في الأسبوع الماضي خرجت عفراء بن عزه، الطالبة بأحد المدارس الثانوية بمحافظة الكاف (شمال)، للمشاركة مع المئات من أبناء جهتها في مظاهرة نظمها حقوقيون وسياسيون للاعتراض على مشروع قانون طرحه الرئيس التونسي للمصالحة مع رجال أعمال فاسدين مقابل استرجاع جزء من أموال نهبوها.

لكن عفراء لم تصل مطلقا إلى مكان الوقفة الاحتجاجية، فقد سبقها رجال الأمن إلى هناك ووقع تفريق الحشد باستعمال قنابل الغاز والعصي.

في الأسبوع الماضي خرجت عفراء بن عزه، الطالبة بأحد المدارس الثانوية بمحافظة الكاف (شمال)، للمشاركة مع المئات من أبناء جهتها في مظاهرة نظمها حقوقيون وسياسيون للاعتراض على مشروع قانون طرحه الرئيس التونسي للمصالحة مع رجال أعمال فاسدين مقابل استرجاع جزء من أموال نهبوها.

لكن عفراء لم تصل مطلقا إلى مكان الوقفة الاحتجاجية، فقد سبقها رجال الأمن إلى هناك ووقع تفريق الحشد باستعمال قنابل الغاز والعصي.

“عندما وصلت اعتقلني أعوان الشرطة وتعرضت للاستجواب دام أكثر من ساعتين بسبب ارتدائي قميصاً كتبت عليه عبارة “مانيش مسامح” (لن أسامح)”، تقول لـ “مراسلون”.

وتضيف هذه الفتاة أن رجال الشرطة كانوا متشددين معها وهددوها بالزج في السجن بتهمة “التخطيط لقلب النظام والتحريض على العصيان المدني والإساءة للأمن، إن عادت مرة أخرى للمشاركة في إحدى الاحتجاجات التي يمنعها قانون الطوارئ المفروض في البلاد قبل حوالي شهرين.

ضد قانون المصالحة

عفراء ليست حالة استثنائية فقد اعتقلت الشرطة عددا من المحتجين الأسبوع الماضي (12 أيلول/ سبتمبر) عندما تظاهروا في العاصمة ومدن أخرى ضدّ تمرير مشروع قانون المصالحة مع رجال أعمال وموظفين حكوميين متهمين باستغلال النفوذ والفساد المالي والرشوة، وهو ما زاد المخاوف من قمع الحريات وتقييدها.

وفي الآونة الأخيرة حذرت منظمات حقوقية محلية ودولية معروفة على غرار “هيومان رايتش ووتش” من عودة القمع للبلاد خاصة بعد استخدام العنف ضد احتجاجات للمعلمين والفلاحين ونشطاء حقوقيين ومعارضين سياسيين.

وصعدت تلك المخاوف من عودة القبضة البوليسية على البلاد من حملات الاستنكار والتنديد في أوساط المعارضة التي تحدت السبت الماضي تحذير وزارة الداخلية بمنع مسيرات احتجاجية ضدّ ذلك القانون ونزلت بأعداد غفيرة للشارع.

المعارضة تحاول من خلال تلك الاحتجاجات كسر القيود التي يفرضها قانون الطوارئ والتمرد ضدّ مشروع قانون المصالحة الذي يعتبره البعض مدخلا لإعادة منظومة الفساد والرشوة.

وكانت على رأس تلك الأحزاب المحتجة الجبهة الشعبية التي تتكون من ائتلاف أحزاب يسارية صغيرة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يتزعمه الرئيس السابق المنصف المرزوقي وعدد من الأحزاب الصغيرة التي تشكلت بعد الثورة ونال عدد منها بعض المقاعد القليلة في البرلمان الذي تسيطر فيه حركة نداء تونس وحركة النهضة الإسلامية على أكبر المقاعد.

“خرق قانون الطوارئ”

وجاء احتجاج السبت الماضي وسط الشارع الرئيسي للعاصمة رمز الثورة التونسية  بعد عشرة أيام من وقوع اشتباكات عنيفة  بين رجال الشرطة وبعض المحتجين الذين تعرضوا للضرب والاعتقال بتهمة خرق قانون الطوارئ الذي يمنع التجمهر والتظاهر. ومن بين المحتجين الذين تم تعنيفهم واعتقالهم مسؤولون في أوساط نقابية.

الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل سامي الطاهري علّق على ما حدث من اعتداء أمني على نقابيين في تصريح لـ”مراسلون” بأنه “وصمة عار في سجل الديمقراطية في تونس”.

لكن وزير الداخلية محمد ناجم الغرسلي شدد على أن الوحدات الأمنية لم تعتدي على الحريات وأنها كانت مطالبة بتطبيق قانون الطوارئ الصادر في تموز/يوليو الماضي، والذي يمنع المظاهرات والتجمعات في الأماكن العمومية.

وأكد الوزير في نفس الاتجاه على أن “كل المسيرات مخالفة لقانون الطوارئ الذي يهدف لحماية البلاد من الإرهاب وليس قمع الحريات”.

غير أن تبرير وزير الداخلية بأن استخدام قانون الطوارئ مرده محاربة الإرهاب يراه البعض تضليلا وغطاء للتضييق على الحريات والحقوق التي فاض بها الدستور التونسي الجديد.

ولم تطل الاعتداءات الأمنية خلال الاحتجاج على قانون المصالحة فقط النقابيين بل طالت كذلك شخصيات سياسية معروفة كالقيادي والنائبين بالجبهة الشعبية منجي الرحوي ومباركة عواينية زوجة الشهيد محمد البراهمي.

“عودة القمع”

المؤاخذات الحقوقية ضدّ عودة أساليب القمع لم تقتصر على الاستعمال المفرط للقوة لقمع التحرّكات والاحتجاجات بدعوى تطبيق حالة الطوارئ والخوف من تهديدات إرهابية جدية بل تجاوزت ذلك لتصل إلى حدّ الاعتداء لفظيا على قضاة يتمتعون بالحصانة الدستورية.

منذ أيام اشتكى القاضي بالمحكمة الابتدائية بزغوان أحمد بالرجب من الاعتداء عليه لفظيا من قبل أحد أعوان أمن شرطة المرور الذي قال له “أنت قاض وأنا رئيس مركز أمني ويمكنني إيقافك متى شئت ذلك”. وهذا الأمر خلق حالة احتقان في أوساط القضاة التونسيين.

ويتوقع أن تستمر حالة الاحتقان في الشارع التونسي مع اقتراب مناقشة مشروع قانون المصالحة مع رجال الأعمال داخل البرلمان وهو ما ينبئ بحلول خريف ساخن سيمثل اختبارا حقيقيا لمسار الثورة.