لم يفكر المواطن التونسي عمار للحظة واحدة أن ينتهي به سفره إلى ليبيا صباح الثاني عشر من شهر أكتوبر/تشرين الثاني الجاري إلى الاختطاف والاحتجاز كرهينة في معسكر قديم في مدينة صبراتة.

في صباح ذلك اليوم استقل عمار وستة من أصدقائه سيارة أجرة انطلاقاً من مدينة صفاقس (جنوب تونس) في اتجاه مدينة صبراتة الليبية للالتحاق بالعمل في إحدى الشركات النفطية. 

لم يفكر المواطن التونسي عمار للحظة واحدة أن ينتهي به سفره إلى ليبيا صباح الثاني عشر من شهر أكتوبر/تشرين الثاني الجاري إلى الاختطاف والاحتجاز كرهينة في معسكر قديم في مدينة صبراتة.

في صباح ذلك اليوم استقل عمار وستة من أصدقائه سيارة أجرة انطلاقاً من مدينة صفاقس (جنوب تونس) في اتجاه مدينة صبراتة الليبية للالتحاق بالعمل في إحدى الشركات النفطية. 

هي ليست المرة الأولى التي يتجه فيها الرجل إلى ليبيا فقد سبق له العمل هناك لسنوات طويلة قبل أن يقرر الاستقرار في مسقط رأسه في إحدى قرى محافظة صفاقس إثر زواجه منذ سنوات قليلة.

لكن ضيق الحال وهشاشة وضعه الاجتماعي دفعاه مجددا لاختيار السفر إلى ليبيا من أجل العمل هناك في إحدى الشركات البترولية رغم معرفته الدقيقة بالظروف الأمنية الصعبة التي تمر بها ليبيا.

يقول عمار لـ”مراسلون” إنه كان على قناعة بأن الداخل إلى ليبيا مفقود وأن الخارج منها مولود بسبب الوضع المتردي الذي باتت عليه بعد أن سيطرت ميليشيات مسلحة على البلاد وتعطّل الحل السياسي.

لكن إصراره على مساعدة عائلته دفعه إلى تجاهل تلك المخاطر والمضي قدما نحو رحلة انتهت باعتقاله على مشارف مدينة صبراتة التي تخضع لسيطرة تحالف “فجر ليبيا”.

يقول عمار “عند وصولنا إلى بوابة تدعى بوابة النجمة والهلال في مدينة صبراتة استوقفنا عسكريون أمروا سائق سيارة الأجرة التوقّف على اليمين وطلبوا منا النزول جميعا من السيارة ومرافقتهم”.

لم يكن عمار ورفاقه يعلمون بأن إيقافهم لا يتعلق في واقع الأمر بالتثبت في هويتهم وأنهم وقعوا في قبضة ميليشيا كانت تخطط لاختطاف تونسيين لمقايضة حريتهم بإطلاق سراح موقوف ليبي في تونس.

“لم نفهم في البداية سبب إيقافنا لكن بمجرد اقتيادنا لمعتقل كبير وجدنا نحو عشرين عاملا تونسيا هناك تم إلقاء القبض عليهم قبلنا بشكل عشوائي وتم نقلهم للمعتقل إلى حين استرجاع صديقهم” يقول عمار.

تم إعلام التونسيين بعد نقلهم للمعتقل بأنهم أصبحوا رهائن إلى حين إفراج السلطات التونسية عن عميد بلدية صبراطة مفتاح الذوادي الذي تم إيقافه للاشتباه في تورطه في أعمال إرهابية.

بعد ساعات من الانتظار والخوف من مصير مجهول تم السماح للرهائن التونسيين بالتواصل مع عائلاتهم ومع وسائل الإعلام عن طريق هواتفهم لإبلاغ رسالة إلى السلطات بأن العملية ليست اختطافاً.

في ذلك الوقت كان أحد الرهائن يتصل مباشرة بإذاعة تونسية وحين سألته المذيعة عن عدد المحتجزين أخبرها بأن العدد لا يتجاوز الثمانين محتجزا لكن أحد الخاطفين أشار له بإصبعه بأن يرفّع العدد.

تناقلت وسائل الإعلام التونسية على مدار الساعة حادثة اختطاف التونسيين في ليبيا وأجمعت بأن العدد لا يقل عن 300 تونسي وأن الخاطفين كانوا يطالبون بمقايضتهم مع أحد قادة تنظيم “فجر ليبيا”.

