تحولت حياة رجل الأمن طارق الوصيفي إلى “جحيم” بعد أن أقدمت السلطات الأمنية في نيسان/أبريل الماضي على عزله مع أكثر من مئة رجل أمن آخر بناء على تهم متعددة منها الاشتباه في تعاملهم مع متشددين دينيين أو تسهيل عمل الإرهابيين.

ويقول طارق، وهو برتبة مفتش شرطة، إن القرار صدر دون توجيه تهمة قضائية له ولو كان هناك ما يثبت تورطه فعلا ًبالإرهاب لما ترددت السلطات في محاكمته أو اعتقاله، ويتابع واصفاً العزل “بالقرار السياسي”.

تحولت حياة رجل الأمن طارق الوصيفي إلى “جحيم” بعد أن أقدمت السلطات الأمنية في نيسان/أبريل الماضي على عزله مع أكثر من مئة رجل أمن آخر بناء على تهم متعددة منها الاشتباه في تعاملهم مع متشددين دينيين أو تسهيل عمل الإرهابيين.

ويقول طارق، وهو برتبة مفتش شرطة، إن القرار صدر دون توجيه تهمة قضائية له ولو كان هناك ما يثبت تورطه فعلا ًبالإرهاب لما ترددت السلطات في محاكمته أو اعتقاله، ويتابع واصفاً العزل “بالقرار السياسي”.

وهي ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها هذا الرجل للإيقاف عن العمل، فقد سبق وأن تم عزله وعاد إلى ممارسة مهامه لمدة قصيرة قضاها في محافظة القيروان (جنوب) ومن ثم جرت إحالته من جديد على مجلس الشرف التابع لوزارة الداخلية. لكن قرار العزل الأخير بحسب قوله، لطّخ سمعته وحرمه من مورد رزقه هو وعائلته.

وتم في المدة الأخيرة عزل أمنيين أغلبهم من الذين تمّ انتدابهم خلال حكومة الترويكا السابقة التي كانت تقودها حركة النهضة الإسلامية.

نزاعات داخل الوزارة

موقع “مراسلون” اتصل بأحد المعزولين المتهمين بالتعامل مع إرهابيين، طلب عدم ذكر اسمه. ويؤكد الأمني لنا هو الآخر أيضا بأنه بريء، وأنه لو كان تعامل مع إرهابيين فعلاً، لتمّ إيداعه السجن وإحالة ملفه على القضاء.

ويضيف بأنّ العزل جرى “لاعتبارات سياسية” منها تعاطفه مع حركة النهضة الإسلامية. وأضاف بأن “وزارة الداخلية أصبحت تتحكم فيها تجاذبات سياسية وصراعات بين النظام القديم والحكام الجدد”.

وجاء في تقرير نشرته مؤخرا مجموعة الأزمات الدولية أن جهاز الأمن التونسي يشهد “نزاعات داخلية” و”تقوضه معارك سياسية”.

وأوردت المنظمة في تقريرها الذي نشرته في تموز/يوليو الماضي أن وزارة الداخلية قامت بانتداب 25 ألف عنصر أمن جديد منذ الإطاحة بنظام بن علي مطلع 2011، وهي “زيادة سريعة في عدد العناصر غير المؤهلين بشكل جيد”. وقالت إن ذلك “ساهم في خفض النزاهة والكفاءة المهنية لرجال الأمن الأساسيين وأضعف القدرات على التأطير وأدى الى زيادة الفساد”.

وفي أيلول/سبتمبر 2013 قال وزير الداخلية السابق لطفي بن جدو في خطاب أمام البرلمان “الأحزاب الموجودة الآن، كلها تريد إيجاد موطئ قدم في الداخلية (…) هناك أشخاص داخل الوزارة يدينون بالولاء لهذا أو ذاك ونحن كلما اكتشفنا وجود أحدهم أبعدناه”.

تحصين المؤسسة الأمنية

منذ صعود حركة النهضة إلى الحكم تتهم أحزاب معارضة ونقابات أمنية الحركة بـ”اختراق” وزارة الداخلية خلال الفترة التي سيرت فيها شؤون تونس لنحو عامين، في حين تنفي الحركة هذه الاتهامات.

