تبقت أيام قليلة لتنطلق عملية التصويت للناخبين لإختيار ممثليهم في البرلمان الأول بعد إقرار دستور 2014، وذلك في السابع عشر من اكتوبر الحالي. يضم البرلمان (مجلس النواب) 448 مقعدا مخصصة للنواب المنتخبين بنظام الترشح الفردي، و120 مقعدا فقط للترشح بالقوائم، ومع احتدام المنافسة بين المرشحين، والتي غلب عليها الإنفاق المالي الضخم والتكتلات العائلية، يظل المصير المجهول يلاحق شباب الثورة، الذين يتوارى نجمه بين إستحقاق إنتخابي وآخر.

مقر إنتخابي متواضع

تبقت أيام قليلة لتنطلق عملية التصويت للناخبين لإختيار ممثليهم في البرلمان الأول بعد إقرار دستور 2014، وذلك في السابع عشر من اكتوبر الحالي. يضم البرلمان (مجلس النواب) 448 مقعدا مخصصة للنواب المنتخبين بنظام الترشح الفردي، و120 مقعدا فقط للترشح بالقوائم، ومع احتدام المنافسة بين المرشحين، والتي غلب عليها الإنفاق المالي الضخم والتكتلات العائلية، يظل المصير المجهول يلاحق شباب الثورة، الذين يتوارى نجمه بين إستحقاق إنتخابي وآخر.

مقر إنتخابي متواضع

“استأجرت شقة عبارة عن غرفتين وصالة في الطابق الثاني، بمقابل شهري 500 جنيها، كمقر إنتخابي..دون أن أتمكن من تجهيزه حتى اليوم”..هكذا، وصف وليد عبدالعظيم أبو سريع، من شباب الثورة، منسق حملة “المحليات للشباب”، والمرشح على المقعد الفردية بالدائرة الثالثة، مركز إطسا بمحافظة الفيوم، مقره الإنتخابي، في بداية إنطلاق الحملة الإنتخابية يوم 29 سبتمبر الماضي.

يحلم المرشح الشاب، بالدخول تحت قبة البرلمان المزمع إنتخابه، بعد أن طلب منه شباب الثورة بمركز إطسا، الترشح، ليكون ممثلا لهم، وحتى لا يترك الساحة السياسية للوجوه القديمة من الحزب الوطني “المنحل”، الذي كان يترأسه الرئيس السابق محمد حسني مبارك.

مظلة حزبية للدعاية

“كنت أود في البداية خوض الإنتخابات مستقلا، ولكن لم يتوفر معي المال الذي يساعدني على تنفيذ حملة إنتخابية، تمكنني من الوصول إلى الناخبين وحشدهم، فقررت الترشح ممثلا للحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي، لقربه من أفكاري، وهو حزب وسطي، تشكل عقب ثورة 25 يناير”، كان هذا دافع المرشح الشاب للترشح للبرلمان، حسب قوله.

ويضيف وليد أبو سريع: “قررنا كشباب ثورة بمركز إطسا، الإعتماد على أنفسنا في الدعاية، ورصدنا مبلغ 20 ألف جنيها(نحو 2555 دولار أمريكي)، وهو مبلغ بسيط يساهم في تحركات أعضاء الحملة، مشيرا إلى أن المنافسة مع المرشحين المنافسين ستكون صعبة جدا وسط الإنفاق المالي الضخم، ولكن وجود تكتلات شبابية في قرى المركز، داعمة له، يعوض النقص في الإمكانات المادية لحملته.

فشل القبلية

المرشح الشاب، لا يرى أن التكتلات العائلية والقبلية لها القوة نفسها حاليا، مثلما كانت قبل ثورة 25 يناير في دائرته الإنتخابية، مدللا على ذلك بفشل هذه العائلات في مواجهة منافسيهم من التيار الديني سواء الإخوان المسلمين أو السلفيين، في الإنتخابات البرلمانية السابقة، معولاً على وجود بعض القرى بالمركز التي لا تحكمها العصبيات مثل منية الحيط، وقلمشاة ومطول، في الوقت الذي تتحكم في قرى أخرى مثل الغرق وقصر الباسل.

مراهقة سياسية

ورغم حماس هذا المرشح الشاب في خوض المعركة الإنتخابية، ولكنه يخشى من تراجع مستمر لدور شباب الثورة في الحياة السياسية والبرلمانية، مشيرا إلى ضعف دورهم في برلمان 2012، بسبب عدم دخولهم في تكتلات شبابية في مواجهة تنظيم ديني ومالي مثل جماعة الإخوان المسلمين، ولا يتوقع أن يزيد عددهم عن 30 عضوا في برلمان 2015، بسبب ما أسماه بالمراهقة السياسية التي عاشوها، خلال حكم المجلس العسكري، إبان ثورة 25 يناير، وتصوير الإعلام لهم دائما بأنهم ضد الجيش المصري، وهذا سبب خسائر سياسية كبيرة لهم بين المواطنين البسطاء، على حد قوله.

