لا مجال لأي نوع من المقارنات المهنيّة بين وسائل إعلام فرنسية كبرى بدأت في توجيه انتقادات لـ “الحرب على الإرهاب” التي أعلنها الرئيس فرانسوا هولاند في أول خطاب لشعبه عقب الهجمات، وبين وسائل إعلام مصرية يفشل معظمها في تقديم تغطية تحترم عقل المتابع للحوادث الإرهابية الكبرى التي تضرب البلاد.

لا مجال لأي نوع من المقارنات المهنيّة بين وسائل إعلام فرنسية كبرى بدأت في توجيه انتقادات لـ “الحرب على الإرهاب” التي أعلنها الرئيس فرانسوا هولاند في أول خطاب لشعبه عقب الهجمات، وبين وسائل إعلام مصرية يفشل معظمها في تقديم تغطية تحترم عقل المتابع للحوادث الإرهابية الكبرى التي تضرب البلاد.

في الوقت الذي قررت فيه وسائل الإعلام والقائمين عليها قصف فرنسا بمجموعة متنوعة من الأسلحة الكلامية تنوعت بين الشماتة والمعلومات المضللة ومنقوصة السياق، أو في أكثرها تهذيبًا “قلنا لكم قبل كدا، بس إنتو ما سمعتوش كلام الرئيس السيسي”، وبث معلومات مغلوطة، ومحاولة ليّ عنق الحقائق لمقارنة الحالتين المصرية والفرنسية؛ بينما يجري هذا كان واحد من أهم مواقع صحافة الاستقصاء في فرنسا والعالم “ميديا بار” ينشر خطابًا مفتوحًا للمؤرخ الشهير داڤيد ڤان رايبروك عنوانه “سيدي الرئيس لقد وقعت في الفخ” عقب إعلان هولاند الحرب على التنظيم الإسلامي المتطرف، وتصريحًا من رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دو ڤيلبان يقول فيه “التسليم بأننا في حرب بمثابة فخ لأن الحروب لا تكون إلا بين دولتين”.

الأهرام.. الجريدة الرسمية الأولى والأكثر رصانة وثقلًا في مصر؛ ركّزت صبيحة اليوم التالي للهجمات بشكل واضح في مانشيتها الرئيس على “الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها فرنسا عقب الحادث مثل إغلاق أشهر الأماكن السياحية ومنع التظاهر”، دون توضيح واجب عليها، للقارئ، للحقوق والضوابط الصارمة التي يكفلها قانون ٥٥- ٣٨٥، المعروف باسم قانون حالة الطوارئ لسنة ١٩٥٥، مثل ضرورة أن يعلنها الرئيس في اجتماع لمجلس الوزراء، وفي دورة انعقاد البرلمان، مع تحديده نوع التهديد أو الكارثة التي تدعو لتفعيله، ووجود إجراءات تفرض على الحكومة التكفل بنفقات مَن يفرض عليهم وزير الداخلية قرارًا بتحديد الإقامة، ومنحهم الحق في التقاضي والتظلم لإلغاء القرار، وضمان حقوقهم في طلب التعويض إذا ثبتت عدم صحة القرار الإداري بتقييد حريتهم في الحركة، وتحديد فترة تطبيق حالة الطوارئ بقرار رئاسي وتحت ضوابط معينة بـ ١٢فقط يومًا، يحتاج قبل تمديدها فترة أخرى، لقرار من أغلبية أعضاء البرلمان (يمكن قراءة النص الكامل للقانون).

لم يغب عن الصحيفة اليومية الأولى في باب رأي الأهرام، الذي يعني في أوقات كثيرة “الموقف غير الرسمي للحاكم المصري” لهجة تشفي ومعايرة واضحة. يقول المحرر: «.. ليثبت مجددًا أن أصابعه (الإرهاب) ستطال كل مكان في العالم ولن ينجو منه أحد طالما تقاعس البعض عن المساهمة في مكافحته، أو حاول البعض الآخر استغلاله في تنفيذ حسابات سياسية معينة، ظنًا منه أن السحر لن ينقلب على الساحر».

الأخبار.. الجريدة الرسمية الثانية ركزّت في المانشيت الرئيس على خطر “مشترك” يواجه الدولتين هو الإرهاب، وفي العنوان الفرعي يعيد محرر “الأخبار” التأكيد على نفس الثنائية، فـ “الرئيس عبد الفتاح السيسي يواسي نظيره الفرنسي، والأخير يرد بأن الدولتين ستعملان معًا لدحر الإرهاب”. وفي الصفحة الثالثة جاء مقال ياسر رزق، رئيس التحرير المقرّب من القوات المسلحة، وصاحب حوار اشتهر بتسريب أجزاء منه أجراه مع المشير عبد الفتاح السيسي وقت أنْ كان وزيرًا للدفاع وقبل إعلان ترشحه للرئاسة، جاء المقال ليعيد التأكيد على نفس خط المانشيت، مع إضافة رآها رزق ضرورية وهي استشراف المستقبل الذي يتمتع به الرئيس المصري. يقول رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة: «.. وأذكّر القادة في الغرب ليس فقط بما حذّر منه رئيس مصر عبد الفتاح السيسي في جلسات المباحثات التي حرت بينه وبينهم في عواصمهم أو في القاهرة، وإنما بتصريحاته العلنية في دولهم وفي خطبه العامة، عن الخطر الذي سينتقل من الشرق الأوسط إلى أوروبا وعبر الأطلنطي عندما يحين وقت عودة المقاتلين الأجانب في صفوف داعش إلى أوطانهم».