ويؤكد الخبير الأمني علي زرنديني لـ “مراسلون” بأنه “يوجد فعلا صراع داخل وزارة الداخلية التي كان عليها أن تكون محايدة وتسعى إلى تطبيق القانون دون حسابات أو ولاءات”.

ويقول “كل الأحزاب والمنظمات الحقوقية والنقابات الأمنية ووزراة الداخلية تتحدث عن الأمن الجمهوري لكن إلى الآن لم نرى توافقا على هذا الأمر والتزاما بتنفيذه من قبل الكل”.

لكنه دعا إلى عدم تهويل عدد الأمنيين المعزولين معتبرا قيام مجلس الشرف بعزل الأمنيين المخالفين للقانون أمر طبيعي، قائلا “وزارة الداخلية يجب أن تخدم الواقع الجديد للبلاد وتتوجه نحو إرساء الديمقراطية”.

وكانت وزارة الداخلية قد عزلت في المدة الأخيرة حوالي 110 عون أمن من كل الأجهزة المسلحة (حرس وشرطة وحراس سجون وجمارك) بهدف “تحصين المؤسسة الأمنية من الاختراقات” وفق تصريح المكلف بالإعلام في وزارة الداخلية التونسية وليد الوقيني.

وفي اتصال مع الوقيني قال هذا المسؤول لموقع “مراسلون” بأن الوزارة أصبحت تعمل من خلال مجلس الشرف وفق ثلاثة محاور أساسية في عملية تفقد الجهاز الأمني وهي: “الانضباط واحترام حقوق الانسان وحرمته، والتعامل مع التطرف والتعامل مع التهريب”.

وحول موقف النقابات الأمنية من عزل الأمنيين أشار الوقيني إلى أن النقابات الأمنية تتعامل “بإيجابية” مع الوزارة وأنها تساند هذا التوجه.

سنقف إلى جانبهم

وفي اتصال مع الصحبي الجويني، وهو قيادي في نقابة قوى الأمن الداخلي، علق قائلاً إن مجلس الشرف كان معطلا سنة 2011 مما سمح بظهور عدد من الظواهر التي لا تخدم المؤسسة الأمنية مثل “ارتداء الأمنيين للباس الطائفي، وتهافت البعض الآخر على أماكن وجود المتطرفين وحتى التصوير معهم” حسب قوله.

وعن سبب عدم تحرك النقابات للوقوف مع الأمنيين المعزولين خلال المدة الأخيرة قال الصحبي “كنا دائما ضدّ القرارات الانتقامية ونحن سنقف إلى جانب الأمنيين وسنطالب بحقوق الكلّ ما عدى الذين جرّمهم القضاء وأثبت تورطهم”.

وكان توفيق بوعون المتفقد العام للأمن الوطني في وزارة الداخلية قد صرّح بأنّ “خمسة أو ستة” من بين المعزولين في المدة الأخيرة (مجموعة 110) أحيلوا على القضاء بسبب تعاملهم المباشر مع شبكات التهريب أو بعض العناصر الإرهابية.

ولفت الى أن التعيينات التي حصلت في قطاع الأمن بعد الإطاحة بنظام الدكتاتور زين العابدين بن علي مطلع 2011 وحتى 2013 “لم تخضع للمقاييس الأمنية ولا إلى إجراء بحث أمني حول المنتدب الذي يجب أن يكون خاليا من الشوائب العدلية والجنائية والسياسية”.

وأضاف أنّ من شملهم العزل “لم يقع تكوينهم على أسس صحيحة بعد دخولهم المؤسسة الأمنية وأن فكرهم هزيل وليس لهم حصانة ضد الاستقطاب الإيديولوجي والحزبي”.وأشار إلى أنّ بعض المعزولين أفشوا لإرهابيين مفترضين معلومات حول أماكن تمركز دوريات أمنية مقابل “رشوة”.

غير أنّ مصادر في وزارة العدل قالت بأنه لم يحصل وأن تمّ إيقاف أحد الأمنيين المعزولين إلى الآن، وهو ما يجعل من فرضية وجود تجاذب سياسي وصراع على السلطة القضائية أيضا قائمة.