المساحات القليلة المزروعة في محافظة شمال سيناء آخذة في التآكل بفعل الحرب الدائرة حاليا بين قوات الأمن والجماعات المسلّحة. ويزيد من تفاقم الأزمة خطورة الطرق وعدم توافر الكهرباء اللازمة لسحب المياه من الآبار.

وتبلغ مساحة الأراضي القابلة للزراعة في محافظة شمال شيناء حوالي 128 ألف فدان، أما ما يزرع منها، ومعظمه بالقمح والبرسيم، فلا يتجاوز  21 ألف فدان فقط، يتم ريها عن طريق الآبار، طبقا للإحصائية الرسمية الصادرة عن جهاز تنمية شمال سيناء.

المساحات القليلة المزروعة في محافظة شمال سيناء آخذة في التآكل بفعل الحرب الدائرة حاليا بين قوات الأمن والجماعات المسلّحة. ويزيد من تفاقم الأزمة خطورة الطرق وعدم توافر الكهرباء اللازمة لسحب المياه من الآبار.

وتبلغ مساحة الأراضي القابلة للزراعة في محافظة شمال شيناء حوالي 128 ألف فدان، أما ما يزرع منها، ومعظمه بالقمح والبرسيم، فلا يتجاوز  21 ألف فدان فقط، يتم ريها عن طريق الآبار، طبقا للإحصائية الرسمية الصادرة عن جهاز تنمية شمال سيناء.

البداية

عمار علوش رجب البالغ من العمر 40 عاما، ذو بشرة شديدة السمرة تكسوها طبقة من الحمرة الناجمة عن الجلوس في الشمس لوقت طويل. يجلس عمار، وسط أرضه الكائنة بمنطقة رفح شمال العريش، ويبدو عليه الوهن، تماماً مثل أرضه التي أصابها الجفاف، فابتلع نصف المحصول من القمح والبرسيم. النصف الأخر قام ببيعه بسعر قليل جدا، حتى يتفادى خسارة المحصول بالكامل.

عمار ورث قطعة أرضه البالغ مساحتها 5 أفدنه أبا عن جد وورث أيضا مهنة الزراعة عنهم. لكن في الفترة الأخيرة أصبح هناك أزمة تلاحقهم كمزارعين بسبب الوضع الأمني الذي تعانيه محافظة شمال سيناء من الهجمات الإرهابية المستمرة من قبل الجماعات التكفيرية.

يقول عمار “الحرب خلقت لنا أزمات كثيرة منها عدم تمكننا من بيع محاصيلنا بسبب عزوف التجار عن الشراء من شمال سيناء. فبضائعنا تخضع لتفتيش دقيق حال خروجها من العريش وكذلك دخول سيارات النقل إلي المدينة، تحسبا لأية عمليات إرهابية، فضلا عن أن المحصول البسيط الذي يبقي لنا بعد بوار نصف الأرض نبيعه بالسعر الرخيص حتى نعيش فقط”.  

يوضح عمار، أن أرضه كانت تنتج ثمارا جيدا من القمح والبرسيم وكان يعيش بالدخل الذي يحصله نتاج زراعته هو و أسرته و أولاده الثلاث بشكل جيد ولكن بعد ازدياد الوضع الأمني بشكل سيئ، فقد نصف المحصول بسبب فتح المياه مرة واحدة كل 4 أيام.

ويمضي قائلا “كنت أقوم بتجميع الماء عندما تأتي داخل الخزانات ولكنها لم تكفي بالطبع لري الأرض، مما جعل المحصول يجف و أفقد نصفه علي الأقل وما تبقي قمت ببيعه لتجار داخل العريش ولكن بسعر قليل جدا بسبب حالنا في سيناء”.

لا طرق ولا كهرباء

إحدى مشاكل المزارعين الرئيسة كما يرى عمار هي عدم تقنين وضع الكهرباء من أجل تركيب مضخات على الآبار لري الأراضي، وأدت تلك المشكلة إلى بوار الأرض الزراعية، وعزوف المزارعين عن الاهتمام بالزراعة  وبيع أراضيهم بأسعار قليلة و استبدالها بمزارع تربية الماشية حتى يعوضوا خسائرهم من الزراعة التي باتت مهددة بالانقراض.

والمشكلة الأخرى هي مشكلة الطرق الرملية غير الممهدة وغير الصالحة للسير عليها وتفتقد الإنارة، مما يجعل أصحاب السيارات يخشون على سياراتهم من الدخول فيها، وأيضا بسبب وجود الكمائن الأمنية بشكل مستمر عليها استعدادا لمهاجمة الإرهابيين الذين يهربون من خلال تلك الطرق.

