فاجأ البنك المركزي المصري ممثلي البنوك المصرية يوم الاربعاء، 11 نوفمبر/ نشرين ثاني، بقراره خفض سعر صرف الدولار، لتصبح قيمته 7,73 جنيها مصريا، حيث كان من المتوقع أن يحدث العكس بعد أسابيع من محاولات المركزي للإبقاء على سعر صرف الدولار مستقراً عند مبلغ 7,93 جنيها.
فاجأ البنك المركزي المصري ممثلي البنوك المصرية يوم الاربعاء، 11 نوفمبر/ نشرين ثاني، بقراره خفض سعر صرف الدولار، لتصبح قيمته 7,73 جنيها مصريا، حيث كان من المتوقع أن يحدث العكس بعد أسابيع من محاولات المركزي للإبقاء على سعر صرف الدولار مستقراً عند مبلغ 7,93 جنيها.
كان المركزي ينظم ثلاثة عطاءات أسبوعية لبيع الدولار للبنوك المصرية، وذلك للحفاظ على قيمة ثابتة لسعر الصرف مع السماح للبنوك المصرية بحرية حركة في البيع والشراء بقيمة 10 قروش، بينما تزيد هذه القمية إلى 15 قرشا بالنسبة لشركات الصرافة، لكن خطوة التخفيض المفاجئة جاءت بعدما دفعت حركة الدولار كافة الأسعار بالسوق المصري لأعلى، كموجة لا تعرف أي هبوط.
زادت كل الأسعار، خاصة السلع الداخل في صناعتها خامات المستودة، فقد تأثرت السلع الغذائية مثل البيض والدجاج لأن أغلب خامات صناعة الدواجن مستوردة بنسبة 90%، سواء العلف أو اللقاحات. كما تصب موجة الغلاء آثارها على الخضروات والفاكهة كذلك.
داخل محل لبيع الخضروات والفاكهة بمدينة السادس من أكتوبر، غرب الجيزة، كانت الحركة نشطة، يقلب الجميع في أكوام البضاعة المتراصة أو الوافدة على سيارة نقل متوسطة الحجم إلى داخل المحل. تعتبر فاتورة الخضروات والفاكهة الأضخم شهرياً، خاصة أن أحدث زيادة مسجلة لأسعار الخضروات كانت 19,95% خلال الشهر قبل الماضي.
تأكل هذه المنتجات سريعة التلف أموال المصريين لأنها كثيرة التقلب بشكل يزيد من أسعارها. بين أجولة وأكوام الثمار يسأل البعض دون أن يلتفت للبائع عن سعر الكيلو جرام من هذا أو هذه. لا أحد يغادر المحل إلا إذا كان قد دفع ما يتجاوز ورقة من فئة المائة جنيه أو ورقتين إذا توّسع في شراء فاكهة مثل المانجو أو الخوج اليوناني مثلا. يصل معدل ما تصرفه الأسرة المصرية سنوياً، حسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، لما يزيد عن 26 ألف جنيها.. أي حوالي 2400 دولار.
يعمل محمد حجازي في بيع عِدد ومستلزمات تشغيل المعادن، ويقيم بحدائق الأهرام، الواقعة جنوب مدينة السادس من أكتوبر، عند لقاء بين طريقي القاهرة – الفيوم والقاهرة – الواحات. يقارن حجازي بين الأسعار هنا ومدينته المنزلة (شرق دلتا النيل)، ويرى أن زيادة الأسعار غير منطقية، ما يدفعه لجلب الخضروات والفاكهة والأسماك كذلك من مدينته، التي يتردد عليها أسبوعيا.
أثر الخضروات!
تدخل القاهرة أكوام من الخضار والفاكهة يومياً، وإذا تعطلت أو تأخرت بسبب الأمطار وسوء الأحوال الجوية فإن زيادة جديدة ستطرأ. يحدث هذا بينما لا يلتفت البنك المركزي المصري عند تقديره لمعدل التضخم الأساسي لأي من هذه السلع، أو معاناة المواطن المصري مع الزيادات الدائمة لها. كما يستبعد كافة السلع التي ترتفع بعنف، إلى جانب الخدمات المحددة بشكل إداراي مثل استخدام الكهرباء ومياه الشرب، والمحددة قيمتهما عن طريق شركات مملوكة للدولة.
