محمد حافظ، موظف سابق في شركة ستيا للغزل والنسيج، وتاجر غزل وأصواف فيما بعد، يفكر حاليا في تغيير نشاطه ليتاجر في المواد الغذائية والمنزلية. أمر غير مستبعد مع التردي الذي أصاب زراعة القطن المصري وآلت إليه صناعة الغزل والنسيج في مصر.

”الأمر صار غير مجديّا،“ يقول محمد لـ ”مراسلون“ ويضيف ”انخفضت قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، وزادت تكاليف استيراد الأقطان والغزل من الخارج، وهاهي الحكومة تتخبط في قراراتها بشأن زراعة القطن.“   

محمد حافظ، موظف سابق في شركة ستيا للغزل والنسيج، وتاجر غزل وأصواف فيما بعد، يفكر حاليا في تغيير نشاطه ليتاجر في المواد الغذائية والمنزلية. أمر غير مستبعد مع التردي الذي أصاب زراعة القطن المصري وآلت إليه صناعة الغزل والنسيج في مصر.

”الأمر صار غير مجديّا،“ يقول محمد لـ ”مراسلون“ ويضيف ”انخفضت قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، وزادت تكاليف استيراد الأقطان والغزل من الخارج، وهاهي الحكومة تتخبط في قراراتها بشأن زراعة القطن.“   

الحكومة المتخبطة

في يناير الماضي رفعت الحكومة الدعم عن زراعة القطن، وطالب وزير الزراعة حينها الفلاحين بعدم زراعة القطن إلا بعد إبرام عقد بينها وبين المغازل مسبقًا لضمان تسويقه، وهو ما أصاب مزارعي القطن  بحالة غضب بين مزارعي القطن جعلت كثيرين منهم لا يرغبون في زراعته في الموسم التالي.

فبحسب الهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن، بلغت المساحة المنزرعة حتى آواخر يوليو الماضي ٢٤٩ ألف فدانًا، مقابل ٣٧٦ ألف فدانًا من الموسم السابق، كما بلغ إجمالي الانتاج الكلي للأقطان في خلال الموسم الحالي نحو ١٫٧ مليون قنطار، مقابل ٢٫٢ في الموسم الماضي وسجلت صادرات القطن المصري تراجعًا بأكثر من ٢١ في المئة خلال الربع الثاني من العام الحالي حيث بلغت قيمة الصادر من الأقطان ١٫٠١ مليون قنطار.

ثم فجأة في مطلع يوليو يصدر وزير الزراعة السابق قرارًا بوقف استيراد القطن من الخارج حتى انتهاء المخزون المحلي. هلل للقرار مزارعون القطن، الذين ظنوا أن الحكومة عادت لرشدها، لكنه أثار سخط غرفة الصناعات بحجة أنه يضر بغالبية المصانع التي تعمل ماكيناتها على الأقطان المستوردة قصيرة ومتوسطة التيلة. وبعد أسبوع واحد ألغت الحكومة قرار الوزير وأعادت استيراد القطن!!

وقتها أُثيرت الاتهامات أن الحكومة خضعت لرجال الأعمال، الذين يفضلون القطن المستورد قصير ومتوسط التيلة عن المصري طويل التيلة لقلة سعر، إلا أن الحكومة محلب أعلنت عن عدم تخليها عن القطن المصري وتعهدت بتقديم الدعم المطلوب.

الآن في موسم الحصاد – أواخر سبتمبر- اجتمعت اللجنة التنسيقة لتسويق محصول القطن، في حضور مسئولين من وزارة الزراعة، مع مسئولين من قطاع التعاونيات والجمعيات الزراعية ومعهد بحوث القطن ومجلس القطن المصرى وجمعية منتجى الأقطان، وطالبوا الحكومة بتنفيذ وعدها وتوفير دعمًا يقدر بــ ٣٥٠ مليون جنيه لتسويق المنتج المحلى من الأقطان وتحديد سعر القنطار المحلى للموسم الحالي بـ ١٣٠٠ جنيه للقطن المنزرع في وجه بحرى و١١٥٠ للمنزرع في وجه القبلى بدلًا من السعر الحالي الذي يتراوح من ٩٥٠ إلى ٨٥٠ جنيه للقنطار.

يعتبر القطن المصري واحدًا من أكبر مزايا مصر التنافسية في السوق العالمي، لكونه “أفضل” قطن في العالم، لطول تيلته وليونته وقوته وخصائصه الأخرى المتفوقة، وهو ما يضع المنتجات المصنوعة منه في المرتبة الأولى عالميًا. فلماذا تتخبط الحكومة؟

”السبب مصلحة المستورد. هناك جهات لها ثقل وعلاقات بالحكومة تيّسر الأمور أمام المستورد مقابل عمولات ورشاوي،“ يقول حافظ ويضيف: ”إننا اليوم نستورد القطن من روسيا واليونان. قطن لا توجد به تيلة أصلًا لأنه لا يزرع في بلاد حارة. قطن أقرب للقطن الطبي. للأسف المستورد هو الذي يوجه الحكومة. ثم هذا التخبط ليس جديدًا. غالبًا ما تقوم الحكومة بتقديم الوعود قبل موعد زرع القطن وعند الحصاد تسحب وعودها. “

واستشهد حافظ بما حدث في اكتوبر الماضي عندما أحرق عدد من المزارعين من محافظة الشرقية، شرق مصر، محاصيل القطن بأراضيهم احتجاجاً على تدني أسعار القطن في ذاك العام، وعجزهم عن توفير أموال لحصاده.

