مأمور ضرائب لا تشغله فكرة جمع المال بقدر ما تشغله تطبيق روح الضريبة باعتبارها ”أداة اقتصادية لتحقيق العدالة بين طبقات المجتمع“. السيد اشرف أحمد محمد عبدالعال، مأمور بمصلحة الضرائب المصرية مأمورية المهن الحرة ثان، يفكر خارج الصندوق كثيرًا وينظر لبعيد.

مأمور ضرائب لا تشغله فكرة جمع المال بقدر ما تشغله تطبيق روح الضريبة باعتبارها ”أداة اقتصادية لتحقيق العدالة بين طبقات المجتمع“. السيد اشرف أحمد محمد عبدالعال، مأمور بمصلحة الضرائب المصرية مأمورية المهن الحرة ثان، يفكر خارج الصندوق كثيرًا وينظر لبعيد.

يقول معرّفًا نفسه:  ”أنا مجرد واحد من العاملين بالمصلحة الذين سعوا إلى نقل مطالبهم ومطالب زملائهم العاملين من خلال القنوات التى تمثلنا، من خلال رابطة العاملين بالمصلحة في أول الأمر، إلا أننا لم نجد استجابة او إتاحة فرصة للتعبير عن رأيّنا، ثم من خلال الانضمام للنقابات المستقلة للعاملين بالمصلحة ونسعى الآن لتأسيس جمعية وطنية للدفاع عن حقوق العاملين بالمصلحة.“

ساهم مع زملائه في كتابة مدونات وخواطر وأبحاث وبلورة مقترحات قُدمت فى المؤتمرات ومراكز التدريب بالمصلحة لتطوير المصلحة للعب دورها فى دفع المنظومة الاقتصادية. كما أسهم في بلورة بعض المقترحات فى صورة دراسة لحوكمة إدارة المهن الحرة فى بحث قُدم فى أبريل ٢٠١٤ فى مؤتمر ضريبى بمقر مركز التدريب الضريبى بالمصلحة بعنوان ”معًا من أجل مصر“. فضلًا عن مشاركته الفاعلة هو وأفراد نقابته المستقلة في وقفة الحاشدة للعاملين بالضرائب في ١٠ أغسطس الماضي أمام نقابة الصحفيين ضد قانون الخدمة المدنية.

التقته ”مراسلون“ وأجرت معه هذا الحوار لتتعرف منه على وجهة نظره في سبل تطوير المنظومة الضريبية في مصر.

كيف يمكن تعريف الضريبة؟

الضريبة أداة اقتصادية لتحقيق العدالة فى توزيع الدخول بين طبقات المجتمع. ولايمكن فرضها على طبقات المجتمع الاقل دخلًا كما تفرض على الطبقات الأعلى دخلًا. ولا يمكن فرضها دون دراسة الطاقة الاستيعابية للمجتمع الضريبى ومدى قدرته على تحمل المزيد من الضرائب فى ضوء مستوى النمو الاقتصادى فى المجتمع. وأن تفرض دون تمييز غير دستورى. لأن الضريبة هى بالأساس واجب وطنى لابد أن يراعى وأن يساهم فيه افراد المجتمع بشكل عادل. هكذا تعلمنا. وهكذا يجب أن نفهم الضرائب.

وما هي الألية التي تعمل بها مصلحة الضرائب؟

قد لا استطيع التكلم عن ذلك بشكل متخصص نظرًا لأن دوري ومكان عملي لا يمكناني من الاطلاع على المعلومات اللازمة للإدلاء برأى متخصص حول هذه الألية ولكن من خلال كونى أحد عناصر منظومة الضرائب، وفاعل بها ومتلقي لآثارها استطيع القول أن المصلحة -وفق رسالتها المحددة- هي من المفترض أنها إدارة ضريبية متطورة تعمل بكفاءة وفاعلية، وتقدم خدمات متميزة للممولين، وفق مبادئ العدالة والشفافية، لخلق مجتمع ضريبي واع وملتزم لتحقيق الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي.

