“الله أكبر” كلمة باتت نذير خطر بالنسبة لكثر حول العالم، ولكنها للبعض الآخر مفتاح لأبواب الجنة. بعضهم انضم لما يسمى بـ “تنظيم الدولة الاسلامية” والبعض تبع تنظيمات أخرى، تجمعهم كلّهم راية الجهاد في سبيل الله وإن فرقتهم التفاصيل الفقهية، ويدعون لتطبيق الشريعة وتأسيس دولة الخلافة.

لم يحقق تنظيم جهادي سابقاً ما حققه تنظيم “الدولة الاسلامية” المصنّق بالإرهابي، فبالرغم من تصنيفه هذا “ينفر” إليه الآلاف من كل حدب وصوب، يهربون من حياتهم الخاوية المملة بحثاً عن مغامرة، أو يرجون سلطة جديدة تمنحهم العدل وتعدهم بمستقبل مختلف، ومنهم من يذهب من دون أسباب، لوجه الله فقط.

“الله أكبر” كلمة باتت نذير خطر بالنسبة لكثر حول العالم، ولكنها للبعض الآخر مفتاح لأبواب الجنة. بعضهم انضم لما يسمى بـ “تنظيم الدولة الاسلامية” والبعض تبع تنظيمات أخرى، تجمعهم كلّهم راية الجهاد في سبيل الله وإن فرقتهم التفاصيل الفقهية، ويدعون لتطبيق الشريعة وتأسيس دولة الخلافة.

لم يحقق تنظيم جهادي سابقاً ما حققه تنظيم “الدولة الاسلامية” المصنّق بالإرهابي، فبالرغم من تصنيفه هذا “ينفر” إليه الآلاف من كل حدب وصوب، يهربون من حياتهم الخاوية المملة بحثاً عن مغامرة، أو يرجون سلطة جديدة تمنحهم العدل وتعدهم بمستقبل مختلف، ومنهم من يذهب من دون أسباب، لوجه الله فقط.

الأكيد أن هذا التنظيم الذي يذبح ويسلب ويدعو للخلافة في بلاد المسلمين ولا تنجح انظمة عربية مستبدة في مواجهته ولا ترغب أنظمة دولية في القضاء عليه هو وجهة ومحل تقدير وإبهار فتيات وشبان كثر، من بينهم مصريون.

في السطور التالية نرصد بعض ملامح وتحولات أربعة أشخاص قرروا “النفير” للجهاد، منهم من انضم لداعش ومنهم من انضم لجبهة النصرة. سافروا وحملوا السلاح، جاهدوا في سبيل الله. وفي طريقهم نحو مرضاة الله ربما قتلوا آخرين ممن يروهم كفاراً.

قمنا بتغيير أسماء جميع الاشخاص الذين قابلناهم في هذا الموضوع بناءً على طلبهم.

أبو سلمة: نفير العبد الفقير

تخرج اسلام يكن ” أبو سلمة” من مدرسة الليسيه في منطقة هليوبوليس، ودخل كلية الحقوق. ووفقا لتدوينة حكى فيها عن رحلته الى سوريا تحت عنوان “نفير العبد الفقير” لم يكن إسلام يذهب إلى الجامعة إلا وقت الامتحانات، لأنه دخل هذه الكلية فقط وفقا لتنسيق مجموعه.

يقول صديقه منذ الطفولة “شريف” أن اسلام كان شخصاً طبيعياً خفيف الظل ومرحاً يحب الخروج والسفر. هو من عائلة متدينة جداً ولديه أخت منتقبة، “لكن لم يكن لديهم اي توجه سياسي”، يتابع شريف.

في السنة الثانية بالجامعة أبدى إسلام اهتماماً باللياقة البدنية، وكان يحلم بأن يصبح مدرباً رياضياً خارج مصر، وكان يذهب يومياً إلى صالة ألعاب رياضية مجاورة لمنزله حتى جعله مدير الصالة مدرباً، وبعد وقت حصل على تدريبات وشهادات تؤهله للتدريب المحترف على المستوى الدولي، وجاءته الفرصة للعمل في صالات رياضية مشهورة لكنه رفض بسبب اللحية، وتدريب النساء، والمعازف، على حد قوله في تدوينته.  