رصيد شعبي

ويعوّل أبو سريع، على رصيده الشعبي في دائرته، بسبب تصديه وشباب اللجان الشعبية لحماية الثورة فيها، لمحاولات سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على الأجهزة التنفيذية والمواقع الإدارية في المركز والمحافظة، ودعمهم للدولة ضد الإرهاب، وتصديهم للفساد الإداري بأجهزة الدولة، وتوريث الوظائف الحكومية، لافتا إلى أنه يلحظ تجاوب الناخبين معه، خلال جولاته الإنتخابية، وأنه يبذل مجهود بمناقشة مشاكلهم في كل قرية، والعمل على حلها مع المسؤولين.

ويتطلع أبو سريع، إلى تمثيل نوعي لشباب الثورة في هذا البرلمان، وليس عددي، من خلال طرح أفكار إصلاحية في قضايا العدالة الإجتماعية والإقتصادية، فيكون وجودهم مؤثر للغاية، لأنه سيجذب إليه الأعضاء الآخرين، مشيرا إلى أنه سيعمل على دعم المحليات، وإجبار الحكومة على طرح ميزانية الدولة بشفافية، خاصة وأن مصر تفتقد لذلك، مع الضغط على الحكومة لإعادة تشغيل المشروعات والمصانع التي أغلقت قبل الثورة، رغم نجاحها.

المال السياسي الأقوى

ويرى أيمن حلمي محمد، الشهير بـ”أيمن الصفتي”، أحد شباب الثورة بالفيوم، والمرشح لعضوية البرلمان عن الدائرة الخامسة، ومقرها مركز سنورس، أن رأس المال السياسي في هذه الإنتخابات هو الأقوى، وأن 90% من فلول الرئيس السابق حسني مبارك، ممن نجحوا في برلمان 2010، ترشحوا في هذه الإنتخابات، ولكنه يتوقع إخفاق الكثير منهم، لأن الشعب يسعى إلى التغيير، وحتى لو لم يكن شباب الثورة هم الأغلبية، ولكن هناك وجوه جديدة شابة ستنجح، ورموز صارخة لحزب “مبارك” ستسقط، متوقعا تمثيل أقوى لشباب الثورة في برلمان 2015 عن برلمان 2012.

دور مؤثر في برلمان 2012

ويدافع الصفتي، عن دور شباب الثورة في برلمان 2012، بينهم زياد العليمي، وباسم كامل، ومصطفى النجار، بأن أدائهم البرلماني، كان جيدا، ولهم بصمة، مشيرا إلى الإستجواب الذي قدمه النائب الشاب باسم كامل، لوزير الداخلية، عندما كانت الوزارة تطلق الخرطوش على المتظاهرين في أحداث محمد محمود، وكان صوته وقتها ضعيف وليس قوي لأنهم لم يكونوا كتلة برلمانية موحدة، وسط هيمنة التيار الإسلامي على البرلمان.

ويشكو الصفتي، من ضعف الأموال المخصصة لدعاياه الإنتخابية، حيث رصد مبلغ يتراوح بين 30 إلى 50 ألف جنيها فقط(نحو 6380 دولار أمريكي)، لتنفيذ حملته الإنتخابية، وقال: ” أعتمد بالأكثر على الإقناع والترويج لفكرة وليس لشخص، وأسعى أن يذهب الناخب إلى الصندوق الإنتخابي، وهو مقتنع بالفكرة حتى يكون النائب سفيرا لهؤلاء الناخبين في البرلمان”، مشيرا إلى أنه يركز على المقابلات مع الناخبين وإستخدام الدعاية الورقية، وأن أعضاء حملته من الشباب يشاركون معه في جولاته ولا يعطيهم جنيها، لأنهم أصحاب قضية، على حد قوله.

ويؤكد الصفتي، أن عامل العائلات والقبلية في الإنتخابات، مفصلي، ولكن بندر سنورس، ذو الكثافة التصويتية، مختلف، لأن شباب كثيرين خرجوا على فكرة القبلية، مشيرا إلى أنه تمكن من إعداد مندوبين متطوعين من الشباب في اللجان الإنتخابية، أثناء عملية التصويت، وهي تجربة يسعى لترسيخها، للهروب من سطوة المال السياسي. ويتطلع الصفتي، إلى تقديم نموذج مختلف للنائب البرلماني في التشريع والرقابة، في حالة فوزه بعضوية البرلمان.