إلا أنني اكاد أجزم بأن غالبية العاملين بالمصلحة لم يتعرفوا على هذه الرسالة وليس لديهم تلك الرؤية، وهذا يُضيّع على الدولة مئات المليارات بسبب عدم تحقيق مضمون رسالة المصلحة. وقد يُعتبر ذلك فى أحد جوانبه تقصير من العاملين لكن فى الجانب الأكبر منه أن المصلحة مثلها مثل باقى مؤسسات الدولة تفتقد التناغم بين إدارتها والتكامل فى اداء وظائفها وهو ما يؤدى الى ضياع طاقات وفرص بديلة كان يمكن ان تتحقق لو طبقت أساليب التخطيط الاستراتيجي، وكذلك تحقيق التواصل أولًا داخل المصلحة وبين المأموريات والعاملين بها، وثانيا بين المصلحة والمتعاملين معها.

هذا إلى جانب أن المصلحة للأسف الشديد -وهو نقد ذاتى الغرض منه الإصلاح والتطوير- لا تتعامل مع التطورات الحديثة الا بشكل سطحي جدًا.

لكن الغريب أن المصلحة برغم عدم توافر الامكانيات المادية والتكنولوجية و سيادة الروتين والبيروقراطية المميتة من جانب وزارة المالية وعدم القدرة على الخلق والابتكار من جانب الإدارة الضريبية، إلا أن العاملين بالمصلحة – وبرغم غياب مضمون رسالة المصلحة لديهم –  يقدمون الحل اللغز ويمثلوا الرقم الحرج الذى يُمَكن المصلحة من تحقيق معدلات إنجاز سنوية تفوق أي مصلحة أخرى بالدولة وهي بالمناسبة معدلات نموذجية يحتذى بها.

لكن السؤال هو ماذا لو تمكنت المصلحة من العمل بألية حديثة ومتطورة وفقا لمنهج واستراتيجية شاملة؟ بالتأكيد سيتحقق لمصر لأول مرة ”فائض فى الموازنة“ من حصيلة الضرائب.

ما هو القصور الكبير في النظام الضريبي في مصر؟ وعلاقة ذلك بالحد الأدنى للأجور؟

عدم المساواة فى المعاملة الضريبية بين كافة المشروعات والمؤسسات الاقتصادية العاملة داخل نطاق الوطن والمواطنين من أصحاب المراكز المالية المتساوية وهو ما يخلق ما نسميه بــ ”الصناديق السوداء“ التي تخل بمبدأ المساواة بين المواطنين عند المحاسبة أمام قانون الضرائب، هذا بخلاف نصوص ضريبية تعطي مزايا لجهات أو أفراد نرى أنها غير دستورية ولا تتفق مع أسس العدالة داخل المجتمع.  

فمثلًا نجد أن بعض الوظائف يتم سن لوائح وقوانين خاصة بها لإعطاء أصحابها مزايا مالية إما لتعويضهم عن تحمل جهود أو مخاطر أو تعويض عن اضرار بعينها- وهنا لا توجد ثمة مشكلة أو تعارض- ولكن المشكلة أنهم بعد هذه الزيادة يتم تحصين هذه الجهات أو الأفراد من الخضوع للضرائب وهذا من شأنه يخلق موقفًا ضريبيًا غير عادل بين الأشخاص أو الكيانات ذات الدخول المتساوية عند خضوعهم لقانون الضرائب وبالتالى الإخلال بمبدأ سيادة القانون وعدالته وهو ما يعتبر تجاوزًا من الجهة التى سنت القانون للحد من سلطات قانون الضرائب نفسه.

وسأعطى لحضراتكم مثال لما أقوله، فقد قرأت فى جريدة الأهرام- على ما أذكر- خبرًا صغيرًا منذ أكثر من ١٥ عامًا عن أن مصلحة الضرائب فى إسرائيل قد طالبت وزارة الدفاع الإسرائيلية بضرائب تجارية عن قطعة أرض مملوكة لوزارة الدفاع داخل تل أبيب فى منطقة تجارية وقد تمت مطالبة وزارة الدفاع بذلك لأن مصلحة الضرائب هناك ترى أن الأرض التى تستحوذ عليها وزارة الدفاع الاسرائيلية تقع في مكان تجاري فى تل أبيب ويجب أن يُحصّل عليها ذلك المبلغ من الضرائب الذي احتسبته مصلحة الضرائب فى إسرائيل وطالبت به وزارة الدفاع.