صحيفة الوطن الخاصة اختلفت عن باقي الصحف بمقارنة غير مسبوقة بين الرئيسين المصري والفرنسي، يقول مفتتح التقرير: “بالكلمات نفسها، وتكاد تكون حرفاً حرفاً، وبالرسائل نفسها، ودرجة الود فى مخاطبة شعبه، والوعيد فى مخاطبة الأعداء، جاء خطاب الرئيس الفرنسى، فرانسوا أولاند، بعد الحادث الأليم الذى شهدته العاصمة باريس، مساء أمس الأول، مطابقاً لخطابات الرئيس عبدالفتاح السيسى، التى ألقاها فى حوادث وأزمات سابقة”.

القطع الصحفية المنقولة عن وكالات الأنباء في الصفحات الداخلية للصحف المصرية كانت الأكثر توازنًا، وإن كانت صحيفة كالأهرام، على سبيل المثال، لم تستفد من وجود مراسلة على الأرض في باريس للعمل على إنتاج محتوى خاص للصحيفة ولو على سبيل الاجتهاد الذي دفع مسؤولي التغطيات الإخبارية لإنتاج قطعة تكررت في صحيفتي الأخبار والمصري اليوم، أكبر الصحف المصرية الخاصة، عبارة عن استطلاع رأي ضباط سابقين في القوات المسلحة وأجهزة المخابرات المتقاعدين كانت أراؤهم أكثر تماسكا في قطعة الأخبار، مقارنة بقطعة المصري اليوم التي ذهب خبراؤها إلى تبنّي نظرية المؤامرة المخابراتية، وهو نفس ما ذهب إليه تحليل إخباري في صحيفة الأهرام، قال فيه المحرر: «ولعل الكلام يستدعى بعضه، فتطرح أسئلة خبيثة نفسها هنا بمنتهى السفور: من ذا الذي- أصلا- صنع القاعدة، وداعش، وبيت المقدس، وغيرها من الأسماء التى ترتعد لذكرها القلوب والأبدان؟ من ذا الذى أمدها بالسلاح والمعلومات والتخطيط؟ ما الأهداف الخفية المخبّأة فى دوسيهات أجهزة الاستخبارات والمراكز البحثية العتيدة عندهم هناك؟».

المعلومات المنقوصة عمدًا، أو جهلًا، والمقتطعة من سياق قانون الطوارئ الفرنسي الذي لم يطبق سوى ٤ مرات، وردت بوضوح في مقال للرأي كتبه محمد أمين في عموده اليومي بصحيفة المصري اليوم: «إعلان الطوارئ ونزول الجيش، وإلغاء المظاهرات، وتوسيع قاعدة الاشتباه، والاعتقال بدون إذن، وإقامة المحاكمات العسكرية.. المثير أن أحداً لم يعترض، ولم يرفع إشارة «باتاكلان» كما رفعوا إشارة رابعة!»، مع إضافة تنويعة شهيرة على لفظ دارج يعبر عن المعايير المزدوجة، ليوجه اتهاما لمن صمَت عن انتقاد قانون الطوارئ الفرنسي بـ “التعريض” أو “التعريص” في سابقة على جريدة محافظة كالمصري اليوم.

على نفس الخط سارت مذيعة البرنامج الحواري هنا العاصمة، لميس الحديدي، في تدوينتين قصيرتين على موقع تويتر، حاولت في الأولى أن تجرّب حس الدعابة لديها عقب نحو ساعتين من الهجمات، إلا أن هجومًا كاسحًا عليها، دفعها بعد أقل من ساعة لتوضيح وجهة نظرها في تدوينة ثانية، وأنها لا تشمت في الضحايا وإنما تقارن بين الموقفين البريطاني والروسي عقب تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء، وطلب إخضاع المطارات المصرية للجان أمنية دولية، لكن يبدو أن الحديدي في غمرة نشوتها بما حدث على اعتبار أن الجميع في الهم الإرهابي؛ نسيت أن فرنسا لم تغلق مطاراتها في وجه شركة الطيران الوطنية كما فعلت روسيا، أو تجلي مواطنيها كما قامت روسيا والمملكة المتحدة.

مستشار مفتي الجمهورية، الدكتور إبراهيم نجم، لم يدخل في وصلات تشفي أو مقارنات من أي نوع بين الحالتين المصرية والفرنسية عقب هجمات إرهابية واسعة، وإنما “طالب الأوروبيين بالتعلم من التجربة المصرية في مكافحة التطرف”، لكن يمكن للمستشار أن يعود للتجربة الفكرية المصرية في مواجهة التطرف عندما اعتبرت مؤسستها الدينية الأهم على مستوى العالم، تنظيم الدولة الإسلامية “مؤمنون” يرتكبون أفعال غير المسلمين، رافضين تكفيرهم وبالتالي قتالهم.