ولم يختلف الأمر كثيرا بينه وبين المرشح الشاب وليد أبو سريع، من حيث الإنفاق الإنتخابي، فلجأ الصفتي إلى إمكاناته العائلية، حيث خصص طابق في منزل والده بمركز سنورس، ليكون مقرا إنتخابيا له، للهروب من ضعف الدعم المادي له من الحزب.

سطوة العصبيات

ويختلف معهما الدكتور أحمد برعي، القيادي بحزب الوفد، وتيار إصلاح الوفد بمحافظة الفيوم، في الرؤية حول الأجواء السياسية لهذه الإنتخابات، ويرى أن الفيوم محافظة ذات طبيعة مختلفة، وأن التيارات الدينية لها سيطرة على مقاليد الأمور، بالإضافة إلى إنتشار الفقر وتدني المستوى الثقافي، وهي عوامل ترسخ نفس المعايير التي يتم على أساسها إختيار النواب، ولم تتغير إلا قليلا.

ويؤكد أن العصبيات القبلية والتعصب للتيار الديني، هي المهيمنة، وبالتالي يظهر في العملية الإنتخابية، تحكم المال السياسي، بما له من قدرة على تغيير توجهات الناخبين، وهو ما يبقي فرص دخول شباب الثورة للبرلمان ضعيفة للغاية، مستشهدا ببرلمان 2012، وقال : “ربما محافظات وجه بحري والقاهرة أفضل قليلا من الفيوم”.

ويضيف برعي، أن القوائم الحزبية، ساهمت بنسبة كبيرة في معالجة وضع الشباب، بحيث أصبح من المؤكد نجاح عدد من الشباب، ولكن الأحزاب السياسية لم يكن لها دور في إختيارهم، وفرضت عليهم الأسماء في القوائم، وبالتالي تراجع الهدف منها، متمنيا أن يكون على المدى البعيد هناك حلول لتمثيل الفئات المهمشة في المجتمع المصري.

ويشير برعي، إلى أن شباب الثورة، ظاهرة كانت ولا تزال موجودة، ولكن معدل وجودهم في الشارع أقل، وأنه مع بروز نجم رئيس الجمهورية، ارتبطت أمال الشعب بشخصه، مما أدى إلى تهميش الكثير من القوى السياسية، وأدار الشعب ظهره لهم.

تقصير شباب الثورة

ويحمّل عصام الزهيري، منسق الجمعية الوطنية من أجل التغيير بالفيوم، شباب الثورة، مسؤولية تراجع دورهم السياسي، ويقول:” هناك أفراد تدعي الثورية، ولا تدخل في شكل إئتلافات أو أحزاب سياسية، وهو تقصير من شباب الثورة في ممارسة العمل السياسي، والتفاعل معها بأدواتها”، ويضيف: “هناك تقصير آخر من الدولة، بعدم تأسيس نظام ديمقراطي حزبي حقيقي، والنظام الإنتخابي الحالي يجمع كل مساوئ السياسة في مصر، فلم يعطي هامش ثابت للأحزاب، لخوض الإنتخابات وفقا لبرامج حزبية ورؤى سياسية حقيقية، ولم تكن الأحزاب السياسية بالقوة التي تساعدها على خوض المعركة خلال هذا النظام”.

“نظام إنتخابي فاشل”

ويؤكد الزهيري، أنه كان يجب فرز شباب الثورة، وأن يدخلون في تكتلات حزبية قوية، متهما النظام الإنتخابي الحالي، بالقضاء على فكرة الحزبية، لأنه جعل أساس الترشح هو النظام الفردي، وهذا يصعب الأمر على شباب الثورة، أو السياسيين ممن لا يملكون المال، ولن يكون لهم كتلة مؤثرة في البرلمان المقبل، مشيرا إلى أن مواجهة مشكلة القبلية والعائلية في الإنتخابات، تحتاج إلى تكاتف مجتمعي ومؤسسات سياسية قوية، والإبتعاد عن الأنانية والفردية، وتغيير النظرة الحالية للبرلمان، بعيدا عن الخدمات وتوظيف المصالح.

ويصف الزهيري، الوضع الحالي للإنتخابات، بأنه استثمار للأموال، حيث يدفع المرشحون الأموال الكثيرة، من أجل الدخول إلى البرلمان، والحصول على أموال أكثر، محملا مسؤولية هذا الوضع للنظام السياسي الحالي، وطالب النظام بتغيير تلك الأجواء لأن الثوار لن يقبلون بهذا في البرلمان التالي، وسينزلون إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير.

وليس من المرجح تغيير قوانين الانتخابات قريبا لتسهيل المهمة على الشباب، لذلك سيبقون وحدهم في مواجهة المهمة الصعبة للالتحاق بالبرلمان الجديد.