يشعر حجازي وهو أب لأربعة من الأبناء، ثلاثة منهم ذكور تتوسطهم ابنة طالبة بالمرحلة الجامعية، أن أوضاع البلاد الاقتصادية غير مطمئنة، لهذا شجع ولده الأكبر، وعمره 23 عاماً، للسفر للعمل بالمملكة العربية السعودية للعمل كسائق وبائع منتجات غذائية، أما بقية أبناء حجازي فيعاونونه في العمل، إلى جانب دراستهم.
من جانبه يعتبر محمد سلطان، الباحث المتخصص في الشأن الاقتصادي، أن السياسات النقدية للبنك المركزي تتجاهل كافة الأعباء الاقتصادية الضاغظة على المواطن. يعتبر سلطان أن من الصعب أن نذهب للاقتصاد بأسئلة درامية، لأنه علم لا يعرف الدارما، كما يوضح :”البنك المركزي عند حسابه للتضخم الأساسي يقوم بإلغاء كل السلع الأكثر تذبذبا حتى يكون حسابه دقيقا. لكن إذا كانت هذه السلع هي أكثر ما يصرف فيه المصريين أموالهم كيف يمكن أن نعتبر هذه العملية الحسابية دقيقة؟!”.
كم جنيها مقابل الدولار؟
تأمل خطط السياسات النقدية يصنع الوهم بأن حياة كل مواطن مصري تدور داخل إحصائية، لكن يصعب تخيل أن حيوات أكثر من 89 مليون مصري بكل ما بها من تخبط واختلافات يمكن أن تحصر في هذه الإحصائية. قد يعاني الجميع من التضخم، لكن هذه المعاناة تختلف من أسرة لأخرى.. لهذا فإن المؤشر الأكثر صدقاً هو سعر صرف الدولار.
ينظم المركزي ثلاثة عطاءات أسبوعيا لطرح الدولار على البنوك المصرية، واظب خلالها على عرض 40 مليون دولارا، منذ أواخر شهر أكتوبر/ تشرين أول الماضي ليبقى سعر الدولار مستقرا عند مبلغ 7,39 جنيها، لكن قراره الأخير بخفض سعر الصرف يأتي على حساب حصيلة مصر من الدولار فبينما كانت 18,09 مليارا في أغسطس / آب الماضي، وصلت إلى 16,4 مليارا مع نهاية شهر أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وإن كان ذلك يمثل زيادة عن الشهر السابق له بقيمة 80 مليون دولارا، فقد كان الاحتياطي النقدي من الدولار 35 مليارا قبل ثورة 2011.
لا يعرف الدراما
يقدم حجازي تفسيراً لزيادة الأسعار، ارتفاع الدولار، والتضخم كذلك، حيث يقول : “كل هذا بدأ مع شهادات قناة السويس!”. كان البنك المركزي قد أعلن في 4 سبتمبر/ أيلول 2014 عن شهادات استثمار لمدة خمس سنوات، بسعر فائدة قيمته 12%، لفئات 10، 100، 1000 جنيها، وذلك من أجل تمويل عملية تعميق المجري الملاحي لقناة السويس ليكون 24 مترا، وشق تفريعة جديدة طولها 34 كيلومترا، وخلال ثمانية أيام أقبل المصريون على شراء هذه الشهادات بكثافة. لكن هذه الخطوة سحبت كل أموال المصريين السائلة، وقد قدرت بـ 61 مليار جنيها، وذهبت بها للدولة. يرى حجازي أن هذه الأموال كانت رأس مال أي نشاط اقتصادي صغير، ويوضح:”النتيجة أن السوق نائم الآن”.
يعيش المصريون فقرة جديدة من رحلة شقائهم الأبدية، حيث لا تقدم أرقام الاقتصاد حلا لعذابهم، ولا تفسيرات السياسة كذلك، حيث أطلقت كل الأسعار في الهواء لتطير لأعلى، بينما لم تنعكس آثار التخفيض الأحدث على حياتهم بعد. في الختام يقول حجازي لمراسلون :”طالب الرئيس مؤخرا التجار أن يخرجوا السلع من المخازن حتى تنخفض الأسعار، وهذا مستحيل. لا أحد يشترى من الأساس”، لكن يبدو أن القروش المضافة للعملة المحلية في مواجهة نظيرتها الأمريكية تلبية “لتنبؤ” السيسي بشأن الأسعار.