ظهر العنف الإسلامي المسلح أول مرة في بداية التسعينات (1993) بعد عودة مئات الشباب الليبيين من أفغانستان بعد مشاركتهم في “الحرب الجهادية” ضد الغزو السوفياتي متأثرين بتجربتهم الحربية وبأفكار الشيخ عبد الله عزام الإخواني (الفلسطيني)، حالمين بإقامة دولة الخلافة الإسلامية على أنقاض نظام العقيد معمر القذافي.

نشط  أبو عبد الله الصادق، وهو الاسم الحركي الجهادي لعبد الحكيم بلحاج (أحد أبرز أمراء الحرب المسيطرين على طرابلس الآن) في تجميع الأفغان الليبيين العائدين تحت راية “الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة”.

ظهر العنف الإسلامي المسلح أول مرة في بداية التسعينات (1993) بعد عودة مئات الشباب الليبيين من أفغانستان بعد مشاركتهم في “الحرب الجهادية” ضد الغزو السوفياتي متأثرين بتجربتهم الحربية وبأفكار الشيخ عبد الله عزام الإخواني (الفلسطيني)، حالمين بإقامة دولة الخلافة الإسلامية على أنقاض نظام العقيد معمر القذافي.

نشط  أبو عبد الله الصادق، وهو الاسم الحركي الجهادي لعبد الحكيم بلحاج (أحد أبرز أمراء الحرب المسيطرين على طرابلس الآن) في تجميع الأفغان الليبيين العائدين تحت راية “الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة”.

واختاروا أن تكون منطقة الجبل الأخضر معقلاً ومنطلقاً لحربهم الجهادية ضد الديكتاتور القذافي، لأنها بيئة جبلية وعرة وبالتالي مناسبة لحرب العصابات، مستلهمين تجربة عمر المختار في مجاهدة الاحتلال الإيطالي الفاشي لعشرين سنة متواصلة في تلك الجبال.

ثم أن المنطقة بإقليمها (برقة) كانت المركز التأسيسي للحركة السنوسية، وحاضنتها من القبائل المناصرة لها كطريقة دينية جهادية ثم تحولها إلى نظام ملكي حكم ليبيا منذ الاستقلال في 1951 وحتى انقلاب القذافي 1969.

بهذا المعنى تشكلت حاضنة اجتماعية واسعة للجماعة الجهادية (الجماعة الإسلامية اللليبية المقاتلة) في المنطقة الشرقية. ومفهوم الحاضنة هنا يأتي بمعنى المساندة المادية الحذرة والتأييد المعنوي الصامت ولم يتطور إلى مشاركة شعبية مسلحة.

ولم يكن تأييد الحاضنة يعني الالتزام الديني/الايديولوجي بفكر الجماعة المقاتلة بالضرورة. وكذلك لم تكن الجماعة المقاتلة معنية بفرض مشروعها العقائدي على المجتمع أو تكفيره. فقد تركّز مشروعها الجهادي على محاربة النظام، ليس باعتبار القذافي طاغية فحسب، إنما أيضاً بحسبانه كافرا كفراً بواحا في نظرهم، استنادا إلى فتاوى كثيرة صادرة عن كبار فقهاء الوهابية المشهورين في السعودية وغيرها.

أدرك القذافي أنه يواجه، لأول مرة، مقاومة مسلحة تتخذ شكل حرب عصابات داخل المدن وفي أوعار الجبل الأخضر، تستهدف بصورة فعلية وجدية الإطاحة به ونظامه. فحاربهم بضراوة وحشية لأربع سنوات داخل المدن التي يتمركزون فيها (درنة، بنغازي، اجدابيا) وقصفهم بالطيران في مخابئهم بوديان الجبل الأخضر ولم يتورع عن استخدام قنابل النابلم والغازات السامة. وسنّ قانونا فاشياً (العام 1997) يقضي بفرض عقوبات جماعية قاسية بحق عائلات وأقارب وقبائل وحتى جيران المتهمين بمعارضتهم لنظامه.

ويمكن القول أن القذافي تمكّن عملياً العام 1999 من القضاء على الحركة المسلحة للجماعة المقاتلة كتنظيم مترابط بسلسلة قيادية. فقُتل المئات منهم وسُجن الألوف وهاجر كثيرون إلى خارج البلاد إلى أفغانستان وباكستان والسودان وغيرها. وشاهدة هي “مذبحة سجن أبو سليم” التي قُتل فيها أكثر من ألف ومائتي معتقل سياسي (إسلامي) خلال بضع ساعات قليلة يوم 29 حزيران/تموز 1996.

وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 دُفنت جثث كثيرة وجرت دماء غزيرة تحت أنقاض برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك. وإذ أصبح اصبع اتهام العم سام بالإرهاب موجها لأفراد ودول في أرجاء العالم الإسلامي تحديداً، خشي القذافي من العقاب الأمريكي على ما ارتكبه سابقا من أعمال إرهابية (وثائق كثيرة تؤكد ما حلّ به من خوف شديد آنذاك) حتى أنه أظهر نفسه في عرض تليفزيوني وهو يتبرع بدمه الشخصي لصالح المصابين في أمريكا وهاتف صديقه بيرلسكوني طالبا منه أن يهاتف بوش الابن ويبلغه عن استعداده التام للمشاركة في الحرب على الإرهاب وتزويد المخابرات الأمريكية بكل ما لديه من أسماء جماعات وأفراد حول العالم.

وبعد سقوط بغداد تطوع بتفكيك برنامجه النووي وتسليم معداته ووثائقه بالكامل. بل وتحمل كلفة نقلها إلى أمريكا. وبالمقابل تعاونت المخابرات الأمريكية والبريطانية مع القذافي في تسليمه عناصر “الجماعة الليبية المقاتلة” الذين قبضت عليهم خارج ليبيا.

وعليه تسلم نظام القذافي من المخابرات الأمريكية العام 2005 أمير الجماعة أبو عبد الله الصادق (عبد الحكيم بلحاج) وأبو المنذر الساعدي (سامي الساعدي/ المسؤول الشرعي). قُبض على الأول في تايلاند والثاني في هونج كونج. وفي العام 2006 تم شطب ليبيا من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وبعدما شعر القذافي أنه قد أعيد تأهيله كعضو مرحب به في المجتمع الدولي، لا سيما وقد توافد على خيمته قادة بريطانيا وألمانيا وفرنسا.. وقد فرح فرحا شديدا أشبه بالمُغَرم بزيارة كوندليزا رايس له في طرابلس.

هكذا شعر القذافي أنه قد نجح، وهو نجح فعلا، في إنقاذ نفسه من عواقب ملفات الإرهاب الخارجي بدفع التعويضات المليارية. وأراد أن يقفل ملف إرهابه الداخلي المتصل بـ”مذبحة سجن بوسليم” وما تبقى من سجناء (إسلاميين). فلجأ إلى صفقة “المراجعات”على طريقة مراجعات الإسلاميين في سجون الأردن إلى مصر والجزائر والمغرب والسعودية واستعان في ذلك بشيوخ سعوديين من الذين سبق وكفروه ثم عادوا يمدحونه بعد أن أصبحت السعودية (من خلال الأمير بندر بن سلطان) عراب حل قضية لوكربي.

كما استعان بيوسف القرضاوي فقيه الإخوان الشرعي وواجهة قطر الدينية كسوبر ديني ستار في قناة الجزيرة. وإليهم استعان بشيوخ ليبيين مثل الإخواني على الصلابي والسلفي الصادق الغرياني (مفتى ليبيا الآن) وكذلك عثمان بن نعمان رفيقهم القديم في أفغانستان والتائب بعد 11 سبتمبر (هو الآن رئيس معهد كوليم للدراسات ومكافحة الارهاب ـ لندن).

وكانت النتيجة تعبيراً عن صفقة بين الطاغية السجان المُكفَّر وسجنائه مكفِّريه. تم بموجبها إطلاق سراحهم مقابل إعلان توبتهم وامتثالهم لولي الأمر (القذافي). وبالتالي انتقلت حاضنتهم من المستوى الاجتماعي الذي تعرض منها أفراد وعائلات وبل مدن لعقوبات جماعية قاسية من أجلهم، ليصبحوا في رعاية حاضنة أمنية تقدم لهم التعويضات المالية وتعيدهم إلى أعمالهم أو توفر لهم أعمالاً بعدما ألفوا ونشروا كتاب «دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس» يقع في 414، زبدته طلب العفو عند مقدرة الطاغية.

وفي مقال تال سوف نتناول بالتقصي والفحص كيف أن “الجماعة الجهادية” نفسها التي أدانت فقهها الجهادي في مراجعات تصحيحية زمن الطاغية، سوف تعود بعد 17 شباط/فبراير 2011 إلى التنصل من أصل هذه المراجعات وفصلها طامحة وطامعة في إحياء مشروع إمارتها المنشودة.

لكن الحاضنة الاجتماعية التي رعتهم بشكل أو بآخر أوان مجاهدتهم لنظام القذافي الاستبدادي، سوف تعاني من فوضاهم العنيفة لاحقاً..