”في السابق كان حصاد القطن عيدًا للفلاح“ يقول حافظ ويضيف ”كان المزارعون يزوجون ابنائهم، ويتعاقدون على شراء احتياجاتهم عند حصاد القطن.“

القطن رزق

”القطن شأنه شأن محاصيل كثيرة رزق من ربنا،“ يقول أيمن عبد الهادي مزارع من المنوفية لـــ ”مراسلون“ ويضيف ” لكن جودة السوق تأثر كثيرًا في زراعته. فكما يقول التجار حسن السوق ولا حسن البضاعة.“  

بحسب أيمن يحتاج القطن لرعاية واهتمام ليس فقط من قبل المزارع بل الحكومة أيضًا. ”لابد للحكومة من توفير النوعية الجيدة من البذور، وصرف كميات الأسمدة الزراعية المطلوبة، ففي الوقت الذي قد يحتاج فيه الفدان على سبيل المثال لــ ١٠ أجولة، تصرف الجمعية الزراعية للمزارع ٥ أجولة وهو ما يضطره لشراء الأسمدة من السوق السوداء بسعر مرتفع مما يزيد من تكلفة زراعة المحصول.“ يقول أيمن.

وقد يقوم المزارع خوفًا من تضارب أسعار القطن في السوق والخسارة التامة بزراعة محصول أخر بجوار القطن، مثل البطيخ والخيار والفاقوس وغيرها من المحاصيل التي يمكن الاستفادة منها حال انخفاض اسعار القطن في السوق.

يبدأ موسم زرع القطن في مارس من كل عام، لأن القطن بحسب وصف أيمن “يحب الحر ويكره الرطوبة.” حينها تُخططُ الأرض خطوطًا رفيعة في حالة زراعتها قطنًا فقط، وخطوطًا عريضة أو ما يعرف بــ’المصاطب’ في حالة زراعة محصول أخر بجوار القطن.

يوضح أيمن أن عملية غرس البذور يقوم بها الأهالي كنوع من المساعدة فيما بينهم. ”اليوم تساعدني في أرضي وغدًا اساعدك في أرضك.“ يقول أيمن ويشير أنه في حالة تعذر المساعدة يلجأ المزارع لتشغيل عمالة باليومية تصل إلى ١٠٠ جنيه للعامل في اليوم الواحد. ولمشقة غرس البذور، عادة ما يقوم بها الرجال وبخاصة من شباب القرى الذين ينظمون أنفسهم في فرق للعمل في الحقول بالأجر. وبعد ذلك تتم عملية الري بشكل دوري.

عند الحصاد يُقطف القطن حتى ثلاث مرات في المحصول الواحد. وهو ما يصفه أيمن بـ”الرزق”، فقد يُقطف المحصول مرة واحدة أو مرتين أو أكثر. وفي عملية قطف زهرة القطن تعمل النساء في ذلك لقلة الجهد المبذول وقد يكن نساء من الأهالي أو أجيرات – هن الأقل أجرًا – حيث يصل أجر المرأة الواحدة إلى ٥٠ جنيهًا في اليوم. وفي حالة ظهور آفات على المحصول تعمل النساء أيضًا على ذلك.

يتفق أيمن مع حافظ على أن هيمنة التجار الكبار من سمسرة القطن ومصدريه إلى الخارج على السوق وقائمة الأسعار وتخلي الحكومة عن الفلاح عند حصاد المحصول كفيلة بجعله لا يفكر في زراعة القطن ثانية، لافتًا إلى أن غالبية الأراضي الزراعية بمحافظة المنوفية لا تزرع القطن بل البطاطس جراء ذلك.

القطن وبيوت الناس

” ٧٥ ٪ من البلد تعمل على القطن والصناعات القائمة عليه.” يقول خالد دياب صاحب مصنع نسيج بالاسكندرية لـ ’مراسلون’ ويضيف ”تأمل كم الفئات التي تعمل على القطن. فلاحون وعمال زراعة بالأجرة، يعملون على زرع القطن، وجمع الآفات منه، وحصاده، وسمسرة تعمل على جمعه وعمال تعمل على حلجه وعمال على غزله وعمال تعمل على نسجه. إذن أي قرار بتصدره الحكومة بشأن القطن، لا يؤثر على قطاع القطن فقط بل على بيوت الناس.“

ثم يوضح دياب كيف يتولى السمسرة جمع القطن من المزارعين، حيث يصل ما ينتجه الفدان – بحسب دياب- ١٢ قنطارًا، حيث يصل وزن القنطار المستلم من المزارع ١٦٧ كيلو، وبعد حلجه يصل وزنه إلى ٦٠ كيلو، وعند بياعه يكون وزن القنطار المعتمد للبيع ٥٠ كيلو.

أما المخلفات الناجمة عن الحلج فيفرز منها بذرة القطن التي تعصر ويستخلص منها زيت بذرة القطن أما مخلفات العصر فتستخدم كعلف للبهائم والمواشي أو ما يعرف بعلف ”الكوسب“.

وعن تراجع الحكومة عن قرارها بشأن استيراد القطن بحجة أن مصانع كثيرة تعمل على الأقطان المستورة ستتأثر بهذا القرار، يقول خالد ”ليس صحيحًا، هناك مصانع كثيرة تعمل بأقطان طويلة التيلة. الفكرة أن القطن طويل التيلة يحتاج إلى عملية تمشيط وهي عملية تزيد من تكلفة الغزل والتصنيع. إنها حجج واهية لكي تتنصل الحكومة من مسئولياتها حيال القطن.“

”الهند تستورد أقطانًا فائقة الجودة من مصر، تصنع منها أجود أنواع الغزل، وتبيعها في السوق العالمية بأعلى الأسعار ثم تبيع لنا فضلات هذه الأقطان ثانية.“ يقول محمد حافظ ويختم ”أنهم يأخذون خير قطننا ويبيعون لنا الزبالة.“