“كيف سيسامح الله من جعل 2500 أسرة – على الأقل – تقضي أسوأ شهر رمضان في حياتها ؟” هكذا يتساءل ” ثابت صبحي” المشرف على ورديات العمال بمصانع شركة “مصر إيران” للغزل والنسيج بالسويس ، مشيراً إلى القرار الذي اتخذه مجلس إدارة الشركة بإعطاء العاملين أجازة إجبارية بدءاً من الثاني والعشرين من يونيو 2015 ، مسببة ذلك القرار بقيام هيئة التأمينات الإجتماعية بالحجز على أموال الشركة بالبنوك ، إلى جانب عدم توفر مستلزمات التشغيل ، ليتحول الشهر الكريم وما يتبعه من عيد إلى مآساة جديدة تضاف لسجل عمال الشركة التي دخلت طور الاحتضار.

“كيف سيسامح الله من جعل 2500 أسرة – على الأقل – تقضي أسوأ شهر رمضان في حياتها ؟” هكذا يتساءل ” ثابت صبحي” المشرف على ورديات العمال بمصانع شركة “مصر إيران” للغزل والنسيج بالسويس ، مشيراً إلى القرار الذي اتخذه مجلس إدارة الشركة بإعطاء العاملين أجازة إجبارية بدءاً من الثاني والعشرين من يونيو 2015 ، مسببة ذلك القرار بقيام هيئة التأمينات الإجتماعية بالحجز على أموال الشركة بالبنوك ، إلى جانب عدم توفر مستلزمات التشغيل ، ليتحول الشهر الكريم وما يتبعه من عيد إلى مآساة جديدة تضاف لسجل عمال الشركة التي دخلت طور الاحتضار.

البداية شراكة

في الخامس والعشرين من مايو 1974 تأسست شركة (ميراتكس- مصر إيران للغزل والنسيج)  بشراكة مصرية 51% – إيرانية 49% بهدف توفير الاستثمارات اللازمة للاقتصاد المصري في مجال تصنيع وتصدير محصول القطن، وقد أقيم المشروع بموجب قرار وزير الاقتصاد والتعاون الاقتصادي رقم 206 لسنة 1975 ، كان هذا المشروع وقتها واحد من أكبر المشروعات التي تم تأسيسها في ظل سياسة “الانفتاح الاقتصادي ” التي بدأ الرئيس الأسبق أنور السادات في تطبيقها في العام ذاته،  وقد تم اختيار مدينة السويس مكاناً لإقامة هذا المشروع الكبير لتحقيق أهداف الدولة- وقتها – وهي تعمير وتنمية منطقة القناة اقتصادياً واجتماعياً بعد تدميرها شبه الكامل عبر أكثر من ستة سنوات من الحرب (1967-1973).

أيام عبد الحكيم

في الحادي والثلاثين من مايو 2002 توفي رئيس مجلس إدارة شركة “ميراتكس” مصر إيران للغزل والنسيج وقتها، المحاسب عبد الحكيم حجاج تاركاً الشركة في أوج قمة نشاطها ونجاحها، تصدر إنتاجها لواحد وعشرين دولة على مستوى العالم، منها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والبرازيل، تحصل على كأس الإنتاج والتصدير لعدة أعوام، تساهم بنصيب كبير في العمل العام والتنمية المجتمعية لمحافظة السويس، تقوم على سبيل المثال بأنشطة خيرية كثيرة مثل: دفع مصاريف الدراسة للمتعثرين، تقديم الملابس الجديدة للفقراء في الأعياد، إفطار الصائمين في رمضان، بناء وفرش المساجد. أو أنشطة تنموية مثل: تخطيط وتجميل الميادين، رصف وتشجير الطرق، كما كانت شركة “مصر إيران” هي الملجأ الأول لتسليف الشركات الأخرى احتياجاتها من العملة الصعبة ، كما كان رأس مال الشركة – بخلاف الأصول- في أعلى معدلاته ، وبلغت ودائع الشركة في البنوك مايزيد على مائتي مليون جنيه .