وفقا لشريف شارك إسلام في الثورة والتظاهرات ضد المجلس العسكري وكان يكره الاخوان المسلمين “لأنهم لا يطبقون مناهج القرآن الصحيحة ولانهم يخلطون الدين بالسياسة”.

يقول صديقه إنه في عام 2014 توفي صديق لإسلام في حادث موتوسيكل. شعر إسلام أنها علامة، وأنه قد يموت في اي لحظة، فقام بعدها بإطالة لحيته والإكثار من قراءة القرآن، “لكنه بقى طبيعيا بعض الشئ”.

يقول إسلام في تدوينته بعد أن يشكر الله أنه أنقذه من “الجاهلية” التي كان يعيش بها، أنه بعد التزامه دينيا كان لديه صحبة من “الأخوة” الصالحين وكانوا يقومون بجولات دعوية. “نكلم الشباب عن الصلاة والقرآن وغض البصر والإختلاط والتدخين والخمر وكل هذه الأمور”. ومن ضمن هؤلاء الاخوة كان محمود الغندور الذي شاركه في هذه الجولات ونفذا سويا فيديوهات دعوية على يوتيوب.

“في هذه الفترة أي أوائل 2013 كنا نرى حال المسلمين والإسلام في شتى بقاع الأرض في سوريا وبورما وفلسطين وكل مكان وما حل بهم من ذل وإستعباد وضعف، ونفكر فطرياً بالجهاد والقتال ولكننا لا نعرف كيف هذا”، كتب إسلام.

يستطرد صديق إسلام أنه الأخير كان قد أخبرهم بنيته السفر والجهاد في سبيل الله، وأنهم تعجبوا من الفكرة وظنوا أنه لن يستطع تنفيذها.

يحكي شريف أن اسلام قرر الاعتكاف طوال شهر رمضان من العام 2013، وكان يتواصل معه عبر فيسبوك فقط، ثم اختفى في العشرة أيام الأخيرة ليعلم شريف عن طريق صديق آخر أن إسلام قد سافر إلى تركيا ومنها إلى سوريا لينضم إلى تنظيم “الدولة الاسلامية”.

يحكي إسلام عن أخيه في الإسلام “ابو القعقاع” وهو مدرب رياضي هو الآخر، قرر النفير للجهاد في أيار/مايو 2013 وقتل لاحقا في الشام، وهو الذي اشعل الوقود في قلوب أخوته ومن ضمنهم إسلام للنفير. وبالفعل ظل اسلام يحاول حتى سافر.

كان شريف على ثقة بأن صديقه لا يشبه الدواعش. هو يعرفه جيداً ولا يتصور أن يقوم بذبح أحد. وحين رأى صورته بجوار رأس مقطوع لم يصدق. يقول إن إسلام نشر هذه الصورة فقط من أجل الشهرة، “فهو يحب الشهرة”. ولن يصدق شريف حتى يري بعينه.

ارتبك شريف ولم يعد يعلم إن كان ما فعله إسلام صحيحاً أم خاطئاً. يقول “إسلام كان فاضي جدا من جوه، ولما اتملى وتعمق في الدين عمل كده، هو كان بينزل الجوامع اللي في منطقته وبيسمع الشيخ حسين يعقوب وغيره،  وابتدى يكره المسيحيين ويحرض ضدهم، وحس إنه عليه واجب تطبيق الشريعة..هو كان عايز يتوب عن حاجات عادية زي صوره في الجيم (النادي) اللي شالها. أنا كنت متمسك بإسلام حتى بعد ما سافر وحسيت انه اتظلم واتلعب في دماغه وانه تعمقه في الدين بس كان في الوقت الغلط فاتلخبط غصب عنه”.

الغندور: من كرة القدم للدولة الاسلامية

تخرج من مدرسة خاصة في منطقة الهرم ليلتحق بكلية الحقوق. هو من أسرة ترتبط بالرياضة بشكل ما، فعمله هو حكم كرة القدم الدولي المعروف جمال الغندور ولديه أقرباء آخرين سلكوا طريق التحكيم. هو نفسه كان حكماً لدوري الدرجة الثانية حتى شطب اسمه بعد سفره للجهاد في سوريا نهاية عام 2013 مع صديقه إسلام يكن.

يُعتقد أن محمود الغندور ذا الـ 24 عاماً موجود الآن في العراق. انطلقت شائعات في نيسان/أبريل الماضي تعلن وفاته، لكن ما لبث أن نفاها هو وصديقه “يكن” عبر فيديو ساخر على الطريقة الداعشية.