وهذا الخبر الذي ذُكر فى الجريدة لدينا من سنوات عديدة على سبيل التندر، على مايبدو يوضح أن هناك فارق زمني ونوعي وفكري أيضا فى اسلوب الإدارة بين مصر ودولة إسرائيل التي هي من المفترض أنها العدو الأول لمصر رغم أي معاهدات سلام.

كذلك الخلل الأكبر الذي يتركز في خضوع المواطنين الذين لم تصل دخولهم إلى الحد الكافي لسد احتياجاتهم الأساسية للضريبة. وهذا الحد تحدده الدراسات الاقتصادية سنويًا التي تقر الحد الأدنى للأجور. وإذا نظرنا للحد الأدنى للأجور الذي أقرته الدولة وهو ١٢٠٠ جنيه شهريًا – وهو أجر يحتاج إلى زيادة مع ارتفاع نسبة التضخم- أي ما يعادل١٤٫٤٠٠ جنيهًا سنويًا، نجد أن الدولة لا تعفيهم من الضريبة على الدخل، حيث تعفي الدولة الشريحة التي تتقاضى ٦٥٠٠ جنيهًا سنويًا أو أقل.

هل الضرائب التصاعدية هي الحل؟

بالطبع، لأننا إذا نظرنا إلى النظام الضريبي داخل المجتمع نجد أنه نظام اقتصادي يُمَكن الدولة من تحقيق وظائفها الأساسية وحماية المواطنين وتحسين مستوى معيشتهم والعمل على تحقيق العدالة داخل المجتمع من خلال تطبيق ضرائب تصاعدية  تستخدم لتمويل برامج حماية اجتماعية وتحسين مستوى المعيشة لفئات المجتمع الأقل دخلًا. إن اخضاع الدخول المتزايدة الى  نسب عالية من الضريبة يحقق الحد من التفاوت الصارخ فى الدخول، وذلك من خلال تحميل أصحاب الدخول المرتفعة نصيبها من الاستفادة المرتفعة من موارد ومقدرات الوطن بشكل يتناسب مع زيادة الدخل وبما لا يثبط من الرغبة فى زيادة الانتاج. وعند فرض المزيد من الضرائب نجد دائما ما يقع النصيب الاكبر على المواطن الاقل دخلا وهذا ما يقلل من فرص زيادة الالتزام الطوعى للمجتمع الضريبى وبالتالى يحتاج من الادارة الضريبية الكثير من الجهد لتحقيق المستهدف منها.

ولماذا المطالبة بتحويل المصلحة تابعة لوزارة المالية لهيئة مستقلة؟

الواقع يؤكد انه لا طائل من تبعية المصلحة لوزارة المالية، فهذه التبعية تزيد من تكبيل المصلحة وعدم تطويرها. فوزارة المالية لديها مهام عديدة ومتشعبة دائمًا ما تحول دون إعطاء الاهتمام الكافي لتطوير المصلحة. فضلًا عن أن وزارة المالية لا تولي اهتمامًا كبيرًا لدورها الرئيسي فى الحفاظ على ايرادات الدولة السيادية – وهى على عكس ما يشاع عنها فهى موارد كثيرة ليست فقط الضرائب والجمارك بل تمتد لتشمل كل عائد يتحقق من استغلال مورد من موارد الدولة التي سنجدها عديدة ومتشعبة جدًا جدًا.  

وعندما يتحقق لمصلحة الضرائب المصرية استقلالها ستكون حَكمًا محايدًا بين قدرة المواطن على تحمل مزيد من الضرائب أو حاجته إلى مزيد من الاعفاء لسداد احتياجاته الأساسية هذا من جانب، ومن جانب آخر حاجة الحكومة المتزايدة إلى مزيد من الموارد، وذلك من خلال دراسات اقتصادية دون ضغوط سياسية وممارسات حكومية خاطئة ترى أن حل مشاكل عجز الموازنة لا يتم إلا من خلال فرض المزيد من الضرائب فقط. والحقيقة أن استقلال مصلحة الضرائب كهيئة سيؤدى إلى تفعيل سيادة القانون وتصويب النصوص الضريبية.