في ساعات الصباح الأولى تمتطي العجوز عزيزة الورتاني دراجتها الهوائية لتبيع ما جمعته من حليب وخضر في مدينة بوسالم بمحافظة جندوبة (شمال غرب) بعد أن تقطع نحو خمس كليومترات يوميا.

منحية الظهر ونحيلة لكن عزيزة التي قارب عمرها السبعين عاما ما تزال صامدة أمام قسوة الحياة في إحدى أكثر المحافظات فقرا وتهميشا من أجل كسب لقمة عيشها بكد ومثابرة دون تهاون أو كسل.

في ساعات الصباح الأولى تمتطي العجوز عزيزة الورتاني دراجتها الهوائية لتبيع ما جمعته من حليب وخضر في مدينة بوسالم بمحافظة جندوبة (شمال غرب) بعد أن تقطع نحو خمس كليومترات يوميا.

منحية الظهر ونحيلة لكن عزيزة التي قارب عمرها السبعين عاما ما تزال صامدة أمام قسوة الحياة في إحدى أكثر المحافظات فقرا وتهميشا من أجل كسب لقمة عيشها بكد ومثابرة دون تهاون أو كسل.

تضع هذه العجوز صندوقا أزرق وراء دراجتها كل يوم لتملأ فيه ما تدر عليها بقرتها الوحيدة من حليب وما تمكنت من جمعه بقبضتها من بقدنوس وخضر لتجني بضعة دنانير تذهب لتسديد نفقاتها.

عزيزة سمراء البشرة تخفي وراء شيخوختها وضعف بنيتها الجسدية تاريخا حافلا بالألقاب والانتصارات فهي المرأة الحديدية التي هزمت في عدة مسابقات أشرس العداءات في رياضة العدو الريفي.

تستذكر هذه البطلة السابقة التي تحصلت على اثني عشر ميدالية ذهبية في العدو الريفي نفسها عندما كانت شابة كيف تنطلق كالسهم لتطوي الأرض طيا وتترك أقوى العداءات يلهثن بمرارة وراءها.

تقول بشعور فيه كثير من السعادة “لقد كنت موهوبة من عند الله لكن والدتي علمتني الجري حافية على الأقدام في الجبال والسهول دون أن يدور بذهنها يوما ما أنها ستصنع مني بطلة في العدو الريفي”.

استطاعت عزيزة التي يحافظ وجهها على ابتسامة ناعمة أن تتخطى الصعاب منذ أن كانت صغيرة فقد تغلبت في مسابقات عدة في تونس والجزائر على منافسات أردن أن يهزمنها حتى بطرق “غير شريفة”.

تتذكر ذات مرة كيف حاول عون حرس مرور يمتطي دراجة نارية أن يعيق تقدمها على منافسة لدودة لها تدعى جليلة في يوم ممطر فوق سفح جبل الشعانبي لكن عنفوانها وإصرارها أبيا الانحناء للفشل.

وكما كان شبابها مليئا بالحماس والإقدام والانتصار فإن عزيزة ذاقت أيضا مرارة العيش بعدما زُوّجت مكرهة ابن خالها العاطل عن العمل.

تحولت حياة عزيزة إلى جحيم بسبب اختلاف رؤيتها المنفتحة مع رؤية زوجها المحافظ فقد منعها بعد إنجابها ابنتها مواهب من المشاركة في مسابقات العدو الريفي إلى درجة أنه كان يعنفها كما تقول.

ثم تضيف “حاولت أن أكون أما حنونا ورياضية ناجحة في نفس الوقت لكن زوجي منعني ولم يسمح لي سوى بالعمل في إحدى دور الشباب (…) علاقتي معه لم تدم سوى خمس سنوات أنجبت خلالها ابنتين”.

بما أن زوجها كان عاطلا عن العمل تكفلت عزيزة التي تعلمت ركوب الدراجة بلا مبالاة في وسط محافظ برعاية ابنتيها الصغيرتين وغرست فيهما حب الرياضة والصبر والصمود حتى تمكنت من إنقاذهما.

تعمل ابنتها الكبيرة مواهب حاليا أستاذة رياضة في مدرسة إعدادية بمدينة بوسالم بمحافظة جندوبة (شمال غرب) أما ابنتها الصغيرة سهير فقد تخرجت من الجامعة وتم انتدابها كمعلمة في مدرسة إعدادية قريبة.

استطاعت عزيزة بفضل إصرارها على ركوب الدراجة الهوائية التي كانت في منطقتها حكرا على الرجال أن تكسر نظرة المجتمع وأن تعيل بناتها دون أن تمد يدها.

كما لم يثنيها حاليا تقدمها في السن واعوجاج ظهرها عن سياقتها أو مجرد التفكير للحظة في تركها فيها فهي الصندوق الأسود الحامل لكل ذكرياتها الأليمة ومحطاتها الناصعة.