الأمر ليس غريبا فالغندور كان معتاداً على إخراج وتصوير الفيديوهات، بدءا من فيديوهاته التمثيلية على يوتيوب والتي يقلد فيها أغاني مصرية وأجنبية، ثم بعض الفيديوهات “الدعوية” للشباب والتي ظهر فيها أيضا مع صديقه “يكن”.

بنظرة تفصيلية على حساب الغندور على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يمكن بسهولة ملاحظة التحول الذي حدث في حياته؛ ففي الاعوام 2010 و 2011 كان اهتمام الغندور منصبا على الموسيقى والشعر والفتيات، وكان يتحدث حتى عن ممارسة الجنس بأريحية، ولكن لم تخلُ صفحته بالرغم من ذلك من آيات قرآنية ودعوات. ذكر الغندور مشاركته في محمد محمود في تشرين ثاني/نوفمبر 2011، وفي حزيران/يونيو 2012 ذكر مقاطعته الانتخابات الرئاسية بين شفيق ومرسي، وبعد عدة اشهر من نفس العام شارك في فيديو دعوي لدعوة الشباب للتوقف عن “السبّ”.

بدا التناقض واضحاً في حياة الغندور عبر ما كان يكتبه في العام 2013 أي قبل سفره للمرة الأولى  إلى سوريا. ظل يكتب عن الفتيات ويدعو أصدقاءه للصلاة وطاعة الله ولكنه استخدم السباب في أكثر من مرة. أعلن مشاركته في أحداث المنصة ضد الاخوان المسلمين في تموز/يوليو 2013 متفاخرا، وسخر من حديث الناس المتكرر عن أحداث فض رابعة في آب/اغسطس من نفس العام.

سخر من السيسي ومن الأخوان ومن الثوار وأعلن دعمه للبرادعي كما أعلن مشاركته في أحداث 30 حزيران/يونيو ضد الاخوان. كان الغندور يشكو في ذلك الوقت من قلة العمل والحياة. ما ذكرته الجرائد أن الغندور قد سافر في نهاية العام، في تشرين ثاني/فبراير 2014. أعلن أمنيته بـ “اشتعال الجهاد” في “أرض الكنانة” ثم أعلن مبايعته لأبي بكر البغدادي وتبرؤه من الجاهلية ومن أصدقاء السوء واختفى تماما حتى أيار/مايو من نفس العام.

اعتقل في حزيران/يونيو 2014 بعد عودته إلى مصر بتهمة الانتماء للاخوان المسلمين، الأمر الذي سخر منه لاحقاً، ثم أخلي سبيله في أيلول/سبتمبر من نفس العام. بعد خروجه يمتلؤ حسابه بدعوات للجهاد والتمجيد له وللشهادة التي هي طريق للجنة والتوبة، ثم ينشر صورة له في روما في كانون أول/ديسمبر 2014 والتي ينتقل منها إلى الأنبار في غربي العراق بجوار صديقه “يكن”.

يقول شريف، صديق الغندور ويكن، أن الغندور تعمق في الدين تزامنا مع يكن. بعد إخلاء سبيل الغندور حاول شريف مقابلته لكن الأول تخوّف من الامر، وشريف يقول إن الغندور حاول السفر إلى ليبيا بعد حادث ذبح المصريين هناك في شباط/فبراير الماضي ولكنه لم يستطع. يلتمس شريف العذر للغندور تحت دعوى أنه لم يكن يعرف شيئاً عن الدين ولأنهم ضعيف الشخصية  كانت العين عليه لاستدراجه للدولة الاسلامية.

أبو الوليد: الكاميرا لم تعد كافية

قويس، أو ابو الوليد المصري، عمره 31 سنة وكان يعمل مصورا صحفيا، قبل أن يقرر السفر للجهاد في سوريا تحت لواء تنظيم جبهة النصرة الاسلامي. يحكي لنا صديقه وزميله المصور الصحفي “محمود”  قائلاً: “لا أستطيع قياس التحول لكن كل ما أستطيع قوله إننا وصلنا لحالة من السوء التي تجعل بعض الأشخاص يقررون حمل السلاح والنفير للجهاد. الأخوة الذين ذهبوا الى سوريا في وقت ما ربما كانوا قد ذهبوا إلى سيناء لو كان التنظيم قد ظهر في سيناء، لمحاربة الفكرة السيئة أو الخاطئة بالنسبة لهم”.

