في يوم 21 من شهر نيسان/أبريل الماضي، قام تنظيم “جماعة أنصار بيت المقدس” بخطف ربة منزل من مسكنها بمنطقة رفح شرق العريش، ثم أعدموها رمياً بالرصاص بسبب تعاونها مع القوات المسلحة على حد قولهم. ومنذ تلك الحادثة والنساء السيناويات يشعرن بالفزع والرعب، مما جعلهن يلتزمن منازلهن.

خوف مستمر

كانت تجلس مخفية ملامحها أسفل ثيابها البدوية السوداء. ولا يظهر منها سوى عيناها المحدقتين ذاتي اللون البني المكحلتين بالكحل الأسود العربي. شابة لا يتعدى عمرها الثلاثين، تبيع نتاج ما تربيه من أغنام وماشية ودواجن أمام منزلها الصغير المكون من طابق واحد ومجاورة له حظيرة. زبائنها هم جيرانها من سكان قرى رفح المجاورة للشيخ زويد شرق مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء، يشترون منها البيض والحليب والجبن الذي تصنعه بنفسها.

أم فارس، هكذا رغبت في أن نسميها، متزوجة من رجل ينتمي لقبيلة “الترابين” ويعمل مزارع. تزوجت عندما بلغت من العمر 15 عاما طبقا لعادات وتقاليد القبيلة التي تحتم عليها الزواج من ابن العم، ولديها 4 أولاد.

تقول أم فارس إن المرأة السيناوية تواجه العديد من المشكلات منذ قديم الأزل ولكن الأمر ازداد سوءا بعد اقتحام “تنظيم أنصار بيت المقدس” منزل جارتنا السيدة مها إبراهيم وقتلها لتعاونها مع الجيش. “مقتلها جعلنا نرتعد خوفا من الخروج بعيدا عن منازلنا. كنت أقوم ببيع البيض والحليب والجبن بالسوق أما اليوم فأنا أبيع بضاعتي أمام منزلي خوفا من الضرب المستمر بين الجيش والإرهابيين”.

وتضيف أم فارس أن الخوف أصبح يسكن شمال سيناء بأكملها وبالأخص منطقتي الشيخ زويد ورفح مردفةً “تحولت حياتنا إلي جحيم حيث أننا نرى الموت بأعيننا في كل وقت”.

اغتيال بدوية

“أول مرة في سيناء تعدم سيدة بدوية بهذا الشكل البشع. نزل الخبرعلى رؤوسنا كالصاعقة. خبر اقتحام منزل مها إبراهيم، ٣٢ عاماً، من قبل تنظيم أنصار بيت المقدس، و توثيق زوجها بالحبال أمام أطفالهما ثم اختطفاها بدعوى تعاونها مع الجيش ونقل تحركاتهم ووشايتها عن بعض من من يتعاملون معهم، بل زلزلت الحادثة حياتنا”، هكذا شرحت علياء إسماعيل، التي تعمل مدرسة بأحدى مدارس الجورة بالشيخ زويد ومقيمة بالقرب من منزل القتيلة، الوضع.

تضيف علياء أنه في صباح اليوم التالي عثر أهالي القرية على جثمان السيدة ملقاة أمام باب منزلها، يخترقه طلق ناري في الرأس. ومنذ لحظتها تخاف النساء الاقتراب من عسكري خشية الإبلاغ عنها للجماعات الإرهابية.

و تقول علياء إنها كانت تعتاد الخروج في السابعة صباحا من أجل عملها بالتدريس ولكن المدرسة منذ وقوع الحادثة شبه خاوية بسبب خوف ذوي التلاميذ من إرسالهم المدرسة، مؤكدةً أن المدرسين عانوا الأمرين من أجل النهوض بالحركة التعليمية في تلك المناطق المحرومة من كافة الخدمات “ولكن للأسف الوضع الراهن جعلنا نعود إلي نقطة الصفر فلا نجد من يريد التعلم بسبب الخوف من الإرهاب”.

تلك الحادثة جعلت المواطنين يمتنعون عن ذهاب أولادهم للمدارس خوفا عليهم من المواجهات المستمرة بين الجيش والعناصر الإرهابية والتفجيرات المتلاحقة في المنطقتين اللتين أصبحتا عبارة عن منطقة حرب مستمرة يضيع وسطها الأهالي بحسب تعبير علياء.

تحدي القبائل

حمد سعد، أحد النشطاء السياسيين بمحافظة شمال سيناء وينتمي لقبيلة السواركه، يؤكد أن قيام تنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابي بخطف سيدة سيناوية وقتلها “لكونها كانت تساعد جيش بلادها وترشد عن هؤلاء الإرهابيين” يعتبر تحدي للعادات والتقاليد القبلية في سيناء حيث أن المرأة البدوية تعتبر من النساء اللذين لا يمكن الاقتراب منهن بأي شكل من الإشكال بل يعتبرن “خطاً أحمر وسلك شائك” بالنسبة للقبائل العربية على حد وصفه.

ويشير سعد إلى أن تلك الجرأة الغريبة الذي قام بها التنظيم تدل على العداوة كبيرة الناشبة بينه وبين القبائل، خاصة بعد إتحاد قبائل سيناء ضد التنظيم، مؤكدا أنهم أرادوا أن يوصلوا رسالة للقبائل بأن قرار اتحادهم لن يمر مرور الكرام.