كذلك تواجه الزراعة صعوبات أخرى حسب عمار وهي عدم توافر المبيدات الكيماوية بصفة مستمرة بمديرية الزراعة بشمال سيناء، مشيرا إلي أن ذلك “يجعلنا نقوم بشرائها بالأسعار الحرة المرتفعة من السوق السوداء، مما يجعلنا نخسر بشكل كبير”.

تجاهل

عبد الهادي حجازي، نقيب الفلاحين بمحافظة شمال سيناء، يؤكد أن سيناء تعاني من وجود أزمة حقيقية في الزراعة بل فقدت نصف زراعتها بسبب مشاكل حيوية لم يجد المسئولين لها حلا بل ألقوا بها علي عاتق سوء الأوضاع الأمنية لكي يتخلصوا من المشكلة.

يقول حجازي، إن الزراعة هناك تواجه مشكلة حقيقية وهى عدم وجود ماء للري، مما تسبب في بوار الأراضي الزراعية وتكبد خسائر فادحة للمزارعين، مؤكدا  أنه أيضا من أسباب المشاكل التي تعيق الزراعة هي عدم تقنين وضع الكهرباء للمزارعين.

يضيف حجازي، أن رفع مياه الآبار بالمزارع يتم باستخدام مواتير كهربائية، وبدلًا من أن يسعى مسئولو شركة الكهرباء لتقنين أوضاع المزارعين يحررون لهم محاضر سرقة للكهرباء وتصل غرامتها إلى نحو 10 آلاف جنيه، مؤكدا أن ذلك جعل المزارعين يبيعون أراضيهم ويتجهون للبحث عن مهن بديلة تعوضهم عن الخسائر.

“كلنا ضحية الإرهاب”

يقول سويلم عبد القادر، صاحب أحد المزارع بمنطقة الشيخ زويد، أن كلنا ضحية الإرهاب الذي يحدث من قبل تجار الدين الجماعات التكفيرية والجهادية التي تقوم بقتل أولادنا من الجيش والشرطة والبدو أيضا، مؤكدا أن الزراعة تعانى بسبب الحرب الدائرة بين الارهابين من ناحية ومن ناحية أخري الحكومة ونحن الضحية.

ويوضح عبد القادر، أن بسبب تلك الأوضاع توقفت الزراعة بشكل كبير في المنطقة بسبب عدم وجود توافر مياه للزراعة ولا كهرباء لتشغيل المواتير ولا طرق أمنة لنقل بضائعنا، مما جعل بعض المزارعين يتوقفون عن الزراعة هذه الفترة أملين في القضاء علي الإرهابيين حتى العودة مجددا للزراعة و الجزء الأخر باعوا أراضيهم وقاموا بشراء مزارع للماشية حتى تكون تجارة بديلة للزراعة وتعوضهم عن خسائرهم.

من المسئول؟

المهندس عاطف مطر، وكيل وزارة الزراعة بشمال سيناء، يؤكد أنه لا توجد أية مشاكل بالنسبة لتوافر وصول المياه للأراضي الزراعية المتواجدة بالمحافظة، مشيرا إلي أن ري الأراضي يتم من خلال الآبار والمتواجدة بكثرة بأنحاء المدينة ولا مشاكل فيها.

يؤكد مطر،  أن كل المشكلة توجد في شركة الكهرباء وهي المسئولة عن تشغيل مواتير الآبار بشكل يسمح للري الجيد للزراعات، موضحا أنه جاري حل تلك المشكلة بالمشاركة مع المحافظة ووزارة الكهرباء المزارعين من أجل تقنين كل أوضاع المزارعين الذين يعانون من تلك المشكلة.

ويشير مطر، إلي أن مديرية الزراعة تفتح بابها لأي مزارع لدية مشكلة و أنها تقوم بتوفير التقاوي الخاصة بالزراعة لكل المزارعين، مؤكدا أن هناك 21 ألف فدان زراعي على مستوى شمال سيناء، يتم ريهم عن طريق الآبار التي تعمل بالكهرباء دون مشاكل.

عمار علوش توقف الآن عن الزراعة بشكل مؤقت وحتى أن تستقر الأوضاع في شمال سيناء، واتجه إلى تجارة وتربية الماشية لأنه بالفعل يملك عددا من الماشية يقوم بالاتجار فيهم حتى يتحصل علي أموال يتمكن من خلالها العيش وتوفير كل ما تحتاجه أسرته من طعام وشراب.

وفي النهاية يخامر عمار الأمل في العودة إلى مهنته، ويختم حديثه مطالبا وزارات الزراعة والري والكهرباء بسرعة توصيل المياه والكهرباء لمزارعهم للنهوض بالزراعة وعدم تهميش وتجاهل الفلاح السيناوي من أجل أن يشعر بأنه مواطن مصري كأي مواطن يقيم في أي محافظة أخرى.