عديد الإجراءات المادية هناك إجراءات معنوية سنتخذها وفي اعتقادنا هي أهم بكثير من التعويضات المادية، إذ سيتم فسح المجال أمام العائلات لاختيار الأنهج أو المدارس التي ستطلق عليها أسماء الشهداء و2016 ستكون سنة حفظ ذكرى الشهداء.