تخزين السلع

منى زغلول، إحدى الناشطات السياسيات بشمال سيناء وهى من أصل بدوي، تقول إن المرأة السيناوية تواجه الكثير من الصعوبات خاصة بعد تلك الحادثة. فهي لم تعد تتمكن من إتمام مهامهما المنزلية ومساعدتها لزوجها، مؤكده أنها كسيدة من سيناء كانت تقوم قبل تلك الحادثة صباحا بالذهاب لعملها وبعد ذلك تذهب للسوق لشراء مستلزماتها من خضار وسلع أساسية ولكن الأمر ألان أصبح أكثر صعوبة بسبب الضرب المستمر والحرب التي لا تنتهي.

وتوضح منى “أصبحنا نذهب لعملنا يوما وننقطع أسبوعا بسبب إغلاق مداخل ومخارج المناطق بشكل مستمر، فضلا عن إطلاق القذائف التي يتم تبادلها من طرف الجيش والإرهابيين لذلك لم نتمكن من قضاء احتياجاتنا، مما يدفعنا لتخزين كميات كبيرة من السلع لسد احتياجاتنا في الأوقات الصعبة”.

تفتيش على الطريق

“الأمر ليس سهلا أن تقابلي مجموعة مسلحة من جماعة أنصار بيت المقدس يقفون على الطريق ويرفعون علم “ولاية سيناء الأسود” ويقومون باستيقافك وتفتيشك، ولا تعلمين لحظتها ما هو مصيرك؟ هل ستعودين لمنزلك أم ستقتلين رميا بالرصاص؟” هكذا شرحت “أم فارس” أسباب خوفها من العودة للعمل في البيع بالسوق والخروج بعيدا عن المنزل.

وتؤكد “أم فارس” أنها فوجئت بهؤلاء في طريقها وهي ذاهبة لعملها صباحا بالسوق وهي تحمل الجبن والحليب والبيض، وقاموا بتفتيشها وطلبوا هويتها ثم تركوها عقب ذلك وهي ترتعد خوفا. وحينما عادت لمنزلها قررت عدم الخروج من المنزل مرة أخرى ومنع أولادها من الذهاب إلي مدارسهم خشية حدوث مكروه لهم.

العام القادم أفضل

من ناحيته يؤكد حسن حجازي، وكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة شمال سيناء أن التعليم تضرر من الوضع الراهن بمنطقتي رفح والشيخ زويد خاصة بعد تعرض خمس مدارس للأضرار منذ شباط/فبراير الماضي بسبب وقوعها على الشريط الحدودي بمدينة رفح، وكانت تلك المدارس تخدم المنطقة لكن سريعا تم نقل تلاميذ تلك المدارس إلى مناطق العريش لاستيعاب التلاميذ بشكل مؤقت إلى أن انتهى العام الدراسي الحال بسلام.

ويضيف حجازي أن مسألة حظر التجوال في الفترة الماضية لم تؤثر بشكل كبير علي الفصل الدراسي الثاني المنقضي لكن كل المشاكل كانت واقعة في دائرة الصراع بين الجيش والجماعات الإرهابية في مركزي الشيخ زويد ورفح، فالأمن كان يمنع أحيانا مرور الأتوبيسات الخاصة بالمدرسين بسبب الوضع، مما كان يعطل اليوم الدراسي.

ويوضح حجازي أن مديرية التربية والتعليم حاليا تعمل من أجل ترميم المدارس التي تم هدمها من قبل الجماعات الإرهابية والإعداد للعام الدراسي الجديد لعام 2016 بشكل جيد.

الموت بكل الطرق

لا تتوقف مشكلة المنطقة عند حدود غلق المدارس. فمن بين المشكلات بحسب “أم فارس” إغلاق المستوصف الطبي بالشيخ زويد بسبب امتناع الأطباء عن المجيء لعلاج الأهالي جراء الاشتباكات بين الجيش والتنظيم.

و تحكي “أم فارس” أنها ذاقت المر من المستشفيات عندما كانت ستلد طفلها الخامس في شهر شباط/فبراير الماضي. “كان تبادل النيران بالغ الخطورة يومها” وتتابع “لم يتمكن زوجي من استقدام ممرضة لتقوم بتوليدي فاضطررنا للذهاب للمستوصف ولكننا وجدناه مغلق لا يوجد به لا طبيب ولا ممرض” مؤكدة أن ذلك تزامن مع وقت حظر التجوال فلا يمكن الخروج من المركز بسبب غلق الطرق.

وبنبرة صوت حزينة ومتقطعة أكملت “أم فارس”، حديثها قائلة “أضطر زوجي بعد أن اشتد علي الألم إلى الاتصال بشرطة النجدة لتي أرسلت لنا عربة إسعاف، ولكن حينما وصلت مستشفى العريش العام كانت حالتي الصحية تدهورت، وعندما دخلت حجرة العمليات وضعت الطفل، لكنه كان توفي بسبب حدوث جفاف في المشيمة بسبب تأخر إسعافي”.

وختمت “أم فارس” حديثها قائلة: “سيناء بالفعل خارج التغطية فلا يوجد مسؤول واحد يطأ قدميه هنا ليسأل عما يحتاجه أطفالنا والكبار في السن”.