لم تترك عفاف السعيداني صاحبة الأستاذية في العلوم المصرفية باب هيئة حكوميّة في القيروان (وسط) إلا وطرقته بحثا عن شغل، لكن محاولاتها اليومية وهي تجوب الشوارع حاملة ملفا ثقيلا من الوثائق لتعرضه على المسؤولين لم تجد نفعا، بل أوصلتها إلى خلف القضبان. فتحولت عفاف بعد طول انتظار من معطّلة عن العمل إلى متهمة بتعطيل سير العمل في دوائر الدولة!

فقدت أعصابي

لم تترك عفاف السعيداني صاحبة الأستاذية في العلوم المصرفية باب هيئة حكوميّة في القيروان (وسط) إلا وطرقته بحثا عن شغل، لكن محاولاتها اليومية وهي تجوب الشوارع حاملة ملفا ثقيلا من الوثائق لتعرضه على المسؤولين لم تجد نفعا، بل أوصلتها إلى خلف القضبان. فتحولت عفاف بعد طول انتظار من معطّلة عن العمل إلى متهمة بتعطيل سير العمل في دوائر الدولة!

فقدت أعصابي

اشتعل الشيب في رأس عفاف التي شارفت على العقد الخامس بسبب الهموم التي تحملها وزاد ألمها تأخر حلمها بتكوين أسرة تضمن لها حلم الأمومة وبقائها مرتهنة لأسرتها الفقيرة التي تنفق عليها في انتظار حصولها على وظيفة مستقرة.

ولكونها معطلة عن العمل منذ سنوات طويلة خاضت عفاف الكثير من الاعتصامات بداية من عام 2013 رفقة عدد من المعطلين عن العمل. ودام اعتصامها عام ونصف تعاقبت خلاله ثلاث حكومات وثلاث محافظين بالقيروان.

بالتوازي مع تلك الاعتصامات أرسلت عفاف طلبات لجميع الوزارات وشاركت في عدة مناظرات لكن لم يسعفها الحظ بالنجاح حتى تجاوز عمرها السن القانونية للسماح لها بإجراء المناظرات الحكومية للدخول للوظيفة العمومية.

“بسبب عدم تحقيق الوعود التي تلقيتها من مسؤولين فقدت أعصابي وكلت تهمة التقصير واللامسوؤلية لمعتمد منطقة العلا بالقيروان لكن ردّ الأخير كان قاسيا حيث وجه لي تهمة عرقلة سير العمل بالمعتمدية” تقول هذه السيدة.

سياسة المحسوبية

لم تكن تعلم عفاف أنّ الاعتصام الذي خاضته أمام مقر معتمدية العلا طلبا في الحصول على وظيفة سيزيد من معاناتها فقد تمّ اعتقالها من قبل الشرطة في الاول من سبتمبر/أيلول 2014 قبل أن يفرج عنها بعد يومين تحت ضغط المحامين والمحتجين. كانت التهمة “تعطيل مرفق عام”.

وقد صرّح معتمد العلا حينها أن عفاف “قررت الاعتصام داخل مكتبه وقد طلب منها الخروج لتفادي تعطيل سير العمل لكنها تمسكت بالاعتصام داخل المكتب”.

المحامية عايدة القيزاني وعضو فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان كان قد نصحت عفاف بعدم الاعتصام داخل مكتب المعتمد وحذرتها من عدم وجود قانون يحميها ويسمح للمحامي بالدفاع عنها. وقال المحامية “لا يجوز قانونا تعطيل سير العمل”.

وبعد إطلاق سراحها لاحقتها قضية أمام المحكمة رفعها ضدها معتمد منطقة العلا وقد غرمها القضاء بخطية مالية قدرها 50 دولارا، لكن عفاف التي شعرت بالظلم رفضت الحكم وطعنت فيه لتخوض معركة جديدة مرهقة في حياتها تتواصل حتى الآن باعتبار أن القضايا تأخذ حيزا طويلا من الزمن.

وترى عفاف أنها نموذج من آلاف المعطلين عن العمل الذين هضمت الدولة حقهم في التوظيف، متهمة بعض المسؤولين بممارسة سياسة المحسوبية في منح فرص الشغل لأشخاص لهم روابط عائلية تجمعهم أو لمعارفهم وأصحابهم.

