عندما عرضت منظمات الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس مبادرتها لإخراج البلاد من أزمة سياسية خانقة عقب اغتيال الشهيد محمد البراهمي في تموز/يوليو 2013 من خلال التوافق على تشكيل حكومة مستقلة تقود البلاد نحو إجراء انتخابات جديدة تعالت أصوات من داخل حكومة الترويكا، لاسيما من حركة النهضة الإسلامية وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، لاتهام هذه المبادرة بأنها محاولة لإزاحة الإسلاميين عن الحكم عن طريق انقلاب ناعم.

عندما عرضت منظمات الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس مبادرتها لإخراج البلاد من أزمة سياسية خانقة عقب اغتيال الشهيد محمد البراهمي في تموز/يوليو 2013 من خلال التوافق على تشكيل حكومة مستقلة تقود البلاد نحو إجراء انتخابات جديدة تعالت أصوات من داخل حكومة الترويكا، لاسيما من حركة النهضة الإسلامية وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، لاتهام هذه المبادرة بأنها محاولة لإزاحة الإسلاميين عن الحكم عن طريق انقلاب ناعم.

وبعد مدّ وجزر ومفاوضات ماراثونية صعبة وانقسام كبير في الشارع التونسي أعلنت حركة النهضة قبولها بخارطة الطريق واستقالة الحكومة التي كان يترأسها الأمين العام الحالي للحركة علي العريض ووقعت عليها مع 20 حزبا آخر، فيما امتنع شريكه في الحكم المؤتمر من أجل الجمهورية عن التوقيع وانسحب من الحوار بدعوى أنه وسيلة للانقلاب على الشرعية الانتخابية.

تلك المواقف المعارضة كانت نابعة من صراع أحزاب الترويكا (حركة النهضة وحزب المؤتمر بالأساس) وخلافاتها خاصة مع الاتحاد العام التونسي للشغل الذي كانت ترى فيه وقتها واجهة لغريمها الإيديولوجي، اليسار.

لكن اليوم بعد إسناد جائزة نوبل للرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس تغيرت نسبيا مواقف هذه الأحزاب السياسية من الرباعي على الأقل على مستوى خطابها العلني.

الأمين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية عماد الدايمي اعترف في تصريح لـ”مراسلون” بأن فترة الحوار الوطني الذي انطلق في أكتوبر/تشرين الأول 2013 غير المرحلة الحالية للبلاد، كاشفا بأن مواقف حزبه المعترضة على الحوار آنذاك كانت مبنية على أساس رؤية سياسية مرتبطة بالوضع والتوازنات في تلك الفترة والتي اقتضت الانسحاب من الحوار وعدم التوقيع على خارطة الطريق التي طرحها الرباعي لإنهاء الأزمة السياسية.

ويقول الدائمي “اليوم لا يسعنا إلا أن نفتخر بحصول منظمات تونسية على جائزة قيمة كجائزة نوبل والتي كانت من خلالها تونس حديث العالم ومثالا يُحتذى به في مجال دور المجتمع المدني في تحقيق التوافق السياسي”.

غير أن هذا التغير في الموقف لا يشمل جميع ممثلي حزب المؤتمر أو حتى حركة النهضة الإسلامية، فبعض منهم أعرب عن سخطه من إسناد جائزة عالمية بمثل قيمة جائزة نوبل للسلام لمنظمات انحازت -من وجهة نظرهم- إلى صف المعارضة وسحبت البساط من تحت أقدام حكومة الترويكا المنتخبة بصفة شرعية كما يصفونها.

وفور طرح الرباعي الراعي للحوار لمبادرته بتشكيل حكومة مستقلة خرج أنصار حركة النهضة بدعوة من قياداتها لرفض هذه المبادرة التي رأوا فيها انقلابا على نتائج الانتخابات لارتكازها على استقالة حكومة الترويكا والدفاع عن “الشرعية الانتخابية”.

وحتى قبول حركة النهضة الإسلامية بالمشاركة في الحوار وموافقتها على استقالة حكومتها بشروط كان من وجهة نظر عديد المراقبين على مضض وعلى أساس التأقلم مع التحولات العميقة في المنطقة عقب الإطاحة بالإخوان في مصر واستحواذ الجنرال عبد الفتاح السيسي على الحكم.

لكن اليوم لا يمكن لحركة النهضة الإسلامية سوى التعبير عن فرحها وغبطتها بهذه الجائزة العالمية رغم وجود قيادات في داخلها غير راضين عن إسناد الجائزة للرباعي رغم أنهم فضلوا عدم الكشف عن هويتهم حتى لا يظهروا وكأنهم يغردون خارج السرب أو أنهم ينكدون على الشعب التونسي فرحته.

وهذا التحول في موقف حركة النهضة عبر عنه رئيس المكتب السياسي للحركة نور الدين العرباوي في حديث مع “مراسلون” مبينا أن هناك تطور في مواقف الحركة السياسية في إطار المتغيرات المحلية والإقليمية.

ويقول العرباوي “من العادي أن تتغير مواقفنا السياسية من هذا الطرف أو ذاك وفق رؤيتنا المتغيرة بطبيعتها واليوم نحن أصدقاء مع كل منظمات الرباعي وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل ونفتخر بحصولها على جائزة نوبل للسلام”.

ويرى رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان عبد الستار بن موسى، أحد مكونات الرباعي الراعي للحوار، أنه من الطبيعي أن تعتبر النهضة آنذاك أن الرباعي يريد أن ينقلب عليها عبر مبادرتها وتنشب خلافات سياسية ولكن الأهم بالنسبة إليه هو ما آلت اليه الأمور في النهاية وما نتج عن الحوار الوطني من ايجاد توافق سياسي وإنقاذ البلاد من السقوط في دوامة العنف.

وخلال حديثه لـ”مراسلون” أكد بن موسى أن حصول منظمات مدنية على جائزة نوبل للسلام بسبب مبادرتها بإقامة حوار سياسي بين الفرقاء ونجاحها في ايجاد التوافق بينهم يجب أن يكون حافزا لمنظمات المجتمع المدني في البلدان التي تشهد صراعات ونزاعات وخصوصا في الجارة ليبيا لطرح مبادرات وتسويات وتغليب منطق الحوار.