تعطلت لغة الحوار بين الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة حول الزيادة في أجور عمال القطاع الخاص وهو ما دفع باتحاد الشغل إلى الإعلان عن سلسلة من الإضرابات الواسعة التي ستشل الحركة الاقتصادية في مدن عديدة.
وستنطلق أولى الإضرابات التي أقرها الاتحاد في محافظة صفاقس يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني يليه إضراب ثان في إقليم تونس الكبرى وإضراب ثالث في محافظات زغوان ونابل والمنستير والمهدية وسوسة يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني.
تعطلت لغة الحوار بين الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة حول الزيادة في أجور عمال القطاع الخاص وهو ما دفع باتحاد الشغل إلى الإعلان عن سلسلة من الإضرابات الواسعة التي ستشل الحركة الاقتصادية في مدن عديدة.
وستنطلق أولى الإضرابات التي أقرها الاتحاد في محافظة صفاقس يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني يليه إضراب ثان في إقليم تونس الكبرى وإضراب ثالث في محافظات زغوان ونابل والمنستير والمهدية وسوسة يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني.
كما أقر اتحاد الشغل إضرابات أخرى في محافظات بنزرت وباجة وجندوبة والكاف يوم 27 من الشهر الجاري فيما سيكون الإضراب الخامس يوم 30 نفس الشهر في محافظات سليانة والقيروان والقصرين. أما الاضراب الأخير فسينفذ في محافظات توزر ومدنين وقابس وتطاوين وقبلي وقفصة يوم 1 ديسمبر/كانون الأول القادم.
ولم يساهم تتويج الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة مؤخرا بجائزة نوبل للسلام في تقريب وجهات نظرهما للاتفاق على تهدئة الأوضاع في البلاد التي ترزح تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة بسبب التوترات الأمنية والسياسية.
فرغم أنهما يستعدان رفقة هيئة المحامين ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان للسفر إلى النرويج في العاشر من الشهر المقبل لتسلم الجائزة العالمية نظرا لنجحهم في إنقاذ البلاد من أزمة سياسية حادة نهاية عام 2013، فإنهما يعيشان حالة من الاحتقان والتجاذب بعد فشل مفاوضات الزيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص.
وسرعان ما ظهرت الأزمة بين الاتحادين اللذان كالا لبعضها شتى التهم والانتقادات بعد تعثر سلسلة من المفاوضات المرهقة بين اتحاد الشغل واتحاد أرباب الأعمال انطلقت منذ أسابيع ولم تصل إلى حل يرضي الطرفين لزيادة أجور عمال القطاع الخاص.
وقد تمسك كل طرف بزيادة لا ترضي الآخر بالمرة. فبينما طالب اتحاد الشغل بزيادة بـ15 نقطة في الأجور ثم تراجع عنها بثلاث نقاط، أصر اتحاد أرباب الأعمال في المقابل على إقرار زيادة لا تتجاوز 4 بالمائة وهو ما قاد إلى توتير العلاقة بين الاتحادين.
وبلغت ذروة الأزمة بين هاتين المنظمتين الكبيرتين في البلاد خاصة بعد تصريحات رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة وداد بوشماوي التي قالت إن الاتحاد لا يخضع إلى منطق التهديد في مفاوضات الزيادة في الأجور وأن التلويح بالإضراب لا يقلقها.
وتعقيبا على تلك اعتبر اتحاد الشغل أن تصريحات رئيسة اتحاد أرباب الأعمال فيها استهانة وتحقير للمطالب المشروعة للشغالين مقررا مقاطعة جولات المفاوضات التي اعتبرها غير جادة ولكن الأهم هو إقراره سلسلة من الإضرابات في كامل البلاد.
ورغم أن بعض المواطنين يرفضون منطق التصعيد وسياسة لي الذرع بين الاتحادين فإنهم يرون أن شن إضرابات واسعة بهذا الحجم من قبل اتحاد الشغل فيه مبالغة ومحاولة لإرباك الأوضاع الاقتصادية في بلد يعاني أصلا من انكماش اقتصادي.
في مقابل ذلك يعبر مواطنون آخرون عن تفهمهم لقرار اتحاد الشغل بعد انسداد أفق الحوار مع اتحاد أرباب الأعمال حول الزيادة في الأجور في القطاع الخاص، مشيرين إلى تراجع حاد بمقدرتهم الشرائية في ظل ارتفاع الأسعار وتدني معدل رواتبهم.