يشرح محمود أن ابا الوليد رأى أن الفكرة السيئة أو الخاطئة واضحة في سوريا، فالنظام السوري نظام على المستوى الإسلامي كأفراد كفرة، “فالعلويون وفقا لوجهة نظر علماء السنة كفرة، لا يربطهم بالسنة اي رابط فهم يحاربون النصيرية”. ويتابع: “هذا كلام الدين وقد يقرأه أي شخص عبر الانترنت وكتب الدين، فهي فئة كافرة باغية على فئة مسلمة ضعيفة مغلوب على أمرها وليس لديهم قدرة على حمل السلاح”.

نقطة التحول الرئيسية في حياة أبي الوليد كانت في 6 تشرين أول/اكتوبر 2013 حين كانت هناك اشتباكات عنيفة عند كوبري الدقي. الشرطة ضربت مسيرة ضخمة مؤيدة لمرسي وأصيب أبو الوليد إصابة كبيرة اثناء تأدية عمله كمصور. قبل ذلك بفترة كان يقول لصديقه إنه يريد ترك المهنة لأنه لا يستطيع التعبير عن رأيه، وأنه مضطر لنقل آراء اشخاص وتصويرهم وهم غير صادقين فيما يقولونه.

يستطرد محمود “ذهبت إليه وحاولنا نقله إلى أكثر من مستشفى حتى وجدنا له واحدة. إصابته كانت بالغة وكانت تحتاج إلى شرائح ومسامير. فقد أصابته قنبلة غاز من مسافة قريبة فتسببت في كسرٍ مضاعفٍ في ساقه”.

المصور يرى كل ما يحدث خاصة في الاشتباكات وكل ما في يده أن يصور. يقول محمود “نحن بشر ولدينا أحاسيس فحين نرى الاستقواء بالسلاح من طرف على طرف آخر أضعف يعبر عن رأيه حتى لو اختلفت معه في هذا الرأي، فعلينا نصرة الضعيف”.

أجرى  أبو الوليد الجراحة وكان عليه التزام منزله ستة أشهر بدون عمل وبدون خروج. ظلّ صديقه على تواصل معه أربعة اشهر لأنه كان المسؤول عن إيصال مرتبه له. بدأ في كتابة ونشر أشياء مختلفة على شبكة التواصل الاجتماعي.

يقول محمود “نحن كانت لدينا حياة طبيعية وكنا وسطيين ولكننا متدينين تديناً فطرياً. لم يكن لدى أبا الوليد زوجة وأطفال وكان يعيش مع والده وأخوته”.

شارك أبا الوليد في الثورة بشكل شخصي في مدينته الاسكندرية، وبدأ التصوير في ذلك الوقت قبل احترافه، وقبل ذلك عمل أعمالاً كثيرة مثل مدرب “سنوركلينج” في سيناء، وتطوع في جمعيات أهلية لتعليم الاطفال، كما تطوع لمساعدة المنكوبين من السيول في مطروح. تناقش الصديقان في أن هناك أخوة أحق للجهاد في سوريا، وقبل ذلك فإن الجهاد فرض عين وليس فرض كفاية، وأن هذا ما تعلماه من دراستيهما.

فوجئ محمود بصديقه دارسا لكل الجهات المتحاربة هناك مثل الجيش الحر وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الاسلامية. في ذلك الوقت الأحداث في مصر لم تكن واضحة، وكان يرى أن سلاحه عليه أن يصيب شخصاً هو متأكدٌ من أنه كافر وليس مسلماً ملزماً على الوقوف في الجبهة الأخرى. لذا كان النظام السوري هو النظام الكافر.

يقول محمود “التأصيل الجهادي قرأه جيدا، وجبهة النصرة أكثر لينا فهم امتداد للقاعدة، ومشايخ جبهة النصرة ينتمون للقاعدة، والقاعدة يتبعون أحاديثا نبوية تمنع حرق الناس وتحرم قتل الاطفال والشيوخ ولكن داعش لديها تأصيل مختلف فهو بالنسبة لهم قصاص، فمن حرق يحرق ومن ذبح يذبح”.