الانهيار التدريجي

يكمل لنا صبحي تاريخاً مختصراً لانهيار الشركة، ببدء استهلاك مجلس الإدارة الجديد لموارد الشركة، دون سياسات واضحة، ففي الأربع سنوات التالية لتوليهم الإدارة تم الإجهاز على محتوى المخازن من الأقطان، بالإضافة إلى ما تبلغ قيمته مائة وثمانين مليون جنيه من المنتج النهائي المُعد للبيع، أضف إلى ذلك فك ودائع الشركة في البنوك وانفاقها، تلا ذلك بيع مصيف الشركة المخصص لعمالها بثمن بخس مقارنة بقيمته وهو سبعين مليون جنيه، ثم بيع مكتب ألمانيا، ثم مكتب الإسكندرية، وشاليهات مارينا بالساحل الشمالي، والمعمورة بالاسكندرية، وانهار بالتدريج النظام الصحي والطبي والعلاجي لعمال الشركة، حتى أصبحت معظم الصيدليات لا تصرف الدواء لهم، حتى وصل الأمر أنه عند وفاة الأستاذ عبدالله عبد العظيم المدير المساعد بإدارة الأوزان في أحد مصانع الشركة بهبوط حاد في الدورة الدموية منذ عام، وجد في جيب قميصه روشتتين صرف علاج لم تكن لديه المقدرة المالية على صرفهم، كما لم يوجد بكل جيوبه جنيهاً واحداً .

ما وصل إليه الحال

منذ أكثر من أربع سنوات لم يتوقف تشريد العمال بالمعاش المبكر وغيره من الوسائل، كما لم يتوقف أيضاً نضالهم والذي يتم تسكينه في كل مرة بجزء من المستحقات وحفنة من الوعود التي لا تتحقق ، يخبرنا “ثابت صبحي” أن مجلس الإدارة حاول إنهاء الشركة وبيعها عدة مرات، إلا أن الجانب الإيراني كان يعرض شراء الأسهم فيرفضوا، فيلجأ لضخ بعض المساعدات ( 100 مليون جنيه عام 2012) كمحاولة لرفع رأس مال الشركة، والتي حاول بعض أعضاء مجلس الإدارة شراؤها بعض العرض الإيراني بعام ، لكن الإيرانيين أفسدوا الصفقة وأصروا على بقاء شركة” مصر إيران” .

يرى العمال أن القشة التي قسمت ظهر البعير تمثلت في محاولة مجلس الإدارة بيع أرض المدينة السكنية المخصصة لهم، فغضبوا وثاروا وأضربوا واعتصموا  بعد أن تم تجريدهم من كل شيء، والآن في سبيلهم للحياة في الشارع، فالبيع لم يتوقف منذ قام مجلس أدارة الشركة بتغيير مسمى نشاطها من شركة للغزل والنسيج لشركة للغزل والنسيج والاستثمار العقاري.

مطالب ليست فئوية

بالرغم من الفساد المثبت والمستمر، إلا أن عمال “مصر إيران” قد يأسوا من مطالبتهم بحل مجلس الإدارة، حيث جاءت نتيجة هذه المحاولات بقيام رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب بتعيين رئيس مجلس إدارة الشركة الحالي، المهندس محسن الجيلاني، عضواً بلجنة تحديث الصناعة، الرجل الذي كان رئيساً للشركة القابضة للغزل والنسيج، والذي يبلغ الثمانين عاما، وانهار في عهده ما يزيد عن ثلاثين شركة غزل ونسيج قطاع عام، بينما يبلغ أصغر أعضاء المجلس سناً، المهندس سامي أبو شادي، سبعة وستين عاماً، لم يعد يعني العمال كل هذا، هم في وضع مآساوي منذ أكثر من أربعة شهور من تأجيل وتأخير وعد صرف المستحقات ، بلغ  ذروته مع بداية شهر رمضان ،وتوقف العمل بالمصانع مع إعطائهم أجازة إجبارية،  مطلبهم الوحيد هو عودة مصانع الشركة للعمل ، حتى لا يموتوا من الجوع هم وأولادهم ، صاروا على الحافة، ولم يعد لديهم شيئاً يخسرونه. ومن ناحيته أكد المهندس محمد مرسي سكرتير عام محافظة السويس ل”مراسلون” تمسك المحافظة بحقوق العمال المشروعة ، كما أكد أيضاً على تمسك المحافظة بأصول الشركة من أجل العاملين فيها وأسرهم ، وأن المحافظة عبر ذراعها القانوني قد تحركت عدة مرات لحفظ أصول شركة مصر إيران من البيع والتبديد والتفريط ، مؤكداً أن اللواء العربي السروي محافظ السويس لا يألو جهداً في سبيل الحفاظ على حقوق العمال ، كما يتابع معاناتهم بشكل يومي ، كما قد قام برفع مطالبهم وشكواهم من مجلس الإدارة لرئيس الوزراء شخصياً ، والذي وعد بحل المسألة في أقرب وقت ممكن.