بعد ساعات من تلك الحادثة أرسلت شركة النفط التي توجه التونسيون للعمل إليها مدير المصفاة بالشركة وهو ابن المنطقة التي يجري فيها احتجاز الرهائن ليطلب تحريرهم لكن الخاطفون رفضوا.

كان من ضمن المعتقلين ثلاث تونسيات وكان الجميع في وضع معنوي صعب في ظل ما تتناقله الأخبار عن غياب الدولة والقانون في ليبيا. لكن عمار قال بأن المعتقلين لم يتعرضوا للإهانة أو العنف باستثناء عسكري واحد حاول الصراخ فيهم في بداية الاحتجاز وتعمد شتمهم ثم اعتذر لاحقا.

داخل المعتقل في مدينة صبراتة افترش المحتجزون الأرضية الاسفلتية ليستريحوا عليها، غير أن الخاطفين سرعان ما أمروهم بالنهوض لمغادرة المكان نحو معتقل آخر مهجور في ضواحي صبراتة.

“لقد تسرب الخوف والرعب إلى قلوبنا وهم يخرجوننا في الظلام الحالك من المعتقل الأول الذي كنا فيه إلى وجهة أخرى غير معلومة ثم علمنا فيما بعد بأننا متجهون إلى معسكر قديم للجيش الليبي” يقول عمار.

ويضيف مستذكرا المعاناة التي عاشها مع بقية المخطوفين التونسيين “لقد أمضينا ليلتنا هناك في المعتقل. كانت ليلة طويلة جدا. لم نستطع النوم من شدة الخوف رغم أننا كنا منهكين من التعب”.

في اليوم التالي بينما كان الرهائن التونسيين محتجين في قبضة إحدى ميليشيات صبراتة كان مواطنون تونسيون في مدينة بن قردان على الحدود التونسية الليبية يعتصمون منددين بعملية الاختطاف.

يقول عمار إن الخاطفين أعلموهم بأنه سيتم إطلاق سراحهم قريبا وأن عليهم أن يتحدثوا بنزاهة لوسائل الإعلام عن ظروف اعتقالهم وإن كانوا شاهدوا تونسيين يتدربون على السلاح في مدينتهم.

بعد يوم من عملية الاختطاف تم إطلاق سراح التونسيين المحتجزين الذين نقلهم مدير المصفاة إلى الشركة التي كانوا يعتزمون العمل فيها، لكن عمار قرر العودة إلى تونس بعد ما عاينه من فوضى.

ويقول “في الحقيقة الوضع في ليبيا غير آمن بتاتا فالمسلحون هناك ينتشرون بكثرة في أماكن عديدة وباستطاعة المسلّح أن ينقلب مزاجه في أية لحظة خاصة في حال كان يستهلك القنب الهندي (حشيشة الكيف)”.

هكذا انتهت مغامرة عمار في مدينة صبراتة الليبية لكنها لم تنته بالنسبة إلى تونسيين آخرين يتواجد بعضهم في بعض المعتقلات السرية رهن الاختطاف القسري دون توفر أي معلومات حول مصيرهم.

ولطالما اعتمدت ميليشيات مسلحة منتشرة في مناطق مختلفة غرب ليبيا على عمليات اختطاف العمال التونسيين من أجل مقايضة حريتهم مقابل إطلاق سراح مواطنين ليبيين مطلوبين للعدالة في تونس.

وفي شهر أبريل/نيسان الماضي اقتحمت ميلشيات ليبية مقر القنصلية التونسية في طرابلس واحتجزت طاقمها الديبلوماسي لمقايضتهم بالقيادي في فجر ليبيا وليد الڤليب. وبعد أخذ ورد مع السلطات التونسية تم القبول بتبادل إطلاق الرهائن.

يقول الديبلوماسي السابق والمحلل السياسي عبد الله العبيدي لـ”مراسلون” إن غياب مؤسسات الدولة في ليبيا والانفلات الأمني الكبير جعل مهمة الديبلوماسية التونسية صعبة للغاية في ليبيا.

ويضيف بأن استعدادات تونس لفض الإشكاليات المتعلقة بجاليتها في ليبيا تكون حسب إمكانياتها، مبينا أنها عادة ما تلجأ إلى وساطة بعض الشخصيات أو التحاور مع الخاطفين أنفسهم لإنقاذ الموقف.