في هذا السياق يقول يسري المهذبي عامل بمصنع بلور إن راتبه أصبح يتبخر بسبب ارتفاع الأسعار وارتفاع معاليم الكراء والكهرباء والماء وهو ما يقوده في كثير من الأحيان الى الاقتراض أو التداين على حساب راتبه من الصراف الآلي للبنك.
ورغم أنه يؤكد على حرصه على تدقيق حساباته وتقليل مصاريفه والاقتصار فقط على تلبية الحاجيات الضرورية إلا أنه كثيرا ما يجد نفسه عاجزا عن توفير أبسط مستلزمات أسرته.
ويقول لمراسلون إن “الأسعار مرتفعة بشكل خيالي في حين بقي الراتب ضعيفا جدا وهذه المعضلة كثيرا ما تدفعني للتفكير في الهجرة السرية إلى أوروبا بحثا عن عمل بمقابل جيد”.
ويشغل في القطاع الخاص حوالي مليون ونصف عامل. ولا يتجاوز معدل دخل العامل التونسي في القطاع الخاص الأربع مائة دينار.
ويرى الخبير الاقتصادي التونسي مراد الحطاب أن نسبة الزيادة التي يطالب بها الاتحاد العام التونسي للشغل (12 بالمائة) “بالكاد تكفي لسد الرمق وإشباع البطون الخاوية للعمال”، واصفا بنفس الوقت موقف اتحاد أرباب الأعمال بـ”المتصلب”.
ويقول لمراسلون إن عدم اكتراث اتحاد أرباب الأعمال بالإضرابات المقررة من شأنها أن تزعزع الاستقرار الاجتماعي وتضر أكثر بمناخ الاعمال والاستثمار الذي تراجع لمستويات قياسية بعد الثورة التونسية.
وأوضح من جهة أخرى أن اتحاد الشغل لا يمكنه التراجع في موقفه نظرا لوجود ضغوطات كبيرة عليه من منظوريه الذين تحولوا من طبقة متوسطة إلى طبقة فقيرة جراء الزيادات المتتالية في الأسعار.
وقدرت وزارة الشؤون الاجتماعية عدد الفقراء بحوالي مليون تونسي.
ويقول بلقاسم العياري الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل في تصريح لمراسلون إن الاتحاد يرفض تحميل الشغالين وحدهم فشل الخيارات التنموية.
وأضاف أن العامل التونسي في القطاع الخاص لم يتمتع منذ سنة 2012 إلا بزيادة يتيمة قدرها عشرون دينارا سنة 2014 في حين ارتفعت الاسعار بطريقة خيالية.
ويقول العياري إن الاتحاد منفتح على أي بادرة للتفاوض شريطة أن يكون ذلك على أسس معقولة، مشدد على أن الاضرابات التي أقرها الاتحاد ليست إلا وسيلة أقرها الدستور للدفاع عن حقوق العمال.
في المقابل يتمسك اتحاد الاعراف بموقفه رغم تأكيده أيضا على تفهمه لموقف اتحاد الشغل.
ويقول خليل الغرياني رئيس لجنة المفاوضات الاجتماعية باتحاد الاعراف لمراسلون إن الاتحاد وافق على الجلوس لطاولة التفاوض رغم وجود برقية إنذار بالإضراب وهو ما يخالف القانون.
ولاحظ أن حالة الانكماش التي يعرفها الاقتصاد التونسي وارتفاع نسبة التضخم عوامل لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند التفاوض، مشددا على أن اتحاد الأعراف لا يمكنه التفاوض تحت الضغط.
وتشير الأرقام الرسمية إلى تراجع نسبة الاستثمار الصناعي بـ2,9 بالمائة إلى غاية سبتمبر/أيلول الماضي مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية بينما تراجعت نسبة بعث المشاريع خلال نفس الفترة بـ4،3 بالمائة.
ويرى مراقبون أن الأزمة بين الاتحادين مرشحة للتفاقم إذا لم يبد كلاهما المرونة اللازمة لتفاديها. وهذه الأزمة في ظاهرها متعلقة بنسب الزيادات في أجور الشغالين لمجابهة غلاء المعيشة إلا أن في باطنها أزمة تعود لعشرات السنين ولخيارات سياسية وتنموية فاشلة.