لا أحد يذهب وحده، يجب ان تكون هناك ترشيحات ومقابلات وتنسيق معين. في أغلب الأمر أن هناك شخص ما قرر الدردشة معه ورأي كيف يفكر ثم قرر مصارحته إن كان لديه الاستعداد للجهاد فزكاه، وهذا ما يحدث غالبا، يوضح محمود.

قرر أبا الوليد السفر إلى تركيا في الأغلب عبر تأشيرة سياحية. هناك طرق أخرى عبر الأردن ولبنان، خاصة الأردن، لأنها لا تحتاج الى تأشيرة، ولكن الدخول عبر الاردن سيضطره للعبور من مناطق الأسد. لبنان مداخلها أكثر بسبب اتساع الحدود مع سوريا، ولكن تبقى تركيا أسهلهم وأفضلهم.  

كل ما قاله لصديقه إنه قرر العمل في تركيا، وأرسل له أنه استقر في منطقة جبلية بها مسلمين وأنه يعمل في تدريس المسلمين اللغة العربية. القصة بدت منطقية لمحمود، وفي 11 رمضان قبل الماضي أستقبل محمود هاتفا من صديق يسأله عن أبي الوليد، وقال إنه سمع خبر “مش لطيف” وأخبره بوفاته.

يقول محمود إنه بقى هناك حوالي شهر ونصف قبل وفاته، ولقد أرسل رسالة لمن نشر خبر وفاته فأخبره أن أبا الوليد كان موجودا في سوريا منذ فترة وكان يرغب في أن يكون في الصفوف الامامية. “في إحدى الهجمات على الجيش النظامي تقدم هو وتقهقر الباقون فتكاثر العدو عليه وقتل في هجمة مرتدة”.

بعد وفاته تعرضت أسرته لمضايقات أمنية كثيرة. يقول محمود  “ترك وصية لي ولصديق آخر وليس لأسرته وكان أمراً صعباً جداً بالنسبة لي. صدمت عندما علمت بالخبر. كنت متوقعا ولكني لم أصدق. لا أعلم كيف اتخذ هذا القرار بهذه السهولة، فهو لم يكن عنيفاً وكان يبحث دائماً عن عمل الخير مع أي شخص حتى لو لم يعرفه. لكن في لحظات ما نتخذ قرارات لا يكون هناك بديل عنها”.

“فقدان الامل يساهم أيضا، فان كنت أعلم أنني ساعتقل دون سبب وقد اقتل في السجن أو أسجن دون محاكمة عادلة سأفكر في قتل الناس الذين سيقتلوني، أو اقتل بسلاحي بكرامة. كل الاحداث التي صورنا فيها مثل فض رابعة وما سبقها ورأينا الظلم والقهر والقتل دفعته لما فعل”.  

يختتم محمود حديثه قائلا ما “أسهل استقطاب المعتقلين ظلما الذين عانوا داخل السجون، خاصة الصحفيين والمصورين الذين كانوا يؤدون عملهم، والأطفال الذين يعتقلون. كل ذلك تفريخ لارهابيين محتملين، سيحملون السلاح في وجه الدولة وحتى وان كانت فكرة فاشلة ويائسة ولكنها ستحدث لا محالة ودون الحاجة لوصول داعش هنا”.

حسين: فرض العين في بلاد المسلمين

“التحول الذي يحدث لأي شخص ليجاهد في سبيل الله في دولة العراق أو الشام أو اليمن أو الشيشان يكون عندما يعلم بأمور دينه. التعليم الذي نتعلمه في بلادنا يقول إن الجهاد فرض كفاية، لكنه فرض عين وأي شخص يبحث في أمور دينه سيعلم أن الجهاد فرض عين”. هذا ما قاله حسين (23 سنة)، وهو واحد من شباب الثورة الذين شاركوا في كل أحداثها وأصيب أكثر من مرة في اشتباكات عنيفة بين شباب الثورة وقوات الشرطة والجيش حسب قوله.

حسين أيضا هو صديق لعبد الرحمن سيد (20 سنة) والذي أعدم هو وخمس آخرين أيار/مايو الماضي في القضية التي عرفت إعلاميا بقضية عرب شركس لاتهامهم بالانضمام إلى تنظيم “أنصار بيت المقدس” المصنف إرهابياً، رغم إلقاء القبض على كثير منهم ومن ضمنهم عبد الرحمن قبل وقوع الحادث.

