ضدُ السائد.. هكذا يمكن تلخيص خيارات الصحافي والحقوقي المصري حسام بهجت، المتهم حاليًا في القضية العسكرية رقم ١٤٤٧٧، بداية من قراره تأسيس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وحتى قراره اقتحام مجال جديد ـ قديم على تجاربه السابقة: الصحافة. ما بين هاتين النقطتين مسيرة من النجاح واستعداد لكل أنواع المضايقات بوعي كامل وروحٍ هادئة لا تسعى للصدام، وإنما تتوقعه جيدًا وتحاول تجنبه بحماية من مهنية ومعرفةٍ بقانون.

ضدُ السائد.. هكذا يمكن تلخيص خيارات الصحافي والحقوقي المصري حسام بهجت، المتهم حاليًا في القضية العسكرية رقم ١٤٤٧٧، بداية من قراره تأسيس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وحتى قراره اقتحام مجال جديد ـ قديم على تجاربه السابقة: الصحافة. ما بين هاتين النقطتين مسيرة من النجاح واستعداد لكل أنواع المضايقات بوعي كامل وروحٍ هادئة لا تسعى للصدام، وإنما تتوقعه جيدًا وتحاول تجنبه بحماية من مهنية ومعرفةٍ بقانون.

في العام ٢٠٠٢ أطلق «المبادرة» بعد عمله فترة في أحد الصحف المصرية الناطقة بالإنجليزية، كايرو تايمز، مقتحمًا مجالات جديدة في العمل الحقوقي يمكن تصنيفها بـ “حقول الأعصاب العارية” في المجتمع المصري: قضايا الأقليات الدينية، واختيارات النوع الجنسي. في وقتٍ كان الطيف الحقوقي المصري يدور حول قضايا شائعة مثل التعذيب في السجون وأقسام الشرطة، وأحيانًا مقار أمن الدولة، والإصلاح القانوني والدستوري.

المبادرة تتحول في سنوات إدارة بهجت، وبفضل طريقة عمله البحثية الصارمة، إلى مؤسسة تنتج أكثر التقارير مصداقية عن مصر، وواحدة من أهم المؤسسات الحقوقية المحلية التي تضم أفضل الباحثين المصريين في مجال الحقوق الشخصية، قبل أن تتوسع عقب ثورة يناير لتضم حقوق السكن والبيئة والتعليم والصحة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات الدينية.

منتقلًا من مجال عمله، الذي يتيح له البقاء الأبدي في منصبه كمدير تنفيذي للـ «المبادرة»، إلى تحدٍ جديد في وقت يشهد صعوبة بالغة في حرية العمل العام.. في العام ٢٠١٣ يترك «المبادرة» زميلًا إلى كلية الصحافة بجامعة كولومبيا الأمريكية لمدة عام، قبل أن يقرر العودة مرة أخرى إلى مصر صحافيًا للتحقيقات في موقع «مدى مصر».

قرار العودة كان مؤشرًا بالغ الدلالة على القرارات التي سيتخذها الصحافي فيما بعد: موقع إلكتروني مستقلّ وغير معروف على نطاق واسع، ينتج فيه مجموعة من التحقيقات الاستقصائية كانت حديث وسائل إعلام ما يُطلق عليه “التيار الرئيسي”، قبل أن يساهم مع رئيسة تحرير الموقع، الصحافية لينا عطا الله، في نشر “وثائق السعودية” التي سربها موقع ويكيليكس عن الدولة القوية والحليفة للنظام المصري بعد ٣ يوليو، لتكون الوسيلة الإعلامية المصرية الوحيدة التي تتجرأ على نشر كواليس السياسة الخارجية السعودية في مصر والعالم بكل ما فيها من شراء تأثير سياسي وإعلامي بمال النفط.

هنا تظهر أهمية العمل في وسيلة إعلامية لديها هامش كبير من حرية النشر، وهامش يكاد يكون معدومًا من الحسابات السياسية المركبة التي يتميز بها المشهد الإعلامي والسياسي والمالي في مصر حاليًا.

ينتج بهجت مجموعة من التحقيقات الاستقصائية الهامة في عام واحد فقط يعتمد في معظمها على أوراق تحقيقات قضائية رسمية سواء كانت مدنية أو عسكرية، لكن واحدًا من هذه القطع الصحفية يدفع به  الآن إلى أحد السجون الحربية متهمًا في قضية نشر.

قبل نحو شهر، قرر النشر معتمدًا، على غير عادة كتابته، أسلوبًا تقريريًا منزوع الوصف والقصص التي توضّح الأبعاد الإنسانية الأعمق لأبطال قصته الصحفية، قال عنه، لكاتب المقال، أنه كان مقصودًا لتجنب أي مساحة للتأويل قد تفتح ثغرة، فيما بعد، في قوة موقفه القانوني كمحقق صحافيّ يعرف أنه يخوض في مساحة جديدة للنشر، أعلى كثيرًا من السقف المتاح للصحافة المصرية في الوقت الحالي.

النيابة العسكرية التي حققت معه حتى ساعة متأخرة من مساء أمس، بعد استجواب في مقر المخابرات الحربية في ضاحية مدينة نصر، شرقي القاهرة، تقول أن التوصيف القانوني للقضية “نشر أخبار وبيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة وإشاعات من شأنها تكدير السلم العام” ، وتصدر قرارها صباح اليوم دون حضور “المتهم” بحبسه أربعة أيام على ذمة القضيّة.

الساعات التي قضاها حسام أمس الأحد في مقر المخابرات الحربية مجيبًا علي تساؤلات الضباط المحققين عن تقريره الاستقصائي في أوراق قضية تخطيط ضباط، آخرين، للانقلاب على سلطة الرئيس عبد الفتاح السيسي، كانت كفيلة بأن يتحول إلى بؤرة اهتمام محلي ودولي نظرًا لمكانته الكبيرة كحقوقي، بجانب القيمة التي خلقها لنفسه في مجال الصحافة في فترة قصيرة.

يذهب الصحافي إلى استدعاء «المخابرات» دون إحداث دويّ استباقي توقّعه لو قرر نشر الاستدعاء يوم وصوله، مكتفيًا بنشر قصيدة “لا مشكلة لديّ” للشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، علي صفحته بموقع فيسبوك، متكئًا على منطق وحيد بدا له كافيًا: نشرتُ تحقيقًا صحافيًا معتمدًا على أوراق رسمية وأنْ “لا مشكلة لديه” فكل شيئ قانوني، لكنّ ضباط المخابرات الحربية، والمحقق العسكري، جميعهم، كان له رأي آخر: جنحة عسكرية.