رغم إدراكهم للخطر المحيط بهم لم يتوقع أهالي تلك المنطقة الفقيرة على الحدود التونسية الجزائرية أن يستهدفهم المدنيين، معتقدين أن المسلحين المتحصنين بالجبال يعملون على استهداف الأمن والجيش فقط.

غير أن حادثة قتل راعي الأغنام نجيب القاسمي (36 عاما) الأسبوع الماضي قلبت كل الموازين ليتحول هذا الشاب الذي كان يرعى قطيعه على بعد أمتار من الجبل إلى ضحية مدنية للإرهاب في تونس.

رغم إدراكهم للخطر المحيط بهم لم يتوقع أهالي تلك المنطقة الفقيرة على الحدود التونسية الجزائرية أن يستهدفهم المدنيين، معتقدين أن المسلحين المتحصنين بالجبال يعملون على استهداف الأمن والجيش فقط.

غير أن حادثة قتل راعي الأغنام نجيب القاسمي (36 عاما) الأسبوع الماضي قلبت كل الموازين ليتحول هذا الشاب الذي كان يرعى قطيعه على بعد أمتار من الجبل إلى ضحية مدنية للإرهاب في تونس.

وينحدر الراعي من قرية سيدي الحراث المحاذية لجبل سمامة من محافظة القصرين (وسط غرب تونس). وقد تحولت حياة سكان المنطقة في ريفهم البسيط إلى حرب مسلحة تتهدد حياتهم في ظل تواجد المجموعات المسلحة في الجبل المطل على القرية.

التخابر مع الأمن

بدأت القصة عندما أقدم مسلحون صباح يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول على خطف فردين من عائلة واحدة كانا يرعيان الأغنام، وقاموا بإعدام أحدهما بدعوى أنه يتخابر مع الأمن ثم أطلقوا سراح الآخر حتى يرسل تهديداتهم لقوات الأمن والجيش.

وذكر الشاهد الوحيد الحاضر في عملية اختطاف الراعي نجيب القاسمي وهو ابن خاله صالح القاسمي (35 سنة) أنهما توجها كالمعتاد صباح الأحد الماضي لرعي أغنامهما البالغ عددها حوالي 200 رأس في جبل سمامة.

وفي حدود العاشرة صباحا برز لهما ستة عناصر مسلحين وبأزياء عسكرية وقاموا بتكبيلهما وتجريدهما من هواتفهما الجوالة وأنّه وفق لهجتهم تبيّن لهما أن من بينهم عناصر جزائرية.

وقام عنصرين، حسب الشاهد، بالسطو على ثلاثة خرفان بينما تكفل البقية بتفحص هواتفهما الجوالة وبإلقاء بعض الأسئلة المختلفة عليهما. كما ذكر صالح القاسمي أن أحد المسلحين قام باستبدال حذاءه معه بعدما لاحظ أنه يلبس نعلا جديدا.

الخوف يعمّ الناطق الحدودية

لم تكتف المجموعة المسلحة بقتل الراعي بل حاولت استغلال جثته لاستهداف الأمنيين الذين قاموا بتمشيط الجبل في محاولة لإنقاذه حيث قامت هذه المجموعة بتلغيم محيط الجثة التي ألقي بها في سفح الجبل.

ويقول علي القاسمي عم مجيد القاسمي الذي قامت الجماعات المسلحة بتصفيته لـ”مراسلون” إن المسلحين قاموا بتعذيب الضحية بعد أن أبلغوه أنهم يشكون في أنه وشى بتحركاتهم إلى قوات الجيش التي تحاصر الجبل، “لقد اتهموه بالتجسس لصالح الطاغوت بعد أن عثروا على رقم أحد عناصر الجيش في جواله”.

وبعد تلك الحادثة امتلك الخوف أهالي المناطق الحدودية المحاذية للجبال التي يتحصن فيها المسلحون خاصة وأن بيوتهم أصبحت عرضة كثيرا للسطو من قبل جماعات إرهابية تتسلل في بعض الأوقات بحثا عن المؤونة.

كما يتعرض أهالي القرى المحاذية للجبال في محافظات القصرين والكاف وقفصة في المدة الأخيرة إلى غارات مستمرة من قبل المسلحين الذين يجبرهم الجوع في بعض الأحيان وقلة الدعم اللوجستي الذي توفره لهم أطراف مجهولة إلى مداهمة المساكن للظفر بكل ما يمكن أن يسد جوعهم ورمقهم.

ورغم حزنه على فقدان ابن أخيه الذي ترك أرملة وطفلين يقول علي القاسمي إن ما قام به ابن شقيقه هو “عين الصواب”، معتبرا أن “الإبلاغ عن الإرهابيين مسؤولية الجميع لحماية البلاد من خطر التكفيريين”.

وقال إن عائلته ما تزال تعيش تحت وطأة التهديدات بسبب انخراطها في مقاومة الإرهاب، كاشفا بأن أرملة ابن أخيه تلقت رسالة تهديد في هاتفها جاء فيها أنها ستلقى نفس مصير زوجها. لكنه يقول لمراسلون “تلك الرسائل لا ترهبنا”.

قطع الرابط

يقول الخبير في الجماعات الإسلامية علية العلاني لـ”مراسلون” إن قتل الإرهابيين لراعي غنم يهدف الى تخويف المواطنين ومنعهم من الإبلاغ عن تحركاتهم المشبوهة، داعيا وسائل الاعلام إلى عدم تضخيم هذه الممارسات والتورط في تحقيق أهداف الإرهابيين.

وأضاف العلاني أن هذه الجماعات تعمد إلى السطو على مساكن القرى المحيطة بالجبال التي تتحصن بها عندما يشتد بها الجوع خاصة وأن قوات الأمن تشدد الرقابة على من يدعهم لوجستيا ومدهم بالمؤونة من داخل المدن.

وأكد على أن قتل الراعي يمكن أن تكون حالة منفردة لكنها تؤشر أيضا إلى أن الإرهابيين لا يستهدفون الأمنيين والعسكريين فقط بل كل من يحاول التعاون معهم أو يشكل خطرا على حياتهم، وفق رأيه.

من جانبه قال مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية بجنيف رياض الصيداوى إن المواطن التونسي أصبح جزءا من المنظومة الأمنية وأصبح يساهم في كشف عديد المخططات الإرهابية.

وأوضح أن عملية قتل راعي الأغنام تهدف الى قطع الرابط بين قوات الأمن والمواطن، داعيا الى تقديم ضمانات للمبلغين وحمايتهم في حال وجود تهديد لحياتهم.