يقول حسين إن ما فعلته الدولة الاسلامية منذ ظهورها في 2013 على الساحة العربية وما قاله مشايخ الجهاد السابقين مثل الشيخ أبي مصعب السوري، والذي يعتبره الاسلاميون واحداً من فلاسفة الجهاد، وغيره من الذين أسسوا للجهاد ولكن أعمالهم لم تكن معروفة، خاصة لأن الانترنت لم يكن منتشرا بالقدر الكافي، أن الجهاد هو فرض عين وهذا بعكس مشايخ السلطان ومشايخ الأزهر الذين يزرعون في رأس الشباب عكس ذلك.

تربي حسين وعبد الرحمن تربية إسلامية، ومن صغره وعبد الرحمن يرغب في الجهاد. في 2012 تلقى عبد الرحمن تدريباً طبياً للإسعافات الأولية للمصابين بعد الثورة على يد نقابة الأطباء المصرية، وسافر معهم إلى سوريا كمسعف ومكث هناك حوالي الشهر ونصف في أواخر 2012 وبداية 2013 لعلاج المصابين. وتلقى حسين تدريباً مماثلاً وسافر مع قافلة طبية إلى ليبيا ولكنه لم يستطع المواصلة وكان ذلك في آذار/مارس 2011.

الفيديو الذي انتشر لعبد الرحمن بعد وفاته وهو يغني أناشيداً إسلامية وسط مجموعة من الشباب  في سوريا يرتدون زيا يشابه زي الجهاديين كان في 2012.  يوضح حسين أن ذلك كان قبل ظهور “الدولة الإسلامية” فعبد الرحمن كانت لديه إصابة في القلب لا تمكنه من الجهاد.

اعتقل عبد الرحمن في آذار/مارس 2014 من شركة سياحة في حي السادس من اكتوبر حيث كان يحاول هو واثنين آخرين، أعدموا في نفس القضية، استخراج تأشيرة لتركيا.

يقول حسين أنه تعرض للتعذيب الشديد وأجبروهم على الإمضاء على اعترافات بتهم لم يرتكبوها. في رأي حسين عبد الرحمن اعتقل عشوائيا “لسد الخانة”. حسين اعتقل هو الآخر من منزله ونقل إلى سجن العقرب 48 يوما خلال 2014 بتهم يقول إنها “ملفقة” ويرى أن السبب لاعتقاله هو مشاركته في الثورة.

حسين يتفهّم مسألة الانضمام لما يسمى الدولة الاسلامية، فبالإضافة الى العامل الديني وهو المحرك الاساسي لديه، يقول إن الشباب استنزف جميع الطرق لأخذ الحقوق. “سجن العقرب كافي لدفعك لحمل السلاح، زنزانة التأديب 10 في 6 شبر والزنزانة العادية 17 في 14 شبر وقد يكون فيها 3 اشخاص. التصفيات والاعتقالات والإخفاء القسري كلها دوافع. النظام العالمي يدعم قتل المسلمين ومنظمات حقوق الانسان لا تفعل سوى الشجب والادانة”.

يرى حسين أن دولة الخلافة التي تدعو لها “الدولة الاسلامية” في كل الأماكن “قد طبقت شرع الله”، ويدعي أنهم في الموصل والرقة عاملوا النصارى بما يوافق شرع الله، “فهم يدفعون جزية أقل ولديهم الحق في ممارسة شعائرهم”. ويستطرد أنه “حتى قبل ظهور “دولة الخلافة” كان غباء النظام هو الذي يدفع الشباب لحمل السلاح خاصة المجازر التي شهدها التيار الاسلامي مثل فض رابعة وغيرها”.

هو يرى أن “حمل سلاح امر صعب ولكن الدين يحلل ذلك بعدم السماح لنظام كافر بسلب أموال وأعراض المسلمين والدين يفرض على المسلمين دفع الصائل عن أموال وأعراض المسلمات والمسلمين وإعادة حقوقهم، ولن يفرق هنا دولة من اخرى”. ويتابع أن “كل اراضي المسلمين بلادنا وتقسيم الدول مفروض علينا عبر النظام الكافر.. وكل الأراضي المسلمة يجب تطبيق شرع الله فيها”.

لدى حسين إصابات كثيرة من أحداث الثورة وهي التي قد تمنعه من الجهاد في سبيل الله. لولا ذلك لربما كان مصيره هو الآخر مختلفاً.