بتاريخ 3 أبريل 2012 أرسل جاكوب سوليفن (مدير إدارة التخطيط السياسي ونائب كبير موظفي وزارة الخارجية) إلى كل من جيفري فلتمان (مساعد وزيرة الخارجية لشئون الشرق الأدنى) وجين كريتز (أول سفير أميركي في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي) وكريس ستيفنز (المبعوث الامريكي للمجلس الوطني الليبي الانتقالي)، تقريراً من مصدر خاص بهيلاري كلينتون. مذيل بعبارة “يهمني معرفة ردود أفعالكم.”

بتاريخ 3 أبريل 2012 أرسل جاكوب سوليفن (مدير إدارة التخطيط السياسي ونائب كبير موظفي وزارة الخارجية) إلى كل من جيفري فلتمان (مساعد وزيرة الخارجية لشئون الشرق الأدنى) وجين كريتز (أول سفير أميركي في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي) وكريس ستيفنز (المبعوث الامريكي للمجلس الوطني الليبي الانتقالي)، تقريراً من مصدر خاص بهيلاري كلينتون. مذيل بعبارة “يهمني معرفة ردود أفعالكم.”

مصدر هيلاري (مجهول الاسم) ذو مصادر ذات صلة مباشرة بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي، ومصادر في أعلى المستويات بحكومات أوروبية، وجماعة الإخوان المسلمين المصرية، ومصادر استخباراتية وأمنية غربية.

يُطلعنا تقرير المصدر على ما دار من نقاش في اجتماع لقادة المجلس الوطني الانتقالي (لا يذكر أسماء جميع القادة هؤلاء) في أواخر مارس 2012، تحدثوا فيه عن “تصاعد شعبية جماعة الإخوان المسلمين الليبية أثناء التحضيرات للانتخابات البرلمانية في 7 يوليو 2012.”.. كان رأي مصطفى عبد الجليل أن جماعة الإخوان الليبية سوف تكون فاعلاً أساسياً في الانتخابات المقبلة بسبب ظهور الحركة الفيدرالية في شرق ليبيا التي تدعو إلى إحياء “إقليم برقة التاريخي” في وضعية حكم شبه ذاتي.”

وهو الرأي نفسه الذي يقول به وزير الدفاع أسامة الجويلي (يمثل منطقة الزنتان في غرب ليبيا) ورئيس الوزراء عبدالرحيم الكيب (يمثل طرابلس) في صيغة ارتباط شرطي بين صعود شعبية جماعة الإخوان الليبية (في غرب البلاد وجنوبها) وتزايد فعالية الحراك الفيدرالي في شرق البلاد (برقة).

أو كما قال جويلي “جماعة الإخوان الليبية تستمد قوتها من الأشخاص الخائفين الذين يخشون أن تهيمن الحركة الفيدرالية في برقة على شرق البلاد، وبالتالي تسيطر على نصيب مبالغ فيه من عائدات النفط والثروات المعدنية.”

وبهذا الخصوص نبّه مصطفى عبد الجليل إلى أنه في حال لم يتم حل هذه التعقيدات السياسية فإنها ستخلق بيئة غير مستقرة لإتمام العملية السياسية الانتقالية. الأمر الذي سوف يدمر صورة البلاد كشريك اقتصادي مما يجعل المصارف الأجنبية ومؤسسات النفط، تحجم عن تنشيط الاتفاقات القائمة مع الحكومة الليبية الجديدة.

ونقلاً عن الكيب في ذات الاجتماع فإن أخطر ما في صعود جماعة الإخوان الليبية هو صعود عبد الحكيم بلحاج الذي اعتبره قادة المجلس الوطني الانتقالي يمثل تهديداً خطيراً على مسار الانتقال السياسي المرسوم حسب الإعلان الدستوري. وبداية صعوده كان مشهد تطويبه (إعلامياً) قائداً ثورياً إسلامياً ممجداً كما أظهرته قناة الجزيرة في لقاء معه منقول على الفضاء مباشرة عن سبق إعداد وتحضير، لإظهار “الجنرال” بلحاج وهو يدخل ميدان العاصمة الكبير في مقدمة قواته كفاتح مزهواً بانتصاره، ويعلن عبر شاشة القناة القطرية عن “نجاح عملية تحرير طرابلس” ويقدم نفسه بصفته قائد المجلس العسكري للمدينة/ العاصمة.. وجاء في التقرير السري المذكور أن بالحاج عمل على لعب دور قيادي في جماعة الإخوان الليبية وحزبها العدالة والبناء.

