منذ نيسان/أبريل الماضي اختفى فجأة عن الأنظار المهندس أحمد النجار الذي كان يعمل لسنوات في المعهد التونسي للإحصاء (مؤسسة حكومية)، الأمر الذي حيّر  زملائه والمقربين منه.

بعد أيام قليلة من هذا الغياب بدأ القلق يستبدّ بالجميع في مقر العمل حيث تعطلت بعض المعاملات الإدارية التي يشرف عليها هذا المدير المختفي وتراكمت الوثائق التي تنتظر إمضاءه.

فرّ في ظروف غامضة

منذ نيسان/أبريل الماضي اختفى فجأة عن الأنظار المهندس أحمد النجار الذي كان يعمل لسنوات في المعهد التونسي للإحصاء (مؤسسة حكومية)، الأمر الذي حيّر  زملائه والمقربين منه.

بعد أيام قليلة من هذا الغياب بدأ القلق يستبدّ بالجميع في مقر العمل حيث تعطلت بعض المعاملات الإدارية التي يشرف عليها هذا المدير المختفي وتراكمت الوثائق التي تنتظر إمضاءه.

فرّ في ظروف غامضة

بداعي الاستفسار توجه بعض من زملائه لمنزله من أجل الاطمئنان عليه. كان منزله يغرق في سكون مخيف ويثير الريبة والشكوك والهواجس.

في الفناء الخارجي كانت سيارته الإدارية تربض في حالة مهملة. باب السائق لم يكن محكم الإغلاق والمفاتيح ملقاة على الكرسي الخلفي للسيارات وكذلك الأختام الإدارية وبعض الوثائق غير المهمة وحقيبة صغيرة فارغة.

أصيب حاجب الإدارة بهلع كبير وركض مسرعاً ليعلم بقية زملائه، فقد شعر بأن هناك خطب ما حلّ بأحمد النجار وعائلته الصغيرة المكونة من زوجته وابنته الصغيرة التي لم تتجاوز سن الثالثة.

في البداية فشلت كل جهود أعوان إدارة المعهد الوطني للإحصاء (المؤسسة الحكومية التي تشرف على نشر الإحصاءات الرسمية) في فك لغز هذا الاختفاء المفاجئ لكن في النهاية توصلوا لفك اللغز.

فمع مرور الوقت بلغ إلى مسامع الإدارة بأنه التحق بجبهات القتال في سوريا بعد مبايعته لتنظيم “داعش” الإرهابي وهو ما أحدث حالة من الصدمة في صفوف زملائه.

أرغم الزوجة على ارتداء النقاب

لكن أحد زملائه في العمل رفض الكشف عن هويته يقول لـ “مراسلون” إنه لم يتفاجأ بالتحاق أحمد بتنظيم “داعش”، مشيرا إلى أنه لاحظ عليه تغيرات كبيرة في نمط حياته حيث “أصبح أكثر تزمّتاً وانطواءاً”.

يقول “كان أحمد شاباً يتقد حيوية لكنه منذ سنتين تغير كثيراً بعدما أطلق لحيته وفرض على زوجته الشابة ارتداء النقاب”، مضيفا أنه كان يرفض مصافحة زميلاته باليد وكان يتعمّد غض النظر كلما توجهت واحدة منهنّ بالحديث إليه.

ما أثار صدمة هذا الرجل وزملائه في العمل هو اصطحاب أحمد لزوجته وابنته التي لم تتجاوز الثلاثة سنوات إلى القتال في سوريا حيث المعارك الطاحنة تحصد الأرواح يومياً.

يروي محدثنا كيف أن عائلة أحمد رفضت في البداية التسليم بسفر ابنها للقتال في سوريا، مستذكرا أن شقيقته تهجمت على زملائه في العمل واتهمتهم بأنه يريدون تشويه صورة شقيقها وتحطيم مستقبله المهني.

لكن بعد أسابيع قليلة تحققت أسوأ مخاوف العائلة فقد اتصل بها أحمد ليعلمها أنه في الرقة في سوريا “يقاتل أعداء الله” وهو خبر نزل كالصاعقة على والده المسن الذي أصبح طريح الفراش لا يقوى على الحركة.

كان محبا للحياة

بحسب مصادر عائلية مقربة منه كان أحمد شاباً مسالماً ومحباً للحياة، وقد تميز مساره التعليمي بالتفوق والنجاح حتى أنه أنهى دراسته الجامعية بامتياز وتخرج كمهندس في الإحصاء ما مكنه من الالتحاق بالمعهد الوطني للإحصاء بسرعة.

ولكونه مجتهدا ومثابرا استطاع أن يحظى بثقة رؤسائه في العمل واستطاع في زمن قياسي أن يرتقي مهنياً إلى أن تم تعيينه كمدير إقليم الشمال الغربي مكلفاً بملف التعداد العام للسكان بولايات الشمال الغربي.

“قبل الثورة الشعبية كان أحمد شاباً عادياً لا تبدو عليه مظاهر التدين لكن مع بداية 2012 أصبح أكثرا انطواء وصمتا وابتعادا عن زملائه”، بحسب إحدى زميلاته التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها.

تتابع: “لقد لاحظت أنه كان يتفادى الحديث معي أو مصافحتي وكلما توجهت له بالكلام كان يغضّ بصره. ذات مرة سمعت أنه أجبر زوجته على ارتداء النقاب وعندما سألته عن السبب غضب مني وقال إن ذلك أمر فرضه الله وإننا جميعاً في ضلال مبين وإن نهايتنا ستكون جهنم وإن هذه البلاد تحتاج إلى فتح إسلامي جديد”.

وتضيف متأسفة “كنت أتهكّم عليه وأقول له أنت تتحدّث كشيخ وليس كشاب في مقتبل عمره. لقد كان يغضب وينصرف لكن رغم مواقفه الغريبة لم أعتقد يوماً أن الأمور ستصل لحدّ التحاقه بداعش. إنه شيء مؤسف”.

متهم باختلاس الاموال

بحسب الأبحاث الأولية يبدو أن أحمد غادر عن طريق مطار تونس قرطاج في اتجاه تركيا ومن ثمة إلى سوريا. لكن المثير في القصة هو أن هناك تحقيق فتح في حقه لاتهامه باختلاس وصولات بنزين تقدر بنحو 7 آلاف دينار (3.5 آلاف دولار).

ليس هذا فحسب، فقد اتهم أيضا بسرقة أموال كانت تحت عهدته وهي عبارة عن مصاريف تخصصها الإدارة لمجابهة بعض النفقات الطارئة.

اتهامه باختلاس المال العام دفع الفرق الأمنية المختصة للتحقيق مع رؤسائه في العمل ومع العائلة ومع زملائه لكن الأبحاث لا تزال متواصلة ولم تبلغ أي نتيجة بعد.

منذ نيسان/ أبريل الماضي تاريخ التحاقه بتنظيم “داعش” لا أحد من عائلته أو زملائه في العمل يعلم بمصير أحمد النجار مهندس الإحصاء، ولا أحد يعلم ماذا حلّ بزوجته وابنته.

يذكر أن بعض التقارير الإعلامية تضع تونس على قائمة الأكثر بلدانا مصدرة للمقاتلين الأجانب في سوريا بنحو 3 آلاف مقاتل أغلبهم تم استقطابه عن طريق مواقع التواصل أو بعض المساجد التي كان يسيطر عليها أئمة متشددون.