وتقول لمراسلون “يؤلمني جدا أن أرى من هم أصغر مني سنا وقدما في تجربة البطالة المرة يقع انتدابهم بأشكال مشبوهة بينما تتقلص فرصي وتضيع آمالي”.

كما عبرت عن استيائها من غياب مشاريع التنمية والاستثمارات في منطقتها على الرغم من تعاقب ستة حكومات منذ 2011 على حكم البلاد.

متّهم آخر

حسان الطالبي، وهو شاب معطل عن العمل من جهة أخرى بمحافظة القيروان تجاوز عقده الثالث، يتقاسم مع عفاف هذا الشعور بالغبن. فهو ينتظر بدوره الحصول على وظيفة تنتشله من وضعه المتردي.

وكان حسان شارك سابقا مع عفاف في اعتصامات للمعطلين عن العمل، وبدل الاستماع لمطالبه انتهى به الأمر معتقلا من الشرطة للتحقيق معه بتهمة تعطيل العمل في مؤسسة عمومية بناء على شكاية معتمد منطقة بوحجلة بالقيروان.

تخرج هذا الشاب سنة 2010 اختصاص لغة عربية وقد فضّل خوض النشاط الجمعياتي في إحدى منظمات المعطلين عن العمل لإيصال صوت المعطلين، لكنه لم ينل لحد اليوم فرصته في التوظيف وبقي مع ذلك يناضل لتحقيق مطلبه.

وبحسب المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) تقدر النسبة العامة للبطالة في تونس بـ15 بالمائة. وفي محافظة القيروان تعتبر نسبة البطالة أعلى من النسبة الوطنية بـ25 بالمائة.

ويقول المدير الجهوي للتشغيل بالقيروان إن عدد الشبان المسجلين بمكتب التشغيل من أصحاب الشهائد العليا العاطلين عن العمل يبلغ 5400 شاب، مبينا أنه يتم احتساب الشبان المواظبين على تحيين مطلب الشغل بالمكتب فحسب فيما لا يتم احتساب أولئك الذين لا يواظبون على تحيين حالاتهم.

ورغم وضعه المتردي أقدم حسان مؤخرا على الزواج من شابة معطلة مثله لتزداد ظروفه الاجتماعية صعوبة ما أجبره على البحث عن شغل في القطاع الخاص بعيدا عن اختصاصه ومقابل أجر ضعيف.

الزواج بالنسبة إليه “مرحلة جديدة” في الحياة قد تفتح باب الاستقرار لكن المسألة تعقدت أكثر بسبب كثرة النفقات من إيجار وتنقل وشغله ذلك عن المشاركة في الاعتصامات.

يتهم حسان الدولة بعدم مراعاة ظروف الشباب المعطل عن العمل، معتبرا أن التحاق جزء منهم بالتنظيمات المتطرفة سببه حالة اليأس والغبن الذي يعيشونه في مناطقهم المحرومة والمهمشة.

ويقول لمراسلون “وضعية الشباب مزرية لأنهم لا يتمتعون بتغطية صحية أو اجتماعية وحتى بطاقة الهوية يحملون فيها صفة عامل يومي رغم أن جزءا منهم متخرج من الجامعات بعد سنوات طويلة من التعليم. كل هذا يولد لديهم الشعور بالنقمة”.

وتعقيبا على ذلك يقول محافظ القيروان لمراسلون إن السلطات تقوم بكل ما في وسعها لامتصاص البطالة بالجهة، مضيفا أنه تعهد بأن يتم تمكين شباب القيروان من فرص تشغيل عالية ضمن المناظرات الخاصة بانتداب أعوان للعمل في الإدارات.

ونفى هذا المسؤول وجود محسوبية في الانتداب بالوظيفة العمومية، مشيرا إلى كونه لا يتحمل أخطاء سابقة لتحمله حاليا المسؤولية. أما بخصوص التتبع العدلي ضد بعض المعطلين فاعتبره المحافظ شأنا قضائيا مستقلا لا دخل للسلطة فيه.

أما بخصوص القضايا التي تلاحق بعض المعطلين عن العمل كحالتي عفاف وأيمن، فاعتبره المحافظ “شأنا قضائيا مستقلا لا دخل للسلطات التفيذية فيه”.