وواقع الأمر أنه يعادي الإخوان آيديولوجياً. فهو كان أمير “الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة” المرتبطة عضوياً بالقاعدة. حارب في أفغانستان العام 1988 باسم الجهاد ضد الملحدين السوفيات، ضمن مخطط السي أي أيه بالاشتراك مع المخابرات المصرية والسعودية.. أسس الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة في بداية التسعينيات. بعد هزيمة الجيش السوفياتي وانسحابه ثم اندلاع الحرب الأهلية بين المجاهدين الأفغان، تنقل بلحاج بين عدة دول ( باكستان، تركيا، السودان…). عاد إلى ليبيا عام 1994، وأطلق مع قادة “الجماعة المقاتلة” حركة مسلحة “جهادية” ضد نظام القذافي. ونتيجة لضربات النظام العسكرية الشرسة ضد عناصر “الجماعة” في الجبل الأخضر، تسلل بلحاج خارج ليبيا عائدا إلى أفغانستان في حوالي العام 1996.

ولن يُعرف عنه شيئا تقريباً إلا بعد اعتقاله في ماليزيا (فبراير 2004) ثم تدخل المخابرات الأمريكية التي سلمته إلى نظام القذافي بتاريخ 8 مارس 2004. وفي مارس 2010 تم الإفراج عنه ومعه قيادات التنظيم وحوالي 136 عضوا من عناصر “الجماعة المقاتلة” ضمن 214 معتقلاً من التيار الإسلامي مختلف المشارب. وذلك بعد توسط شيخ الإخوان الليبيين علي الصلابي وفقيه الإخوان الأمميين يوسف القرضاوي عند سيف الإسلام نجل الدكتاتور القذافي وبرعاية قطر التي أشرفت عام 2005 على محاورات الإخوان (فرع ليبيا) مع نظام القذافي الذي أراد “تحييد جماعات المعارضة، وخاصة الإسلامية.” انتهت بالعفو عنهم وإطلاق سجنائهم بعد تعهدهم بحل تنظيمهم والتخلي عن أي نشاط سياسي، لينخرطوا في خدمة مشروع سيف الإسلام التوريثي تحت يافطة “ليبيا الغد”.

ومن تلك الخدمات توسطهم في ترويض “الجماعة المقاتلة” الذي أسفر عن موافقة قيادات الجماعة (أبرزهم الأمير بلحاج والمسؤول الشرعي سامي الساعدي والمسؤول الأمني والعسكري خالد الشريف) على حل التنظيم، وإصدار كتاب مراجعات يتضمن “دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس” يقع في 414 صفحة. تراجعوا فيه تائبين عن آيديولوجيتهم الأصولية الجهادية بالكامل. وقطعوا عهداً ألا يعودوا لممارسة العنف ضد النظام والدولة.

بل كتبوا رسالة تهنئة واعتذار إلى “القائد” معمر القذافي بتاريخ 27/8/2009. جاء فيها

“بسم الله الرحمن الرحيم الأخ / قائد الثورة العقيد معمر القذافي السلام عليكم ورحمة الله

ننتهز هده الفرصة لتهنئتكم بحلول شهر رمضان المبارك سائلين الله عز وجل أن يعيده علينا وعلى الأمة الإسلامية جمعاء باليمن والخير والبركات.

وبهذه المناسبة نتقدم إليكم باعتذارنا عن جميع ما صدر منا في حقكم وذلك ابتداء من تكوين تنظيم سري إلى كل ما تفرع عنه من أعمال صغيرة أو كبيرة، ولقد قال ربنا عز وجل : فمن عفا وأصلح فأجره على الله… وقال تعالى: والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين.

ونحن نأمل أن يكون ردَكم على اعتذارنا هو قول يوسف عليه السلام لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. وأصحاب النجدات من الناس لا ينظرون وراءهم إلا لأجل أن تزداد خطواتهم قوة وصدورهم سعة.

وتقبلوا بالغ اعتذارنا وفائق احترامنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.”

وبعد قرابة سنة من الإفراج عنه وجماعته اندلعت انتفاضة 17 فبراير 2011 التي تحولت سريعاً إلى حركة تمرد عسكري. فأنخرط بلحاج وقيادات وأعضاء “الجماعة المقاتلة” في جبهات الحرب ضد قوات القذافي.

وها هم الآن يُعتبرون المسيطرين على العاصمة طرابلس باسم “فجر ليبيا”، ويسيطرون على درنة بواسطة كتيبة شهداء بوسليم، ويحاربون قوات حفتر في بنغازي..

وكما شكل بلحاج تهديداً لنظام القذافي، كذلك لقيادة المجلس الوطني الانتقالي، حسب مصدر هيلاري كلينتون. ومع ذلك، وربما لذلك، اجتمع جويلي بتعليمات من الكيب وعبد الجليل، مع بالحاج وأمراء ميليشيات من غرب البلاد لضمان “دعمهم ومساندتهم إذا ما ظهرت الحاجة للقوة العسكرية للمحافظة على ليبيا موحدة.” في حالة إحكام سيطرة الحركة الفيدرالية على شرق البلاد.

ويذكر تقرير مصدر كلينتون أن عبدالجليل ومستشاريه أجروا اتصالات مع المرشد الأعلى محمد بديع. والمعروف أن مرشد الإخوان في مصر هو بمثابة آية التنظيم العظمى، يتبعه مراقبو التنظيمات الفرعية في بقية الدول. فهو وحده يحمل صفة المرشِد والبقية مجرد مراقبين، ملتزمين بفرض الولاء والطاعة لتوجيهاته وتعليماته. ومن هنا كانت أهمية الاتصال والتفاهم مع “الرأس الكبيرة”. لا سيما وأن فوز جماعة الإخوان المصرية، من خلال حزبها الحرية والعدالة، بالسلطة في انتخابات أواخر 2012، كان متوقعاً عند الليبيين كما هو عند المصريين.

ويذكر تقرير مصدر كلينتون نقلاَ عن عبد الجليل أن المرشد الأعلى وعده أن يمارس تأثيره على جماعة الإخوان الليبية حتى يتعاونوا مع المجلس الانتقالي الليبي. وبطبيعة حال المرحلة (انتفاضات الربيع العربي) التي تراءت فيها لجماعة الإخوان في المركز المصري وفروعه بشارة هيمنة مشروعهم السلطوي الأممي بعد قرابة قرن من الخيبات والنكسات، لم يكن وعد المرشد المنتشي بالنصر المبين لعبد الجليل سوى ضربٍ من الخداع.

ولا أدري هل كان عبد الجليل مقتنعاً جدياً بإقناع رأس المحفل الإخواني عندما بيّن له “إن جماعة الإخوان الليبية وحزبها العدالة والبناء أبعد ما يكونون عن التسامح مع الشركات الأجنبية والمصالح البنكية أكثر من المجلس الوطني الانتقالي، وأن الظهور القوي في انتخابات يوليو سيدعم بلحاج وإسلاميين آخرين متشددين، مما سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد الليبي، والذي سيؤدي لإثارة مشكلات لمصر بينما هي تتعافى من (آثار) ثورتها في 2011.”

كما حذره من أن فوز جماعة الإخوان الليبية وحزبها يمكن أن يؤدي إلى زيادة العنف بين الميليشيات المتنافسة والتي يمكن أن تمتد آثارها إلى مصر.. وفي ختام التقرير السري ترِد مجموعة تعقيبات حسب طلب جاكوب سوليفن من المُرسل إليهم.

كريس ستيفنز (سيصبح سفيراً في ليبيا ويقتل في الهجوم على القنصلية الأمريكية ببنغازي يوم 11 سبتمبر 2012. يقول ستيفنز في تعقيبه بتاريخ 3 أبريل 2012 أنه اجتمع مع صاحب النظرة الثاقبة (أسمه مطموس لسريته الاستخباراتية.) وناقش معه حظوظ الإخوان الليبيين في انتخابات يوليو القادم. وينقل ستيفنز عن صاحب النظرة الثاقبة أنه يعتقد أن الإخوان ليسوا منظمة قوية لأن شعبيتهم محدودة، ومعظم الليبيين يعتبرونهم مجرد تبع لجماعة الإخوان المصرية. وهم لا يمثلون نداً قوياً للحركة الفيدرالية. ونبه إلى احتمال تحرك الفيدراليين في مجال إنتاج النفط ضمن المنطقة الشرقية.. ومن الواضح أن  صاحب النظرة الثاقبة يستحق لقبه.

أما تعقيب جين كريتز (أول سفير أميركي في ليبيا) فقد وصف فيه عبد الحكيم بلحاج بـ«our boy» ويعني في العربية “ولدنا”. وهي تسمية استخباراتية تُشير إلى العمالة. ويقول أن “ولدنا”، الذي يتهمنا نحن والبريطانيون بتسليمه “حاول أن ينصب نفسه قائداً للمجلس العسكري الأعلى في طرابلس قبل تدخل المجلس الانتقالي منذ عدة أشهر. دعوني أُحاول استجلاء ذلك ونرى إذا كان يتفق مع الحقائق التي نراها.”